هل من الخطأ أن يعجبني رؤية الشرير يتألم [ 42 ]
كان القميص الأبيض الحريري الذي يرتديه أركل يلمع بلطف تحت ضوء القمر.
أما سرواله فكان يُظهر بوضوح عضلات ساقيه، حتى إنه بدا للوهلة الأولى كم هي متينة وقوية بُنيته السفلية.
وفوق ذلك، كلما تحرك جسده تطاير شعره الأسود الطويل، حتى خُيّل إليّ أن كل شيء يجري ببطء كأنه مشهد من فيلم بطيء الحركة.
ولهذا السبب ربما بدا وكأنه يرقص لا يتدرّب.
دوّي!
ارتجعتُ على أثر صوت ارتطام ثقيل لأرى أن أحد دمى التدريب الخشبية قد تحطمت.
بل الصحيح أن أركل هو من حطمها.
حينها فقط أدركتُ بوضوح أنه كان في تدريب بالسيف.
وتذكرت في الوقت ذاته الهدف الذي جئتُ من أجله.
‘سأدعوه لمشاهدة الفيلم معي… وأحاول أن أستوضح سبب تصرفاته الغريبة منذ عودته من كيلستون.’
فتحت المظلة وبدأت أخطو إلى الحديقة.
انهمرت زخات المطر تضرب سطح المظلة بصوت متواصل.
ربما طغى صخب المطر على وقع خطواتي، فحتى عندما اقتربتُ لم ينتبه أركل لوجودي.
“أرك…”
“لا تقتربي أكثر. ما غايتك؟”
ما إن هممت بمناداته حتى قاطعني صوته الحازم الخالي من العاطفة، من دون أن يلتفت إليّ.
وحينها أدركت:
‘آه… لم يكن غافلًا عني، بل تجاهلني متعمدًا.’
ظنّ أنني خادم لا أكثر.
ابتسمت بخفة وقلت:
“هل تتذكر حين قلتُ لك أن نشاهد فيلمًا معًا؟”
عندها فقط استدار أركل.
“ليزي.”
وقد بدت على ملامحه دهشة خفيفة.
“ألستِ تشعرين بالبرد؟”
“لا بأس. لكن… ما الذي جاء بك إلى هنا؟”
“أخبرتك من قبل، أليس هذا الطقس مثاليًا لمشاهدة فيلم رعب؟ تعال نشاهده معًا.”
قال مترددًا:
“فيلم… تعنين ذلك العرض الذي صورتهِ في كيلستون؟”
أومأت مبتسمة.
“لقد ساعدتني كثيرًا في إنجازه. وقد أنهيته بالكامل الآن. سيكون شرفًا لي أن تكون أول مشاهد له.”
ارتسمت عندها ابتسامة خافتة على محيّاه.
“هكذا إذن…”
تمتم وهو يخفض نظره، ووجدت نفسي أتوه من جديد أمام عضلاته.
‘لم أظن أنه يستطيع أن يبدو بهذا الشكل أيضاً…’
كان شعره الأسود المبتل ينثال على وجهه مانحًا إياه ملامح حزينة.
ومن فتحة قميصه الغائرة برزت عظمة الترقوة وصدره القوي، أما بشرته الناصعة وقد لمع عليها ضوء القمر مع قطرات المطر فبدت كسرٍّ لا ينبغي لي الاطلاع عليه.
شعرتُ بذنب غريب لمجرد التحديق، فارتبكت وسعلت بصوت مفتعل.
“أحم… أحم.”
“ما الأمر؟”
“لا شيء… فقط تبدو كأنك تشعر بالبرد. لنشترك في المظلة معًا.”
رفعتُ قدمي على أطراف الأصابع لأرفع المظلة فوق رأسه، لكن طوله كان مفرطًا إلى حد أنني مهما مدتُ ذراعي فلن أبلغ.
“…انتظري.”
وبينما أجهد نفسي، سمعت ضحكة مكتومة تنفلت منه.
كان يغطي فمه بيده وهو يبتسم ناظرًا إليّ من علٍ.
“…فهه، هاهاها…”
ضحكته الدافئة الملامسة لأذني جعلت وجنتيّ تلتهبان.
“لا بد أن طولك يريحك كثيرًا.”
رمقتُه بمزحة، فأخذ المظلة من يدي وهو يبتسم.
ثم اقترب وأظلّني بها، فأصبحنا متلاصقَين تحت مظلة واحدة.
“أركل… أليس ظهرك يتبلل؟”
لاحظت أنه يميل بالمظلة ناحيتي أكثر من اللازم، لكنه هز رأسه نافيًا.
“لا بأس. لقد ابتللت بالكامل على أي حال.”
“على الأقل لا تُجامِلني، هذا يريحني.”
رفعتُ رأسي نحوه وضحكت بخفة.
“وأنا أحب فيك صدقك، فلا مشكلة.”
“…….”
“فلتكن صريحًا إذن يا أركل. ما الذي جرى لك منذ عودتك من كيلستون؟”
ظل صامتًا وعيناه مطرقتان وظلال أهدابه الطويلة ترسم خطوطًا تحت عينيه.
انتظرتُ بقلق حتى تكلّم أخيرًا:
“…لقد كدتُ… أن أؤذيك.”
كان يشير إلى تلك اللحظة في مغارة كيلستون حين فقد وعيه بسبب تدفق السحر.
‘لقد ظل يفكر في ذلك طوال الوقت…’
كنت على وشك أن أطمئنه بأن الأمر انتهى من دون أن يصيبني سوء، لكن بدا أن مجرد فكرة أنه كان تهديدًا لي تؤلمه كثيرًا.
لذلك آثرت أن أستمع له أكثر.
أردف بصوت منخفض:
“ذلك الموقف جعلني أفكر… أن بقاؤك بجانبي كزوجة لي… ما الذي قد يجره عليك.”
“…….”
“من المؤكد أن بيت كايين ليس مكانًا صالحًا لزواج سعيد.”
ابتسم بفتور وهو يقولها، كأنه يحاول أن يمزح.
فكرتُ في نفسي وأنا أنظر إليه:
‘لقد تطور كثيرًا… صار حتى يلقي النكات.’
واسترسل أركل بجدية:
“بكلمة واحدة… هذا كله خطر. سواء أعداء كايين، أو أنا نفسي… فأنتِ في خطر.”
“…….”
“ربما لم أُحسن التعبير… لكن ما أقصده هو أنني… أخشى عليك.”
ابتسمت بخفة وقلت:
“لقد وصلني شعورك.”
لا أدري لماذا، لكن حين رأيت أركل يتحدث بتلك العبارات المرتبكة، راودتني رغبة في طمأنته.
لم تكن رغبة بكلمات تشجيع فارغة، بل كانت رغبة صادقة في أن أمسح عن قلبه همّه.
مددت يدي ولمست وجنته.
لمست جلده لا قلبه، ومع ذلك أحسست في تلك اللحظة أنني لامست أعماق قلبه حقًا.
“سأخبرك كيف أثّر بي العيش في كايين.”
“…….”
“أنت محق، كايين ليست مكانًا صالحًا لحياة زوجية.”
“…….”
“لكن لهذا السبب بالذات أنا أحبها.”
ارتسمت على شفتي ابتسامة ماكرة.
“لم يكن هناك يوم واحد يشبه الآخر طوال بقائي في كايين. كل يوم مختلف عن سابقه. قد يعتبره البعض خطرًا، لكن بالنسبة إليّ كان شعورًا حقيقيًا بالحياة.”
“…….”
“ذلك الترقب لمعرفة ما الذي سيحدث غدًا… هذا ما كنت بحاجة إليه فعلًا يا أركل.”
ارتجفت نظراته وهو يحدّق بي متأثرًا بنبرتي الواثقة.
“وكايين… وأنت… أعطيتماني ما كنت أبحث عنه. لهذا السبب أريد أن أبقى بجانبك. هل تسمح لي بذلك؟”
أظلم بريق عينيه وهو يجيب بصوت متردد:
“لكن… ماذا لو حدث الأمر نفسه ثانيةً…؟ لو فقدت السيطرة كما في ذلك الوقت…”
“عندها سأطرحك أرضًا.”
“…ماذا؟”
“أعدك. إن فقدت السيطرة مجددًا، فسأُسقطك وأمنعك بنفسي.”
توسّعت عيناه بدهشة من جديتي.
ثم فجأة انفجر بضحكة دافئة.
“هاها… لم أكن أتوقع هذا الجواب.”
“أنا لا أمزح. طبعي فيه شيء من القسوة.”
وكانت تلك حقيقة لا مزاحًا.
“هكذا إذن…”
ابتسم أركل وهو ينظر إليّ كأنما وجد الأمر مسليًا. ثم همس:
“إن كان الأمر بيدك… ليزي.”
أطبق برفق على يدي الموضوعة على وجنته، ورفعها إلى شفتيه، ثم طبع قبلة خفيفة على كفّي.
“قد لا أستطيع هزيمتك فعلًا.”
كانت تلك أشبه بإعلان استسلام، بأنه لن يصدّني أو يدفعني بعيدًا بعد الآن.
“…….”
“…….”
ظلّ كلانا صامتًا يتبادل النظر لبعض الوقت.
وكان المطر يزداد غزارة.
فكرت أنه آن أوان الدخول، ويبدو أن أركل خطر له الأمر نفسه.
“لنعد إلى القصر. قد تُصابين بالبرد.”
ألقيت نظرة على نفسي، فوجدت أن ثيابي قد ابتلّت تمامًا من المطر الذي تسلل رغم المظلّة.
‘هل سأصاب بالحمّى فعلًا إن استمررت هكذا؟’
في تلك اللحظة سمعت صوته العميق:
“لقد كنت أذكر.”
“ماذا؟”
“حين طلبتِ أن نشاهد معًا ما تسمينه بالفيلم. كنت أذكره… وكنتُ بانتظار ذلك.”
أضاف آخر جملة بنبرة خجولة، فأشرق وجهي بابتسامة مشرقة.
“إذًا هيا بنا! لنشاهد الفيلم.”
“حسنًا.”
“فمثل هذا اليوم تمامًا يناسب مشاهدة فيلم رعب.”
“لا أفهم الأمر جيدًا… كأنه طقس من طقوسكِ؟”
“إنه طقس لا غنى عنه عند أهل العصر الحديث!”
لم يبدُ أنه استوعب كلامي، لكنه تابعني في خطواتي مطمئنًا لابتسامتي الواثقة.
وسرنا معًا تحت زخات المطر العنيفة عائدين إلى القصر.
❖ ❖ ❖
داخل القصر.
حين وقع بصري على أركل بثيابه المبتلة انفجرت ضاحكة بخفة.
“الأفضل أن تبدّل ملابسك أولًا.”
“…حسنًا.”
أجاب وهو يدير رأسه بعيدًا عني، وقد بدا لي أن حمرة خفيفة صبغت أذنيه.
‘ما الأمر؟’
لم أفهم تمامًا، لكنني اكتفيت بأن أقول له أن نلتقي في غرفتي بعد أن يغتسل ويبدّل ملابسه.
“لقد أعددت شيئًا خاصًا لمشاهدة الفيلم!”
هزّ رأسه موافقًا بصمت، وما زال يتجنب النظر إليّ.
ثم افترقنا متجهَين كلٌّ إلى غرفته.
أخذت المنشفة الكبيرة من يد الخادمة وجففت بها جسدي، وحين التفتّ إلى المرآة أدركت أن ثوبي قد التصق بجسدي حتى صار شبه شفاف.
‘إذن لهذا صرف بصره…’
تذكرت نظراته وهو يحاول يائسًا أن يتجنب النظر، فشعرت بشيء من الحرج، لكن…
‘إن فكرت بالأمر… لقد رأيت جسده المبتل أيضًا، فما العيب إن رأى هو كذلك؟’
بمجرد أن وصلت إلى هذه القناعة، زال عني الحرج.
‘ثم إنه لم يكترث أصلًا. كل ما فعله أنه أشاح بوجهه احترامًا لي، لا أكثر.’
بهذا الاطمئنان أنهيت استعدادي.
❖ ❖ ❖
طرق- طرق-
دقّت الخادمة باب غرفة أركل وهي تدفع أمامها صينية.
“أحضرتُ ماءً باردًا يا سيدي.”
“…….”
فتح الباب وخرج أركل مرتديًا ثيابًا جافة.
نظر إلى الإبريق الموضوع على الصينية.
لطالما اعتاد بعد تدريبات السيف أن يشرب الماء البارد.
أطال النظر صامتًا للحظة، ثم تناول الإبريق فجأة.
“آه، سيدي! الكوب… يا إلهي!”
حاولت الخادمة أن تقدم له كأسًا مسرعة، لكنه سبقها ورفع الإبريق فوق رأسه وسكبه دفعة واحدة على نفسه.
حدّقت به الخادمة مصعوقة، والماء يقطر ثانيةً من شعره الذي جفّ للتو.
“س… سيدي! هل أنت بخير؟”
“آه… نعم.”
أجاب بوجه خالٍ من أي تعبير.
لكن داخله كان في فوضى عارمة.
فصورة ليزي وهي تبتسم أمامه كانت تسيطر على عقله بلا توقف.
‘سأفقد عقلي… إن لم أُهدِّئ نفسي… فسأهلك.’
كان ذلك اليوم أول مرة ينكسر فيها أركل تمامًا.
****
فتحنا انا وصديقاتي المترجمات قناة خاصة بتسريب الروايات واعلانات الفصول وفعاليات وأيضا طلبات وحروقات … واذا اختفيت بتلاقوني هنيك
هاد رابط القناه اعملو سكرين شوت وادخلو لعدسه قوقل منه:
https://t.me/+OedqgPvPKXoyZDFk
التعليقات لهذا الفصل " 42"