هل من الخطأ أن يعجبني رؤية الشرير يتألم [ 38 ]
“هل جسدكِ بخير؟”
لم أجب، واكتفيت بالتحديق في الممر الذي دخل منه الساحر.
‘ما دام الطريق غير مسدود… فلو تظاهرت بالمرور عرضاً وأحدثت جلبة بصوت مرتفع…’
كنت أفكر في ذلك، لكنّه كأنما قرأ أفكاري وقال:
“لا فائدة من الصراخ. فمدخل هذا المكان عليه تعويذة بسحر خاص. من الخارج لا يمكن سماع أي صوت يصدر من هنا.”
“…….”
“هل حالتكِ أفضل الآن؟ أما زلتي تشعرين بعدم ارتياح؟”
سألني الساحر وهو يرفع نظره إليّ.
“قل لي، ما معنى ما يسمّى بالحاكم؟”
فتحت فمي متجاهلة كلامه، وعندها فقط ارتسمت على وجهه ابتسامة مطمئنة كأنه شعر بالارتياح.
“المعنى ظاهر كما هو. الشعر الأبيض وتلك العينان… أنتِ المرأة التي ظهرت في الوحي.”
كان أسلوب حديثه غريباً، يمزج بين لغة الاحترام والكلام العادي، ويبدو أنه لم يكن متمكّناً تماماً من لغة الإمبراطورية.
بينما كنت أتأمله بصمت، وضع يده على صدره وقال:
“اسمي لاكو. ساحر قبيلة بَنّاكُو.”
‘أعرف ذلك.’
بَنّاكُو، القبيلة التي قضى عليها الإمبراطور.
كانوا يسكنون جبل كروم ويعبدون الشياطين.
‘أتراه يريد استخدامي رهينة ليعيد إحياء قبيلته؟ أم أنّ الأمر بدافع الانتقام؟’
ظللت أحدّق فيه شاردةً، أفكاري تتزاحم بلا توقف.
‘أما أسوأ الاحتمالات…’
ربما لم يكن هناك هدف سوى التسلية الحقيرة، فيكون اختطافي مجرد تنفيس غضب.
عندها سأبقى هنا أسيرة، عرضةً لشتى صنوف المهانة.
‘…كما حدث في الانتقام لي.’
“…….”
راودتني فكرة كهذه كأول ما قد يخطر ببالي في موقف كهذا، ثم أدركت متأخرة أنني لم أكن بكامل قواي العقلية.
تنفست بعمق، ‘همم’، وشعرت أنني فقدت الإحساس بالواقع.
الأغرب من ذلك أن هذا الإدراك لم يترك في نفسي أثراً كبيراً، سوى فراغٍ خفيف.
ولأخفي ذلك الفراغ، ارتسمت على وجهي ابتسامة مشرقة من غير وعي.
“هل تنوي قتلي؟”
قلت ذلك موجّهةً نظري إلى الرجل الذي يُدعى لاكو وبنبرة دافئة وهادئة لا تلائم مضمون السؤال أبداً.
ظل لاكو يحدّق بي بلا جواب.
“إن كان قصدك اللعب بي ثم قتلي، فلن تستجيب لطلبي إن رجوتك أن تنهي أمري سريعاً، أليس كذلك؟ حسنٌ، إذن…”
‘ربما من الأفضل أن أبادر أنا قبل أن تُسلب مني حتى حرية اختيار الموت…’
“…….”
شعرت أن بصري يظلم فجأة في تلك اللحظة.
“وجهكِ شاحب. هل تؤلمكِ معدتك؟ غريب… لقد كانت مجرد تعويذة نوم ليس إلا.”
قفز لاكو واقفاً، ومدّ يده فجأة إلى جبيني.
وبفضل تلك الحركة استعدت وعيي بسرعة، وتراجعت متفاديةً يده الممتدة نحوي.
‘…لا، لحظة. لا ينبغي أن أستسلم بهذه السرعة… لم أرَ بعد دموع أركل!’
نعم، حتى ذلك الحين لا يمكنني أن أموت.
بدا الارتباك على ملامحه إذ لم يتوقع أن أتفادى يده.
ضحكت بخفة، وقلت ببساطة:
“الانتقام لن يغيّر شيئاً في الواقع. ثم إنني لستُ من العائلة الإمبراطورية أصلاً. ألن يكون أفضل أن ترسلني إلى أركل مقابل فدية—”
“ليس انتقاماً. بل العكس. السبب الذي جلبتُك من أجله، أيتها الحاكمة، هو…”
توقف قليلاً، ثم واصل كلامه ببطء:
“التكفير.”
“التكفير؟”
أعدت السؤال غير مصدّقة أذني، فأومأ برأسه.
“نعم، التكفير. هناك ما يرعبني… وهي الحياة التي تلي الموت.”
“…….”
“كل أبناء بَنّاكُو يؤمنون بالحاكم ويخدمونه.”
كان يقصد بذلك الشيطان الذي يعبدونه.
“قدّمنا له القرابين بانتظام، ورسمنا الخطط لنوسع أرضاً يسكنها.”
‘القرابين، أي لا شك أنها تضحيات بشرية… والخطط، يقصد بها حملة الغزو التي قادها زعيم القبيلة ضد أراضي الإمبراطورية، قبل أن يقضي عليهم الإمبراطور.’
‘لكن بما أن عددهم كان كثيراً، لو أنهم شنّوا الغزو حقاً لكان الأمر خطيراً للغاية.’
“أنا نفسي لم أفعل شيئاً يذكر. كل ما في الأمر أنني صنعت أسلحة ملعونة في سبيل أن أصبح ساحراً عظيماً.”
‘هذا يُعدّ جريمة بحد ذاته، وليس “لا شيء” كما يقول.’
لكنني لم أقل ذلك، بل اكتفيت بالرد ببرود: “فهمت.”
كان ردي بلا روح، لكنه استغرق في حديثه غير مبالٍ.
“غير أن الخطة فشلت، والزعماء ماتوا… والشيوخ الكبار الذين خططوا معنا قُتلوا أيضاً. أما أنا فقد بقيت حيّاً. عندها أدركت شيئاً…”
رفع لاكو رأسه ونظر إلى السماء.
مع أن السقف الصخري يحجبها، إلا أنه بدا كأنه يحدّق بما وراءه.
“بعد أن خدمنا الحاكم بإخلاص…؟ ماذا جرى للزعيم وبقية الناس؟ هل نالوا جزاءً من الحاكم؟”
“…….”
“ربما كنت أعلم في قرارة نفسي. ذلك الحاكم الذي عبدناه… لم يكن كائناً قادراً على خلاص الأرواح الميتة.”
“واو… اكتشاف عظيم حقاً.”
لم أقصد السخرية، لكن الكلمات انطلقت من فمي بغير كبح.
فالإمبراطور حين قرر القضاء على قبيلة بَنّاكُو لم يكن السبب أنهم يعبدون شيطاناً فحسب.
بل لأن تلك القبيلة كانت قد جعلت شتى الأفعال الوحشية ومنها ما ذكره لاكو من القرابين البشرية “عادات” متأصلة.
ولطالما طالت آثار تلك “العادات” القرى القريبة من جبل كروم.
وعلى أي حال، بدا أن لاكو كان يحمل في لا وعيه إدراكاً بأن تلك الأفعال لم تكن صواباً.
‘ولهذا، بعد أن شهد موت الزعيم والشيوخ، تمسّك بفكرة التكفير…’
بمعنى آخر، هذا الرجل الآن يبحث عن الخلاص.
‘لكن ما علاقتي أنا بهذا؟’
أنا أبعد ما أكون عن إنقاذ أحد، فأنا أجيد إغواء الناس وإسقاطهم أكثر من إنقاذهم.
‘ومن سوء حظه أنه تعلّق بي بالذات… صفقة خاسرة فعلاً.’
كنت أتحسر عليه في داخلي، بينما كان هو يرمقني بعينين غريبتَي البريق، ثم خرج صوته منخفضاً:
“أنتِ يا حاكمة… أنتِ وسيلتي للتكفير.”
“ولماذا أنا بالذات؟”
“لم أضرع إلى حاكم بَنّاكُو… بل إلى حاكم آخر لا أعرفه. أيّاً كان، فقط ليساعدني… ليهديني إلى طريق الغفران… حتى أُجازى في الحياة التالية بعد الموت.”
“يبدو أنك واثق جداً من وجود حياة بعد الموت.”
تجاهل لاكو كلماتي الساخرة.
“في ذلك اليوم، هبط الوحي في حلم. فراغ أبيض لا شيء فيه… وفي الوسط كانت امرأة ذات شعر فضي وعيون وردية… ابتسمت لي ابتسامة دافئة مشرقة. وحين صحوت، أدركت.”
جثا لاكو أمامي مرة أخرى.
وعيناه الذهبيتان تلمعان ببريق جنوني وهو يرفع صوته شيئاً فشيئاً حتى صاح تقريباً:
“أدركت أنه كان وحياً…! وأن سبيل خلاصي بعد الموت هو أن أخدمك بكل كياني، أيتها الحاكمة!”
“هاهاها!”
انفجرتُ ضاحكة من غير قصد.
عندها فقط تشوّه وجه لاكو، الذي لم يكن يضطرب مهما قلت.
“…لمَ تضحكين؟”
“لا شيء… فقط لأنك أكثر جنوناً مما توقعت. آه، عذراً إن كان كلامي أزعجك.”
“…….”
تأملني وهو أسمع ضحكاتي، ثم تكلّم ثانية بنبرة أهدأ قليلاً:
“لا بأس. حتى لو رأيتِ الأمر سخيفاً، فلن يتزعزع عزمي.”
“هاها… لكن أخبرني، كيف عرفت أنني سأجيء إلى كِيلسْتون؟”
“بعد أن تلقيتُ الوحي، أقمت هنا أفكر كيف أصل إليك. حتى جاءني يومٌ قرأت فيه الطالع، فأدركت الحقيقة.”
مدّ لاكو يديه ليُطبق برفق على يدي.
“لستُ من محبي هذا النوع من الملامسة.”
قلتها ببرود، لكنه تجاهلني.
“أدركت أنني لستُ مضطراً للذهاب إليك… لأنك أنتِ في طريقك إلى هنا. عندها أيقنت أن هذا كله إرادة الحاكم… وأنك وأنا مرتبطان بالمصير.”
“امم. هذا مؤسف، لكن عليك أن تتمرّن أكثر على فنون المغازلة. أكثر عبارة مبتذلة في الغزل هي المصير… أو ما شابه ذلك.”
ابتسمت بأسف مصطنع، ولاكو يكتفي بالتحديق بي بصمت.
لم يكن بليداً كلياً على الأقل.
“ثم إن الملامسة بلا إذن تحسب نقطة سلبية أيضاً.”
سحبت يدي بعزم من بين يديه.
ورغم ابتسامتي، كان الجو بيننا مشحوناً بالبرودة.
قطع لاكو الصمت أولاً:
“…سأطرح سؤالاً واحداً.”
“اسأل مئة إن شئت. ألا يمكن أن نخرج من هنا أولاً ثم نفتح جلسة أسئلة وأجوبة؟”
“هل تعتقدين أنني لا أستطيع التكفير؟”
“ولِمَ لا؟ البشر قادرون على التغير إذا عقدوا العزم. لكنك بهذا الفعل تزيد ذنوبك أضعافاً، أليس كذلك؟”
سادت لحظة صمت.
“…فهمت. جوابك هو هذا إذن.”
نهض لاكو، وبدأ يتمتم بكلمات غريبة بلغة غير مفهومة:
“ɵʞØßŋđ, ɵʞØßŋđ…”
حاولت بسرعة أن أسدّ أذنيّ، لكن ذراعي تيبّست فلم أستطع تحريكها.
صحيح أن وعيي لم يتلاشى كما في المرة السابقة، لكني شعرت أن جسدي كله قد تجمّد.
رغم ذلك، حدّقت فيه بحدة وابتسمت ساخرة:
“هاها، هنيئاً لك، لقد أضفت إثماً جديداً إلى قائمة خطاياك.”
أما هو، فلم يضطرب هذه المرة، بل ابتسم ناظراً إليّ:
“لا حاجة لأن تتحركي، أيتها الحاكمة. سأكون يديك وقدميك. سأخدمك هنا مدى الحياة.”
ثم فتح ذراعيه كمن يغمره الوجد وهتف:
“من الآن، هذا المكان هو معبدنا! أنتِ معبودتي… وإياك وحدك—”
بووم!!!!
دوى انفجار هائل كاد يصمّ الآذان، وابتلع كلماته الأخيرة.
التفت لاكو إلى مصدر الصوت، فانعكس الغضب والارتباك على وجهه.
أحد جدران الكهف قد انهار بشكل بائس.
ومن بين الغبار المتصاعد والركام، بدا ظلّ شخص يتقدّم.
كان أركل.
“مستحيل… لقد وضعت حواجز محكمة… كيف—؟”
فالتفتُّ إلى لاكو الذي يتمتم بحيرة، وقلت بصوتٍ يقطر سخرية:
“يا للخسارة… ما إن شيّدت المعبد حتى انهار. تُرى هل كنت مؤمّناً عليه؟”
***
فتحنا انا وصديقاتي المترجمات قناة خاصة بتسريب الروايات واعلانات الفصول وفعاليات وأيضا طلبات وحروقات … واذا اختفيت بتلاقوني هنيك
هاد رابط القناه اعملو سكرين شوت وادخلو لعدسه قوقل منه:
https://t.me/+OedqgPvPKXoyZDFk
التعليقات لهذا الفصل " 38"