“أعتذر إن كنتُ قد أسأت إليكِ. لكن كما تعلمين… لا بد أنك تفهمين ما أقصده.”
‘ما الذي يهذي به؟’
كنت منهمكة أركز على اختيار القماش المناسب لعرض الفيلم، لكن إصراره على فتح الحديث لم يزل يضايقني.
فأجبته بأدب مع رسم خط فاصل بيننا:
“أشكرك على اهتمامك، لكن لا داعي لأن تشغل بالك. إخبارك بذلك لن يغيّر شيئًا على أية حال.”
“لا أحد يدري. أحيانًا يكون الإصغاء لنصيحة الغير عونًا لم يخطر لكِ على بال.”
تنهدت، ثم رميت بكلمة أردتُ بها أن أضع حدًّا للمجادلة:
“أخبرني إذن، هل جرّبت الحب يا فارس؟”
صمت فجأة وكأن الكلام قد جمد على شفتيه.
كنت على وشك أن أقول له ألا يتحدث عن أمور لا خبرة له بها، كحوارٍ مبتذل في دراما رخيصة، لكنه بادر قائلاً:
“لدي خطيبة.”
ثم أضاف بهدوء:
“لم أرها ولو مرة واحدة، لكن….”
يبدو أن وراء قوله حكايةً أخرى، لكني لم أعره اهتمامًا.
“آه… هكذا إذن. حسنًا، هذا هو القماش الذي أريده! تفضل، الحساب من فضلك.”
لم يكن لدي وقت لأستمع إلى قصة حياة رجل غريب التقيته للتو.
دفعت ثمن القماش، وحملت الكيس بين ذراعي، ثم استدرت مغادرة بكل برود.
أحسست من وراء ظهري بنظراته المتفاجئة تلاحقني.
“هيا بنا يا ناران!”
أمسكت بمعصمه وأخذت أجرّه.
وكان قد بدا للحظة وكأنه استعاد وعيه، لكنه ما لبث أن عاد يتمتم مثل دمية ورقية:
“أه… أأه….”
“سنعود بمفردنا، نرغب أن نستمتع بقليل من الوقت الخاص.”
قلتها وأنا ألتفت إلى الفارس قبل مغادرة المتجر.
“إذن، في أمان الإله يا سيدي الفارس.”
ومعنى كلامي: كنا معًا بلا جدوى، ولا حاجة بي لأن ألقاك ثانية.
ثم شددت على يد ناران وغادرنا.
شعرت وكأن نظراته ما زالت تلاحق ظهري، لكنني فكرت:
‘لا بأس، لن نلتقي بعد اليوم على أي حال.’
وبينما كنت أجرّ ناران بلا اتجاه محدد، أطلقت تنهيدة طويلة حين خُيّل إلي أن الوضع بات آمنًا:
“أوف… كان الأمر على شفا الخطر. ناران، أفق قليلًا! دلّنا على الطريق للعودة.”
“هاه؟ أأه… قلتِ سنذهب إلى النهر معًا؟”
وضعت القماش جانبًا، وربّتُ على وجنتيه بكفّيَّ:
“أفق، علينا العودة. أمامنا عمل كثير.”
حينها أفاق قليلًا، وأومأ معتذرًا:
“سامحيني يا ليز… أقصد، يا ليزي. فلنعد بسرعة.”
رفع كيس القماش بيديه وتقدم في الطريق.
ثم وهو يمشي أمامي التفت متردّدًا يسألني إن كنتُ حقًا لا أنوي الذهاب إلى النهر كما قلت من قبل.
❖ ❖ ❖
عدنا إلى قصر كايين من الباب الجانبي نفسه الذي خرجنا منه.
ولحسن الحظ، كان وقت الغداء قد حلّ، فلم نصادف أحدًا من الخدم وعدنا إلى الغرفة بسلام.
“حسنًا، فلنجرّب هذا فورًا.”
علّقت القماش على النافذة، ثم شغّلت حجر العرض فوقه.
كانت النتيجة مُرضية للغاية؛ أوضح بكثير مما كان عليه عند استخدام الأغطية، ومن دون أي تجاعيد.
‘أحسنت الاختيار، قماش سميك ومشدود تمامًا!’
“مذهل! الصور تبدو أوضح بكثير هكذا يا ليزي!”
قالها ناران بدهشة وقد رأى الشاشة لأول مرة.
“كما توقعت، أنتِ رائعة!”
ابتسمت بهدوء.
لم يكن الأمر بفضلي أنا، بل بفضل أعجوبة من اختراعات حياتي السابقة تُدعى “جهاز العرض”، لكنني لم أقل شيئًا.
“سأستخدم هذا لأعرض فيلمي أمام نبلاء الحفل. سيكونون جميعًا أمام تسلية لم يعرفوها من قبل!”
“سوف يذهلون حقًّا! خاصة أنه من صنعك أنتِ يا ليزي. أنتِ مذهلة.”
ابتسمت وربتُّ على رأسه بلطف وهو يرمقني بنظرة إعجاب صادقة.
“الآن تبدأ المرحلة الجادة. سأحوّل قاعة الرقص إلى قاعة عرض. لقد أخذتُ إذن الآنسة مارثا، وأعددت كراسي بعدد الضيوف. لا بد أن الخدم قد بدأوا تجهيزها بالفعل، سأذهب وأشرف عليهم. هل ترافقني يا ناران؟”
“نعم! بالتأكيد سأساعدك يا ليزي!”
أجاب وهو يهز رأسه بحماس.
أخذنا القماش معنا. قلت وأنا أغمز:
“سنقول إنه جاءنا بوساطة هوان.”
فما كان من ناران إلا أن رد بغَمزة مماثلة:
“سأكفل هوان أن يتفق مع حديثنا.”
ثم انطلقنا معًا، أنا وملاكي الصغير الذي يفهمني بلا شرح نحو قاعة الرقص.
❖ ❖ ❖
لم ينته العمل إلا متأخرًا في ذلك المساء.
كلما حاولت القيام بأي شيء، كان الخدم وناران يقفزون متفاجئين إلى جانبي صارخين: “سأفعلها أنا يا سيدة ليزي!” و”ليزي، سأقوم بذلك!”، فانتهى بي الأمر إلى أن أقتصر تقريبًا على الإشراف على سير العمل فقط.
وبينما أتأمل القاعة وقد اكتملت، تألقت عيناي.
‘يبدو الأمر واقعيًا جدًّا! لا، بل ربما أجمل حتى من دار السينما الحقيقية!’
وُضعت كراسٍ فخمة مريحة، وزُيّنت النوافذ بستائر ثقيلة تحجب الضوء، وعلى الجدار الرئيسي عُلّق قماش عريض بدا وكأنه شاشة عرض حقيقية.
تملّكني شعور غامر… في حياتي السابقة لم أكن أملك سوى حب السينما، ومع ذلك لم أستطع حتى أن أرتادها كما أردت.
“إنه رائع… شكراً لكم جميعًا.”
قلتها بابتسامة صافية.
رفع الخدم وناران أبصارهم إليّ.
ورغم التعب المرسوم على وجوههم بعد ساعات من العمل، بدت الابتسامات تتفتح شيئًا فشيئًا.
“سعادتنا أن نساعدك يا ليزي!”
“أخبِرينا إن احتجتِ أي شيء آخر يا يا سيدة ليزي!”
“إن احتجتِ إلى شيء آخر فأخبِرينا يا سيدة ليزي.”
“مساعدتك أمر بديهي بالنسبة لنا…!!”
كانوا يتحدثون بحيوية وكأنهم لم يُرهَقوا أبدًا، فشعرت بالامتنان لهم من أعماقي.
‘رغم أنهم كانوا منشغلين بالتحضير للحفل أصلاً…’
لم أقل شيئًا، واكتفيت بأن أنظر إليهم مبتسمة.
وللمرة الأولى، وجدت نفسي أترقب الحفل لا بسبب الفيلم، بل لأمر آخر.
كنت أريد أن يعرف الجميع سريعًا أنني صرت بالفعل جزءًا من بيت كايين.
❖ ❖ ❖
وما إن عدت إلى الغرفة بعد أن أنهينا العمل، حتى سُمع طرق خفيف على الباب.
“إنه أنا.”
كان أركل.
فتحت له الباب بابتسامة خفيفة.
“تفضل بالدخول. كنت بانتظارك.”
“أكنتِ تعلمين أنني سآتي؟”
“كان عندي حدس بذلك.”
تذكرت أن أركل جاء لزيارتي في الوقت نفسه تقريبًا عشية لقائي الأول بالآنسة مارثا، خوفًا أن أكون متوترة.
‘وأظن أنه ضمن ارتباكه… حاول أن يعانقني بشكل أخرق. أيمكن أن يفعلها الآن أيضًا؟’
رفعت رأسي أنظر إليه، فإذا به يبادلني نظرة حائرة لا يفهم سببها.
“هل لديكِ ما تودين قوله لي؟”
“في الواقع كنتُ أظن أنك… لا، لا شيء.”
قلتها وأنا أهز رأسي وقد شعرت بشيء من الحرج.
سألني بصوت خافت:
“هل تشعرين بالتوتر من حفل الغد؟”
لم أكن قد فكرت في الأمر من قبل، لكن ما إن سمعت سؤاله حتى خرجت مشاعري الدفينة.
“الحفل نفسه لا، لكن العرض… نعم، أشعر بالارتباك قليلاً.”
“…….”
“الآن فقط أدركت أن مخرجي الأفلام جميعًا أشخاص عظيمون حقًّا…”
“ماذا تعنين؟”
“هاها، لا شيء… كنتُ أظن أنني لا أكترث بنظرات الآخرين، لكن ربما السبب الوحيد أنني لم أحظَ بفرص كثيرة أُعرَض فيها أمامهم.”
توقفت قليلًا، ثم أضفت:
“الخلاصة أنني سأظهر أمام الكثيرين للمرة الأولى بما صنعت يداي، وهذا يجعلني أشعر ببعض الارتجاف…”
لكنني لم أتم كلماتي، لأن أركل كان قد ضمني بين ذراعيه.
“…أركل؟”
تفاجأت قليلًا، بل وارتجفت بدوري.
قال وهو يضبط صوته المرتجف:
“لقد… تدربت.”
“أهذا أفضل من المرة السابقة؟”
‘تذكرت إذن…’
ابتسمت ماكرة وقلت مازحة:
“ولِمَ تظاهرت بالإنكار في البداية إذن؟ وكيف يتدرب المرء على العناق بمفرده؟ لا تقل لي أنك كنت تحتضن وسادة؟”
“…….”
“أحقًا فعلت؟ إذن كان عليك أن تخبرني، كنت سأساعدك.”
“فـ… في المرة القادمة إذن…”
“كنت أمزح!”
ضحك بخفة ثم قال معتذرًا:
“يبدو أن عليَّ أن أتدرّب على فهم الدعابة أيضًا.”
“أنت تمزح الآن، صحيح؟ لا تقلق، مستواك مقبول. ثم إنك أصبحت أفضل كثيرًا في العناق.”
“إذن فالتدريب قد أثمر.”
“بالفعل.”
أغمضت عيني وأرحت وجهي على صدره.
شعرت بالسكينة.
“يُقال إن هذه الطريقة هي الأجدى لتهدئة الخوف.”
تذكرت كلماته حين عانقني أول مرة، وكان وقتها مرتبكًا جدًا حتى لم أدرِ إن كانت مجدية أم لا.
أما الآن… فقد عرفت.
‘نعم، لها تأثير حقيقي.’
بدا لي وكأن كل شيء من حولي قد اختفى، ولم يبقَ سوى أنا وهو.
الزمن نفسه بدا متوقفًا، إلا دقات قلبه التي كانت الدليل الوحيد على استمراره.
“لا تقلقي.”
“…….”
“لقد استمتعتُ بعملكِ من البداية حتى النهاية بصدق. وأثق أن الآخرين سيشعرون بما شعرتُ به.”
كان كلامه أشبه بجملة تدرب عليها مسبقًا، فهو قليل الكلام ويجاهد ليعبر عما في قلبه.
“شكرًا لك يا أركل.”
ثم أرخى ذراعيه ببطء وقال برفق:
“حان وقت النوم. سيكون الغد يومًا طويلًا.”
ولما همّ بالخروج أمسكت بالباب وقلت بصوت قوي:
“أشعر الآن بالشجاعة! صحيح أنني كنت متوترة، لكنني صرت متحمسة. لن يزول التوتر كليًا، لكنني سأستمتع بما سيأتي. فهذا حقًا حدث نادر.”
التفت إليّ أركل مبتسمًا ببطء.
“يسرني أنني كنت عونًا لكِ هذه المرة.”
‘أردت أن أقول له: أنت دائمًا سندي… لكن الباب أغلق بيننا. عليّ أن أجد فرصة أخرى لأقولها صراحة.’
❖ ❖ ❖
في صباح اليوم التالي، دوى صخب خطوات الخدم في الممرات.
لقد حان أخيرًا يوم الحفل.
***
فتحنا انا وصديقاتي المترجمات قناة خاصة بتسريب الروايات واعلانات الفصول وفعاليات وأيضا طلبات وحروقات … واذا اختفيت بتلاقوني هنيك
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 48"