كان الرجل الذي تلقّى الصفعة يضمّ خده بيده ويحدّق بي بذهول وارتباك.
بدا أنه استعاد شيئًا من رشده مقارنة بما كان عليه قبل قليل حين كان يثرثر مذعورًا.
قلت له مجددًا بصوت خالٍ من الانفعال:
“قدِّم اعتذارك.”
أطلق الرجل ضحكة قصيرة متشنجة.
“هَاه…!”
ويبدو أنه أدرك للتو أنّه ضُرب، فطفح غضبُه.
“هل جننتِ يا آنسة أليهايم؟! ما الذي تفعلينه الآن…!!”
فأجبته ببرود:
“الذي جنّ فعلاً هو أنت، حين تجرّأتَ على إطلاق كلامٍ مهين في حفلة تُقام لأجل الدعاء بسلامة العرش.”
“كلام مهين؟! لكن الدوق كايين هناك هو من بدأ أوّلًا…!”
“ثمّ إن—”
قاطعته بصرامة:
“أن تُناديني حتى الآن بـ آنسة أليهايم وأنا متزوجة، فهذا بحدّ ذاته إهانة صريحة إلى زوجي الدوق كايين.”
وأنهيت كلامي محوِّلة بصري إلى بارون:
“وأيضًا، فليحذر حضرة الفارس أيضًا من استعمال الألقاب بعد الآن.”
صمت بارون برهة وهو يحدّق بي مذهولًا، ثم أرخى يده عن مقبض سيفه بملامح مترددة.
أعدتُ وجهي إلى الرجل المقابل:
“والآن، إن كنت قد فهمت، فلتعتذر من زوجي.”
قال الرجل بلهجة مستنكرة متكبّرة:
“هاه! ربما بالغتُ قليلًا، لكن ما يُشاع عن الدوق كايين لا يعرفه أنا وحدي. إنه يملك قوة شيطانية….”
وبينما يرمق الآخرونني ثم أرْكل بقلق، كان الرجل وحده يواصل ثرثرته غير واعٍ لجَوّ التوتر.
“أليس صحيحًا أنّ في كايين وقعت مجزرة عائلية في الماضي؟! أليس من المحتمل أن تكون سجيّة القسوة والدموية متوارثة في نسلهم؟! ثم انظروا إلى حال الدوق الآن….”
رمق أرْكل بخوف ظاهر وهو يلهث، ثم انتفض فجأة كمن ارتاع من ذاته.
“أليس من الطبيعي أن يتحفّز المرء تجاهه؟! الجميع يفكرون مثلي!”
كان تبريره لا يعدو كونه: “لماذا تُهاجمونني وحدي والجميع يظنون الأمر ذاته؟”
نظرت إليه بعينين باردتين:
‘إذن فلن يعتذر بالكلام اللطيف…؟’
إن كان الأمر كذلك فلن أُجامل بعد الآن.
“بكلامك هذا، تريد أن تقول إنّ كايين عشيرة شيطانية بسبب تلك الحادثة الماضية؟”
“أجل، هُمم… أليس ذلك منطقيًا…!”
“يا للعجب… بل أنت الشيطان بعينه.”
ارتجف صوتي كأنني أعاين وحشًا مرعبًا، وحدّقت فيه كما لو كنتُ أنظر إلى شيطان حقيقي.
فصاح غاضبًا غير مصدّق:
“ما الذي…! كيف أكون أنا شيطانًا؟!”
قلت بهدوء مهيب وكأنني أقرر حكمة:
“لقد تعلّمتُ في أليهايم أن نظرة المرء إلى العالم تعكس حقيقته الداخلية. أنا حين سمعت بما جرى في كايين، لم أرَ فيه سوى مأساة أليمة حطّمت قلبي، وفكرتُ كم هو عظيم أنّ بيت كايين نهضوا من تحت ذلك الألم… أما أنت، فلم ترَ سوى جانبها المثير للفضيحة.”
“ل، لا…! لم أقصد ذلك…!”
“أليس لأنك في حقيقتك شخصٌ يشبه الشيطان، لذلك لم ترَ إلا هذا الجانب؟”
“ماذا—! كيف تتفوّهين بمثل هذا الكلام الفظيع!!”
فالتفتُّ إلى الحاضرين مستنكرة:
“ألا توافقونني؟ أليس الجميع يعدّ تلك الحادثة مأساة موجعة؟ بخلاف هذا الرجل المتبلّد.”
تبادل القوم النظرات المترددة، لكن ما أن خرجت هذه الكلمات من فم من يُلقّب بـ”القديسة ليزي أليهايم”، حتى بدأوا يتمتمون واحدًا تلو الآخر.
“صحيح… لم يكن ذاك إلا حادثًا مأساويًا بالفعل.”
“يصعب عليّ تصوّر شعور من يُزهَقُ حياته على يد أقرب الناس إليه… إنه حقًّا أمر محزن ومروع.”
“ومع ذلك يصفهم هذا الشخص بأنهم عشيرة شيطانية… لا عجب أن مستواه هكذا.”
وما هي إلا لحظات حتى تحوّل ذلك الحدث المرعب الدموي إلى ذكرى مأساوية تثير الحزن، وأصبح الرجل الذي نعت أرْكل بالشيطان مجرد وغدٍ عديم التمييز سخر من مآسٍ إنسانية.
وأخذ الناس، كلّ بدوره، يُظهر أنّه أرقى خُلقًا وأكثر تعاطفًا من ذلك الرجل، فتناقلوا همسات الاتهام.
“كنت أشعر منذ زمن أن في هذا الشخص شيئًا مريبًا… وها قد تأكدت ظنوني.”
“حقًا؟ وأنا أيضًا التقيتُه قبل فترة في حفلٍ آخر، وكان تصرّفه هناك….”
“ل، ليس الأمر كذلك!! أنا فقط…! يا آنس— لا، يا سيدة كايين!”
التفت إليّ الرجل شاحب الوجه مستنجدًا.
لكنني أشرت إليه بيدي قائلة بنبرة مقزّزة صادقة:
“وما زلتَ لا تُبدي أي ندم… مجرّد التفكير بأن شخصًا مثلك يعيش بيننا بلا حرج يُثير القشعريرة. أظنّ أنه من واجب الجميع الحذر منك.”
“سيدة كايين!!”
‘والآن، كيف تشعر بعدما جرّبتَ ما فعلته بأرْكل؟’
لم يكن يحتاج جوابًا؛ فمجرّد ملامح الرجل المذعورة تكفي.
وجهه يقول إنه يتمنى لو ابتلعته الأرض.
وبينما ظلّ يفتح فمه ويطبقه في عجز وارتباك، لم يجد بُدًّا من أن يهوي فجأة على ركبتيه.
ارتبك الرجل حتى غدا كمن يفتح فمه ويطبقه بلا توقف، ثم انطرح فجأة على ركبتيه.
“…أ.. أرجوكِ، حقًا أعتذر…! في الحقيقة كنتُ أرى الأمر مأساة مؤلمة أيضًا. فـ.. فقط كنت سيّئ التعبير….”
قلت ببرود:
“اطلب الغفران من المعنيّ بالأمر، من زوجي.”
ابتلع الرجل ريقه الجاف، وهو يرتجف بعينيه المذعورتين نحو أرْكل، ثم تكلّف بصعوبة فتح فمه:
“…أ.. أع.. أعتذر.”
“صوتك منخفض جدًا حتى إن زوجي لم يسمعك، ماذا قلت؟”
“أ.. أنا المخطئ، يا الدوق كايين… ما كان لي أن أسيء في حفلة تُقام لأجل الدعاء بسلامة العرش… أرجو المعذرة.”
ظلّ أركل صامتًا يرمقه بعينيه الباردتين من علٍ.
عندها ابتسمت له أنا برقة وقلت:
“أرْكل، أليس هذا يكفي؟ ألا يسعك أن تغفر له الآن؟”
أومأ ببطء، فتنفّس الرجل عندئذٍ زفرة ارتياح مضطربة، وقد اسودّ وجهه من الخوف والارتعاش.
لكن نظرات الاحتقار المصوَّبة نحوه من كل صوب لم تخبُ بسهولة.
“آنسة أليهايم، لا، سيدة كايين… حقًا إنك صاحبة خُلق رفيع. أما أنا، فما كنت لأغفر لمن أهان مأساة عائلتي…”
“إنما لأنها قديسة، فذلك أمر ممكن لها.”
كان هذا ثمرة اندماج صورتي المقدّسة التي يشتهر بها اسم ليزي في أرجاء الإمبراطورية مع قدرتي على قلب الموازين.
‘فالآراء إذا خرجت من فم صاحب مكانة، يسهل أن تجد قبولًا بين الناس.’
لكن، وإن صار الجو العام أكثر ميلًا إلى جانب أرْكل، لم يرق لي ما ساد القاعة.
‘كلهم يتظاهرون وكأنهم أبرياء لم يقولوا شيئًا.’
كنت بارعة أنا أيضًا في تغيير المواقف سريعًا، لكنهم لا يعترفون بذلك، بل يوهمون أنفسهم بالنقاء المطلق، وهذا ما ضايقني.
‘ممل… سأنهي الأمر وأغادر فورًا.’
ثم تذكرت أنّ أرْكل ما زال يقاوم أوجاعه، فلابد أن أسرع في تهدئته.
ابتسمت اعتذارًا وأنا أحدّق في الحاضرين:
“أيها السادة، في الواقع زوجي يعاني منذ الأمس من حُمّى شديدة. دعوتُه خصيصًا ليلقي التحية، لكن للأسف حدث ما حدث. يؤسفني ما جرى.”
ووجهت نظري نحو الرجل الذي كان قد أشار بوقاحة إلى أرْكل.
فطأطأ رأسه صامتًا، لا يجد ما يقول.
“على كل حال، سيعود زوجي ليستريح. أرجو أن تستمتعوا ببقية الأمسية.”
أومأت تحيةً وجذبت برفق كمّ أرْكل:
“لنذهب يا أرْكل.”
ثم نظرت إليه مبتسمة بخفة، وهمست شفتي كي لا يسمع سوانا:
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات