كان قائد الفرسان يحدّق بوجه متجهم نحو مدخل القرية من بعيد، ثم أطلق تنهيدة صغيرة متوترة.
كان الفجر يتسلل ببطء.
ومع انقشاع الظلام أخذت ملامح القرية تتضح شيئًا فشيئًا، غير أنّ عينيه لم تلمحا أي أثر لسيّده مهما أطال النظر.
حتى جنوده بدت على وجوههم علامات القلق.
خوف من الموتى الأحياء، وقلق على مصير سيدهم، وضغط من احتمال وقوع كارثة، كلها انعكست على محياهم.
“ما الذي سنفعله الآن؟”
سأل أحد الفرسان بحذر.
“…….”
“الشمس ستشرق بعد قليل.”
أدار القائد نظره بصمت نحو جنوده، ثم أعاد عينيه إلى مدخل كيلستون.
لكن حتى عند إعادة النظر، لم يظهر له ظلٌّ واحد يخص سيده.
شهيق عميق ملأ صدره، ثم صرخ موجّهًا أوامره:
“تهيّؤوا! سندخل كيلستون الآن!”
“……!”
لم يتفاجأ أحد، فقد كانوا يتوقعون هذا الأمر مسبقًا.
وكأنهم استسلموا لما لا مفرّ منه، ارتسمت على أعينهم نظرات حازمة يكسوها العزم.
ترجّل الفرسان ليستريحوا من ركوبهم، ثم شرعوا بتفقد السروج، فيما جهّز السيوفيون والرمّاة أسلحتهم.
وقف القائد يتأملهم بوجه متماسك.
وبرغم ثقل المسؤولية، حاول إخفاء توتره وفتح فمه بنبرة صارمة.
عندها—
“هنا! انظروا هناك!!”
صرخ أحد الفرسان وهو يشير خلف القائد.
فاستدار القائد بسرعة.
“…مستحيل….”
شهق بدوره وقد اتسعت عيناه دهشة.
من داخل القرية، كان شيء ما يثير غبارًا كثيفًا وهو يندفع بجنون نحو المدخل.
إنهم الفرسان الذين غادروا مع أركل.
لكن ما صدم القائد لم يكن رفاقه العائدين، بل ما كان يطاردهم خلفهم جماعات جماعات—أناس بهيئة بشعة، وأجساد متآكلة لا تخطئها العين… موتى أحياء لا شك.
“سيدي…! إنهم—”
“لم أتصور أن عددهم بهذا الحجم…”
“يا إلهي…”
كان القائد أول من استعاد وعيه.
“أعيدوا تنظيم الصفوف! حرّاس الدروع والرمّاة إلى الأمام! سنهرع لمساندتهم فورًا!!”
وبصرخته هذه استفاق الجنود واحدًا تلو الآخر، وأعادوا ترتيب صفوفهم.
“إلى الهجوم!”
اندفع القائد في المقدمة، وتبعه الفرسان ركضًا نحو مدخل كيلستون.
أما رفاقهم الفارّون من الموتى الأحياء، فقد صاروا بالفعل على مشارف المدخل.
‘قليلًا بعد… قليلًا فحسب!’
حدّق القائد بعينين ملؤهما الرجاء.
‘إن اجتازوا المدخل فحسب، فالحدود السحرية ستمنع الموتى الأحياء من الخروج—ليتهم يصلون سالمين بلا قطرة دم تُراق!’
وكأن آماله منحتهم قوة، إذ بلغ الفارّون أخيرًا الشجرة الواقفة عند مدخل القرية.
‘نجونا!’
تنفس القائد بارتياح… لكن في تلك اللحظة—
“….!!!”
هوَوا أرضًا فجأة قبل أن يعبروا وهم يتلوّون من الألم وكأنهم يحتضرون.
ومض في ذهن القائد خاطر مروع:
‘أيعقل… أن الموتى الأحياء قادرون على استخدام السحر؟!’
“توقفوا! قد تكون طاقة سحرية!”
صرخ القائد وهو يشد لجام جواده ليوقف اندفاعه.
فالتقدم دون معرفة ما يجري أشبه بالانتحار.
ولأن معلوماتهم عن الموتى الأحياء تكاد تكون معدومة، فليس من المستحيل أن يكونوا قادرين على التحكم بالسحر.
لذلك لم يكن التهور خيارًا.
‘ما الذي يحدث بحق السماء…؟ أولًا، علينا فهم الوضع…’
حاول القائد أن يحافظ على رباطة جأشه وهو يتفحّص المشهد عند المدخل.
“آااه!”
“غغاه!”
الفرسان الساقطون كانوا يصرخون بشدّة ويتقلبون على الأرض ألمًا.
ورغم المسافة، استطاع القائد أن يرى بوضوح وجوههم المشوهة من العذاب والذعر.
وخلفهم، أخذت جموع الموتى الأحياء تقترب أكثر فأكثر.
لم تكن سريعة بحكم أجسادها الممزقة، لكنها مع ذلك كانت تقلّص المسافة شيئًا فشيئًا.
“سيدي…! يجب أن ننقذهم….”
قالها أحد الجنود بارتجاف، بينما تجعّد جبين القائد في حيرة مؤلمة.
لم يكن يريد أن يظل متفرجًا على رفاقه وهم يموتون.
لكن…
“إن لم أعد، فمصير الجميع سيكون بين أيديكم.”
فالقرار الخاطئ قد يعني فناؤهم جميعًا.
الحكم المتعجل قد يجرّ إلى الفناء الكامل.
وكما قال أركل قبل رحيله، ما دامت كل المسؤولية واقعة على عاتقه، فلا بد من اجتناب ذلك.
“سنراقب الوضع أكثر.”
قالها قائد الفرسان بوجه حازم.
صوته المنخفض الممزوج بالجدية لم يترك لجنوده خيارًا إلا الانصياع مهما كان ذلك مؤلمًا لهم.
“…….!”
وبينما كان يتأمل رفاقه المطروحين أرضًا بتجهم، لاحت في عينيه بارقة أمل.
فالفرسان الذين ظلوا يتلوّون من الألم بدأوا يزحفون نحو المدخل.
قبض القائد كفّه بغير وعي.
‘نعم، يكفي أن يخرجوا من القرية فحسب…! قليلًا بعد… قليلًا فقط!’
وكأنهم فهموا ذلك أيضًا، فراحوا يجرّون أجسادهم المرهقة بوجوه يعلوها الألم، ويزحفون بإصرار حتى اقتربوا أكثر فأكثر من المدخل.
وبالتدريج ابتعدت المسافة بينهم وبين الموتى الأحياء المطاردين لهم.
‘قليلًا فقط…!’
وأخيرًا، اجتاز نصف جسد أحد الفرسان الشجرة القائمة عند المدخل.
فاتخذ الآخرون ذلك دافعًا، فعضّوا على النواجذ وزادوا من سرعتهم، حتى صار معظمهم قد مدّ ساقيه فقط خلف حاجز الحماية.
“لااا!!!”
صرخ الفارس المتقدم بصوت ملهوف.
لقد باغته أحد الموتى الأحياء وأطبق على كاحله بقوة.
ثم جاء آخر من الجهة الثانية وأمسك بساقه أيضًا، وراح الاثنان يجرّانه بعنف.
“لااا-!! أرجوكم، أنقذوني!! أنقذوني!!!”
كان صوته كمن يُشقّ أمعاؤه ألمًا ورعبًا.
وسرعان ما أمسك الموتى الأحياء بأقدام الآخرين أيضًا، فراحوا يسحبونهم واحدًا تلو الآخر.
ومدّ أحد الفرسان المجرورين يده نحو رفاقه وعيناه تبرقان بملامح مرعبة ملؤها الغضب والخذلان من أن يُترك ليموت وحده.
تجمد وجه القائد من هول المشهد وأطبق عينيه بشدة كأنه يريد أن يمحو تلك الصورة من ذاكرته.
لكن عندها—
“قَطْع-!” ( يعني كاااات وكذا )
انطلق فجأة صوت نسائي صافٍ ورنّان.
‘هذا الصوت…؟’
فتح القائد عينيه بتردد، فإذا به يرى…
“أحسنتم جميعًا.”
“آه… لقد كان الأمر شاقًا.”
الفرسان الذين كانوا قبل لحظة يُجرّون كالأشلاء، نهضوا وهم ينفضون التراب عن أجسادهم، ثم تبادلوا التحية مع الموتى الأحياء!
“أبشركم بخبر سار! يمكن اعتماد هذا المشهد كما هو، لقد كان ممتازًا من المحاولة الأولى.”
“أحقًا لن نعيد التصوير مرة أخرى؟”
وبينهم ظهرت امرأة ذات شعر فضي تشرف على المكان، وإلى جانبها رجل طويل القامة يعاونها—لم يكن ثمة شك، إنهما سيّدهما وسيدته.
استدارت ليزي ولوّحت بيدها نحو القائد الذي بقي مذهولًا يرمش بعينيه لا غير.
“سنأتي إليكم حالًا! فلا داعي للقلق!”
لم يفهم بعد ما الذي يجري، لكنه أدرك على الأقل أن الخطر قد زال.
وحده ذلك كاد يطيح بقدميه من شدة الارتياح.
ثم جاءه صوت ليزي من بعيد:
“ما رأيكم بمشهدنا الأخير من الفيلم؟ أليس مثيرًا؟”
“…….”
لم يفهم القائد معنى كلماتها، لكن أمرًا واحدًا كان جليًا:
لو كان مثيرًا بهذا القدر مرة أخرى، فقد يقضي عليهم من نوبة قلبية.
❖ ❖ ❖
كنت في كيلستون أُصوّر فيلمًا باستخدام حجر تصوير جلبته معي.
التصنيف: مزيج من الغموض والرعب والتشويق المطارداتي.
الممثلون: فرسان كايين وسكان كيلستون جميعًا.
الحبكة ببساطة: بشر ‘قام فرسان كايين بدورهم’ يغامرون في قرية ملعونة، يحاولون الإفلات من سكانها ‘الذين أدّى أدوارهم أهل كيلستون’ لكن ينتهي بهم الأمر بالوقوع في قبضتهم والموت.
بمعنى آخر: كل ما جرى كان تمثيلًا لمشهد من فيلم.
غير أن الفرسان المنتظرين خارج كيلستون، حتى بعد سماع التفسير، ظلّت على وجوههم ملامح الحيرة التامة.
وكان أكثرهم ارتباكًا القائد ذو الشارب الكثيف.
وضعت يدي على كتفه مهدئًا:
“كل هذا مجرد خطة لاكتشاف موقع الساحر.”
“أهكذا هو…؟”
وبما أن النتيجة كانت ناجحة، فلم يكن أمامه إلا أن يتقبل الأمر وإن لم يفهمه كليًا.
“أريد أن أجرّب مرة أخرى.”
قالها “كان”، أول ميت حي التقيناه في الساحة بملامح متحمسة.
“سنوات وأنا واقف بلا حراك… لم أتحرك هكذا منذ زمن طويل.”
لقد عاد البريق إلى عينيه المطفأتين، وكأنه استعاد شيئًا من الحياة.
ولم يكن كان وحده.
“أوو… أريد مرة أخرى.”
تمتمت عجوز جلدهـا متآكل ولسانها يثقلها.
“جدتي، لقد أدّيتِ دورك ببراعة. إن صوّرنا جزءًا آخر سأستعين بك مجددًا!”
“أوو… لا بد…”
“وعدٌ.”
تشابكت أصابعي مع أصابعها النحيلة، وعندها اقتربت فتاة شابة، نصف وجهها مسلوخ، وقالت:
“لقد استمتعتُ…”
“وأنا كذلك. لقد ساعدتموني جميعًا بلا تذمّر، وبتعاونكم أنجزنا الأمر بسلام.”
وأضافت بصوت خافت:
“وشكرًا لأنكِ لم تخافي منا… ولم تشمئزين منّا.”
“ولِمَ أفعل؟ لستم مخيفين ولا مثيرين للاشمئزاز أصلًا.”
فابتسمت بخجل عند سماع ردي.
“لم أبذل جهدًا كهذا منذ زمن بعيد… حقًا، كان الأمر ممتعًا.”
لقد نجحت الحيلة التي خطرت ببالي وأنا أستمع إلى كلام كان في الساحة.
فمن خلال تجربتي، أبسط وسيلة وأقواها لهزيمة العجز هي أن يجد المرء ما يفعله.
‘وإن كان ذلك بحد ذاته أصعب مما يظن.’
ولذا منحت سكان كيلستون عملًا جديدًا وهو “التمثيل”.
‘أليس هذا مكسبًا مزدوجًا؟’
أعدت تعليق حجر التصوير على عنقي وضحكت في سري.
كان الذي لم يكن راغبًا أصلًا في أي تفاوض معنا، ها هو اليوم يُظهر وُدًّا واضحًا.
أما في البداية، فلم يكن يحمل أدنى نية للتعاون.
‘لكن الآن، صار من الممكن على الأقل فتح باب الحوار معه.’
وفوق ذلك، لم يعد يلزمني أن أتحسر على غياب أفلام الرعب في هذا العالم—
‘فقد صنعت واحدًا بنفسي!’
ما بقي عليّ سوى العودة وجمع المقاطع وتحريرها، ليخرج فيلم كامل.
أما سكان كيلستون فظلوا يتبادلون الحكايات حول التجربة التي مرّوا بها وكأن صداها ما زال عالقًا في نفوسهم.
والفرسان الذين تقمصوا أدوار البشر برغم أنهم بدوا منهكين، إلا أن وجوههم أوحت بأنهم لم يكرهوها.
الجميع بدا راضيًا.
“…….”
باستثناء شخص واحد فقط، أركل الذي تطوع لدور قائد البشر لكنه انتهى مساعدًا في الكواليس بسبب عجزه الفادح عن التمثيل.
****
فتحنا انا وصديقاتي المترجمات قناة خاصة بتسريب الروايات واعلانات الفصول وفعاليات وأيضا طلبات وحروقات … واذا اختفيت بتلاقوني هنيك
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 36"