“كنتُ على وشك استدعائك، فقد أرسل جلالة الإمبراطور الأثر المقدّس.”
وأخبرتني أنّها تبادلت رسائل عدة مع الإمبراطور، وأنّ سبب ما كان يشعر به من آلام كل ليلة إنما هو الأثر المقدّس الخاص بقبيلة بنّاكُو الذي كان قد جلبه كغنيمة حرب.
وقد اقترحت عليه أنّه إن سلّم الأثر فسيُبطَل بذلك مفعول اللعنة، وأخيراً وافق.
كما أضافت أنّها بحسب نصيحتي وأثناء مرورها بجبل كْروم تمكّنت صدفة من القبض على ساحر قبيلة بنّاكُو، وبذلك نسجت لنفسها ذريعة تفسّر بها كيف توصّلت إلى هذه الحقيقة.
قالت:
“الأثر موجود في المزرعة حيث يُحتجز الساحر. سأحتاج إلى الاعتماد عليك مرة أخرى.”
فهمتُ فوراً مقصدها:
لقد حان دوري لأستخدم لاكو وأجعله يفكّ اللعنة.
فابتسمت بثقة وقلت:
“اتركي الأمر لي.”
“أثق بك.”
ثم أردفت كأنها تذكّرت شيئاً:
“بالمناسبة، هل لديكِ ما تودين قوله؟”
قلتُ مترددة:
“في الحفل… كنت أرغب أن أقدّم عرضاً ترفيهياً…”
قالت بلا أي تردد:
“افعلي ذلك.”
“ها؟”
رمشتُ بعينيّ في دهشة من هذه الموافقة السهلة.
توقّعت أن تطلب مني تفاصيل عن الفكرة، الهدف، الكلفة… وأن تمنحني الإذن بعد طول تفكير.
حتى أنني كنت أفكر بإعداد تقرير أو عرضٍ مكتوب.
لكنها قالت ببساطة:
“قلتُ لك إنني أثق بك.”
وأضافت بنبرة تقريرية:
“صحيح أنني كثيرة الشك بطبعي، لكن عدم الثقة حين يجب أن أثق، أسوأ من عدم الشك حين يجب أن أشك.”
لم أتوقّع أن يكون لها هذا الجانب.
كنت أظنها جامدة الحسابات صِرفة، فإذا بها أكثر مرونة وسَعة صدر مما تصوّرت.
‘إذن صدق من قال: لا يُعرف المرء إلا بمعاشرته.’
ثم خطرت ببالي كلماتها: ‘شخص أثق به…’
‘أتقصدني أنا؟’
صحيح أنّ ما فعلته سواء إخباري لها بطريقة علاج الإمبراطور أو ذهابي بدلاً عنها إلى جبل كْروم كان بدافع المصلحة، لكن سماع مثل هذه الكلمات جعلني أشعر بسعادة أكبر مما ظننت.
“لكن عليكِ أن تتولي التحضير بنفسكِ، فلن أستطيع الانشغال بذلك. وسأزوّدكِ بما تحتاجين إليه.”
“بالطبع! شكراً جزيلاً.”
“حسناً، أعتمد عليك.”
بعد أن حيّيتُها وخرجتُ من مكتبها، توجّهت مباشرةً إلى المزرعة حيث يُحتجز لاكو.
‘فلنرَ… كيف سيخدمني هذا الكلب الجديد.’
❖ ❖ ❖
“السيدة ليزي.”
انحنى الفرسان الواقفون أمامنا تحيةً لي.
قابلتهم بابتسامة خفيفة، ثم ألقيت نظرة إلى داخل الزنزانة.
كان لاكو مقيداً بالأغلال كما رأيته قبل أيام، وفمه مكموم.
“……!! امم!!”
اتسعت عيناه حين رآني كأنه مسرور.
ابتسمتُ ولوّحت له بيدي:
“وأنا مسرورة بلقائك أيضاً.”
ثم سألت الفرسان:
“أين الأثر المقدّس؟”
فأشار أحدهم إلى عربة أمامنا مغطاة بقطعة قماش سميكة.
‘إذن هو هنا.’
رفعتُ القماش قليلاً، فإذا بتمثال لفتاة مجنّحة يظهر أمامي.
‘نعم، شكله يوحي فعلاً أنه أثر مقدّس.’
تناولتُ التمثال بحذر.
فارتاع الفرسان وهتف أحدهم:
“آه! سيدتي ليزي!!”
وقال آخر:
“عليكِ الحذر! هذا الشيء…!”
طمأنتهم:
“لا بأس، مجرد لمسه لا يؤذي.”
لكنّهم ظلّوا متوجسين. أما أنا فتقدّمت بالتمثال وقلت:
“افتحوا الباب رجاءً.”
وبما أنهم كانوا قد أُبلغوا مسبقاً بما سيجري، فتح أحد الفرسان الباب بالمفتاح ودخلتُ.
عندما اقتربتُ، ارتسمت على عيني لاكو لمعة فرح.
“مرحباً يا لاكو. كيف حالك؟”
أجفل رأسه بالموافقة بحماس.
‘في هذه الحالة البائسة ويقول إنه بخير؟ سؤال غريب وجواب أغرب.’
فكرتُ مبتسمة:
‘أنا مجنونة وهو أيضاً ليس في كامل قواه.’
“ألا تجد هذا الوضع غير مريح؟ بإمكاني أن أريحك… شرط أن تنفّذ طلبي. ما رأيك؟ آه، صحيح، لا يمكنك الكلام.”
ثم نزعتُ كمامته برفق.
راح يلهث وهو يرمقني بعينين يملؤهما البهجة:
“هاه… أيتها الحاكمة…”
“قُل السيدة الحاكمة.”
“أيتها… السيدة الحاكمة.”
عندها عرضتُ عليه التمثال الذي بيدي:
“أتدري ما هذا؟”
فتح عينيه في ذهول:
“هذا… حامي قبيلة بنّاكُو… الرسول الذي يخدم حاكم بانّاكُو… كيف يكون معكِ، يا حــ… يا سيدتي الحاكمة؟!”
كان يتنقل بنظره بيني وبين التمثال في ارتباك.
فقلت بهدوء:
“أتعلم أنّ هذا الشيء عليه لعنة؟”
“لعنة…؟ آه، تقصدين تعويذة الحماية.”
‘تعويذة حماية؟ نعم، من منظورهم هم تُسمى هكذا.’
“إذن، أتبطل هذه التعويذة من أجلي؟”
ارتجفت عيناه وتردّد:
“لا أستطيع.”
“لماذا؟”
“إن فعلتُ… قد يحلّ غضب حاكم بنّاكُو عليّ.”
تمتم بخوف، فألقيتُ عليه ورقتي الرابحة:
“إن نفّذت طلبي… فسأطلق سراحك من هنا.”
ألقيتُ على المتردّد لاكو الورقةَ الرابحة التي أعددتُها مسبقاً:
“إن قبلتَ طلبي هذا، فسأُطلق سراحك من هنا.”
“…….”
“ليس هذا فحسب، بل سأسمح لك أن تعيش قريباً مني.”
“سيّدتي الحاكمة، أهذا يعني…؟”
“نعم، سيكون لك شرف خدمتي عن قرب.”
تلألأت عينا لاكو الذهبيّتان:
“أن أخدمكِ… إلى جواركِ…”
“صحيح. ألا ترغب أن تُجزى في الحياة ما بعد الموت؟”
“أرغب… أرغب بشدّة!!”
صاح بصوت مفعم بالرجاء وعينين متّقدتين.
فمددتُ يدي، أمسح بخفة شعره الأبيض:
“لقد وعدتكَ من قبل، ما دمتَ تطيعني فسأنقذك. ثق بي، لن أسمح لأحد أن يؤذيك، حتى لو كان حاكمًا.”
“آه… يا سيّدتي الحاكمة… لقد جئتِ حقاً لتخلّصيني…”
فاقتربتُ منه أكثر وهمست:
“بين غضب حاكم بنّاكُو… وحبّي أنا، أيهما ستختار؟”
ابتسمتُ ابتسامة جانبية، فلم يعد هناك حاجة لمزيد من الكلام.
قال متألهاً:
“دعيني أخدمكِ، يا سيّدتي الحاكمة. سأطرد من أجلك سحر الهرطقة الشرير.”
اختفى كل تردّد كان قد أبداه قبل قليل، كأنّ الحاكم الذي كان يعبده قومه حتى الأمس قد انقلب في نظره إلى هرطقة.
وفي بريق عينيه لم يَعُد ينعكس سوى صورتي.
ابتسمتُ شاكرة:
“أشكرك.”
ثم التفتُّ إلى الفرسان وقلت:
“فكّوا قيوده.”
لكن وجوههم ازدادت قلقاً أكثر من لحظة لمسي للتمثال.
فاستدركتُ:
“على الأقل حرّروا يديه بعض الوقت.”
تبادلوا النظرات ثم أذعنوا على مضض، وأزالوا الأصفاد عن معصميه مع تحذير صارم:
“إيّاك أن تفكّر بحماقة!”
لكن لاكو لم يُعرهم أي اهتمام، وظلّ ناظراً إليّ وحدي، يتمتم بهيام:
“شكراً… يا سيّدتي الحاكمة، على أن منحتِني فرصة خدمتك.”
تأفّف الفرسان باستياء من كلامه، لكنّه لم يلتفت إليهم.
قال لي:
“قرّبي التمثال إليّ رجاءً.”
وضعتُ التمثال أمامه كما طلب.
ألقى نظرة عليه وقال:
“أرجو أن تعمّ السكينة، فلا يقطع أحد ترتيلي.”
ارتجف اثنان من الفرسان لدى سماع كلماته.
ثم أعلن:
“سأبدأ الآن، يا سيّدتي الحاكمة.”
وراح، رغم أن رقبته وكاحليه ما زالت مقيدة، يشكّل بيديه الحرة رموزاً غريبة، ويرتل:
“ɵʞØß, ɵʞđ…! ɵʞØß, ɵʞđ…!”
خرجت من فمه لغة غريبة سبق أن سمعتها في جبل كْروم، لكنها هذه المرة خرجت بإيقاع أشبه بالترتيل الغنائي.
أحسستُ بطاقة غامضة تسري في المكان.
قال أحد الفرسان مذعوراً:
“أ-أليس المكان قد أصبح أكثر عتمة…؟”
“اصمت!” زجره الآخر.
بدت وجوههم مشدودة، يحاولون إخفاء خوفهم، لكن ارتجافهم فضحهم.
كانت الأصوات الغريبة، والإيقاعات المقلقة، وحرارة الجو المتزايدة تزيد المشهد رهبة.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 44"