جلست مارثا إلى الطاولة، وأخذت ترشف الشمبانيا وهي تتأمل القاعة وقد خلت من الصخب.
“لقد كان يومًا حافلًا حقًّا.”
“بلى.”
أجبتها وأنا جالسة في الجهة المقابلة.
‘لقد عرفتُ الكثير من الحقائق…’
مجرد التفكير في بدء العمل السينمائي على نحو جاد يكفي ليملأني انشغالًا، فما بالك وقد أضيفت أشياء أخرى تحتاج إلى بحث وتحقيق.
“…هُوه.”
“هاه…”
تنهدتُ أنا ومارثا في اللحظة نفسها تقريبًا، وأنطلقنا بعدها بضحكة صغيرة حين التقت نظراتنا.
وبينما كانت تحدّق في وجهي بابتسامة باهتة تمتمت قائلة:
“تتشابهان… أنتِ وأخوك.”
“أليس كذلك؟ حتى أنتِ يا آنسة مارتا تشبهين أركل. أو لعل أركل هو من يشبهك.”
“كلاكما تبدوان فريسة سهلة.”
كان كلامها موجهًا إليّ وإلى جين.
‘فريسة سهلة…’
لستُ أدري إن كنتُ أنا أبدو كذلك فعلًا، لكن جين كان بالفعل كذلك.
بل إن وقوفه إلى جوار مارثا كان يُذكّرني بصورة ذئب بريّ يقف إلى جانب أرنب.
“على أية حال، لقد اطمأننت لرؤيتك بخير. حتى لو حاول أحدهم أخذك، فأغلب الظن أنني سأظفر بك.”
فقط أن أتذكر ارتجاف جين ذاك يكفيني لأدرك أنه ما كان ليستطيع الصمود أمامها أصلًا، بل لعلّه كان سيُغشى عليه من تلقاء نفسه.
‘حقًّا، كيف صوّر مشاهد رومانسية وهو على هذه الحال؟’
قد لا تكون المشكلة في كيف انتقم، بل في هذه النقطة بالتحديد.
“سيدتي ليزي.”
نادَتني خادمة اقتربت من الطاولة.
“يقولون إن الأمر قد انتهى.”
‘أخيرًا… لقد انتهى الفيلم.’
التفتت إليّ مارثا:
“وماذا ستفعلين الآن؟ هل ستذهبين لترقبي ردود الفعل؟”
“كلا، سأعود إلى غرفتي.”
اتسعت عيناها قليلًا.
“ألن يكون في ذلك مخاطرة؟”
“هيهي، لا تقلقي. ذهابي الآن لن يغير شيئًا، سوى أنني سأُفسد على الناس متعة التعبير عن آرائهم.”
تخيّلي لو أنّ المخرج وقف أمام قاعة السينما يسأل المشاهدين فردًا فردًا عن رأيهم.
‘سيكون الأمر مرهِقًا للغاية… ولن يجرؤوا على قول الحقيقة أصلًا.’
سواء استعجلت أم لم أفعل، فستصلني الآراء الصريحة والعامة يومًا ما شئت أم أبيت.
‘طلبتُ من هوان أن يراقب الانطباعات العامة… وقد أعددتُ أمورًا أخرى أيضًا.’
إذن فمجرد الاطلاع على ردود الأفعال بهذا القدر يكفي، أما ما يجب أن أفعله الآن فشيء آخر.
“صحيح، من الأفضل أن ترتاحي الليلة. فلا شك أنكِ مرهقة بعد يوم طويل.”
“آه، لستُ أنوي النوم الآن.”
“إذن؟”
“أفكر أن أُسامر قليلًا قبل النوم. هناك من يرغب في التحدث معي.”
“ومن يكون؟”
حدّقت مارثا في وجهي باستغراب، فأجبتها مبتسمة:
“إنها مَن ستتولى الترويج لفيلمي!”
❖ ❖ ❖
كانت لويسا بلو في حالة من الحماسة العارمة.
فحتى بعد انتهاء الفيلم لم تستطع أن تعود إلى قصرها مباشرة، وأخذت تذرع المدخل جيئة وذهابًا.
“كيف… كيف…”
وأخذ رفاقها الذين خرجوا معها يرمقونها بنظرات جانبية حين تمتمت لنفسها.
“يبدو أن تلك الفتاة تلقت صدمة.”
“وكيف لا؟ لم أتوقع أن يواجه الشبان الباحثين عن الكأس المقدسة مثل هذه المأساة… لقد كان الأمر قاسيًا إلى حد أنني لم أستطع المشاهدة جيدًا منذ منتصف العرض.”
“أما أنا فقد استهواني. حين كانوا مطاردين كنتُ أكاد أقبض على أنفاسي.”
تعددت الآراء واختلفت، لكن شيئًا واحدًا بدا مؤكدًا:
أنّ ما يُسمى “فيلمًا” كان تسلية جديدة لم يسبق لأحد أن جرب مثلها.
أما عقل لويسا في تلك اللحظة فقد كان غارقًا في انفعالات بعيدة كل البعد عن التحليل الرصين.
‘كيف استطاع أن يصنع مشهدًا كهذا هناك…! وكيف نطق بتلك الكلمات…!! مذهل…!!’
دفعت نظارتها الدائرية المرتجفة بأصابعها وهي تنفث أنفاسها بحرارة.
وما إن عادت بذاكرتها إلى الفيلم حتى قبضت على قبضتها بعفوية وقد غمرها الحماس.
‘في البداية خُيّل إليّ أنه مجرد قصة بحث عن الكأس المقدسة، لكن ما إن دخلوا القرية الملعونة حتى انقلب الجو رأسًا على عقب… عبقرية! كيف خطرت لها هذه الفكرة؟’
كانت عناصر المفاجأة والتقلبات صادمة ومنعشة في آن واحد، لكن أكثر ما أسر قلبها هو تجسيد الموتى الأحياء.
‘أولئك القرويون… أليسوا تجسيدًا للموتى الأحياء؟ يا للعجب! كيف أمكنها أن تخرج الماكياج بهذا التطابق؟ إن كان هذا العمل من صنع تلك السيدة ليزي، فلا بد أنّها…’
لا بد أنها من نفس عالمي. ( متل ذوقها يعني )
ابتلعت لويسا ريقها محاولة تهدئة نفسها.
منذ صغرها وهي مولعة بكل ما هو من وحوش وكائنات غريبة، لم تبالِ بمن يصف هواها بالعجيب، بل واصلت باحثةً في مجالها حتى صارت صحفية في قسم السحر لدى أضخم صحيفة في الإمبراطورية، باختصار، أوتاكو حقيقية.
‘لو أنني أستطيع لقاءها ولو لمرة واحدة فقط…!!’
كانت تتوق بشدة إلى محاورة ليزي:
كيف بدأ اهتمامها بالموتى الأحياء؟ ما سر إتقانها في تجسيدهم؟ ما الكائن المفضل لديها؟ وهل سبق لها أن رأت وحشًا حقيقيًّا؟
لقد كادت تموت شوقًا إلى جلسة دردشة أوتاكو.
لهذا لم تستطع مغادرة ممر السينما بسهولة.
وبينما كانت تحدّق في السلم المؤدي إلى الطابق العلوي من القصر، فكرت:
‘في مثل هذا الوقت لا بد أنها ذهبت للنوم… يا ليتني أستطيع مقابلتها ولو لمرة واحدة… لكن، مستحيل أليس كذلك؟’
فالطرف الآخر لم يكن سوى سيّدة قصر الدوق كايين.
وفوق ذلك وإن لم تكن لويسا تعرف الكثير عن الشؤون البشرية فقد سمعت أنها قديسة مشهورة أيّما شهرة.
أما لويسا نفسها فلم تكن سوى صحفية مغمورة بالكاد تُنشر مقالاتها في هامش الصحيفة.
زفرت تنهيدة طويلة وهزّت رأسها نافية:
‘لا بد أن أستسلم…’
لكن في تلك اللحظة ـ
“الآنسة لويسا بلو؟”
التفتت، فإذا بخادمة ذات شعر أحمر تنحني نحوها بأدب.
“السيدة ليزي تود التحدث إليك.”
“…ماذا؟”
رمشت لويسا بدهشة.
“ن-نعم؟؟”
خرج ردّها متأخرًا بعض الشيء من فرط الصدمة.
“م-معي أنا؟؟ لِ…لِماذا؟!”
“حين راجعت السيدة ليزي قائمة الضيوف، ورأت مهنتك، قالت إنها ترغب في إجراء حوار عميق معكِ. إن كان الأمر مناسبًا لك فسأرافقك إلى جناحها.”
“يا إلهي… يا إلهي…”
رفعت لويسا يديها ببطء لتكمّم فمها المرتجف.
هذا… قدر.
“إذن فهي حقًّا من عالمي أنا أيضًا!”
هتفت من فرط السعادة دون أن تشعر.
نظرت إليها الخادمة الحمراء الشعر بنظرة مستغربة لوهلة، لكنها سرعان ما استعادَت جديتها وسألت بلباقة:
“هل نذهب الآن؟”
“ن-نعم! بالطبع!!”
أجابت لويسا بوجنتين متوردتين وأنفاس متسارعة.
“من هذا الطريق.”
بدأت الخادمة تصعد السلم وهي تقودها.
وبينما تتبعها لويسا، غاصت في أفكار مشوشة:
‘بماذا أجيب إن سألتني عن المخلوق المفضل لدي؟ لديّ مفضل واحد في كل فصيلة تقريبًا، فلا أستطيع أن أختار…! لكن لا بد أن أُحدد واحدًا بعينه، أليس كذلك؟!’
❖ ❖ ❖
طرق، طرق—
“لقد أحضرتُ الآنسة لويسا بلو.”
‘توقيت ممتاز.’
فقد وصلت للتو صينية الشاي والحلوى.
تفقدتُ الطاولة سريعًا، ثم ابتسمت:
“لتتفضل بالدخول!”
انفتح الباب، وأدخلت سيلفيا فتاة شابة.
كانت صاحبة شعر بنيّ مجعَّد كثيف يُذكّر بالبودل، ونظارات مستديرة تلمع على محياها.
بدت متوترة، واقفةً بتصلّب ويداها مشبوكتان أمامها.
“آ-آنسة…! يشرفني أن دعوتني. أنا لويسا بلو… صحفية في جريدة إيرن… وأحب المخلوقات، وأكثرها لديّ ولعًا هو العنكبوت تارانتيولاس قبيل بلوغه طوره النهائي.”
فُغر فم سيلفيا الواقفة خلفي، وحدجتها بدهشة.
لكن لويسا الغافلة عن نظراتها أكملت بحماس:
“أحب النقوش التي تظهر على ظهره! قبل أن تزداد قتامة حين يصير بالغًا… ذلك الاصفرار الخفيف يمنحني شعورًا بالدفء والسكينة…!”
لم أكن أعرف عن هذه المخلوقات في هذا العالم، لكنني شخصيًا وجدتُ العنكبوت الضخم في هاري بوتر وحجرة الأسرار رائعًا.
وما إن سمعت لويسا كلامي حتى شهقت فرحًا وجلست أمامي بحماس.
ثم انطلقت كمن كتم نفسه طويلًا:
“أليس من المذهل أيضًا أنه قادر على الكلام مثل البشر؟ آه، أنا في غاية السعادة لأنني وجدتُ من أتناقش معه بهذا الموضوع… لا يوجد أحد حولي يفهم هذه الأحاديث.”
مرّ على وجهها ظلّ حزنٍ طفيف.
‘أفهم شعورها… لقد كنتُ مثلها، أتوق للحديث عن الأعمال الدموية المظلمة، لكن من الصعب العثور على من يشاركك الذوق.’
يا لها من نشوة حين تلتقي بمن يشاطرك هواية نادرة كهذه! حتى تقاطع بسيط في الاهتمامات يكفي لبعث لذّة يصعب وصفها.
ومن هذه الزاوية، فلا شك أنّ لويسا بلو الآن غارقة في سعادة بالغة.
لم تكن اهتماماتنا متطابقة تمامًا، لكن بيننا قاسم مشترك واضح.
‘حتى أنا أحب قصص الوحوش!’
في الأصل، كانت لويسا هي من نشرت خبر انتحار جين بالسم بعد أن أتمّ انتقامه كله.
‘هي وحدها من أدركت فورًا أنه استعمل سمًّا من وحش… لم يكن ذلك غريبًا، فهي بالفعل مولعة بالوحوش.’
كنت أتوقع أنها مهتمة إلى حد ما، لكن لم أتخيل أن شغفها يصل لهذا الحد.
‘وهذا يجعل الحوار معها أسهل وأمتع بكثير!’
ابتسمتُ بلطف وقلت:
“آنسة بلو، هل استمتعتِ بـالفيلم؟”
“نادِني لويسا…! نعم، نعم!! أولئك القرويون، كانوا أمواتًا أحياء، أليس كذلك؟ لقد عرفتُهم فورًا! يا للعجب، كيف تمكنتِ من تجسيدهم بهذه الدقة… لقد تأثرتُ للغاية….”
لم تكد تلتقط أنفاسها حتى أضافت فجأة:
“آه، صحيح! هناك سؤال أود أن أطرحه عليكِ يا سيدتي ليزي.”
“ما هو يا لويسا؟”
ارتسمت الجدية على ملامحها.
“أي مخلوق هو الأحبّ إليكِ؟”
سؤالها جعلني أتردد قليلًا.
فهو سؤال جوهري، قد يحسم رأيها بي.
‘ماذا يمكن أن أقول…’
شرعت أفكر بتمهّل في جواب يترك في قلبها أثرًا عميقًا.
وفجأة، ومضة فكرة خطرت ببالي.
******
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 54"