هل من الخطأ أن يعجبني رؤية الشرير يتألم [ 46 ]
“آه، آه…!! آااخ، سأموت-!”
‘…ما هذا الأحمق؟’
كان تمثيله مفتعلاً ومبالغًا فيه لدرجةٍ يثير السخرية.
كنتُ أنوي تجاهله والمضي في طريقي، لكنّ المرأة التي بجانبه صرخت فجأة بحدة:
“أيها الرجل هناك! تضرب إنسانًا ثم تفرّ كأن شيئًا لم يكن؟! عزيزي، هل أنت بخير؟”
“عزيزتي… كُح، كُح.”
‘سقط أرضًا، فما باله يسعل؟! هل كُسرت عظامه أم أنه عليل؟ ليكتفِ بواحدة!’
وبينما كان الرجل ينوح بصخب، التفت ناران الذي كان يتقدمني نحو الجلبة.
“ما الأمر هناك؟”
اقتربت المرأة نحوه بوجهٍ عابس وعينين جاحظتين:
“الأمر جلل! أحد رفاقك أوقع زوجي وأصابه، ثم حاول أن يلوذ بالفرار من دون حتى اعتذار. أنظر إليه، يتألم بشدّة! وهو أصلًا ضعيف البنية-!”
وكأنّ على إشارةٍ منها، أطلق الرجل الممدّد على الأرض أنينًا طويلًا:
“آاااخ…!”
لكن المارة أسرعوا في خطواتهم من غير أن يلتفتوا إليهما.
‘هؤلاء الناس… كأن المشهد مألوف لهم؟’
كان واضحًا أنّ سكان الحي اعتادوا مثل هذه الحيل، فأعرضوا حتى لا يتورطوا.
‘إذًا هم ليسوا سوى محتالين يعيشون على الابتزاز.’
صرخت المرأة بلهجة تهديد:
“أأستدعي الآن بحرس الأمن؟! ها؟ ستُساقان إلى السجن، إلى السجن مباشرة!”
“…….”
كان ناران يحدّق إليها بعينين باردتين مخيفتين، ثم حطّ نظره على الخنجر المعلّق عند خصرها.
بدا وكأنه يقيس مدى خطورتهما.
توهّجت عيناه القرمزيتان بشراسةٍ لم أرها منذ زمن.
تردّد في رأسي فجأة صدى صوته القديم:
“أستطيع أن أمحو آثارهما من الوجود.”
ارتجفت.
بدا لي أنّه على وشك أن يفتك بهما في لحظة.
ولا…!! هذا ممنوع!!’
لو كان المكان أقل ازدحامًا لتركتُه يؤدّبهما قليلًا. لكن هنا؟ لا.
‘أي ضجّة كهذه قد تفسد كل خططنا!’
“احممم… احممم!”
أرسلتُ له إشارةً بسعالٍ مفتعل، أرجوه أن يتماسك ويتفادى المواجهة.
ولحسن الحظ، فهم قصدي، فتنفّس بعمق وانطفأت نذر القتل في عينيه.
قال بنبرةٍ حاول أن يجعلها هادئة:
“رفيقي بدوره كاد أن يُصاب حين اصطدم برجلٍ ضخم. فلنتجاوز الأمر بالحذر متبادلًا. ثم… لا يبدو أنه أصيب إصابة خطيرة.”
صرخت المرأة غاضبة:
“ماذا؟! ومن أين لك أن تجزم بذلك؟ أتريد أن تتحقق بنفسك؟!”
ثم انحنت على زوجها، وشدّت فتحة ثوبه لتكشف عن صدره وكتفه.
كان على جلده كدمة داكنة حمراء.
“أرأيت؟! هذا كله بسببكم!”
ردّ ناران باستهزاء:
“سخافة! كيف تكون تلك آثار صدمة عابرة؟ إنها مصطنعة! أعرف هذه العلامات جيدًا، أقلّه عصى معدنية هي التي تصنعها!”
وضعْتُ يدي على كتفه لأوقفه قبل أن يندفع أكثر.
فالتفت إليّ وقد هدأ فجأة:
“آه، لي-… آسف. …بسببي.”
كان وجهه مشبعًا بالاعتذار.
شعر بالذنب لأنه هو من اقترح الخروج فأوقعنا في هذا.
ابتسمتُ وربّتُّ على رأسه برفق:
“لا عليك. ليس خطأك.”
ثم تقدّمتُ نحو المرأة والرجل الممدّد بجانبها.
رفعت المرأة نظرها إليّ وقالت بصوتٍ متعالٍ:
“أفهمتِ الآن يا آنسة؟ إن لم تحذري ستصبحين مجرمة وسيدمَّر مستقبلك ولن تجدي حتى من يتزوجك!”
“…….”
ثم أضافت بصوتٍ متصنّع الشفقة:
“ونحن لا نريد أن تصل الأمور إلى هذا الحد. ادفعي تكاليف العلاج… أو اعملي لدينا لتسديدها.”
مسحتني بنظرةٍ من أعلى رأسي إلى أسفل قدمي، ثم تمتمت:
“يا للأسف، شكلك يدل على الفقر، لن تستطيعي دفع المال… لكن لا تقلقي. سأجد لك عملًا. وجهك مقبول، وهذا حظّك.”
“هذا يكفي-!”
اندفع ناران من خلفي والشرر يتطاير من عينيه فأوقفته بيدي قبل أن ينفجر.
‘مثل هؤلاء يجب أن يتولاهم الحرس.’
تمتمتُ بصوتٍ منخفض:
“اذهب واستدعِ الرجال.”
اعترض بقلق:
“لكن…”
“ثق بي. كل شيء سيكون بخير.”
تردّد قليلًا، لكنه في النهاية أومأ قائلًا:
“سأعود بسرعة.”
وانطلق يعدو مبتعدًا.
كانت المرأة تحدّق به بابتسامة ساخرة واثقة.
‘بهذا الاطمئنان… لعلها على يقينٍ من أنها ستفلت من العقاب. هل لها ظهر يحميها؟ توقّعت هذا الاحتمال أصلًا.’
كان واضحًا من نظراتها أنها تراني طريدة سهلة.
‘لهذا السبب بالذات وقع اختيارهما عليّ.’
كان على وجهها تعبيرٌ يقول بوضوح: هذه الفتاة ضعيفة يسهل التلاعب بها.
‘ولهذا وقع اختيارهما عليّ.’
ولا شك أنّ ملامحي البريئة أسهمت في ذلك.
حتى الآن، ما زالت تظن أنني أعجز عن أي ردّ أو مقاومة.
قالت المرأة بنبرةٍ ساخرة:
“فتاة مثلك لا تطيق العيش وهي ترتكب أفعالًا سيئة، أليس كذلك؟ فلتنهِ الأمر بدفع التعويض فحسب.”
“…….”
“أسرعي بالقرار. زوجي يتألم بشدّة.”
“آه… أوووه…”
وكأنّما ليزيد من ضغطها، تمتم الرجل وهو يقطّب جبينه بأنينٍ مفتعل.
راقبتُ المشهد قليلًا، ثم جلستُ القرفصاء أمامه.
ثبتُّ نظري على وجهه مليًّا، فتردّد أنينه شيئًا فشيئًا حتى خفتَ تمامًا، وقد ارتبك من تدقيقي فيه.
فتحتُ فمي قائلة:
“هممم، وجهك ليس سيئًا في الحقيقة.”
“ماذا؟”
قاطعتنا المرأة بعصبية:
“لا وقت للثرثرة يا آنسة. هيا، احسمي القرار. نحن لا نريد أن نحملك وِزرًا يجعلك مجرمة—”
“لقد قررت! أريد أن أسمع هذا الرجل يصرخ من الألم حقًّا.”
“…ماذا؟”
ابتسمتُ ابتسامة بريئة وأردفت:
“أنا ببساطة أحب أن أرى الوسيمين يتألمون.”
“ماذا…؟ ما الذي تهذين به؟”
كان الرجل يحدّق بي بوجهٍ لا يفهم شيئًا، لكنني لم أُبالِ.
“فلنفعل هذا: استعملي خنجرك هذا واطعنيه. وبعدها قولي إنني أنا من فعلها.”
أشرتُ إلى المرأة، ثم إلى الخنجر المعلّق على خصرها.
بل وزدتُ إيضاحًا بالإيماءة، لكنها مع ذلك لم تفهم.
“ماذا تقولين…؟”
تنهدتُ بعمق وكررت ببطء:
“أطعنيه بذلك الخنجر. ثم ادّعي أنني أنا من سبّبت الجرح. عندها ستكون لي ديون أكبر لديكم.”
“هذا هراء…”
“لن أنطق بشيء! وحتى لو أنكرتُ، يمكنكما ببساطة أن تصرّا على كذبكما كما تفعلان الآن.”
رمشت المرأة بعينين متردّدتين وقالت:
“لكن يا آنسة، بهذا أنتِ—”
“لا بأس. ألا ترغبان في المزيد من المال؟”
ابتلعت المرأة ريقها باضطراب.
“ح-هذا صحيح… لكن لماذا تفعلين هذا؟”
“قلت لكِ إنني أحبّ رؤية الوسيمين يتألمون.”
ابتسمتُ ببراءة، ثم أضفت:
“الوسيم النازف دائمًا مشهده جميل. هيا، زيدي في إيذائه! كلما زادت إصاباته، كبر التعويض الذي ستنالونه.”
“هاه…”
أطلقت المرأة شهقة قصيرة مذهولة، ونظرت إليّ ثم إلى الرجل.
ثم ببطء سحبت الخنجر من خصرها.
شحب وجه الرجل وهو يصرخ:
“ما الذي تفعلينه؟! لا تقولي إنك صدّقتِ هذا الجنون؟!”
ابتسمت المرأة بازدراء:
“جرحٌ آخر أو اثنان لن يقتلك. اصمت ودعني أنهي الأمر.”
وحاولت أن تغرز الخنجر في كتفه، لكنه انحرف بسرعة لا تليق بمن يُفترض أنه مصاب.
‘يا لها من خفّة حركة لرجلٍ يزعم أنه مكسور الجسد.’
“أجننتِ؟! ماذا تفعلين؟!”
فردّت باستخفاف:
“ما هذه المبالغة؟ سأفعلها بخفة، اصبر فحسب—”
ثم هاجمته ثانية، فنجا منها بصعوبة وهو يزمجر غاضبًا:
“أتظنين أنني سأقف متفرجًا؟ أُقسم لو حاولتِ مرة أخرى لأكسرنّ ذراعكِ!”
“تحداني إن استطعت أيها الوغد! أتخاف من مجرد خدش وأنت من سلّط هذه اللعبة علينا؟”
فضحت نفسها وهي تنطق بالحقيقة، ناسيةً ادّعاءهم القديم بأني السبب في جراحه.
لامس الخنجر خدّ الرجل بالكاد، فما كان منه إلا أن انقضّ عليها.
تابعتُ المشهد بعينين متلألئتين.
“أجل… يبدو أن العمل معًا لم يكن يومًا خيارًا مناسبًا.”
صرخ الرجل:
“لو لم يُزج بشريكي السابق في السجن لما اضطررتُ لمرافقتك—!”
‘أوه… إذًا بينهما حسابات قديمة.’
كنتُ قد زعمت أني أريد سماع أنينه الصادق، نصفًا للحقيقة ونصفًا لكسب الوقت حتى يصل الفرسان.
وها هم قد اندفعوا للقتال بسهولة.
بدأ المارة يتجمّعون يتهامسون وهم يشاهدون الشجار يتفاقم.
“أيها الأحمق! مجرد خدش بسيط يكفي!”
“ولِم لا تفعلينه لنفسك؟”
“افعل إن استطعت!”
وفجأة دوّى صوت صارم:
“قفوا عند حدّكم—!”
ارتجّت الساحة بالصوت الجهوري.
ظهر من بين الناس فرسانٌ مدججون بالحديد.
“الفرسان….”
تردّد الهمس بين الحضور.
توقّف الرجل والمرأة عن القتال، وحدّقا بهم.
“أتجرؤون على التقاتل بالسلاح في وضح النهار وسط الشارع؟”
لكن رغم تهديد النبرة لم يبدُ على الاثنين أي خوف.
أخفضت المرأة خنجرها ببطء، وحدّقت مبتسمة إلى فارسٍ متقدّم في العمر كان يقف عند الأطراف:
“يا للعجب… أليس هذا القائد فريد؟ ضججنا قليلًا اليوم، أليس كذلك؟”
تحدّثت كما لو كانت على معرفة قديمة به.
‘كما توقعت… لديهم نفوذ داخل الحرس.’
ثم تابعت بوقاحة:
“آسفة. سنغادر الآن، من دون إحداث مزيد من الشغب.”
“…….”
غير أن فريد بدا عاجزًا عن الرد، وقد تلعثم وهو يتصبب عرقًا.
أدركت المرأة حيرته فنادت ثانية:
“سيدي القائد؟”
لكن قبل أن تكتمل كلمتها، تقدّم فارس يرتدي درعًا أبيض ناصع وقال ساخرًا:
“إذًا كان صحيحًا… أن قائد الحرس يتلقى رشاوى من الأوغاد. يا للعار! كيف لي أن أرفع رأسي بين الفرسان بعد هذا؟”
ثم أشارت يد نحونا.
“هؤلاء هم. من تجرؤوا على تهديد جاريتي.”
كان بجانبه ناران، وقد نزع رداءه وأشار إليهم مباشرة.
‘يخفي حقيقتي بلقب جارية كي لا يُكشف أمري.’
احتجّت المرأة سريعًا:
“لا! لم نهدّد أحدًا قط، أقسم! إنها هي من حرّضت القتال!”
ووافقها الرجل على الفور.
حوّل الفارس ذو الدرع الأبيض نظره إليّ:
“هل هذا صحيح؟”
أخفضت رأسي قليلًا، وشبكت يدي أمام صدري بوقار، وقلت بصوتٍ حزين:
“مستحيل… فأنا لا أستطيع العيش مرتكبةً للشر.”
“فتاة مثلي لا تطيق العيش وهي ترتكب أفعالًا سيئة، أليس كذلك؟”
رفعتُ عيني نحو المرأة بنظرةٍ رقيقة حزينة، فإذا بملامحها ترتبك وتتشوّه غضبًا.
****
فتحنا انا وصديقاتي المترجمات قناة خاصة بتسريب الروايات واعلانات الفصول وفعاليات وأيضا طلبات وحروقات … واذا اختفيت بتلاقوني هنيك
هاد رابط القناه اعملو سكرين شوت وادخلو لعدسه قوقل منه:
https://t.me/+OedqgPvPKXoyZDFk
التعليقات لهذا الفصل " 46"