“كفى، عُدِّ الآن إلى غرفتكِ. لقد قلتُ كلاماً فارغاً لا داعي له.”
فأجبته:
“دعني أقول كلمة واحدة فقط. ناران، أنتَ…”
قاطعني بحدة:
“قلتُ لكِ اذهبي.”
انبعثت كلماته بنبرة جليدية، وعيناه القرمزيتان تحدقان بي بصرامة.
لكنني لم أتراجع.
التقطت أنفاسي، ثم فتحت فمي بصوت عميق جاد:
“إن كنت تعتبر نفسك قمامة… فأنا إذن نفايات نووية.”
ارتبكت ملامح نَاران، وعقد حاجبيه:
“ماذا؟ ما معنى هذا؟”
ابتسمتُ بخفة:
“أقصد أنّك لو كنت قمامة، فأنا أسوأ منك بمئة مرة.
لقد شاهدتُ أفلاماً ظهرت فيها أشياء أشدّ قذارة ممّا رأيتُ في ورشتك تلك.”
بقي ناران ينظر إليّ بعينين حائرتين، وكأنه لا يستوعب ما أقول.
“هل تعترفين الآن أمامي بأنكِ ارتكبتِ خطايا؟”
سأل بجدية.
أجبته:
“إن كان الانصياع للرغبات خطيئة، فربما نعم.”
هزّ رأسه بغيظ:
“لا أفهم كلمة مما تقولين.”
‘ربما بالغتُ في الحديث عن نفسي.’
فكّرتُ، ثم ابتسمتُ باعتذار:
“لا عليك من كل ذلك. المهم شيء واحد، لستَ بقمامة يا ناران.”
تنهد ساخرًا:
“هاه… وأنتِ يا من لا تعرفين عني شيئاً، تجزمين بهذا الكلام؟”
قلت بخفة:
“حسناً، اعتبر نفسك قمامة إذن. وسأبقى أنا النفايات النووية.”
قهقه بخفة لا تخلو من السخرية:
“حقاً…؟”
أومأتُ:
“أجل، المهم أن تفهم أنّك لست الأسوأ. هناك من هو أدنى منك.”
سكت ولم يرد.
فابتسمت وأنا أدير ظهري:
“إذن… أستأذن.”
تركته خلفي وغادرت بخطوات هادئة.
في الحقيقة، كنتُ أتمنى أن يصرخ في وجهي بـ “لستُ قمامة!” لكنه لم يفعل، فوجدت نفسي منساقة للاعتراف بدوري أنّني نفايات نووية.
ومع ذلك…
‘الغريب أنّ الأمر لا يزعجني.’
كنت أعود إلى غرفتي بخطوات خفيفة، وأنا أفكر:
‘عليّ أن أصل قبل أن يلاحظ الخدم غيابي.’
❖ ❖ ❖
بعد مغادرتي، توقفت يد ناران التي كانت تمسح الأدوات بهدوء.
ارتدّ إلى ذهنه كلماتي، “نَاران، لست الأسوأ.”
‘تبجّح فارغ…!’
هكذا أقنع نفسه.
فهي لا تعرف عني شيئاً، وواضح أن لها غاية خفية، بل ربّما تسخر مني في سرّها.
ومع ذلك… لماذا؟
لماذا يراودني شعور بأنني أريد تصديقها حتى وإن كانت كاذبة؟
‘هل يمكن أن تكون… معجبة بي؟ لا، مستحيل. هذا جنون!’
أخذ يمسح الأدوات بعنف، محاول طرد تلك الفكرة.
فأيّ إنسان في هذا العالم لن يحب شخص مثلي. من المستحيل… ومع ذلك…
‘أريد أن أسمعها ثانية…’
نعم، أردتُ سماع تلك الكلمات مرة أخرى.
من تلك القديسة الغريبة ذات الشعر الفضي، والابتسامة المشرقة.
‘هل حقاً لا غرض لها؟’
استحضر ناران وجهها المبتسم.
لم يكن يشبه ملامح الكاذبين، بل بدت كابتسامة نقية لإنسانة لم تكذب يوماً.
“آه…”
تمتم أخيراً.
الآن فقط أدركت السبب.
‘إنها طيبة أكثر مما ينبغي… ساذجة إلى حدّ أنّها حتى تجاه خاطفيها تبدي إحساناً.’
اتسعت ابتسامة ساخرة على شفتيه:
“يا لها من حمقاء.”
لكن فكرة جديدة لمعت في ذهنه:
‘ربما سيكون لها نفع يوماً ما. الأفضل أن أُحسن معاملتها قليلاً.’
نعم، قد يكون هذا لصالحه.
فإبنة عائلة أليهايم، تلك التي تملك القدرة على الشفاء، قد تُصبح ورقة رابحة إلى جانبه.
ثم تساءل بجدية:
‘لكن… بتلك الطيبة المفرطة، كيف ستنجو في هذا القصر؟’
تبدّلت ملامحه إلى القلق من غير أن يشعر.
بدأت صورة ليزي في ذهنه تتحول شيئاً فشيئاً إلى ملاك بريء لا يفقه شيئاً من قسوة الحياة.
“هاه… كيف ستعيش في هذا العالم القاسي؟”
همس بغير وعي، بينما خيال ابتسامتها يلوح أمامه.
وفي النهاية اتخذ قراره:
“إذن… يكفي أن أحطّم عظام ولحم من يجرؤ على الاقتراب من ليزي.”
بدأ يدندن بمرح وهو يواصل تنظيف أدواته، متمتم في نفسه أنه لا يفعل ذلك إلا لمصلحة مستقبلية لا أكثر.
❖ ❖ ❖
عندما عدتُ إلى غرفتي وصعدتُ الدرج، كان كل شيء كما تركته تماماً.
تنفست الصعداء، لم يحن وقت الطعام بعد.
‘جيد. سأتصرف وكأنني لم أخرج من هنا قط.’
استلقيت بهدوء على السرير.
وبعد قليل، سمعت وقع خطوات خلف الباب.
انفتح الباب، ودخلت خادمة تحمل صينية الطعام.
كانت هي نفسها الخادمة ذات الشعر الأحمر التي رأيتها في المطبخ من قبل.
قالت بسخرية وهي تحدق بي:
“لا بد أنّكِ سعيدة للغاية، أليس كذلك؟”
جلستُ معتدلة ببطء، فواصلت كلامها بمرارة:
“البعض يتعب حتى تتهشّم عظامه ليكسب لقمة عيشه… بينما جنابكِ تُطعَمين وتُؤوين بالمجان وكأنكِ أميرة مدللة. يا ليتني أعرف كيف يكون طعم حياة كهذه منذ الولادة.”
وضعت الصينية أمامي بخشونة، ثم رمقتني بنظرة متحدّية.
أما أنا، فاكتفيت بالتحديق فيها بصمت.
وبصراحة…
‘هي محقة بعض الشيء!’
فكّرتُ مع نفسي.
صحيح أنني رهينة هنا، لكنني أعيش مرتاحة بلا عمل، وأتناول طعاماً مجانياً.
لا عجب إن بدوتُ لها مثيرة للغيظ.
صحيح أنني لم أعش حياتي كلها بهذه الراحة، لكن من المؤكد أنّ تلك الخادمة لا تعرف هذا.
وماذا في ذلك؟
‘الأميرة الجليلة…؟’
حسناً، فليكن! سأستمتع باللقب ما دمتُ أستطيع.
أليس كل شيء في هذه الدنيا فرصة، ومن لم يغتنمها ضاعت منه إلى الأبد؟
ابتسمتُ للخادمة ابتسامة لطيفة.
فما كان منها إلا أن قطّبت جبينها في استغراب.
قلتُ بخفة:
“صحيح، أنا صاحبة مقام رفيع.”
قالت مذهولة:
“م-ماذا قلتِ؟”
تابعت بنبرة بريئة:
“ثم إنّ هذه السيدة الرفيعة طلبت من قبل أن يُقدَّم لها بعض الحلوى مع الطعام… ألا تذكرين؟”
حدقت بي بذهول، وكأنها فقدت القدرة على الكلام.
راحت ترتجف من الغضب.
فأتبعتُ بابتسامة مشرقة:
“لا بأس، ربما نسيتي. يمكنكِ من الآن أن تتذكري دائماً. ممتاز! لن تُنسى بعد اليوم.”
وصَفقتُ بكفيّ في حماس، فما كان منها إلا أن اندفعت فجأة وأمسكت بياقتي.
صرخت غاضبة:
“هل مللتِ حياتكِ حتى تتحديني هكذا-!”
“أوه؟”
فتحتُ عينيّ بدهشة:
“أأنتِ حقاً تنوين قتلي؟ هذا لن يكون حكيماً.”
“ه-هذا.”
تلعثمت، ولم تخرج منها سوى كلمات متقطعة.
فقلتُ ببراءة:
“ألم يقل ناران بنفسه إن حياتكِ وحدها لا تكفي ثمناً؟”
احمرّ وجهها من الغيظ، وصار يشي وكأنها ستفتك بي في الحال.
“أو لعلّ لكِ حياتين اثنتين؟”
سألتها بابتسامة خفيفة.
شهقت:
“…أنتِ…”
تابعتُ بهدوء، أنظر إليها بعينين رحيمتين كقديسة:
“أنا فقط قلقة عليكِ. صدقيني… كل هذا لأجلكِ.”
بعد أن حدّقت بي برهة بعينين تكاد تفتك بي، أفلتت أخيرًا قبضتها عن ياقة ثوبي.
وما زال نظرها القاتم شاخصًا نحوي، بينما لوت جانب شفتيها كمن يعضّ على غيظه.
“…كيف أجرؤ أنا على المساس بمقام الآنسة القديسة السامية؟
“…….”
“احرصي على نفسكِ يا آنستي. فكايين ليست كأليهايم… إنها مكان موحش.”
أومأتُ مبتسمة:
“أعلم.”
‘ولهذا السبب أحبها أكثر.’
نظرت إليّ لحظة طويلة، ثم تمتمت:
“تعلمين؟ وأنتِ لم ترِ شيئاً بعد.”
واستدارت خارجة من الغرفة، وتركتني وحدي.
بقيت أحدّق في الباب المغلق، ثم تنهدت:
“يا إلهي، كدتُ أُصاب بعسر هضم.”
ثم جلست آكل بجدية.
صحيح أنّ نفسي لم تكن مرتاحة، لكن الجوع لا يُقاوم.
وبينما ألوك قطعة خبز، تذكرت النظرات النارية في عينيها.
‘آه… ليت الأمور تسير بلا مشاكل.’
فقد سأضطر لرؤية تلك الخادمة ثلاث مرات يومياً على الأقل لثلاثة أشهر.
ربما كان عليّ أن أسايرها قليلاً بدل هذا.
لكن مهما يكن، ما إن أنهيت الطعام وتمددت فوق السرير، حتى بدأت أجفاني تثقل.
لا شك أن سبب ذلك هو أنني استيقظت مبكراً جداً للقاء ناران.
‘ليس هناك ما يُلزم بالعجلة، فلتكن قيلولة قصيرة…’
أنا في النهاية الأميرة الجليلة، أليس كذلك؟
ومن حق الأميرة أن تنام متى شاءت.
❖ ❖ ❖
خرجت سيلفيا من غرفة ليزي وهي تلهث غيظاً.
لم يكن من عادتها أن يستفزها أحد إلى هذا الحد.
“أنا قلقة عليكِ… من أجلكِ.”
أعادت كلمات ليزي إلى ذهنها، وارتجفت أسنانها من الغضب.
‘تافهة!’
كيف تجرؤ تلك الصبية الجاهلة، التي لم تعرف شيئاً عن عالم الظلام، أن تواجهني هكذا؟
إن قتلها لا يُكلّفني سوى لحظة.
لكن… إن فعلت، فحقاً لن ينجو رأسي أنا.
بل وربما فقدتُ ما هو أكثر من حياتي.
ضغطت سيلفيا على أسنانها بعنف.
‘لا بد من طريقة أخرى…’
وفجأة، ارتسمت ابتسامة باردة على شفتيها.
إذا لم أستطع تحطيم جسدها، فسأحطّم روحها.
منذ البداية، لم ترق ليزي أليهايم لعينَيها.
فمن مظهرها وحده، بدت مدللة لم تعرف الشقاء يوماً، بوجه بريء يخدع الناس ببراءته.
لكن سيلفيا تعرف جيداً… هؤلاء الذين يتخفّون وراء قناع القداسة، بينما قلوبهم تموج بالنفاق.
لقد عرفت هذا النوع منذ طفولتها، وعاشت بينهم حتى كرهتهم.
حين عادت إلى المطبخ، جمعت الخدم حولها.
ابتسمت بخبث وقالت:
“أما تشعرون بالملل هذه الأيام؟”
فرد أحدهم باستغراب:
“ماذا تقصدين يا سيلفيا؟”
قالت بعينين تلمعان:
“ألا تعرفون؟ لقد انضمت إلينا فتاة جديدة في هذا القصر. أليس من واجبنا أن نقيم لها حفلة ترحيب… خاصة؟”
بدأت ابتسامات خبيثة ترتسم على وجوه الخدم واحداً تلو الآخر.
“فكرة ممتعة!”
“ولن يُمسكنا السيّد بشيء بسببها.”
“ترى، هل ستحتمل قديسة عائلة أليهايم؟”
ضحكات مكتومة تعالت، فيما رفعت سيلفيا حاجبيها بخبث:
“من دخل كايين… فعليه أن يتأقلم مع ألعاب كايين.”
‘انتظري فقط يا آنسة.’
قريباً سأجعلك تزحفين على الأرض والدموع تملأ عينيك.
❖ ❖ ❖
في تلك الأثناء، كان أركل كايين يمتطي صهوة جواده بلا توقف، عائداً مسرعاً نحو القصر.
ليزي أليهايم…
هل ستكون بخير؟
كانت شقيقته قد جلبتها إلى هنا عنوة، وقالت إنها تملك قوة غريبة… مجرّد لمسة من يدها تمحو الألم.
في البداية لم يُصدّق هذا الهراء، وظن أنّ الأفضل أن تُعاد قبل أن تجلب لهم المتاعب.
لكن الآن… جبينه معقود، ووجهه يشي بمعاناة حادة.
عيناه الجميلتان، كأنهما تشعّان بلهيب، كانتا غارقتين في العذاب.
لماذا الآن بالذات…؟
اشتعل جسده كله بحرارة من فوران “مخزن السحر” في عروقه.
لم يستطع حتى إتمام عمله، واضطر أن يغيّر طريقه ويعود مسرعاً.
يعود إلى القصر، إلى حيث توجد ليزي أليهايم.
ضحك ساخراً بين أنفاسه المتهالكة.
سخر منها في البداية، فإذا به الآن أول من يتشبث بوجودها.
عاودت صورة ليزي أن تطل في ذهنه.
وجه محموم بالحرارة، وأنفاس متقطعة، ووجنتان محمرّتان.
تمتم بصوت مبحوح:
“…عيشي.”
ابقي حيّة إلى أن أصل.
~
ترجمة ليين سنادا 💕
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 4"