بحسب ما نقلته إليّ إحدى الخادمات، قالت مارثا إنهم سيدعونني عندما يبلغ الحفل ذروته.
ولذلك كان لا يزال لديّ متسع من الوقت.
‘هل أعود لأنام…؟’
فكرت في ذلك، لكن النوم لم يغمض لي جفنًا.
انتهى بي الأمر أقضي الوقت ساهرة ثم تناولت وجبة خفيفة.
وبعد أن اغتسلت وخرجت، دخلن الخادمات يحملن فستانًا بين أيديهن.
قالت إحداهن:
“سيدي أمر بأن نرافقك إلى قاعة الحفل حالما تنتهين من استعدادك.”
‘أخيرًا…!’
بدّلت ملابسي بفستان أبيض ناصع مرصّع بجواهر وردية فاتحة اللون متلألئة كذرات النجوم، فاقترحن الخادمات أن يعتنين بشعري.
جلست بهدوء على الكرسي وتركتهن يقمن بعملهن.
وبعد لحظات من التمشيط والتصفيف، سمعت إحداهن تهمس:
“سيدتي ليزي… إنكِ كالملاك.”
نظرت إلى صورتي في المرآة فوجدتها حقًا فاتنة.
تسريحة الشعر نصف المربوط بضفيرتين جانبيتين من شعري الفضي الطويل بدت ملائمة تمامًا للفستان.
أما الزينة التي وضعنها في شعري، فلم تكن مبالغًا فيها، ومع ذلك خطفت الأنظار.
“إن كنتِ قد انتهيتِ من استعدادك، سنرافقك إلى القاعة. الجميع بانتظارك.”
“حسنًا، لنذهب.”
هكذا بدأت أسير نحو قاعة الحفل.
❖ ❖ ❖
كانت القاعة أوسع حتى من قاعة الرقص.
وقد دخلتُ من الطابق الثاني، فأبصرت من فوق عددًا كبيرًا من الحاضرين.
بدا أن نبلاء أكثر مما توقعت قد حضروا.
وكان الجو مفعمًا بالحيوية، إذ كان الحفل في أوج نشاطه.
هناك في انتظاري، وقفت مارثا وقد رفعت شعرها إلى الخلف بعقدة أنيقة وخلعت نظارتها.
“أين أركل؟”
سألت مارثا أحد الخدم بجوارها.
“ذلك، هو…”
تردّد الخادم للحظة ثم همس في أذنها.
“……”
نظرت إليّ مارثا بامتعاض وكأن الأمر بات مزعجًا، وقالت:
“لا بأس، فهمت.”
‘ما الأمر؟’
تساءلت في داخلي، لكن لم أجد وقتًا للتفكير، إذ سرعان ما أومأت إليّ مارثا من جديد.
“هل أنتِ جاهزة؟”
أومأت برأسي بخفة.
“سأنزل أولًا وأبدأ بالكلام، وعندما أعطيكِ الإشارة انزلي.”
قالت ذلك ثم نزلت إلى القاعة الرئيسية في الطابق الأول.
أما أنا فاختبأت خلف الدرابزين، أراقب بصمت ما يجري أسفل القاعة.
ولحسن الحظ، كان الجميع منشغلين في الأحاديث، فلم ينتبه أحد إلى وجودي.
وما إن بدأت مارثا بالكلام وسط القاعة حتى تركزت أنظار الحضور جميعًا عليها.
“لقد اجتمعنا اليوم في هذا الحفل لنشرب نخبًا احتفالًا بشفاء جلالة الإمبراطور.”
رفعت مارثا كأس الخمر عاليًا، فرفع الآخرون كؤوسهم تبعًا لها.
أما من لم يحمل كأسًا، فوضع يده على صدره تحيةً وإجلالًا.
“لأجل العرش، ولأجل الإمبراطورية.”
“لأجلها-!”
أنهت مارثا النخب وأعادت كأسها الفارغ إلى صينية الخادم، ثم مسحت فمها بمنديل قبل أن تتابع حديثها:
“وثمة أمر آخر أود إعلانه.”
توجهت إليها الأنظار مرة أخرى.
“سمعتم حتمًا بالشائعات الأخيرة عن كايين، والمتعلقة بابنة أليهايم.”
ساد الصمت القاعة.
لم يتوقع أحد أن تذكر مارثا موضوعًا كان الجميع يتفادون الخوض فيه.
لكن كلماتها لم تتوقف عند ذلك.
“أهي شائعة تقول إن ابنة أليهايم المفقودة موجودة في بيت كايين؟”
خيم على القاعة صمت أشد ثقلاً.
وبدت على بعض النبلاء علامات الذعر الواضح.
‘لا بد أنهم ممن نشروا الشائعة بأنفسهم.’
ربما ظنوا أن مارثا ستنتقم منهم، فارتعدت فرائصهم.
“والآن سأكشف الحقيقة عن تلك الشائعة أمامكم.”
حبس الجميع أنفاسهم في انتظار ما ستقول.
“إن الشائعة القائلة بوجود ابنة أليهايم هنا… صحيحة.”
ارتجّت القاعة من وقع المفاجأة.
ولم يجرؤ أحد على النطق بكلمة.
وكما في كل مرة، قطعت مارثا الصمت بنفسها:
“لكن ثمة فرق جوهري عن ما تردده الألسن. وأود أن أوضحه علنًا. ليزي.”
نادت اسمي.
وكانت تلك هي الإشارة.
فنهضت من وراء الدرابزين حيث كنت مختبئة، وبدأت أنزل الدرج بخطى هادئة.
أحسست بكل العيون مسلطة عليّ.
وعندما وقفت إلى جوار مارثا وسط القاعة، استطعت أن أرى وجوه الحضور وقد بدت عليها الدهشة الصادمة.
“لا يصدق…”
“…….”
“إنها حقًا ابنة أليهايم…!”
همسات مضطربة ملأت القاعة.
وفجأة، ارتفع صوت شيخ من النبلاء من مؤخرة القاعة، وقد علاه الذعر:
“دوقة كايين!! ما الذي تفعلينه…؟! أتراكِ تعترفين بجريمة في حفل يُقام من أجل الدعاء لسلامة العرش؟! جريمة اختطاف ابنة أليهايم؟!”
فردّت مارثا بنبرة حاسمة، وهي تتجه بنظرها نحو مصدر الصوت:
“أي جريمة؟ لم أنهِ كلامي بعد. قلت إن ابنة أليهايم هنا، ولم أقل إنها اختُطفت.”
“إذن لماذا…؟! لماذا تكون هنا؟!”
ابتسمت مارثا بثبات وقالت:
“ابنة أليهايم قد تزوجت من أركل كايين.”
“…….؟!؟!!”
تجمّد وجه الشيخ العجوز في ذهول، وكذلك وجوه بقية الحضور.
فقد تلقوا صدمتين متتاليتين، وكل واحدة منهما تكفي وحدها لزلزلتهم.
وربما لاحظت مارثا حيرتهم، فبادرت إلى توضيح الأمر مجددًا:
“أعيد الإعلان رسميًا: إن شقيقي أركل كايين قد تزوج من ليزي أليهايم. فهي لم تعد ابنة أليهايم، بل أصبحت الآن زوجة في بيت كايين.”
“……”
“إذن فوجود ليزي أليهايم هنا لا يُعد اختطافًا، بل عودتها إلى بيتها.”
ومع ذلك ظل الحاضرون مذهولين كأن أرواحهم قد فارقتهم.
تمتمت مارثا وهي تلحس شفتيها بخفة:
“ظننتُ على الأقل أن أسمع بعض كلمات التهنئة…”
لكن وسط الذهول، ارتفع صوت امرأة تخاطب مارثا:
“لكن يا دوقة كايين…! حين جئتِ إلى العاصمة من قبل… ألم تقولي إنكِ ستدبرين لي لقاءً تعارفيًا مع شقيقكِ؟!”
فأجابتها مارثا بهدوء:
“آه، في ذلك الحين لم أكن أعلم أن لشقيقي خطيبة بالفعل… فقد أخفى الأمر عني هو أيضًا.”
“لكن—”
“أعتذر، وسأعوّضكِ بأن أعرّفك على أحد أقاربي بدلاً عنه.”
ورغم أن المرأة لم تبدُ مقتنعة، إلا أن جواب مارثا الحاسم أسكتها.
حينها سأل رجل في منتصف العمر:
“إذن، بقولكِ خطيبة، تعنين أن اللورد كايين والسيدة أليهايم كانا يعرفان بعضهما منذ زمن؟”
“بل أدق من ذلك: كانا يعرفان بعضهما، وقد تبادلا وعد الزواج.”
جاء صوت آخر من ناحية أخرى من القاعة:
“فما معنى اختفاء ابنة أليهايم إذن…؟”
“لم تختفِ، بل أقامت زفافها فحسب.”
“إذن لماذا لم تُخبروا بيت أليهايم؟”
جذبني ذلك الصوت المألوف، فالتفتُّ تلقائيًا صوبه.
“أتزعمون أن ابنة أليهايم النقية تخلّت عن حاكمها وعائلتها لتختار كايين؟!”
تقدّم الرجل بخطى ثابتة وحدته تملأ صوته.
وما إن رأيته حتى أدركت أنه شخص أعرفه.
“م-مهلاً، اللورد بارون—”
لاحق به رجل آخر ذو شعر فضي وعيون وردية كأزهار الكرز، لم أكن قد رأيته من قبل، ومع ذلك عرفت من يكون في لحظة.
ابتسم لي ابتسامة متكلفة وقال:
“…مرّ وقت طويل يا ليزي.”
“صحيح أنني فوجئت… لكن أحمد الإله أنكِ بخير.”
‘جين أليهايم—’
وجهه نسخة مطابقة لوجهي.
لم يكن ثمة شك: إنه أخي الأكبر، وبطل القصة الأصلي جين أليهايم.
أما الذي بجانبه فكان…
“يبدو أنني ارتكبتُ حماقة في ذلك الوقت.”
نظر إليّ بعينيه الزمرديتين اللامعتين.
“لم أكن أعلم أنكِ امرأة متزوجة. فتطفلتُ بما لا يعنيني.”
ابتسمتُ، ورددت بلهجة لا تخلو من التحدي:
“ألم أقل لك آنذاك إن الأمر لا يعنيك يا فارس؟”
“أعتذر. لكن بما أن سيّدتي، أو بالأحرى آنستي، قد أخفت الأمر عني هي الأخرى، فلنحاسب بعضنا بالتساوي.”
كانت مارثا وجين يتبادلان النظرات بحيرة، وكأنهما لا يفهمان شيئًا من حديثنا.
وقبل أن تفقد مارثا صبرها، أعاد بارون الكلام إلى صلب الموضوع:
“على أي حال يا دوقة كايين، أتعنين أن الآنسة أليهايم رحلت دون أن تخبر أسرتها بكلمة واحدة؟”
“……”
“حتى وإن كان لها خطيب مخفي، فأن ترحل هكذا من دون أن تُعلم أهلها، أمر غير مقبول.”
كان نظر بارون حادًا وهو يواجه مارثا.
لكنها لم تقلّ عنه برودة وصلابة وهي تجيب:
“لم تعد الآنسة أليهايم، بل أصبحت سيدة كايين.”
“……”
“ثم إنها لم ترتكب جرمًا، فلماذا عليها أن تكشف شؤونها الخاصة في هذا الجمع؟ قد تكون رحلت لأنها كانت تعاني من فرط الحماية في بيتها، أو لأي سبب آخر يصعب البوح به.”
وانتقل بصر مارثا القاسي نحو جين أليهايم، فارتجف جسده من غير قصد.
هكذا كان اللقاء الأول بين البطلة والبطل في القصة الأصلية.
وإن كانت الأحداث قد انحرفت عن مسارها، فقد ظننت رغم ذلك أن كليهما سيسلكان الدرب المرسوم لهما كقدر محتوم…
‘لكن لا، لن تسير القصة كما كانت.’
فلا جو رومانسي هنا، إذ بدا جين مرعوبًا تمامًا من مارثا بينما هي تنظر إليه نظرة استخفاف.
عندها أيقنت أن عليّ أن أودّع آخر ما تبقى في داخلي من حبكة القمر الأحمر.
‘وداعًا… كنت أحب علاقتكما، لكنني أنا من دمّرها.’
وبينما كنت أودّعها في قلبي بشيء من الحنين، التفت إليّ بارون قائلاً:
“إذن فلنسأل السيدة نفسها. هل ما تقوله الدوقة كايين صحيح؟”
“لورد بارون…!”
“تفهّمي يا وريثة العائلة. لا بد أن نسمع جوابها.”
رفعت عينيّ إلى بارون بثبات.
لم أفهم سبب وجوده مع جين أليهايم، لكن ذلك لم يكن مهمًا.
‘حسنًا… هذا ما كنت أريده بالضبط.’
كنت أنتظر مثل هذا السؤال، سؤال يجعل العيون كلها تتركّز عليّ.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 49"