هل من الخطأ أن يعجبني رؤية الشرير يتألم [ 52 ]
أخرج أركل أنفاسًا متقطّعة وهو يحدّق في لِيزي التي كانت تبتسم بابتسامة ملائكية.
كانت تلك الابتسامة الرقيقة الموجّهة نحوه تجعلها أشبه بقدّيسة مقدّسة.
ورغم أنّ قلبه كان يؤلمه حتى ليكاد ينفجر، ورغم ما كان يعانيه من ألم لا يوصف بالكلمات، إلا أنّ النظر إلى لِيزي كان يمنحه صفاءً في ذهنه.
“هيا.”
عاد صوتها العذب يلحّ عليه مرة أخرى.
“توسّل إليّ أن ألمسك.”
“…اه.”
بدلًا من كلمات التوسّل، خرج أنين مكبوت من بين شفتيه المطبقتين، فارتعشت حواجب لِيزي وكأنها لا تفهم.
“لماذا تُصرّ على العناد هكذا اليوم؟”
“…….”
“أليس صعبًا أن تتحمّل؟ لست مضطرًّا إلى التحمل.”
“…….”
أطلق أركا أنفاسًا خشنة وهو يعضّ على أسنانه بقوة.
قبل بدء الحفل، حين شعر بالألم يشتعل في جسده، كان قد منع هوان من استدعاء لِيزي.
قال لنفسه: “مهما كان، أريدها أن تستمتع! ما أنا متأكد منه هو أنّها فرصة نادرة.”
كان يعرف ما يعنيه هذا الحفل لها، لذلك لم يشأ أن يفسده.
أراد أركل أن تُنهي لِيزي العرض بنجاح وتصبح بطلة الحفل.
وبحسب قولها، أن تعيش لحظاتها بالطريقة التي تُرضيها وتمنحها السعادة.
لكن لو استُدعيت إليه أثناء الحفل، فمن المؤكد أنّ الناس سيتناجون ويشيعون الأقاويل، قائلين إنّ غياب الاثنين معًا أمر مريب.
لذلك برّر الأمر حتى لمارثا وطلب منها التفهّم، وكان محقًا في ذلك.
“آه، اللعنة! ما كان ينبغي أن آتي إلى هنا!!”
لو أنّ هذه الكلمات وُجِّهت إلى لِيزي… لم يكن أرْكِل ليثق بما قد يفعله بالمتجرّئ.
أما أن يُشار إليه هو بأصابع الاتهام فلم يكن يهمّه كثيرًا، حتى أنّه لم يبالِ عندما صرخ أحد الضيوف نحوه.
لكن لِيزي كانت مختلفة.
حينها رآها لأول مرة من دون ابتسامة.
تلك التي كانت دومًا تبتسم وتخاطب الجميع برفق بصوتٍ وادع، ظهرت بوجهٍ بارد لم يره من قبل.
وكان ذلك دفاعًا عنه.
لقد واجهت الرجل حتى النهاية وأجبرته على الاعتذار، وعندها فقط أدرك أرْكِل أنّ هذا ما ينبغي فعله عندما يتعرّض المرء لإهانة.
لقد كان يتعلم منها الكثير.
ومع الوقت، أخذ يشعر أنّه لا يستطيع الاستغناء عنها.
‘كنت أنوي ألّا أعتمد عليها اليوم على الأقل…’
“…المسيني.”
خرج صوته من تلقاء نفسه.
والمُنقذة الرحيمة لم تلُمْه على خرق عزيمته، بل مدت له يدها بابتسامة راضية.
“اخفض جسدك أكثر.”
فجثا أرْكِل على ركبتيه أمامها عن طيب خاطر.
“تابع وقلها.”
“آه… ألمسيني… من فضلك.”
وضعت لِيزي كفّها برفق على خده، فارتسمت على شفتي أرْكِل رغم تقطّب حاجبيه من الألم ابتسامة هادئة.
“من الآن فصاعدًا، إن تماديتَ في العناد، فسأعاقبك. لذلك عليك أن تُطيعني، أليس كذلك؟”
“…مفهوم يا سيدتي.”
“أحسنت يا زوجي.”
ابتسمت لِيزي ابتسامة دافئة وهي تربّت ببطء على شعره الأسود.
أغمض أرْكِل عينيه وأسلم جسده للمسة يدها.
ومرة أخرى، وجد نفسه يعتمد عليها تمامًا.
وكان ذلك الشعور… رائعًا بشكل لا يُحتمل.
‘لا، هذا مستحيل. عليّ الاعتراف… لم أعد قادرًا على العيش من دونها.’
لم يكن السبب قدراتها وحسب، بل إنّ وجود لِيزي أليهَايِم ذاته كان خلاصه.
❖ ❖ ❖
بعد أن خفَّت آلامه إلى حدٍّ ما، أطلق أركل زفرة قصيرة وملامحه أكثر راحة.
حتى أن أنفاسه المضطربة هدأت كثيرًا.
قالت له بهدوء:
“ابقَ مستلقيًا.”
ثم همّت بمساعدته على النهوض لتعيده إلى السرير.
قال مترددًا:
“ليزي…زوجتي…”
فابتسمت قائلة:
“إن شقيقي ينتظرني بلهفة، كما أن عليّ الاطّلاع على تقييم عرض الفيلم… أظن أنه لا بد لي من العودة إلى قاعة الاحتفال.”
وما إن وضعتُه ليستريح حتى رفع أركل الجزء العلوي من جسده جالسًا.
“إذن فلنذهب معًا—”
فقاطعته بنبرة صارمة:
“لقد وعدتني أن تطيعني، أليس كذلك؟”
“…….”
ظل صامتًا.
فأردفت:
“أركل، يجب أن تستريح. لقد أخبرتَ الناس أنك مريض، وكنت تتحمل الألم طوال الوقت، فلا بد أنك منهك.”
“لا أشعر بسوء كبير.”
فأطبقتُ إصبعيّ على جبهته ضاغطة.
“كذب.”
وأخيرًا عاد أركل إلى الاستلقاء، وهو يراقبني بحذر.
بينما كنت أُسوي شعره برفق قلت:
“أتمنى لو كنتَ أكثر صراحة في التعبير عن ألمك… سواء أكان داخليًا أم خارجيًا.”
ومع أن في نفسي نيةً أخرى خفية، إلا أن ذلك سيكون أفضل له أيضًا.
“أنا قادرة على إنهاء الحفل وحدي، فلا تشغل بالك، واسترح.”
“…….”
ظل صامتًا.
وحين هممت بمغادرة الغرفة، استوقفني صوته:
“ليزي.”
التفتُّ:
“ما الأمر؟”
قال مبتسمًا على استحياء:
“حتى لو أفسدتِ الحفل، فلتستمتعي به.”
نظرت إليه بدهشة طفيفة قبل أن أرسم ابتسامة على وجهي.
‘لقد تذكرتَ ما قلته لك، إذن.’
ضحكت بخفة وأجبته بثقة:
“لا تقلق! سأنهي العرض بشكل أنيق، وأتحدث جيدًا مع شقيقي، وسأعود بعد أن أستمتع بالحفل دون أن أفسده.”
ارتسمت على شفتيه ابتسامة صغيرة.
“سأثق بك.”
“ممتنة لك حتى العَبرات… إذن وداعًا يا أركل.”
وقبل أن أغلق الباب بحذر، كان أركل مسندًا على السرير يلوّح بيده بخفة.
فبادلتُه التلويح، ثم غادرتُ عائدة إلى قاعة الاحتفال.
كان وقت الحصول على بعض المعلومات من جين أليهيام، بطل القصة الأصلي.
❖ ❖ ❖
لم يكن العثور على جين أليهايم في القاعة أمرًا صعبًا.
“ليزي…! لقد عدتِ أخيرًا!”
فما إن دخلت حتى أسرع نحوي وكأنه كان بانتظاري.
جعلتُ أنظر حوله.
“أين الفارس؟”
أجاب مطمئنًا:
“آه، بارون رحل. أردتُ أن أتحدث معك على انفراد، وكنت أشعر بالحرج لأنه رافقني بلا داعٍ، لذا صرفتُه.”
لم يكن الدافع شعورًا مؤثرًا كما قد يُظَن، كفرحة لقاء دافئ مع العائلة، بل اقتصر الأمر على أن وجود ذلك الرجل كان يبعث على الضيق.
‘ليس غبيًا تمامًا إذن.’
كان شكله يوحي بأنه فريسة سهلة لأي مفترس، ومع ذلك أعدتُ النظر فيه قليلًا.
تأملتُ ملامحه الباسمة ببلاهة، وضحكت في داخلي:
‘شعره الأبيض الخالص… أليس أشبه بأرنب؟’
كان يملك ملامح دقيقة ووجهًا وديعًا، يشبه ليزي في طيبة المظهر، لكن حيث بدت ليزي محاطة بهالة من القداسة، بدا جين أقرب إلى حيوان صغير ضعيف.
ولو أن البطلة مارثا تتميز بوسامة وكاريزما قوية، فإن جين كان نقيضها تمامًا.
‘بصراحة… صورتاهما متناقضتان لدرجة يصعب تخيلهما معًا… أو ربما التناقض ذاته قد يجعلهما متلائمين؟’
قال مترددًا وقد شعر بحدّة نظراتي:
“هل أنتِ سعيدة لرؤيتي بعد هذا الغياب؟”
ثم حكَّ رأسه بخجل وأضاف:
“قد يكون الأمر محرجًا قليلًا، لكن… انظري إليّ قدر ما شئتِ يا ليزي… هاها.”
كان كلامه وديًا تمامًا ومطابقًا لملامحه المسالمة.
لكن ذلك لم يزدني إلا شعورًا بالنفور الغامض.
“تفضّل معي قليلًا يا أخي.”
أمسكتُ بمعصمه وجذبته.
“ليزي؟”
بدت عليه الدهشة، لكنه أطاع بخضوع.
اصطحبته إلى شرفة مهجورة، حيث يمكننا التحدث بحرية بلا خشية أن يسمعنا أحد.
دخلتُ أولًا وأغلقتُ الباب بهدوء، فيما ظل جين يعلّق بمرح:
“واو، الحديقة رائعة حقًا…”
كان يحدّق في حديقة كايين المترامية تحت الشرفة بإعجاب، بينما كنت أحدّق فيه بصرامة ويدي على صدري.
‘الأمر مريب… صحيح أنه يبدو محبًا لأخته، لكن مهما يكن، لا أراه قادرًا على الانتقام الدموي كما في القصة الأصلية.’
كانت الشكوك تراودني منذ حواري الأول معه:
هل يمكن أن يكون هذا الرجل المسالم فعلًا هو من حوّل القصة إلى ملحمة مظلمة مليئة بالثأر والانهيار؟
‘هل هذا هو من تنكّر كخادم وخدع الجميع، وفرّق بين أركل ومارثا حتى تمزّق بيت كايين؟ هل خطط ونفّذ كل ذلك؟’
بعد لقائي المباشر به، بدا لي أنه ليس غبيًا تمامًا، إذ إن تصرفه مع بارون أظهر حنكة لا بأس بها.
لكن الانطباع العام… لا، لا يبدو أنه من النوع الذي يؤذي الآخرين عمدًا.
كان مجرد شعور بلا برهان ولا تفسير، لكنه كان قويًا في نفسي.
وإن صحّ حدسي، فهذا يعني أن جين في القصة الأصلية ربما كان مُسيّرًا من قِبل قوة خفية.
‘بمعنى آخر… هنالك مُحرّك خفي، أي خصمٌ أعظم.’
ولهذا قررتُ أن أختبره الآن:
هل يحمل في داخله استعدادًا للتخلي عن طيبته والتحوّل إلى منتقم مظلم، أم أن هنالك نفوذًا آخر لا أعرفه هو من يدفعه؟
“أخي.”
التفت إليّ مبتسمًا ببراءة.
“نعم؟”
ما زال شكله لا يوحي إلا بالطيبة والضعف.
قلت بجدية:
“لابد أنك فوجئت بخبر زواجي.”
أجاب مرتبكًا وهو يضحك بخفة:
“نعم… في الحقيقة صُدمت. هاه… لكن على أي حال… ما دمتِ بخير ويتولى بيت كايين العناية بك، فهذا يبعث على الطمأنينة.”
بدا صادقًا غير متصنّع.
رمقته بعين فاحصة ثم تابعتُ:
“وإن حصل لي مكروه هنا… فماذا ستفعل يا أخي؟”
تغيّر وجهه فجأة، وتلاشت ابتسامته وأخذ يُصغي إليّ بتركيز.
“ليزي… هل حدث شيء ما؟”
هززت رأسي:
“لا، لكنني أعلم أن أبي لن يرضى بزواجي أبدًا. وعندما أعود إلى أليهايم، ربما يحاول إقناعك بخصوصي ويسألك نفس السؤال… لذا وددت أن أعرف، ماذا سيكون جوابك؟”
ابتسم بخفة وكأن الأمر اتضح له:
“آه، فهمت… ربما يكون الأمر كما تقولين. إن حدث لك مكروه…”
صمت للحظة يفكر، ثم أردف بجدية—
****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام كملفات، وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 52"