“أتقصدين أن لم تسمعي من قبل بـ القناع الأحمر؟ إنّه وحش يقال إنه يوجد في بلد بعيد عن هذه القارة.”
“آه… لا، لا أظنني سمعت به من قبل…! ما هو هذا الوحش؟”
اقتربت لويسا بوجهها وعيناها تلمعان بفضول غير قادرة على كبح حماستها أمام اسم وحش تسمعه لأول مرة.
“آه، انتظري قليلًا فقط…”
أخذت لويسا تفتّش بعجلة في جيب صدريتها الداخلي ثم أخرجت دفترًا صغيرًا وقلمًا.
قلبت بعض الصفحات، وضعت القلم على الورق بجدّية، ثم رفعت بصرها إليّ بحماسة.
“يمكنكِ الحديث الآن يا سيدتي ليزي!”
كان وجهها مشعًّا بالإصرار.
‘قالوا إنها صحفية… لا بد أنّ التدوين صار عادة عندها.’
أو لعلها ليست سوى متحمسة مهووسة تدفعها رغبتها الجامحة.
أياً يكن، فإن تركيزها هذا جعلني أستمتع أكثر بالحديث.
“يقال إن القناع الأحمر يتجسّد في هيئة امرأة ذات شعر أسود طويل.”
تحرّك قلم لويسا فوق الورق بخفة، ثم بادرت تسأل بسرعة:
“وأين موطنه؟”
“لا يُعرف مكان محدّد يعيش فيه. لكن يُقال إنه يظهر في ليالي الظلام، غالبًا في الأماكن النائية الخالية من البشر.”
“هاه… إذن هو كائن ليلي.”
دوّن القلم مرة أخرى بخط سريع.
“وإذا كانت كلها في صورة امرأة، فهذا يعني أنها مخلوقات بلا تمييز جنسي؟ وكيف تتكاثر إذن؟”
“هنا بالذات يكمن أهمّ ما يميّز القناع الأحمر يا لويسا.”
“هاه، نعم!”
اشتدّت قبضتها على القلم، فأخفضت صوتي واتّخذت ملامح باردة:
“القناع الأحمر لا يتكاثر بالطريقة المعتادة… لكنه مع ذلك يزيد أعداده بطريقة مؤكدة.”
“وما هي؟”
حدّقت لوييا فيّ بكل جوارحها.
“ما تلك الطريقة؟”
“ببساطة… يحوّل البشر إلى نسخة منه.”
“مستحيل…!”
تسمرت عيناها وانفتح فمها دهشة.
بل إنها نسيت الكتابة وارتجف القلم بين أصابعها.
“لـ-لا يعقل…! أن يحوّل الإنسان إلى وحش؟! كيف… كيف يمكن أن يحدث ذلك؟! أن يوجد في هذا العالم مخلوق كهذا…!!”
اهتزّ جسدها من شدّة الانفعال.
“لا أصدّق…! لم أكن أعلم بوجود وحش كهذا أصلًا، فإذا بي أكتشف الآن أمرًا يفوق الخيال…! إنكِ يا سيدتي ليزي تحبين الوحوش أكثر مما يمكنني أن أحلم! هذا رائع للغاية!!”
في الحقيقة لم أكن أحب الوحوش بل القصص المخيفة عنهم فحسب، لكنني ابتسمت خجلًا.
“الأمر ليس بتلك الضخامة. لكنّ اهتمامك يجعلني سعيدة بالحديث.”
“بل هو ممتع للغاية…! أنا… أشعر الآن كأنني أطير من شدّة الحماس. سيدتي ليزي، هل تعلمين أيضًا كيف يحوّل القناع الأحمر البشر إلى أمثاله؟”
عند إيمائي برأسي، أطلقت لويسا صيحة فرح صغيرة:
“آه! ستخبرينني إذن؟ أرجوكِ…!”
“القناع الأحمر يترصّد شخصًا وحيدًا في عتمة الليل…”
“ن-نعم…”
عادت لويسا تكتب مسرعة وهي مشدودة الأعصاب.
“يقترب منه بخفة، يلمسه ليجعله يلتفت وراءه. فإذا التقت عيناهما، يخلع القناع الأحمر قناعه الأحمر ويسأل.”
“و… وماذا يسأل؟”
ابتلعت لويسا ريقها بوجل.
فانحنيت قليلًا وحدّقت بها من بين خصلات شعري، راسمة ابتسامة مشؤومة.
“يسأل: أأنا جميلة؟”
تجمّد وجه لويسا رعبًا.
“يُقال إنه يبتسم بفمٍ مشقوق حتى الأذنين وهو يسأل.”
“…….”
“فإذا أجابه المرء بنعم، يقول له سأجعلك مثلي. ثم—”
أشرت بإصبعيَّ إلى فمها مرسومة خطّين طويلين.
“يشقّ فمه ليصبح نسخة منه.”
“…….”
“أما من يجرؤ على أن يقول: لا، فمصيره القتل فورًا. هكذا تروي بعض النسخ من الحكاية.”
ظلّت لويسا واجمة بلا حراك.
‘هل بالغتُ كثيرًا؟’
لقد اخترت واحدة من أكثر الأساطير شيوعًا وأقلّها رعبًا…
‘هل تكره الأشياء المخيفة؟ لعل عليّ الاعتذار…’
لكنها صرخت فجأة:
“يا إلهي… إنه وحش بشع وقاسٍ إلى حدّ… ياااه!!!”
كانت صرختها أقرب إلى هتاف فتاة مبتهجة لا إلى صرخة رعب.
“ألستِ خفتِ يا لويسا؟”
“خفت…! خفت كثيرًا!! ولهذا أعجبني الأمر أكثر…!!! فأنا أحبّ الوحوش تحديدًا لأنهم كيانات غامضة مخيفة لا تُفهم… آه، كم أتمنى أن أرى القناع الأحمر بعيني هاتين يومًا ما!”
وبريق حماسي ساطع لمع في عينيها من خلف عدستي نظارتها الواسعتين.
‘مع أنها تعلم أنّ من يراه يُقتل…’
ذلك الخاطر خطر ببالي، لكن لم يكن هو الأهم في تلك اللحظة.
‘لعل أذواقنا متشابهة أكثر مما توقعت…؟!’
منذ قدومي إلى هذا المكان، لم ألتقِ أحدًا يوافقني الذوق هكذا.
وبحماسة متدفقة كدتُ أنفجر شوقًا لسرد المزيد من الأساطير المرعبة التي أعرفها.
لحسن الحظ سبقتني لويسا بالكلام:
“سيدتي ليزي، أعلم أني قد أكون أثقلت عليك، لكن هل لديك علم بوحوش أخرى غير القناع الأحمر…؟ ه-هل يمكن أن تخبريني قليلاً…؟”
“طبعًا!”
ابتسمت بهدوء وأصلحت جلستي.
“هذه المرة سأحدثك عن وحش يخرج من البئر.”
“نعم—!”
حرّكت لويسا عنقها بحركة خفيفة لتستعد، ثم التقطت دفترها وقلمها من جديد وعيناها تلمعان.
فبدأتُ أحدثها عن وحش يُدعى رينغ.
❖ ❖ ❖
لا أدري كم من الوقت مرّ، لكنني كنت قد انتهيت لتوي من شرح أسطورة الوحش الذي يرتدي قناعًا ويحمل منشارًا كهربائيًّا.
وعندما نظرت من النافذة دون قصد، إذا بالفجر قد بزغ.
لقد أمضينا الليل بطوله.
‘آه… يبدو أني اندمجت كثيرًا، حتى نسيت ما جئت لأقوله أصلًا.’
وانتبهت لويسا هي الأخرى فجأة إلى طول السهرة، فارتسمت على وجهها الدهشة:
“يا إلهي، لقد طلع النهار…! أعتذر حقًّا يا سيدتي ليزي، لقد أطلتُ الحديث بسبب فضولي.”
“لا عليكِ، فأنا أيضًا انسقتُ مع الحماس. كان ممتعًا…”
“وأنا كذلك….”
تمتمتُ كمن يحدث نفسه، لكنها بادرت توافقني.
كان وجهها يشعّ بالرضا، وكأنها أفرغت كل طاقتها بلا ندم.
“أظنك متعبة الآن… سأتركك لتستريحي. لقد منحتني الكثير من وقتك، أشكرك بحق. كانت لحظات سعيدة.”
“لويسا، قبل أن تذهبي، لي طلب واحد فقط.”
“وما هو؟ إن كان باستطاعتي مساعدتك، فسأبذل جهدي كله!”
قالت ذلك وهي تقبض يديها بحماسة، فابتسمتُ بلطف ودخلت في صلب الموضوع:
“هلا تنشرين لي في العدد القادم من الصحيفة انطباعاتك عن الفيلم؟”
“فيلمكِ…؟ أنشره أنا؟!”
اتسعت عيناها بدهشة، ثم أمسكت بخديها بيديها كأنها لا تصدّق.
“ه-هل يليق بي هذا؟ بالطبع أستطيع كتابته، لكن….”
انخفض صوتها تدريجيًّا، وبدت ملامحها حزينة.
“أنا بلا موهبة. مهما اجتهدت، لا تلقى مقالاتي الاهتمام. صرت صحفية لأنني أردت أن أشارك الآخرين بما أحب، لكن قلمي لا يسعفني.”
ابتسمت وهي تقول ذلك، غير أن في وجهها ظلّ كآبة.
وعندما رأتني صامتًا أحدّق فيها، ظنّت أنني مثقلة بسببها، فحاولت إخفاء حزنها برفع نبرة صوتها:
“أو… سأعرّفك على صحفي آخر أكثر خبرة مني! فمثل هذا العمل الرائع يستحق كاتبًا أفضل….”
“بل أريد أن تكتبيه أنتِ يا لويسا.”
قلت ذلك بحزم وأنا أنظر في عينيها.
“أنا واثقة أنه لا يوجد من يكتب هذه المقالة أفضل منك. لذا أتوسل إليك.”
“سيدة ليزي….”
“لقد قرأت بعض مقالاتك الأخرى، وكانت جيدة جدًا. رغم أن المجال لم يكن مألوفًا لدي، فإن محتواها كان يصل بسهولة. والأهم أنّها أثارت فضولي. وهذا في رأيي هو جوهر المقال المثالي.”
“……..”
“أريد أن أقرأ مقالك أنتِ.”
“…شكرًا لكِ….”
همست لويسا بصوت مرتجف:
“في الحقيقة كنت أتساءل إن كان من المجدي أن أستمر في الكتابة. وحتى لو كانت كلماتك لمجرد تشجيعي، فهي بالضبط ما كنت أحتاج أن أسمعه… كنت أرجو أن يقول لي أحد، واصلي فأنتِ قادرة.”
وأخذت تمسح دموعها بمنديل، تنفخ أنفها وتكرر كلمات الشكر مرات.
ثم قالت بصوت مبحوح من شدة البكاء:
“سأبذل قصارى جهدي…!”
“شكرًا لكِ.”
ابتسمت بحرارة وتهللت نفسي في داخلي.
‘نجحتُ!’
ولم تكن كلماتي لها محض مجاملة، بل حقيقة.
فلويسا بلو تملك أسلوبًا يثير الفضول حقًّا.
صحيح أنها ما زالت مغمورة الآن، لكنها بعد سنوات قليلة ستصبح الصحفية الأشهر في جريدة إيرن.
وإنما يعجز قلمها الآن لأنها تُجبر على كتابة موضوعات لا تهمها.
‘لكنها ستسطع شهرتها حقًّا عندما تكتب مقالها عن الوحش الذي اجتاح المدينة بعد أعوام.’
بل وقيل إن استحداث قسم خاص بالوحوش في الجريدة الإمبراطورية كان بفضلها.
لذا كنت متشوقة لمعرفة أسلوبها في هذا المجال.
وقد كنت قد قرأت لها قبل الحفل مقالًا عن ‘تطور أزياء السحرة عبر العصور’، فما زالت بعض عباراته عالقة في ذهني، رغم أن بعضه بدا وكأنه كُتب على مضض.
لكنني أعلم أن الكاتب إن كان يكتب بشغف، فإنه ينقل ذلك الشغف للقارئ.
‘فشغف الكاتب بموضوعه لا بد أن يظهر في نصه.’
وبينما أنا غارقة في التفكير، خطرت لي فجأة تساؤلات.
“لكن يا لويسا، لمَ لم تكتبي من قبل عن الوحوش؟”
“آه… في بداية عملي كتبت بعض المقالات عنهم. لكن رئيس التحرير… كان يقول إنه لا أحد يهتم بهذه الأشياء، وكان يطلب مني دائمًا موضوعات أخرى.”
تنهدت بعمق ثم تابعت:
“بل توسلت إليه ذات مرة، أخبرته أن لدي الكثير لأقوله في هذا المجال. لكنه غضب وقال: لا يمكن للمرء أن يعيش حياته يفعل ما يحبه فقط.”
صمتُّ للحظة أفكر، ثم قلت:
“لويسا، لدي طلب آخر.”
“نعم؟”
“عندما تكتبين هذا المقال… اكتبيه كما تريدين أنتِ. بلا قيود، بلا مجاملة.”
ابتسمتُ ابتسامة عازمة وقد غلبها شيء من التحدي.
“لنُثبت أن الإنسان قادر على أن يعيش يفعل ما يحب ويكسب رزقه في الوقت نفسه.”
*****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام كملفات، وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 55"