علّقتُ لحافًا أبيض كبيرًا على العصا التي تتدلّى منها ستائر السرير، ثم وضعتُ أمامه كرسيين.
وبجانب ذلك أعددتُ مشروبًا باردًا جلبته الخادمة، مع بعض الحلوى الخاصة التي صنعتها بنفسي.
قالت الخادمة مترددة:
“لقد قمتُ بتفجير الذُرة كما أوصت السيدة… لكن هل يمكن حقًّا أكلها هكذا؟”
“افتحي فمك.”
وضعتُ حبّة من الفشار في فمها فمضغتها بتردّد، ثم سرعان ما اتسعت عيناها بدهشة.
“يا إلهي…! هذه الحبوب… إنها حقًا…”
“لذيذة أليس كذلك؟ لا ينبغي أن نفوّتها.”
رغم أنني في حياتي السابقة كنتُ أرتاد المستشفيات أكثر من أي مكان آخر ولم أذهب إلى السينما إلا مرات معدودة، إلا أن وقع الصدمة اللذيذة من أول حبّة فشار هناك ظلّ محفورًا في ذاكرتي.
‘الآن أصبح بإمكاني أنا أيضًا أن أتناول الفشار وأنا أشاهد فيلمًا…!’
كم كنتُ أغبط أولئك الذين يجلسون في قاعات السينما يأكلون الفشار ويشاهدون الأفلام بمتعة عادية!
وضعتُ حجر العرض الذي أعددته مسبقًا على الحامل.
فشار، مشروب، شاشة، وحجر العرض… كل شيء أصبح جاهزًا.
في تلك اللحظة المناسبة، سُمِع طرقٌ على الباب.
وعندما فتحته، كان أركل قد غيّر ملابسه فألقى عليّ تحية خفيفة.
“أركل! تفضل بالدخول.”
“حسنًا.”
دخل أركل الغرفة ونظر حوله بفضول إلى ما أعددته.
وعندما وقعت عيناه على اللحاف الأبيض الكبير المعلّق بعصا الستارة، سألني:
“سيدتي، هذا…؟”
“هذا سيجعل المشاهدة أوضح وأسهل.”
ابتسمتُ بفخر.
صحيح أن حجر العرض يعرض الصور في الفراغ، لكن تسليطها على شاشة سميكة كهذه يجعلها أكثر وضوحًا بكثير.
‘إنه أشبه بجهاز العرض الضوئي “البروجيكتور”.’
لم أكن أظن أن أمنيتي القديمة، بتركيب بروجيكتور في منزلي الخاص يومًا ما، ستتحقق بهذه الطريقة.
وضعتُ في حجر أركل الذي جلس على أحد الكرسيين الفشار والمشروب.
وبدا وجهه مرة أخرى غريبًا عليه الأمر، فأدخلتُ حبّة فشار في فمه كما فعلتُ مع الخادمة قبل قليل.
“…..!”
عندما مضغها بصمت، اتسعت عيناه بدهشة.
“سيدتي… هذا…”
كانت نفس الكلمات التي قالتها الخادمة، لكن بمعنى مختلف تمامًا.
ابتسمتُ ابتسامة واسعة.
“الآن أصبحتَ مثلنا، لا يمكنك مشاهدة فيلم دون فشار.”
“فشار…”
تمتم أركل وهو يحدّق في حبوب الذرة البيضاء المتفجّرة.
“لنبدأ إذن؟”
“حسنًا.”
أطفأتُ الأنوار وأدرتُ جهاز حجر العرض.
وما إن جلستُ على الكرسي، حتى بدأ الفيلم يُعرض على اللحاف الأبيض الكبير.
تخطّينا المقدّمة التي أدرجها هوان بالمونتاج، ثم ظهر فرسان كايين، الابطال البشريون المنطلقون في مغامرتهم ليبدأ الفيلم حقًا.
قال أركل وهو يراقب بتمعّن:
“بالفعل، حين تُعرض الصورة على هذا السطح تبدو أوضح بكثير.”
“من الآن فصاعدًا حين نستعمل حجر العرض…”
“شش-“
وضعتُ إصبعي على شفتيّ وهمست:
“من قواعد مشاهدة الأفلام أن نلزم الصمت.”
“أعتذر.”
قالها أركل بصوت منخفض، ثم وضع إصبعه على شفتيه مقلّدًا إياي:
“شش.”
ثم وجّه بصره نحو الشاشة ليشاهد بهدوء.
ألقيتُ عليه نظرة جانبية متخفية.
جلس مستقيمًا بلا حراك كتمثالٍ منحوت.
‘بماذا يفكر الآن يا ترى…؟’
على خلاف هوان الذي كان يفزع ويُظهر نفورًا حتى في المشاهد غير المخيفة، كان من الصعب قراءة ردة فعل أركل.
حتى لتساءلتُ: هل يشاهد الفيلم حقًا؟ إذ لم يصدر منه أي صوت بعد تلك الهمسة “شش”.
شعرتُ بخيبة أمل طفيفة وأنا أمضغ الفشار.
فالسبب الحقيقي لدعوتي له لمشاهدة الفيلم معي كان كي أرى ردود أفعاله.
‘كنتُ أظن أنه إن خاف فجأة فسيبدو لطيفًا بشكل غير متوقع…’
لكن يبدو أن ذلك لن يحدث.
‘هل ربما لا يجد الفيلم ممتعًا؟’
إن كان الأمر كذلك، فسيكون محبطًا قليلًا.
‘لا، ليس بالضرورة. فالعالم واسع، وليس كل الناس يستمتعون بأفلام الرعب… ما دمتُ أنا أستمتع، فهذا يكفيني!’
نعم، في الأصل صنعتُ هذا الفيلم لأجلي أنا.
وبتذكري ذلك، أدركت أن اهتمامي المبالغ فيه برأي الآخرين لا يليق بي.
‘صحيح أنّ عدم توافق ذوقي مع أركل أمر مؤسف… لكنني أحبّه، وهذا يكفيني!’
وعندها تمكنتُ من التركيز على الفيلم كالمعتاد.
وبما أنه مصنوع وفق ذوقي الخاص، كان بالطبع ممتعًا للغاية.
بدأت المطاردة المميتة بين البشر والأموات الأحياء…
‘مؤثرات الكمبيوتر؟ مكياج خاص؟ لا، لا شيء من هذا.’
لم يكن ذلك ليقارن أبدًا بالواقعية الحقيقية.
وبعد مطاردة طويلة بين المطارد والمطارد، انتهى الفيلم عند المشهد الذي يُقبض فيه على البشر قبيل فرارهم من القرية.
كان فيلم رعب من الدرجة الثانية، مليئًا بالصراخ والعويل، حتى إنني أنا نفسي، صانعته، شعرت بالرضا عنه.
‘وهذا ما يجعلني راضية.’
ارتفعت شارة النهاية البسيطة التي أعددتها على عجل، فنهضت من مكاني وأعدت إضاءة الغرفة.
لكن أركل ظلّ شاخصًا ببصره نحو الشاشة.
‘لا أستطيع… مهما كان، أريد سماع رأيه!’
“ما رأيك؟”
سألتُه بحذر.
حينها فقط التفت إليّ وقال:
“آه، سيدتي. هل يمكنني التحدث الآن؟”
سألني كأنه مستبشر:
“لم أكن أعلم على وجه الدقة في أي لحظة ينتهي ما يُسمى بالفيلم، لذا لزمتُ الصمت.”
“آه، آسفة! يبدو أنني تسببتُ في سوء فهم… لم أقصد أن تظل صامتًا تمامًا. كان بإمكانك أن تضحك قليلًا، أو تُبدي خوفك.”
فالتفاعل الطبيعي بما يحمله من مشاعر متنوعة يُعدّ في حد ذاته احترامًا للمبدع.
‘أجل… يبدو أنني الآن أفهم لماذا يقال إن أقسى ردة فعل هي اللامبالاة.’
كان من الأفضل أن يوجّه نقدًا سلبيًا صريحًا، بدلًا من أن يظلّ ساكنًا لا يقول شيئًا.
“إذن… ما رأيك حقًا؟”
سألتُه مرة أخرى.
فأخذ يُدلّك ذقنه بيده وكأنه غارق في التفكير، ثم أطلق أنينًا مترددًا:
“همم… أأمم…”
ارتجف قلبي بخيبة أمل.
“فهمت، هذا هو رأيك إذن…”
“ماذا؟”
“لستَ مضطرًا لإجبار نفسك على الكلام. قد لا يكون من ضمن اهتماماتك، وهذا طبيعي.”
قلت ذلك متظاهرة بالهدوء، لكن في داخلي كنت حزينة بعض الشيء.
ما عدا هوان الذي لم يستطع متابعة الفيلم بجدية من شدّة الخوف والفزع، كان أركل يكاد يكون أول مشاهد حقيقي.
ويبدو أنني كنت أرجو في داخلي أن يتوافق ذوقه مع ذوقي.
“على أي حال، شكرًا لك على تخصيص وقتك. حتى لو لم تستمتع…”
ابتسمتُ اعتذارًا، لكن أركل بدا مرتبكًا فجأة وقال بسرعة:
“لا، ليس كذلك… لقد كان ممتعًا فعلًا.”
“حقًا؟”
“أنا فقط ضعيف في التعبير… كنتُ أفكر كيف أصف الأمر. لكن نعم، لقد كان مشوّقًا للغاية. هذا صادق.”
‘هل هذا كان وجه شخص يجد الأمر مشوّقًا؟’
استرجعتُ صورة أركل الجامد كتمثال لا يتحرك قيد أنملة طوال العرض، فترددت لحظة في كيفية الرد.
لكنه أردف بجدية:
“لقد كانت تجربة أولى بالنسبة لي. للحظات شعرت أنني أنسى واقعي وكأنني صرت أحد البشر الذين خرجوا في مغامرة.”
كان يحاول جاهداً أن يعبّر عما شعر به، وإن كان حديثه بسيطًا ومتكررًا، يردد “لقد كان مذهلًا” أكثر من مرة، لكنه لم يبدُ كاذبًا.
“… موتُ تشارلي كان قاسيًا قليلًا فحسب، لكن—”
“ذلك هو مشهدي المفضل! فالشخص الذي يتجاهل النصائح ويتمادى في طغيانه، يكون مصيره عادة أبشع موتة.”
“بالتأكيد، كان جزاءً عادلًا.”
قالها أركل وهو يرفع إبهامه.
شعرت أن الأمر بدا مصطنعًا قليلًا، لكنه أسعدني أننا على الأقل توافقنا في الذوق.
“سعيدة لأنك استمتعت. شكرًا لك على مشاهدة الفيلم معي والتحدث عنه.”
“بل أنا الذي أشكركِ.”
ابتسم أركل ابتسامة دافئة وأجاب بلطف:
“فوجودكِ معي ممتع دائمًا.”
كانت ابتسامة جميلة لم أرها منذ وقت طويل.
جماله الأخّاذ جعلني أشعر بالدوار وكأنني في حلم.
‘حقًا… ملامحه تصلح نجمًا سينمائيًا من الصفوة، بل من قمة القمة… آه، لو جعلته البطل حتى إن لم يُجِد التمثيل، لامتلأت القاعة بجمال وجهه وحده… مهلاً لحظة!’
خطر لي فجأة فكرة لامعة:
‘السينما! ماذا لو أنشأتُ قاعة عرض حقيقية أعرض فيها الفيلم؟’
بدأ عقلي يعمل بسرعة.
كان هذا برأيي مشروعًا تجاريًا واعدًا للغاية.
فالنبلاء هنا دائمًا يلهثون وراء التسلية.
‘وفوق ذلك، كلما كان الأمر أكثر إثارة للجدل، كلما صار حديث الجميع.’
الإمبراطورية التي تقدّس الحاكم تفرض نمطًا منضبطًا وصارمًا من الحياة، ولهذا يبحث كثير من النبلاء كرد فعل، عن متع صاخبة وألعاب جريئة.
‘نعم! سأعرضه أولًا في الحفل الذي قالت مارثا إنها ستقيمه!’
سأراقب ردود الفعل هناك، وبما أن معظم النبلاء سيحضرون، فسأستطيع تقدير احتمالية نجاح الفيلم.
‘غدًا صباحًا سأطلب من مارثا أن تضيف هذا كوسيلة ترفيه جديدة للحفل!’
“شكرًا يا أركل، كل هذا بفضلك.”
قلتُ بابتسامة مشرقة وأنا أودّعه.
فقال بوجه حائر:
“ماذا تقصدين؟”
‘بفضل وجهك السينمائي يا رجل… عاش الجمال!’
لكنني لم أقل شيئًا، واكتفيت بالابتسام.
فابتسم هو الآخر رغم أنه لم يفهم.
“إذن سيدتي، ليلة سعيدة.”
“وأنت أيضًا يا أركل.”
بعد أن غادر أركل الغرفة، غلبني الحماس على قلبي وأنا أتهيأ للنوم، متشوقة لأن أبوح بفكرة مشروعي الجديد.
❖ ❖ ❖
في صباح اليوم التالي، ما إن استيقظت حتى ذهبت مباشرة إلى مارثا.
وهناك سمعت منها خبرًا سارًا…
****
فتحنا انا وصديقاتي المترجمات قناة خاصة بتسريب الروايات واعلانات الفصول وفعاليات وأيضا طلبات وحروقات … واذا اختفيت بتلاقوني هنيك
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات