‘هل يُعقل أنها ظلّت طوال هذا الوقت تتألم لمجرّد أنها لم تستطع البوح بأنها لا تحتمل رؤية الأشياء المقزّزة؟’
اعترفت مارثا لي بكل شيء تقريبًا، وقالت بوجه متجهم:
“أتراكِ تريني مثيرة للسخرية كما توقعت؟”
ثم تنهدت بعمق وأضافت كمن يحدّث نفسها:
“وأيّ سخرية أعظم من هذه؟ أن اكون ربُّة بيت كايين سيّئ السمعة مارثا كايين التي يُقال إن طعنها بالسيف لا يُخرج منها قطرة دم لديها مثل هذا العيب المضحك…!”
قلت لها على الفور:
“هذا لا يبعث على السخرية أبدًا. ثم إنه ليس عيبًا فيكِ يا آنستي مارثا.”
رفعت مارثا يدها لتغطي جبينها، وحدّقت بي وهي تقول بصوت مضطرب:
“إنه عيب كان ينبغي أن أتخطّاه منذ زمن… لكنني قصّرتُ في جهدي.”
فأجبتها سريعًا:
“لا، بل هو مجرّد طبيعة فيكِ لا أكثر. هذه شخصيتكِ فحسب، ولا حاجة لأن تكرهي نفسكِ أو تحاولي تغييرها قسرًا.”
سكتت مارثا.
تذكرت كيف أنني بدوري تساءلتُ يومًا بجدية، هل فيّ خلل ما لأني أملك ميولًا غريبة يخالف الناس؟
ولهذا صرت أفهم شعور مارثا أكثر. وإن كانت حالتي على النقيض تمامًا من حالتها.
تنهدت مارثا ببطء وهي تصغي لكلامي، ثم قالت:
“لو كان الأمر بيدي لأرسلتُ الفرسان إلى كيلستون حالًا… لكن لا يكفيني إرسال الفرسان فحسب، بل أحتاج إلى من يسيطر على الموقف بدلًا مني…”
لكنها سرعان ما هزّت رأسها وبدت عليها الوهن:
“لا… أيُّ عاقل يستمتع برؤية الجثث المتعفنة؟ من يجد فيها متعة فلا بد أن مختل عقليًا…”
واكتفيت بالنظر إليها في صمت.
‘ها أنا ذا! المختلة التي تتحدثين عنها!’
غريب… فمنذ أن سمعتُ عن الأموات الأحياء وأنا متلهفة لرؤيتهم لدرجة أن النوم جافاني، بينما مارثا بسببهم كادت تموت حزنًا وكمدًا.
‘حقًا… الدنيا واسعة والميول مختلفة.’
كنت أودّ أن أترجاها أن تدعني أذهب بنفسي، لكنني أدركت أنّها حينها ستظنني شخصًا في غاية الغرابة ولن تمحو تلك الصورة عني أبدًا.
ولكي أمنع نفسي من التفوّه بذلك التوسل، تماسكت وقلت ببطء:
“سأذهب أنا.”
قالت بدهشة:
“ماذا؟”
“أرجوكِ، أرسليْني بدلًا منكِ يا آنسة مارثا.”
اتسعت عيناها وهي تسأل:
“ألستِ خائفة؟”
فابتسمت قائلة:
“رغبتي في مساعدتكِ أقوى من خوفي.”
نظرت إليّ طويلًا بغير كلمة، لكن ملامحها دلّت على أنها تأثرت حقًا بما قلت.
‘جيد جدًا.’
هتفتُ في نفسي فرِحًا.
فالإنسان لا ينسى من يقف بجانبه في الشدائد.
وبهذا سأتمكّن من رؤية الزومبي بعينيّ، وأجعل مارثا مدينة لي في الوقت نفسه.
لكنها بعد تفكير قالت:
“أقدّر كلامكِ، غير أنّ الأمر غير ضروري. المخاطرة كبيرة. من الأفضل إرسال الفرسان وحدهم.”
اعترضت على الفور:
“بل العكس، كلامك أقنعني أكثر بوجوب ذهابي. حتى من أجل الفرسان أنفسهم…!”
فهمت مارثا قصدي على الفور:
“صحيح… فهناك من يقول إن من يتعرض لهجوم الأموات الأحياء يصير مثلهم. وقد تكون قدراتك العلاجية عونًا عظيمًا.”
ثم أطلقت تنهيدة متفكّرة:
“هممم…”
بدت وكأنها تميل لاصطحابي معها بالفعل، لكن ثمة ما يشغلها. فنظرت إليّ وقالت:
“لكن… لو أصابك مكروه، قد ينشأ نزاع مع أليهايم… بل لو علموا أنني أرسلتك إلى كيلستون، فقد يشهرون الحرب عليّ.”
فتبسمت وقلت:
“إذن فأنتِ تقلقين عليّ يا آنسة مارثا؟”
ترددت قليلًا ثم قالت بفتور وهي تصرف بصرها:
“يمكنكِ قول ذلك.”
أرسلتُ إليها نظرة مليئة بالامتنان، فتنحنحت بحرج وقالت:
“غريب أن أقول هذا وأنا من اختطفتكِ…”
انكسرت نظراتها إلى الأرض وهي تتمتم، فذكرتني حينها بأرْكل في أول لقائنا، فضحكت دون شعور.
“ما الأمر؟” سألت باستغراب.
فقلت مبتسمة:
“لا شيء… لكن يبدو أنكما فعلًا شقيقان.”
“هاه؟”
“ليس مهمًا. على أي حال، إن كنتِ تخشين على سلامتي، فهناك حل.”
فأنا لم أقل إنني سأذهب متهورة هكذا من دون استعداد، بل كان في بالي خطة.
أمالت مارثا رأسها تنتظر التوضيح، فقلت بثقة:
“سأستأجر حراسًا لحمايتي! ولو استعنا بفرقة تاشين للمرتزقة فستطمئنين بلا شك.”
عند سماع اسم “تاشين” اتسعت عيناها دهشة.
فهي فرقة تجمع جنودًا من جنسيات مختلفة، ويُعرف أعضاؤها بأنهم من أمهر وأقوى المرتزقة على الإطلاق.
‘بل إن قائدهم نفسه حاول ذات مرة أن يضم أرْكل إليه، فلا شك أن مارثا تعرفهم.’
لكنها قالت بحذر:
“غير أن أتعابهم باهظة للغاية.”
فابتسمت مجددًا وقلت:
“لا تقلقي بشأن المال. ما زال عندي المال الذي أعطيتِني إياه أنتِ وأرْكل.”
بهذا الشيك وحده أستطيع أن أستأجر أقوى المرتزقة الموجودين.
‘صحيح من المؤسف أن أنفقها بهذه السرعة… لكن النظر إلى المستقبل أهم بكثير.’
منحتني مارثا شيكًا ثمينًا لمجرّد نصيحة بسيطة حول مرض الإمبراطور، فكيف لو أنني قمتُ بما عجزت هي عن فعله؟
‘المكافأة حينها ستكون أضعافًا مضاعفة، ولن تُقارن بالشيك الأول.’
كنتُ أبدو بوجه بريء وعينين لامعتين، لكن داخلي كان يزدرد لعابه طمعًا.
‘ثم إن نجحتُ في هذه المهمة، فمارثا لن تجد بدًّا من الاعتراف بقيمتي.’
أنا أربح مودّة مارثا، ومارثا تربح مودّة الإمبراطور.
أرباح طويلة الأمد مع الأخوة كايين الثلاثة أثمن بكثير من مال محدود أمامي.
‘إن كنتُ أنوي البقاء هنا طويلًا، فلا بد أن أفكّر استراتيجيًا. نعم، هذا هو الصواب.’
كنت أحدّق في مارثا مترقّبة سماع موافقتها. وبعد أن رمقتني قليلًا، سألت بهدوء:
“…ألا تشعر بالأسف؟ إنه مال حصلتِ عليه بشقّ الأنفس، ثم إن الأمر ليس واجبًا عليكِ.”
وحقًّا، من يعرف مارثا كايين لن يستغرب استنكارها، فهي لا تلقي بالًا لشيء لا يعنيها مباشرة.
ابتسمتُ بخفة وقلت:
“تظنينني حمقاء أليس كذلك؟”
نظرت إليّ طويلاً ثم قالت بصراحة:
“بلى.”
“لكن البشر دائمًا يفعلون أشياء حمقاء… خصوصًا من أجل من يحبون!”
سكتت.
فأضفت وأنا أحدّق فيها بثبات:
“وأنا… أحبكِ يا آنستي مارثا.”
قالت بنبرة مترددة وعينيها عليّ:
“…شكرًا لك.”
ثم سعلت بخفة وأردفت:
“شكري لكِ ليس فقط لأنكِ عرضتِ الذهاب إلى كيلستون بدلًا عني… بل لأنكِ لم تسخري من عيبي حين اعترفت لكِ به.”
قلت لها بحزم:
“قلتُ لكِ إنه ليس عيبًا أصلًا.”
وبعد أن تأملتني قليلًا، أومأت برأسها قائلة:
“حسنًا، ليكن. سأناقش الأمر مع فرقة تاشين للمرتزقة أولًا.”
“شكرًا جزيلًا!”
“بل أنا من يجب أن أشكركِ. لكن لدي طلب… أرجو ألا تخبرين أحدًا بسبب تخلّفي عن المهمة. خصوصًا أرْكل وناران.”
تمتمت بوجه متجهم وكأنها تتخيّل المشهد:
“إن عرف هذان الأحمقان بضعفي فلن يتركانني وشأني… سيسخران مني حتى أموت.”
لم أستطع تخيّل أرْكل وناران وهما يعبثان بأختهما الكبرى، لكن للعائلة وجوهًا لا يعرفها الغرباء.
أومأت بحزم وقلت:
“أقسم أنني لن أبوح بذلك لأحد.”
“أرجوك.”
“لكن بشرط… ألا تتركي نفسكِ بعد الآن تعانين بسبب هذه الطبيعة.”
قالت بتنهيدة:
“سأحاول.”
ابتسمت ابتسامة مشرقة ثم حييتها قائلة:
“إذن إلى اللقاء.”
وغادرت الغرفة.
‘هل يُعقل أن أتمكّن من رؤية الزومبي حقًا؟’
لم أستطع كبح حماسي.
‘لكن رؤيته مرة واحدة فقط لا تكفي… آه، نعم! يمكنني أن آخذ ذلك الشيء.’
لمعت في رأسي فكرة لمستلزم مناسب.
‘يجب أن أطلب من هوان أن يؤمّنه لي.’
❖ ❖ ❖
في اليوم التالي، دخل أرْكل بهدوء إلى مكتب مارثا.
كانت أخته منهمكة كعادتها في كومة الأوراق، ولم ترفع بصرها إليه.
فقال مباشرة دون تمهيد:
“لا أستطيع تلبية طلبكِ بمرافقتكِ إلى كيلستون. أعتذر.”
فأجابت ببساطة:
“أفهِمك. لا بأس.”
رفع أرْكل حاجبه بدهشة من سرعة استسلامها.
فأخته معروفة بصلابتها وإصرارها، وقد جاء وهو عازم على الرفض حتى النهاية.
‘ألا يهمها الأمر فعلًا؟’
واستدار ليغادر… لكن صوتها استوقفه:
“لا حيلة إذن… حتى لو اضطرت زوجتك إلى تحمل الجلوس بين رجال غرباء.”
توقّف أرْكل فجأة وحدّق في أخته:
“…ماذا قلتِ الآن؟”
توهجت عيناه الحمراوان كأن فيهما لهب وهو يردّد ببطء:
“ولماذا تكون ليزي بين رجال غرباء؟”
تظاهرت مارثا بالبرود وهي تواجهه، لكن في داخلها ارتسمت ابتسامة ماكرة.
‘إن وافق هو على المرافقة، فلستُ بحاجة إلى فرقة تاشين ولا إلى إنفاق مال باهظ.’
فرجل واحد مثل أرْكل يعادل عشرات الفرق من المرتزقة.
صحيح أن المال بالأساس يخصّ ليزي، ومصيره لا يخص مارثا مباشرة، لكن…
‘لا، ما دامت ليزي الآن جزءًا من بيت كايين، فمالها جزء من ثروة كايين الثمينة.’
واقتنعت أنها إنما تفعل هذا لحماية أموال الأسرة، ثم أخذت تشرح لأرْكل ما جرى.
❖ ❖ ❖
قضيتُ اليوم بأكمله ألاحق هوان وأتوسل إليه كي يؤمّن لي ما طلبت.
تمنّع في البداية وقال إنه لا يضمن شيئًا، لكنني لم أتركه لحظة حتى ضاق ذرعًا وقال:
“حسنًا، حسنًا، سأفعل. فقط أرجوكِ أن تكفي عن الإلحاح.”
‘بما أنه وعدني هكذا فلا بد أن يفي به.’
كنتُ واثقة ومتحمسة، حينها طرق الباب صوت مألوف:
طَرق، طَرق.
“سيدتي.”
كان صوت أرْكل.
فتحت الباب، فرفع عينيه إليّ وقال فجأة:
“أنا من سيذهب.”
قلت مذهولًا:
“هاه؟”
كان وجهه جامدًا بلا تعبير، لكن خلف هدوئه بدا وكأنه يكبح شيئًا عنيفًا.
“أنا من سيذهب. لذا لسنا بحاجة إلى أي شخص آخر.”
***
فتحنا انا وصديقاتي المترجمات قناة خاصة بتسريب الروايات واعلانات الفصول وفعاليات وأيضا طلبات وحروقات … واذا اختفيت بتلاقوني هنيك
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 32"