وما لبثت أن سقطت جاثية على الأرض، فصاحت ليزي مذعورة:
“رئيسة الخدم؟!”
تمتمت سيلفيا بصوت مرتجف:
“إحدى زميلاتي… أصيبت إصابة خطيرة… أثناء أداء مهمة وقعت في حادث. إن تُركت على حالها ستموت. سمعتُ أن لديكِ قدرة على الشفاء، آنستي القديسة…!”
رفعت رأسها جاثية على ركبتيها تحدّق في ليزي بعينين دامعتين.
“أتوسل إليكِ، أنقذيها! أرجوكِ، سامحيني على ما بدر مني من إساءة من قبل، أرجوكِ أظهري رحمتك!”
بينما كان وجهها يفيض بالرجاء المخلص، كانت في داخلها تبتسم ابتسامة خبيثة.
‘أيتها الساذجة… لن تملكي إلا أن تنخدعي بي.’
لقد تمرست على هذا التمثيل منذ صغرها، إذ كان البقاء في عالم الظلام يقتضي ذلك.
وكما توقعت، بدت ملامح ليزي ساذجة إلى حدّ يثير الشفقة.
ضغطت سيلفيا على عينيها حتى انحدرت دمعة كبيرة، لتكمل تمثيلها ببراعة.
“أرجوكِ… أنقذيها…!”
فسألتها ليزي برفق:
“وأين هي الآن؟”
تهلل قلب سيلفيا، وقد أيقنت أنها انطلت عليها الحيلة.
“إنها في المزرعة بجوار القصر. هل ستساعدينها حقاً؟”
أرسلت إليها نظرة تفيض بالأمل. فتأملتها ليزي طويلاً بصمت، قبل أن تهمس:
“المزرعة…”
ثم أومأت برأسها.
“دلّيني عليها.”
غبية.
سخرت سيلفيا في سرّها، ثم نهضت ببطء.
“شكراً! شكراً جزيلاً لكِ يا آنستي القديسة!”
ومهما أكثرَت من الشكر، ظلت ليزي تكتفي بابتسامة صامتة.
“من هذه الجهة، أرجوكِ أسرعي.”
انطلقت سيلفيا بخطوات متعجلة، فيما لحقت بها ليزي.
“الجميع هناك ينتظر حضوركِ فقط!”
قالتها ثم رسمت على شفتيها ابتسامة ملتوية.
خرجتا من القصر حتى وصلتا إلى المزرعة.
فتحت سيلفيا الباب الضخم، ثم التفتت:
“تفضلي آنستي.”
دخلت ليزي بحذر خلفها.
كان المكان معتماً تماماً.
فما إن أوقدت سيلفيا المصباح الذي تحمله حتى بدا لهما ما أمامهما.
“أين المريضة؟”
سألت ليزي.
فأجابت سيلفيا ببرود:
“من هذه الناحية، اتبعيني.”
قادتها وهي ترفع المصباح، حتى وصلا إلى قفص كبير.
“إنها هنا.”
رفعت سيلفيا المصباح لتُظهر ما بداخل القفص.
كانت هناك فتاة بزيّ الخدم ممددة أرضاً، وقد غطيت ببطانية ملطخة بالدم.
قالت سيلفيا بصوت متهدج:
“كثيراً ما تهرب المواشي، لذا نضع فخاخاً في كل مكان. لكنها جديدة ولم تكن تعرف… فوقعت ضحية لذلك.”
عضّت شفتها وأطرقت، وكأنها مكبوتة الألم.
“وضعناها هنا لأنه المكان الأكثر أماناً… يكفي أن تعالجيها فحسب.”
صمتت ليزي لحظة، فقالت سيلفيا برجاء:
“أرجوكِ، أنقذيها يا آنستي.”
أجابت بهدوء:
“حسناً.”
صرخت سيلفيا فرِحة:
“آه… شكراً لكِ، شكراً حقاً!”
تقدمت ليزي ببطء، ثم دخلت القفص بحذر.
وفجأة—
قعقعة!
أُغلق الباب الحديدي بإحكام.
تسمرت ليزي في مكانها، والتفتت مذعورة.
فانفجرت سيلفيا ضاحكة بصوت عالٍ.
“هيا… جربي أن تنقذي هذه الدمية المصنوعة من القش!”
وفي اللحظة نفسها، أضاءت المزرعة كلها.
خرج الخدم واحداً تلو الآخر، يحملون مصابيح مشتعلة.
تبيّن للفتاة أخيراً أنّ الجسد الممدد ليس سوى كومة قش لُفّت بزيّ خادمة، وزُيّنت بخيوط تشبه الشعر. أما الدم فمجرد طلاء رخيص.
انفجر الخدم من حولها ضاحكين بصوت صاخب.
بينما تقدمت سيلفيا، ونظرت إليها مباشرة.
“آسفة على الخداع يا آنستي… لكن ثمة شيء صدقته في كلامي.”
ابتسمت باستهزاء، وأشارت بيدها:
“ترين هذه الأغلال على الأرض؟”
خفضت ليزي بصرها، فرأت قيوداً ضخمة مربوطة بسلاسل غليظة.
تابعت سيلفيا ببرود:
“قلتُ إن الهروب كثير الحدوث هنا، وهذا صحيح. لكن لم يكونوا مواشي… بل بشر.”
تصلبت نبرتها، وصار بريق عينيها بارداً كالثلج.
“المكان الذي تقفين فيه الآن… هو قفص البشر في كايين. هل سمعتِ به من قبل؟”
تجمدت ليزي مذهولة، وفغر فمها ببطء.
فارتسمت ابتسامة عريضة على شفتي سيلفيا.
“كل من يعصي الأوامر أو يرتكب خطأً… يُسجن هنا، ويُكبّل بتلك القيود لأشهر وربما لسنوات.”
بقيت ليزي واجمة كالمصعوقة.
‘لقد بدأت تنهار…’
فكرت سيلفيا بسعادة، ثم تابعت بصوت منتشٍ:
“حتى وإن لم يقتلِك السيّد… فلن يعتبركِ إنسانة. يؤسفني أن أخبركِ أنّكِ مجرد أسيرة.”
رفعت صوتها أكثر:
“هل تفهمين؟ من الآن فصاعداً، هذا القفص هو منزلكِ يا قديسة!”
تشابكت ذراعا سيلفيا وهي تحدّق بليزي داخل القفص.
وقالت بتهكّم:
“ياللشفقة… كنتِ قديسة جليلة، والآن صرتِ في لحظة أتعس من البهائم.”
وانفجرت ضحكاتٌ ساخرة بين الخدم من حولها.
ثم أضافت سيلفيا ببطء:
“لكن… الأمر ليس ميؤوسًا منه تمامًا. أتريدين مساعدتي؟ لو استطعتِ كسب ودّي، فقد أتحدّث إلى السيّد عنك. ربما أقنعه بتحسين وضعك.”
بقيت ليزي صامتة، تنظر إليها بثبات.
ابتسمت سيلفيا بثقة:
“تستطيعين أن تثقي بي. فأنا محلُّ ثقةٍ عنده أكثر مما تظنين. فما قولك؟ هل تفضلين البقاء في هذا القفص للأبد؟ إن لم يكن كذلك… فاركعي، وتوسّلي، أيتها الغِرّة الصغيرة.”
ارتفع جانب فمها بابتسامة ماكرة.
كان ذهنها مليئًا بالتوقعات.
‘الآن ستبكي لا محالة، ستسقط على ركبتيها، تتوسلني وتستجدي رحمة… غبية.’
جلست تنتظر دموع ليزي، تنتظر انهيارها ونحيبها.
لكن مهما انتظرت، لم يتغير وجه الفتاة.
‘ما الأمر؟ لم تفقد صوابها كليًّا بعد؟’
لكنها سرعان ما أقنعت نفسها بأن الوقت كفيل بذلك.
فبعد قليل ستصرخ الفتاة وتبكي بحرقة، تتوسل أن يطلقوا سراحها، تعرض أن تفعل أي شيء للخلاص.
‘أوه… كم أترقب لتلك اللحظة.’
غير أنّ ليزي لم تركع، ولم تبكِ، ولم تتحرك.
عقدت سيلفيا حاجبيها.
‘ما هذا؟ هل فقدت عقلها تمامًا؟’
وبينما تحدّق فيها بعينين ضيقتين، تحركت شفتا ليزي أخيرًا.
وانساب صوت خافت.
“…رائع.”
“ماذا؟!”
اتسعت عينا سيلفيا وخدمها بدهشة بالغة.
❖ ❖ ❖
كنتُ أحدّق في القفص حولي بشرود.
لم يكن من السهل استجماع ذهني.
فالمكان الذي أقف فيه الآن هو…
أجل! هذا بالضبط المكان الذي التقى فيه البطل والبطلة لأول مرة في المشهد المحرَّم!
ترددت في البداية، لكن حين وقعت عيناي على الأغلال تأكدت.
هنا سُجن جين بعد اتهامه بالجاسوسية وتعرضه للتعذيب…
ثم جاءت مارثا لتزوره، وهناك…
يا إلهي…!
اشتعل رأسي بحرارة.
مشهد فاسد وغارق في الانحطاط كما يليق برواية سوداوية من هذا النوع.
كنتُ قد قرأته مرارًا حتى أن تفاصيله ما زالت منقوشة في ذهني سطرًا سطرًا.
والآن، وأنا أقف في المكان نفسه، شعرت وكأن المشهد يُعرض أمامي مباشرة.
فانفلتت من فمي همهمة بلا وعي:
“رائع…”
“ماذا قلتِ الآن؟!”
كان الصوت الغاضب يعود إلى رئيسة الخدم ذات الشعر الأحمر.
وفي لحظة تحطّم كل ذلك المزاج.
“آه… كان الجو جميلًا لتوّه.”
“هل جُننتِ حقًّا؟”
كانت رئيسة الخدم تبحلق بي في حيرة، وكذلك بقية الخدم الذين همسوا متضايقين.
أما أنا فتمهلت، ثم نهضت واقفة.
‘حسنًا، كفى لعبًا… حان وقت الخروج.’
كنت أعلم تمامًا كيف أخرج من هذا المكان.
فمن الواضح أن ادعاءهم بأن مارثا أو أركل هما من أمرَا بحبسي كان كذبًا.
في الأصل، لم يقترب أيٌّ منهما من ليزي في القصة، ولم يضعاها في موقف كهذا.
كل ما في الأمر أن بعض الخدم الحقيرين الذين يكرهونها أرادوا إخافتها.
لم يقدروا أن يمسوها جسديًّا، فاكتفوا بترهيبها نفسيًّا.
وليس غريبًا أن ليزي البريئة لم تحتمل ذلك.
أما أنا… فكنت مشغولة بمحاكاة مشهد 18+ المحرَّم في رأسي.
اقتربت من القضبان الحديدية، فالتفتت جميع الأنظار إليّ.
انحنيت أتحسس أرضية القفص:
“يجب أن يكون هنا في مكانٍ ما…”
“ماذا تفعل؟”
“هاه! وجدته!”
تحسست طوبةً صغيرة منقوشًا عليها أثر على شكل صليب، وضغطت عليها.
فصدر صوتٌ ثقيل، و”كرك”… وإذا بالباب الحديدي ينفتح.
خرجت بخطوات هادئة وكأن الأمر لا شيء.
وكان الخدم ورئيسة الخدم يحدقون بي بأفواه فاغرة.
“مستحيل… كيف…؟!”
كانت رئيسة الخدم تتمتم وهي تنظر إليّ ثم إلى القفص.
فاكتفيت بابتسامة صامتة نحوها.
فهذا سرٌّ لا يعرفه إلا أبناء أسرة كايين أنفسهم:
أن لهذا القفص آلية خفية تتيح لهم الدخول والخروج متى شاءوا.
وكانت مارثا كايين تستخدمها لتزور جين في سجنه… لأجل المشهد المحرم.
‘رواية البالغين أنقذتني مرة أخرى…’
والحمد لله أنهم لم يضعوا الأغلال في يدي وقدمي.
ربما ترددوا في لمسي مباشرة.
“سيلفيا! ما الذي حدث هنا؟!”
صرخ أحد الخدم على رئيسة الخدم.
إذن اسمها سيلفيا…
“لقد دمّرتِ كل شيء! ما العمل الآن؟!”
“اصمت! أخرسوا جميعًا!”
صرخت سيلفيا مضطربة.
ثم التفتت إليّ ببطء، وقالت بارتباك:
“فكري جيدًا يا قديسة… إن أنا رفعت أمرك إلى السيّد فربما…”
قاطعتها بابتسامة هادئة:
“كاذبة.”
اتسعت عيناها أكثر.
تابعتُ بابتسامة رقيقة:
“أعرف أن كل ما قلته محض افتراء. لم تكوني تريدين سوى إخافتي والتلاعب بي.”
“هراء! السيّد قال بنفسه إنك ستُسجَنين! فتاة عديمة الفائدة مثلك، لا تجيدين سوى استهلاك الطعام…”
“حقًّا؟”
ابتسمت ابتسامة باردة، وتقدمت بخطوة نحوها.
“إذن… هل أنا حقًّا عديمة النفع عند أسرة كايين؟”
مددت يدي فجأة وأمسكت بيد سيلفيا بقوة.
ارتبكت وهي تحاول الإفلات، لكنني لم أدعها.
“د-دعي يدي…!”
رفعت يدها قسرًا حتى لامست عنقي، وأحطت بها رقبتي.
ثم ابتسمت كالملاك وهمست:
“جرّبي إذن… اقتليني.”
~
ترجمة ليين سنادا💕
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 5"