هل من الخطأ أن يعجبني رؤية الشرير يتألم [ 58 ]
“بحسب ما قاله ذلك الرجل، فإن خطيبك الشرعي… هو نفسه.”
قبض أركل يده المرتجفة بشدة، وعيناه تشعان ببرود قاتم.
“وعليه، فهذا الزواج باطل…”
ظللت أحدّق فيه بوجه مذهول، ثم مررت يدي على وجهي وأطلقت تنهيدة طويلة.
“هاه… وما هذا الآن؟”
كنت أظن أنني سأظفر بقليل من الراحة، فهل لا يُسمح لي حتى بإغماض عيني للحظة؟
وضعت يدي على جبيني وسألت أركل:
“إلى أي مدى انتشر هذا الخبر؟”
فضيحة كهذه قبيل عرض الفيلم أمر في غاية السوء…
ابتلعت ريقي بقلق، لكن لحسن الحظ كان جواب أركل باعثاً على بعض الارتياح.
“بحسب ما نقله مخبر كايين، لم يبلغ الخبر بعد سوى القصر الإمبراطوري. غير أنّ…”
غشى وجه أركل ظلّ ثقيل.
“إن اعترف القصر بادعائه، فلن يكون مجرد وقت قصير قبل أن ينتشر الأمر. بل إن حياتنا الزوجية أيضاً…”
“ستنتهي.”
“أجل.”
كان صوته منخفضاً وجاداً.
‘صحيح أنّ زواجنا عقدٌ شكلي، لكنه يهتم بالأمر حقاً…’
أدهشني حرصه هذا وأثار في نفسي امتناناً، حتى وإن كان سببه قدراتي العلاجية.
‘لكن، مع ذلك… كلانا يريد الاستمرار في هذه الحياة!’
أنا أيضاً لم أكن أرغب في إنهاء العقد بعد.
كنت ما أزال أرتاح للعيش في كايين.
‘ما زلت لم أرَ أركل يبكي بعد… وما زالت هناك صور أودّ أن أراها!’
وليس أركل وحده، بل ناران ومارثا وسيلفيا وهوان… جميع من في هذا القصر.
كانوا في البداية مجرد أسرة شريرة مفضلة عندي، أما الآن فلم يعد يليق أن أصفهم بتلك العبارة فقط.
لقد اكتشفت أنهم ليسوا مجرد شخصيات أحادية البعد، بل بشر ذوو وجوه متعددة.
تماماً كما أن لأركل وجوهاً أخرى لم أعرفها بعد، أردت أن أكتشف المزيد من تلك الوجوه.
‘إذن، لا يمكن أن أنهي هذا الآن.’
كنت أخشى أن أكون الوحيدة المتمسكة بهذه الحياة، وأن يتقبل أركل الأمر ببرود، لكن ملامحه لم توحِ بالاستسلام بسهولة.
‘غريب… هذا يبعث في نفسي الطمأنينة.’
يكفيني أن نشترك في ذات الشعور لأشعر بقوة غريبة.
“على أي حال، ما دام القصر وحده يعلم بالأمر، فالأمر بخير. يمكننا منعه قبل أن يتسع.”
“ولكن كيف…؟”
“عليّ أن أقابل الإمبراطور بنفسي.”
ارتجف بصر أركل عند سماع كلماتي.
“بلا شك ذلك أفضل حل، لكن… هل سيقبل بمقابلتنا؟”
“إذن نجعله مضطراً لمقابلتنا.”
غمزت مبتسمة.
ظل أركل متردداً متعجباً، لكنه سرعان ما أومأ موافقاً.
“حسناً، سأمضي وفق ما ترينه.”
كانت في عينيه ثقة واضحة بي.
ابتسمت وقلت:
“فلنذهب أولاً إلى الآنسة مارثا.”
وانطلقنا معاً نحو مكتبها.
كانت مارثا على علم بالوضع إجمالاً، لكنها بدت على غير عادتها غير قادرة على كبح غضبها.
“ذلك الفارس الأشقر الذي رأيناه في الحفل… هو إذن. بعد أن نال رضا الإمبراطور، يجرؤ…!”
قبضت على الورقة بين يديها حتى كادت تتمزق.
“اهدئي يا أختي.”
“وأنت، كيف تبقى هادئاً هكذا وسط هذه الفوضى؟”
رمقته مارثا باستنكار، لكن أركل أجاب ببرود لا يكترث:
“لا بأس. فالسيّدة يبدو أنها وجدت حلاً. وإن لم تجدِ، فسأمزقه بيدي.”
‘هاه؟ أنت أول من يحتاج إلى الهدوء هنا…’
قالها بلهجة باردة جعلت وقعها أشدّ رهبة.
وأدركت مارثا عندها أنه يكبت غضبه أيضاً، فتنهدت ومسحت وجهها بكفها، وألقت الورقة المجعّدة على الطاولة.
“كنت أنوي طلب إذن بالمثول بين يدي الإمبراطور.”
“السيّدة قالت الأمر نفسه. إنها تريد مقابلته مباشرة.”
“لكن ما سمعته أن جلالته في غاية الانشغال باستعادة صحته ومعالجة التراكمات. من في القصر المقربين أخبرني أنه لن يتفرغ لرؤيتنا.”
عندها تجمد وجه أركل.
“إذن، أسرع طريقة أن أمزّق ذلك الـ بارون…”
“لا يا أركل، ليس هذا هو الحل. اهدأ.”
قاطعت كلامه بلهجة ثابتة ثم التفتُّ إلى مارثا.
“هل يمكنكم الاتصال بالقصر مباشرة عبر حجر الاتصال؟”
“نعم، لكن ذلك لا يتم إلا في الحالات الطارئة حقاً.”
“إذن، أيمكنكم الآن تشغيله لي؟”
“ولماذا؟”
“لأطلب إذن المثول.”
عقدت مارثا حاجبيها وكأنها ما زالت لا تفهم قصدي.
قطّبت مارثا جبينها وكأنها لا تزال غير مستوعبة لكلامي.
“إن لجأنا حتى إلى حجر الاتصال لمخاطبة القصر، وكان مطلبنا مجرد إذن بالمثول… فالإمبراطور سيغضب.”
“لا تقلقي يا آنسة مارثا، لديّ عذر آخر. ثقي بي فقط.”
فكّرت مارثا قليلاً ثم أطلقت تنهيدة قصيرة، وأخرجت حجر الاتصال الموضوع على رفّ الكتب.
“لا أدري إن كان هذا صواباً…”
تمتمت لنفسها بعدم تصديق وهي تصل الخط بالقصر الإمبراطوري.
وسرعان ما انبعث من الأداة السحرية صوت امرأة وقور في منتصف العمر.
“ما الأمر؟”
“أنا ليزي كايين. أطلب على وجه العجلة المثول بين يدي جلالته الإمبراطور.”
ثم أردفت بصوت مفعم بالقلق:
“أرجو أن تنقلوا لجلالته أنّ الأمر يتعلق بإتمام عملية تطهير التمثال تماماً…”
“الرجاء الانتظار لحظة.”
ساد صمت قصير، قبل أن يعود الصوت:
“يسأل جلالته متى يمكنك دخول القصر. لقد قال إنه سينتظرك بأسرع ما يمكنك المجيء.”
تبادلت مارثا وأركل نظرةً توحي بالنجاح. فأجبتُ فوراً عبر الحجر:
“بما أنّه أمر جلالته، فسأغادر حالاً.”
“سأبلغه.”
وانقطع الاتصال.
عندها نظر إليّ كل من مارثا وأركل بإعجاب ممزوج بالدهشة.
“التمثال… تعنين ذلك الأثر الملعون؟”
“بالضبط. وهذا عذر طارئ أليس كذلك؟”
“لكن ألم يقل الساحر إن اللعنة قد فُكّت؟ آه، فهمت.”
كانت مارثا تنظر إليّ باستفهام، لكنها ما إن رأت ملامحي حتى هزّت رأسها بتفهم.
“تريدين القول إنه خدعنا.”
“ومع ذلك، قد يكون بقي أثر من اللعنة، أليس كذلك؟”
“أجل، سيدتي. هذه ليست خدعة، بل معالجة لاحقة.”
“تماماً هذا ما أعنيه!”
أشرتُ إلى أركل بطرفة إصبع سريعة.
كنت أنوي في القصر أن أتظاهر فحسب بتطهير الأثر من بقايا اللعنة، وفي الوقت ذاته أفتح مجالاً للحديث المباشر مع الإمبراطور.
‘وإن رفض مقابلتي، سأقول إن العلاج لن يكتمل إلا بحضوري شخصياً. يمكنني اختراع حجج كما أشاء.’
لذلك أسرعت أبدّل ثيابي وأتهيأ للخروج، لا من أجل الاحتيال بل من أجل استكمال المعالجة على أتم وجه.
بقيت مارثا في القصر احتياطاً لأي طارئ، بينما انطلقت أنا وأركل إلى القصر الإمبراطوري.
“المسافة من إقليم كايين إلى العاصمة ليست طويلة يا سيدتي.”
قالها أركل وهو يساعدني على صعود العربة.
“الحمد لله. لنسوِّ هذه المشكلة قبل عرض الفيلم.”
“سيكون الأمر كذلك حتماً.”
وهكذا انطلقنا نحو القصر.
❖ ❖ ❖
كما قال أركل، لم يمضِ وقت طويل حتى وصلنا.
وبعد أن نزلنا من العربة، قادتنا خادمة تنتظرنا إلى داخل القصر عبر باب جانبي قليل الحركة.
كان واضحاً أنهم يريدون إبقاء مسألة الأثر طيّ الكتمان.
‘حقاً، فلو شاع أن الإمبراطور تعرّض للعنة من قبيلة أجنبية، لاضطربت الإمبراطورية.’
لذلك لم تتح لي فرصة التمعّن بجمال القصر الفخم، إذ سارت الخادمة بنا مباشرة عبر ممر طويل لا يكاد ينتهي.
ثم فتحت أحد الأبواب وقالت:
“على دوق كايين أن ينتظر هنا.”
كان المكان غرفة استقبال فاخرة، تملؤها أثاثات باذخة.
رمق أركل الغرفة بنظرة غير مرتاحة، ثم التفت إليّ بقلق.
“لا بأس يا أركل. لن أتأخر.”
حاولت طمأنته، لكنه ظل غير مرتاح لفكرة دخولي وحدي.
لم يتركني إلا بعد أن أكّدت له مراراً أن لا داعي للقلق.
وعندما هممت باللحاق بالخادمة، أمسك بكتفي فجأة وهمس بصوت منخفض:
“إن واجهتِ أي مأزق، فتحجّجي وعدي إلى هذا الممر. سأنتظرك أمام الباب.”
“مفهوم.”
“بعدها سأتولى إخراجك من هنا مهما كلف الأمر.”
“شكراً لك يا أركل.”
ابتسمت شاكرة، واعدَةً نفسي أن آخذ بنصيحته.
لكن وجهه ظل متجهماً.
“سيدتي ليزي، من هنا.”
نادَتني الخادمة التي سبقتني بخطوات.
‘حسناً، حان الوقت.’
لوّحت لأركل بخفة ثم استدرت.
وحتى وأنا أبتعد في الممرات الملتوية، كنت أشعر بثقله يراقبني من وراء ظهري.
❖ ❖ ❖
المكان الذي وصلت إليه كان قاعة كبيرة تبدو كغرفة استقبال، تتفرع منها أبواب تؤدي إلى مكتبة وغرف نوم.
‘واو… هذا ليس مجرد غرفة، بل يشبه قصراً داخل القصر. هكذا يعيش الملوك إذن.’
“الآنسة أليهـايم… أو بالأحرى، زوجة كايين، أليس كذلك؟”
كان على الطاولة أمامي تمثال مألوف على هيئة ملاك.
وخلفه، جلس الإمبراطور مرتدياً عباءة يبتسم لي برفق.
كان رجلاً في منتصف العمر، لا تبدو عليه كثرة السنين، بملامح هادئة، شعر فضي ناصع، ولحية بيضاء قصيرة.
“لقد تكبّدت عناء المجيء في هذه الساعة المتأخرة من أجلي. أشكرك. كما يبدو، فأنتِ حقاً ذات قلب رحيم.”
قال وهو يطلب العذر:
“لا أزال إذا أتى الليل أشعر بآلام طفيفة، لذا التمس عذراً لظهوري بهذه الهيئة.”
‘عذر؟ بل هذا يضفي عليك هيبة يا جلالة الإمبراطور…!’
لو كنت من محبّي الرجال الوسيمين في منتصف العمر، لصفقت في داخلي طرباً لهذه الصورة الآن.
لكن مع الأسف، لا يزال ذوقي يميل إلى الشباب الواهنين لا الشيوخ الوديعين.
“لا تقلق يا جلالتك. بعد أن نزيل بقايا اللعنة تماماً، ستشعر بتحسّن كبير.”
‘وإن لم يحدث… فليس بيدي حيلة.’
ثم تظاهرت ببراءة، وأخذت أستحضر في ذهني ما كان لاكو قد فعله من حركات لأبدأ برسم الأختام على نحو متقن.
*****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام كملفات، وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 58"