يبدو أن شعوري بأنّ أركل يرمق كان بنظرات باردة على نحو يثير القشعريرة لم يكن مجرد وهم عابر.
قال كان:
“ايتها المخرجة ليزي… أريد أن أشاهد المشهد الأخير أنا أيضًا.”
“أترغب بذلك؟ إذن لنشاهده على الشاشة.”
اقترب كان منّي ليطلّ على حجر العرض، وعندها أحسست من بعيد بنظرات جليدية تتخللني.
كان ذلك أركل.
فقلت لأسترضيه:
“هل ترغب أنت أيضًا أيها المساعد أن تأتي وتشاهد معنا؟”
وما إن قلت ذلك حتى تقدّم أركل بخطوات واثقة وصمتٍ ثقيل، ثم حشر جسده الكبير بيني وبين كان.
قال كان وهو يرمقه باستغراب:
“هاي…”
كان ينظر إليه بنظرات تسائل ‘ما الذي تفعله’ غير أنّ أركل لم يُعره أي اهتمام، واكتفى بالوقوف بيننا وكأنه لم يشعر بضيق المكان بجسده الضخم، ثم تابع مشاهدة العرض من بدايته حتى نهايته دون أن يبدُو عليه أدنى انزعاج.
‘هل هذا فعلًا أركل الذي أعرفه؟ ذاك الذي كان يبدو وكأنه لن يُبدي أي تعلق بالدنيا حتى لو فنيت غدًا؟ لمَ أصبح عنيدًا إلى هذا الحد فجأة؟’
كانت تصرفاته الغريبة تشتتني، فلم أستطع التركيز على المشهد كما ينبغي.
أما كان فقد كان منهمكًا بشدة، وحين انتهى العرض قال بصوتٍ يغشاه الأسف:
“كان يمكنني أن أؤدي أفضل… لو أعدنا التصوير مرة أخرى…”
فأجبته بابتسامة مشجّعة:
“ثق بي يا كان. من وجهة نظر المخرج، هذا الأداء ممتاز بالفعل.”
قال متردّدًا:
“هكذا تظنين… لكن…”
كان صوته ينمّ عن أسف ليس على المشهد نفسه بقدر ما هو على انتهاء المهمة التي انشغل بها بعد طول فراغ.
‘لهذا أعددت لهم شيئًا آخر…’
تظاهرت بأنني أتحدث عرضًا وقلت:
“ثم إن التمثيل لا يتحسن من محاولة واحدة فقط. ولكي تتقنه أكثر، ثمة أمر لا بد منه.”
كنت أنوي أن أترك لهم واجبًا يقيهم العودة إلى حالة الخمول التي كانوا عليها قبل حضوري.
“وما ذاك؟”
“التمرين المستمر.”
ارتجفت عينا كان وهو يردّد الكلمة:
“التمرين…”
“بالطبع. فالتمثيل قد يستغرق عشر سنوات، بل أكثر حتى يتقنه المرء. أي أنه يحتاج إلى استثمار وقت طويل. ومن هذه الناحية، فإن سكان كيلستون يملكون فرصة عظيمة للنمو. أتدري لماذا؟”
تهللت عينا كان وهو يتمتم:
“الوقت… لدينا الكثير من الوقت!”
أومأت بقوة وقلت:
“بالضبط! لذا ما رأيك يا كان أن تتمرنوا معًا على التمثيل حتى موعد التصوير القادم؟ بل ربما من الأفضل أن تُنشئوا قاعة خاصة للتدريب.”
“فكرة رائعة… نعم، حين نصوّر في المرة المقبلة، سنؤدي أفضل بكثير.”
“ممتاز. بل أرى أن تتولى أنت قيادة التدريبات بصفتك رئيس الممثلين… أتوافق؟”
فتح كان عينيه دهشةً وأخذ يهز رأسه مرارًا:
“سأتولى الأمر. سأهتم بهم وأصنع منهم ممثلين جيدين.”
“أثق بك. وسأرسل لكم عدة نصوص مسرحية تساعدكم على التدرب.”
قال متلعثمًا وفي صوته خجل:
“شكرًا لكِ… أيتها المخرجة.”
كانت هذه أول مرة أسمعه يوجه إليّ كلمة شكر. ثم أضاف وقد بدا عليه التأثر:
“كنت أظنّ مهما حدث أنّ أهل هذه القرية… لم يعودوا أحياء بحق. لكن يبدو أنني كنت مخطئًا…”
“كان…”
فقاطعه أركل بصوتٍ جاف يبدّد دفء اللحظة:
“إذن… هل عقدتَ العزم الآن على أن تفي بوعدك؟”
ورغم حدّة أركل لم يتأثر كان، بل التفت إليّ معتذرًا وقال:
“صحيح، كنتم قد طلبتم مني أمرًا… أردتم أن أخبركم بمكان المتسلّل، أليس كذلك؟”
أطبقت يديّ معًا وأومأت بقوة.
فقال كان:
“ذلك الرجل… يبدو أنه يعرف أننا لا نكترث له، فكان يتجول في القرية بلا خشية. وأغلب الظن أن مأواه كهف عند سفح جبل كروم. كنت أراه يخرج دائمًا من هناك.”
تبادلتُ النظرات مع أركل الذي سارع على الفور إلى حشد الفرسان.
لقد حان وقت تحقيق الهدف الحقيقي من قدومنا إلى كيلستون.
❖ ❖ ❖
في داخل الكهف الذي دلّنا عليه كان.
كما في المرة الأولى حين دخلت كيلستون، وجدت نفسي محاطة بالفرسان من جميع الجهات بينما نمشي في جوف الكهف.
وكان أركل، ممسكًا بمشعل بيده ويتقدم الصفوف.
وعلى يساري، كان أحد الفرسان يتمتم بصوتٍ مرتعش:
“لـ… لا تقلقوا… لن يحدث شيء ما دام السيد معنا…”
لم أعرف إن كان يخاطبني أم يحاول أن يوهم نفسه بالشجاعة.
‘كيف أصبح فارسًا وهو على هذه الدرجة من الجبن؟’
وبينما كنت أفكر في ذلك، توقف الفارس الذي في المقدمة فجأة، وجاءنا صوت أركل يقول:
“يبدو أن هذا هو المكان. ثمة آثار نار موقدة هنا.”
فقال أحد الفرسان:
“إذن، فلنختبئ إلى أن يعود…”
لكن قبل أن يتم كلماته—
دويّ هائل دوّى في المكان!
ارتج الجميع من المفاجأة.
أما أنا فكنت الأكثر ذعرًا… إذ كان مصدر الصوت رجلًا سقط من أعلى سقف الكهف ليهبط مباشرة بجانبي.
‘أكان… معلّقًا هناك طوال الوقت؟’
حدّقت فيه مذهولًا، فالتقت عيناي بعينيه.
حدّقت في الرجل مذهولة وفمي مفتوح على آخره.
كان ذا بشرةٍ برونزية وجسدٍ ضخمٍ متين العضلات لا يقلّ حجمًا عن أركل، وأخذ يحدّق في وجهي بتمعّنٍ كما لو كان يفتّش عن شيء.
بادلتُه النظرات متوترة وأنا أقول في داخلي:
‘شَعر أبيض طويل… وعينان ذهبيتان باهتتان… نعم، هو نفسه ذلك الساحر.’
إنه الكائن الوحيد القادر على كسر لعنة الإمبراطور، والشخص الذي سيكون في المستقبل مصدر ثروة العرش.
ففي ما بعد وبعد أن يُقبض عليه، يُجبر على رفع اللعنة عن الإمبراطور، ثم يُحكم عليه بالإعدام، غير أنّ الحكم يُخفف لاحقًا.
ذلك أنّه مع كونه مستخدمًا للسحر الأسود، فقد كان أيضًا بارعًا في إبطال مفعوله.
ولما عرف الإمبراطور ذلك لم يقتله، بل حبسه في برج السحر، وأجبره على إنتاج جميع التعاويذ والأدوات والأدوية السحرية الفعّالة ضد السحر الأسود.
‘وكان يبيعها جميعًا بأثمان باهظة…’
إذن، إن أخذتُ هذا الرجل إلى كايين الآن، فسأستحوذ على كل تلك الأرباح المستقبلية.
‘ومع طبع أركل ومارثا، فلا شك سيخصّانني بنصيبٍ وافر منها.’
غمرتني نشوةُ الخيال، لكنّ الرجل انحنى فجأة نحوي مقتربًا حتى أفزعني.
لم يكن يرتدي سوى قطعة قماشٍ حول خصره، وعيني وقعت بغير قصد على عضلات صدره العريضة البارزة، فحبست أنفاسي على عجل كمن رأى ما لا ينبغي أن يراه.
وبالتزامن مع ذلك، دوّى صوت أركل الهادر:
“كيف تجرؤ على النظر…!”
تجمدت لوهلة وكأنني أنا المخطئة، لكنني سرعان ما أدركت أنه يخاطب الرجل لا غير.
كان أركل يرمقه بوجهٍ يقطر تهديدًا وكأنه سيسلّ سيفه في أية لحظة، لكنه لم يتحرك خشية أن يستخدمني الساحر درعًا.
وكان الفرسان المحيطون بي يشاركونه التوجس نفسه.
ازدردت ريقي بصمت.
حتى لو قررنا أخذه إلى كايين، فلا بد أولًا من تقييده حتى لا يشكّل أي خطر.
‘لو لم أكن واقفة هنا، لتحرك أركل بسهولة أكبر…’
وبينما كنت أفكر بكيفية إشغاله والهروب صوب أركل، إذا بالرجل يصرف بصره عني لأول مرة، ويلقيه ببطء على أركل والفرسان.
شعرت أنّها فرصتي.
أسرعتُ في ذهني برسم طريق للفرار:
‘سأركض مباشرة نحو أركل، المسافة قريبة ولن يقدر أن يردّ في اللحظة ذاتها…’
وبينما أتهيأ لذلك، سمعت الرجل يتمتم بلغةٍ غريبة لم أفهمها.
وفجأة، بدأ الفرسان المحيطون بنا يتهاوون الواحد تلو الآخر فاقدي الوعي.
قال أحدهم مذهولًا: “ما الذي…” لكنه لم يكمل، إذ سقط هو الآخر أرضًا.
نظرت بسرعة إلى أركل. كان واقفًا ثابتًا، فازددت يقينًا.
‘إنه سحر أسود!’
صرخت:
“أركل، الآن، عليك أن—”
لكن لم أكمل.
شعرت برأسي دوار شديد وأركل يندفع نحوي صارخًا، غير أنّ صورته بدت مشوشة أمام عيني.
‘كنت أريد فقط أن أعود بسلام ونشاهد الفيلم معًا…’
خيالٌ غريبٌ خطر لي بينما خارت قواي وانثني جسدي.
لكن قبل أن أرتطم بالأرض، شعرت بذراعين قويتين تحتضنان خصري.
تمتمت:
“أر… كل…”
غير أن اليدين لم تكونا له.
بينما تتلاشى رؤيتي، برزت أمامي عينان ذهبيتان باهتتان، كانت عينا الساحر.
كان يحدّق بي ويحرّك شفتيه:
“أخيرًا… التقيتُك.”
‘ماذا…؟’
لم أتمكن من استيعاب المعنى، إذ كان قد رفعني بكلتا ذراعيه عن الأرض.
عندها دوّى خلفي صوتٌ بارد لم أسمع مثله من قبل:
“ضعها أرضًا.”
وتبعت ذلك خطواتٌ سريعة تقترب، ثم صرخة ألمٍ حادة توقفت معها الحركة.
بكيت داخليًا:
‘لماذا الآن…!’
أجبرت جفوني على الارتفاع فرأيت أركل جاثيًا على ركبتيه قابضًا على صدره ويتنفس بسرعة ووجهه ملتوي من الألم.
كان واضحًا أنّ نوبة اضطراب مخزون السحر قد عاودته.
‘عليّ أن أهدّئه… لكن…’
لم أستطع تحريك إصبع واحد.
وفيما أنا عاجزة، كان الساحر الذي يحملني يتجاوز أركل المتهالك ويتوغّل بي في أعماق الكهف.
بعد قليل سمعت صرخات غاضبة ووقع أقدام يقترب من الخلف، لكن الساحر تمتم بشيء ما فارتفعت صرخات ألمٍ جديدة، ثم خيّم الصمت.
“سأمزقك إربًا…!”
كان صوت أركل يغلي كالدم، غير أن الساحر واصل سيره.
وغشي الظلام بصري، ولم أعد أسمع سوى صوت أركل يصرخ باسمي مرارًا حتى انقطع وعيي.
❖ ❖ ❖
وحين فتحت عيني من جديد، كنت ممددة على سرير صلب.
لحسن الحظ لم أكن مقيّدة، فاعتدلت ببطء أتأمل المكان.
الجدران عُلّقت عليها نباتات شتى وحيوانات صغيرة ميتة وكأنها مؤونة طعام.
بدا المكان بوضوح مأوى الساحر.
‘أين الآخرون؟ لا بد أنهم بخير ما دمت أنا لم أُصب بسوء… لكن لِمَ أخذني وحدي؟ وإن كان يعتبرني أسيرة، فلماذا لم يقيّدني؟’
والأسئلة تتزاحم في رأسي، إذا بالساحر يدخل من فتحة الكهف ويحمل سلة مملوءة بأعشاب لا أعرفها.
وحين رآني جالسة وقد استعدت وعيي، تقدّم حتى جثا على ركبتيه أمامي، ثم قال بصوتٍ خفيض:
“…يا حاكمة.”
‘ما الذي يهذي به هذا الآن؟’
فكرتُ بمرارة:
‘ليته ألقاني داخل فيلم رعب… لكان الأمر أهون من محاولة استيعاب ما يحدث الآن.’
*****
فتحنا انا وصديقاتي المترجمات قناة خاصة بتسريب الروايات واعلانات الفصول وفعاليات وأيضا طلبات وحروقات … واذا اختفيت بتلاقوني هنيك
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 37"