هل من الخطأ أن يعجبني رؤية الشرير يتألم [ 56 ]

 

وهكذا، وبعد أن وعدت لويسا بكتابة المقال، غادرت.

 

وبذلك حصلت على مقالة دعائية ممتازة، غير أنّ عملي لم يكن قد انتهى بعد.

 

فقد كتبتُ مباشرةً رسالة إلى مدير صحيفة إيرن.

وكان مضمونها بسيطًا:

 

أن يُنشر مقال لويسا بلو في الصفحة الأولى من الصحيفة الأسبوع المقبل.

 

وأرفقتُ مع ذلك رغبةً في نشر قصص الشباب الذين يؤدون مهمة إلهية عظيمة، ثم أعددت شيكًا وضعته بعناية داخل مظروف.

 

وبعد يوم من إرسال الرسالة، وصلتني من المدير إجابة مطوّلة، يقول فيها إنه سعيد لأن يُسهم في حمل العبء الثقيل لرسالة القديسة، وأنه سيُذعن بطبيعة الحال.

 

‘الآن لم يعد بوسع رئيس التحرير أن يعبث بمقال لويسا.’

 

ارتسمت على وجهي ابتسامة راضية.

 

لم يبقَ ما يدعو للقلق بشأن الدعاية.

 

‘الخطوة التالية هي الشروع في بناء المسرح حقًا.’

 

وكان لي في هذا الأمر أيضًا خطة مسبقة.

 

‘بناء مبنى جديد سيستغرق وقتًا طويلًا. يجب أن يُفتتح العرض فورًا بينما الاهتمام منصبّ عليه.’

 

وقد سمعت من عوان أنّ المجتمع الراقي هذه الأيام لا يكاد يتحدث إلا عن متعة جديدة تُسمّى السينما.

 

صحيح أن خبر زواجي من أركل كان صادمًا وأثار ضجة، لكنّ تشتّت الأنظار جعله لا يتردد صعودًا وهبوطًا بالقدر المتوقع.

 

‘إذا كان خبري قد طُمِس وسط الضجة، فلا شك أنّ الأمر يُتداول بكثرة.’

 

كان ذلك فألًا حسنًا.

 

فالنبلاء الذين لم يشاهدوا الفيلم بعد، لا بد أنّهم يتلهّفون الآن لمجرد الانضمام إلى الأحاديث الدائرة.

 

وفوق ذلك، طلبتُ من لويسا أن تذكر في ختام المقال موعد عرض فيلمي ومكانه.

 

فما إن تقع أعين الراغبين في الانخراط بتلك الأحاديث على التاريخ، حتى يسارعوا للتحضير بحماسة.

 

سواء أكانت الآراء إيجابية أم سلبية، فالغاية الأولى هي جذب أكبر قدر من الاهتمام.

 

‘فالناس إذا سمعوا نقدًا يزداد فضولهم عادة. وإن كان قلبي سيتأذى قليلًا إن وُجهت إليّ إهانات حقيقية…’

 

لكن مثل هذا يمكن تجاوزه تمامًا بالعلاج المالي، أليس كذلك؟

 

‘بلى، هذا هو الصواب.’

 

هززت رأسي موافقة.

 

وبعد وقت قصير، بلغني خبر سار آخر:

 

“لقد انتهى بناء برج السحر.”

 

كان هذا ما قالته مارثا على مائدة الطعام، فأثار دهشتي ودهشة ناران معًا.

 

“لقد انتهى أبكر بكثير مما توقعنا؟”

 

“وأنا أريد غرفة عمل أوسع يا أختي!”

 

لكن مارثا وهي تقطع اللحم بخفّة تجاهلت كلام ناران وأكملت:

 

“بما أنّ الأمر حاسم، كان لا بد من إنهائه بأسرع وقت. لذلك أسندته إلى أعظم نقابة للبناء السحري في الإمبراطورية، (بيت الفجر). وقد عرضت عليهم مكافأة إضافية كلما قدّموا يومًا واحدًا على موعد التسليم.”

 

إن كانت تكلفة البناء السحري في ذاتها باهظة، فكيف وقد أُضيفت إليها مكافآت إضافية!

 

حدقتُ بمارثا بعينين مملوءتين بالدهشة، وهي تتابع عملها بهدوء ووجهها مطمئن.

 

“ما دمنا قد وضعنا الهدف، فعلينا أن نرى النتيجة بأسرع وقت ممكن.”

 

توقفت لحظة عند قولها ذاك.

 

‘الهدف… إنها تقصد طريقة شفاء وعاء السحر لدى أركل بالكامل.’

 

“السحرة قد شرعوا بالفعل في البحث.”

 

‘ما أسرع ذلك!’

 

فسحرة كايين يُعدّون من أبرز العقول في الإمبراطورية. 

 

وإذا كانوا قد دخلوا مرحلة البحث الجاد، فربما نحظى بالنتيجة المرجوّة قريبًا جدًا.

 

‘شعور غريب…’

 

لقد كنت أتطلع بشوق إلى رؤية وجه أركل وقد تحرر نهائيًا من مرض وعاء السحر، لكن هذا يعني أيضًا أنّ موعد مغادرتي كايين لم يبقَ بعيدًا.

 

وبينما أنا أمضغ الطعام صامتة، لمحتُ أركل الذي ظل طوال الوقت يتناول طعامه بصمت يرمقني بنظرة خاطفة.

 

فأدركت ذلك، وابتسمت بخفة وكأن شيئًا لم يحدث.

 

‘يبدو أنّ أركل لا يدري ما طبيعة البحوث التي تُجرى في البرج.’

 

ربما مارثا تعمّدت إخفاء ذلك عنه، أو لعلّ الأمر محض انعدام اهتمام بينهما.

 

‘مهما يكن، فالأفضل أن يظل أركل جاهلًا بالأمر.’

 

فحتى لو علم، فالأرجح أنه لن يعلق آمالًا كبيرة.

 

لكن من الأفضل ألّا يعرف شيئًا على الإطلاق، من أن يتلقى فيما بعد خبر فشل آخر أمل له.

 

وحين أنهت مارثا طعامها، مسحت فمها بمنديل ثم نظرت إليّ قائلة:

 

“سنرسل ذلك الساحر المشتبه فيه إلى البرج اليوم. وقد طلب أن يراك قبل أن يغادر، فهل تأذنين؟”

 

فعقد أركل وناران حاجبيهما في آن واحد.

 

“…يبدو أنه لم يتعظ بعد من الضرب.”

 

“أيجرؤ أن يطلب لقاء أحد؟! هذا غير مقبول! قولي له أن يكفّ عن الهراء ويغادر فورًا!”

 

لكن مارثا لم تأبه لاعتراضات أخويها، وقالت ببساطة:

 

“إن لم يكن الأمر على هواكِ فلا بأس. فماذا ترغبين أن تفعلي؟”

 

“سأقابله.”

 

أجبت بلا تردد، فانكمش وجه ناران كمن شارف على البكاء، فيما قبض أركل كفه بشدة وقد بدا بملامح باردة.

 

أما أنا، فابتسمت بهدوء متجاهلةً ردود فعلهما. 

 

بدا لي أن مهارة التجاهل عندي تتطور شيئًا فشيئًا. 

 

تُرى، هل كانت مارثا هكذا أيضًا؟

 

“كنت أنوي فقط أن أنبّهه إلى ألا يثير ضجة، وأن يركّز في البحث دون انشغال. وهناك أيضًا أمر أودّ أن أطلبه منه.”

 

فازداد وجه أركل وناران قتامة.

 

أما مارثا فاستبشرت، وابتسمت بسرور.

 

“إن فعلتِ ذلك فسأكون ممتنة. على ما أعلم، فإنه سيرحل بعد ساعات قليلة، فالأجدر أن تذهبي إليه بعد انتهاء الطعام مباشرة. إذن، أستأذن الآن.”

 

وضعت مارثا المنديل وغادرت.

 

“آه، إذن لا بد أن أسرع. سأغادر أنا أيضًا.”

 

فنهضت من مكاني ولحقت بها.

 

وكان أركل وناران يرمقانني بوجوه يملؤها الأسى، لكنني تجاهلت نظراتهما وغادرت قاعة الطعام.

 

❖ ❖ ❖

 

أما لاكو فمنذ أن فكَّ لعنة الاثر المقدس في المرة السابقة، لم يعد يعيش في المزرعة، بل في غرفة تحت الأرض داخل القصر.

 

وإن قيل إنّها غرفة، فهي في حقيقتها لا تختلف عن سجن، لكنه كان فرحًا لأنه يستطيع أن يكون أقرب إليّ.

 

‘يا له من منحرف…’

 

حين فتحت الباب ودخلت الغرفة، ابتسم لاكو ابتسامة حالمة وهو جالس على السرير ما إن رآني.

 

“أيتها الحاكمة…!!”

 

لم يُعَد يوضع في فمه الرِسن بعد الآن، لكن القيود لا تزال مشدودة على معصميه وكاحليه.

 

ألقيت عليه تحية بابتسامة هادئة وقلت:

 

“مرحبًا. قيل لي إنك ستغادر اليوم، أليس كذلك؟”

 

“لقد جئتِ…. كنت أرغب أن أراكِ مرة أخرى قبل رحيلي.” 

 

امتلأت عيناه الذهبيتان بالبهجة، وتمتم بحمرة على وجهه ونبرة حزينة:

 

“يا حاكمتي، هل لا بد أن أرحل حقًا؟ أما كنتُ لأظل إلى جوارك…؟”

 

عندها انمحت ابتسامتي الدافئة فجأة، ونظرت إليه بوجه بارد.

 

فارتجف بصره المرتبك تحت عينيّ، وقلت بصوت خافت:

 

“هل تعصي أمري؟”

 

“أ… أيتها الحاكمة، أنا….”

 

“ما أضعفك. لستَ أهلًا لخدمتي.”

 

“لا، لا…! أبدًا، أيتها الحاكمة!!”

 

صرخ لاكو بيأس: 

 

“لقد أخطأت…! كنت غبيًا. سأطيع أوامرك طاعة عمياء. دعيني أواصل خدمتك. لا تتخلي عني.”

 

“هل تندم على ما فعلت؟”

 

“نعم. لقد أخطأت. أرجوكِ لا تتركيني…”

 

“إن أقسمت أنك لن تُثير ضجة في الطريق إلى برج السحر، وأنك ستكرّس نفسك للبحث حين تصل، فقد أعفو عنك هذه المرة.”

 

“أقسم! أقسم…! هل تغفرين لي الآن…؟”

 

رفع نظره إليّ كجرو متروك يملؤه البؤس.

 

فمددت يدي أُداعب شعره وقلت:

 

“لاكو، ألا تريد أن تؤدي لي خدمة أخيرة قبل رحيلك؟”

 

“سأفعل! سأفعل أي شيء!!”

 

أجاب بحماس، فناولتُه صورة مرسومة.

 

كانت صورة لشيخ وقور، رأسه أصلع من الأمام. 

 

“هل تستطيع أن تلقي لعنة على هذا الرجل؟”

 

كان الرجل هو البابا، وصاحب كنيسة فيرتي التي اخترتها مكانًا لإقامة السينما.

 

تلك الكنيسة تُعد من أغنى كنائس العاصمة وأكثرها ارتيادًا من قِبَل النبلاء.

 

وزينتها الداخلية بديعة، وقاعتها الواسعة المخصصة للعبادة تصلح تمامًا كقاعة عرض.

 

وأجمل ما فيه موقعه في قلب العاصمة المزدحم.

 

‘والموقع هو أعظم ما يُعتمد عليه. هذا المكان سيكون سهل الوصول للجميع.’

 

تأمل لاكو الصورة وأومأ برأسه.

 

“بالطبع… أستطيع فعل ذلك. أي لعنة تريدين؟ نارًا لا تنطفئ مثلًا….”

 

“ليس إلى هذا الحد. اجعله يرى أوهامًا لفقراء الفلاحين، واسمعه أصواتًا توهمه بأنهم يقولون ‘غادر هذا المكان’.”

 

فقد كان ثراء كنيسة فيرتي قائمًا نعم على تبرعات النبلاء، لكنه كان ثمرة استغلال متواصل للفلاحين بزعامة البابا أيضًا.

 

كانوا يخيفونهم بكذبة أنّ الأرض مُدنسة، أو أنّ الأرواح الشريرة سكنت الحقول، أو أنّ شعائر التطهير واجبة.

 

ومن يرفض كان يُتهم بالتجديف ويُهدَّد، فيُسلبون ما يملكون عاجزين عن المقاومة.

 

وكم من أناس أُجبروا على الانتحار، أو سُلبت أراضيهم حتى ماتوا جوعًا.

 

في القصة الأصلية، كانت مارثا تفكر بالاستعانة بقوة كنيسة فيرتي لتوسيع نفوذها، لكن بنصيحة جين تراجعت، إذ إن ذلك كان سيجعل كايين تخسر ثقة الشعب أيضًا.

 

أما أنا، فقد قررت أن أجعل البابا بنفسه يتخلى عن الكنيسة.

 

‘مبنى كنيسة فيرتي مسجَّل باسم البابا، إذن يكفي أن أستهدفه وحده.’

 

“متى أبدأ؟”

 

“الآن فورًا.”

 

“نعم، أيتها الحاكمة.”

 

ابتسمتُ، وابتسم هو بدوره، ثم بدأ يتمتم كلمات بلغة غريبة مشكِّلًا بأصابعه أختامًا سحرية.

 

وبينما هو يقطّع الصورة إلى نصفين، قال:

 

“إنها لعنة مؤقتة، سيبقى أثرها عامًا واحدًا فقط. ولو تمكنت من رؤيته مباشرةً لاستطعت أن أجعلها أقوى…”

 

“هذا يكفي. أحسنت يا لاكو.”

 

فاحمر وجهه خجلًا من كلماتي.

 

“شكرًا… شكرًا لكِ يا حاكمتي…!!”

 

“احرص على ألّا تخذلني حين تصل إلى البرج.”

 

“نعم! ولكن هل ستأتين لزيارتي أحيانًا….”

 

لم أدعه يُكمل، بل ابتسمت وأغلقت الباب برفق.

 

‘الآن لم يبقَ سوى أن ننتظر.’

 

عدت إلى غرفتي وأنا أدندن لحنًا مسرورة.

 

وبعد ثلاثة أيام…

 

‘لابد أنه يعيش الآن جحيمًا كافيًا.’

 

تناولت قلمي وشرعت أكتب رسالة إلى البابا:

 

[أنا ليزي كايين.

 

إني أؤدي حاليًا مهمة إلهية لنشر قصص القديسين، وقد أنزل الإله عليّ وحيًا يقول إن كنيسة فيرتي هو المكان الأنسب لهذه المهمة. لذا، أرجو أن تبيعني الكنيسة.

 

أما وقد بلغني أنّك تعاني مؤخرًا من هلاوس وأصوات غريبة، فاعلم أنّ الإله قد أخبرني أنّ هذه الظواهر ستزول تلقائيًا متى وُظفت الكنيسة في الغاية التي حُددت لها.

 

إنني أترقب قرارك الحكيم.]

 

وباختصار: هذا مكاني، فسارع بتركه والرحيل.

 

******

ترجمة : سنو

 

انشر الفصول في جروب التيليجرام كملفات، وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك 

 

بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee

او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee