قلت ذلك في نفسي وأنا أتأمل أبناء عائلة كايين الثلاثة.
ناران الذي كان يغلي من الغيظ ولا يعرف ما يفعل سوى أن يزفر بغضب، وأركل الذي بدا وكأنه لا يكترث، لكنه في الحقيقة يرد على ناران بضربة مرتدة، ومارثا التي تنظر إلى الاثنين بعينين مملوءتين بالاحتقار، وتضغط لسانها بغيظ وكأنهما أتعس مخلوقين على وجه الأرض…
لا أثر لهيبة عائلية هنا، كل ما هنالك مجرد فوضى عادية لا أكثر.
“في المرة القادمة، أنا من سيجلس بجوار ليزي!”
“لكن أنا من تزوجها.”
“ألم تقل إنه زواج صوري بعقد؟”
“هو زواج، وإن كان عقداً يا أختي.”
“ما زلت لا أفهم ما تعنيه.”
“على أي حال، في المرة القادمة سأجلس أنا إلى جانب ليزي، فهمت؟!”
وبينما هم يتشاجرون بهذا الضجيج، كنت أنا أرتشف الشاي بكل هدوء.
وخلف أركل كان يقف هوان واضعاً يده على جبينه، يرمقني بنظرةٍ مفادها “ألن تتدخلي؟”
طبعاً، هوان يعرف حقيقتي جيداً ولن ينطلي عليه هذه الضعف المصطنع. لكن رؤية ملامحه المذهولة كانت مسلية بالنسبة لي.
‘سامحني يا هوان… أكثر ما يسلّيني هو رؤية الآخرين في ضيق ومعاناة.’
لكن وعلى النقيض تماماً من تلك الأفكار الشريرة، جعلت عينيّ تلمعان ببراءة خالصة وكأنني أصفى الناس قلباً.
حين أدرك توان أنني أتلاعب به متعمدة، أغمض عينيه بإحكام كمن يريد حجب كل ما يراه.
أما أنا، فعدت أحتسي الشاي بوجه بريء وكأن شيئاً لم يكن.
كنت أشعر بالذنب قليلاً تجاهه، لكن يبدو أنني أُدمنت بالفعل متعة إغاظته.
وبينما كانت عينا هوان الضيقتان تتابعان أبناء كايين الثلاثة الذين ما زالوا يتقاذفون الكلمات بلا جدوى، رفع يده ببطء ومسح وجهه.
لقد أدرك أن هذه المأدبة قد فشلت تماماً.
كان يبدو أنه يفكر في طريقة لوقف شجار الأشقاء، غير أن الوضع انتهى أسرع مما توقع.
إذ اندفع أحد الرجال يبدو خادماً إلى داخل القاعة بوجه جاد.
“آنستي، نجحنا في تحديد موقعه.”
“……!”
ما إن سمعت مارثا ذلك حتى نهضت من مقعدها فوراً.
ولم تكن وحدها، فقد أنصتُّ أنا أيضاً باهتمام إلى ما قاله الرجل.
‘إنه يقصد الساحر الهارب.’
سألت مارثا محاولَةً كبح انفعالها:
“أين؟”
“الأمر أنّه…”
تردد الرجل قليلاً قبل أن يتابع بجدية:
“‘في كيلستون.”
تجمد وجه مارثا عند سماع الاسم.
بل وحتى ناران وأركل اللذان كانا يزمجران على بعضهما، اضطربا أيضاً.
“كيلستون؟…”
سألتُ بحذر، فالاسم غريب على مسامعي، فأجاب أركل بدلاً عنها:
“إنها قرية صغيرة عند سفح جبل كروم بالقرب من الحدود.”
وضعت مارثا يدها على جبينها بامتعاض.
“كنت واثقة أنه عبر الجبال… لم أتوقع أبداً أن يبقى هناك!”
فكر أركل قليلاً ثم قال:
“بل لعلها أفضل نتيجة.”
صمتت مارثا وحدّقت فيه، بينما تابع هو ببرود:
“كما تعلمين، لو تجاوز جبل كروم لكان قد خرج من حدود المملكة، وعندها يستحيل تقريباً التدخل. أما وجوده في كيلستون رغم أنها أرض الأموات الأحياء، فهو أهون بكثير من أن يكون في دولة أخرى.”
“الأموات الأحياء؟!”
لم أتمالك نفسي وصحت قبل حتى أن تنطق مارثا.
‘مثل فيلم ليلة الأحياء الأموات أو إيفل ديد وما شابه؟!’
( فيه افلام تحمل نفس الاسم وكلها مرعبه ودمويه )
يا للعجب…!
‘هل يعني هذا أن الزومبي موجودون حقاً في عالم القمر الأحمر؟’
كنت في غاية الحماس، كأن عيني تتسعان من الدهشة.
ظن أركل أنني ارتعبت، فخفض صوته ليطمئنني:
“لا داعي للخوف يا سيدتي. هناك حاجز مقدّس قوي يحيط بالمكان، فلا يمكن لتلك المخلوقات أن تخرج منه أبداً.”
لكنني لم أكن خائفة أبداً، بل على العكس، شعرت بقلبي يخفق بشوق.
‘رائع… لا أصدق أنني سأتمكن من رؤيتهم بنفسي!’
بصفتي عاشقة لأفلام الرعب والدموية، كان الزومبي من أحب الأنواع إلى قلبي.
‘لطالما تمنيت أن تكون القصة جيدة والمؤثرات البصرية أقوى… لكن هنا؟ لا مؤثرات ولا خداع! هذا واقع حي!’
مجرد التفكير جعلني أبتسم بحماس، فظن أركل أنني ارتحت بعد كلامه، وأبدى بدوره ملامح الرضا.
“الحمد لله، يبدو أنك اطمأننتِ.”
ابتسمت له في صمت، فلم أرد أن أفسد عليه شعوره بالإنجاز.
“… أركل محق.”
قالها ناران وهو يرمقني وإياه بعين متحفزة، ثم زم شفتيه بضجر.
“صحيح أن الأموات الأحياء خطيرين بحد ذاتهم، لكنهم أهون بكثير من اجتياز الحدود. فذلك قد يشعل نزاعاً دبلوماسياً خطيراً. أليس كذلك يا أختي مارثا؟”
رغم موافقة شقيقيها الواحد تلو الآخر على الرأي الإيجابي، ظلّت مارثا صامتة مطبقةً شفتيها دون أن تنطق بكلمة.
عدم معارضتها العلنية كان يوحي بأنها تميل إلى نفس التفكير، لكن بدا أن ثمّة مشكلة تعيقها.
‘ما بها…؟’
لو كانت مارثا على طبيعتها، لكانت قد أمرت بتشكيل فرقة من الفرسان وبدأت الاستعداد للحملة فوراً.
‘هل هناك ما لا تستطيع التصريح به…؟’
كان وجهها ملبّداً بالظلال وهي تعضّ على شفتيها كمن يعجز عن البوح.
وأخيراً أطلقت تنهيدة قصيرة وقالت ببطء وهي تهز رأسها:
“حسناً… فهمت. سأفكر في الأمر أكثر داخل مكتبي.”
ثم استدارت وغادرت قاعة الطعام.
أما أنا، فتابعتها بعيني وأنا أمضغ الطعام ببطء.
‘تبدو… بلا حيلة على غير عادتها. أهذه هي نفسها مارثا التي ذهبت بنفسها إلى العاصمة طلباً لرضا الإمبراطور؟ وهي الآن تتردد رغم أن العلاج بين يديها؟ هذا غريب… عليّ أن أتحقق من الأمر.’
وبحركة حاسمة غرست شوكتي في قطعة اللحم.
❖ ❖ ❖
في مكتب مارثا.
كانت جالسة خلف مكتبها، تطلق زفرة طويلة محمّلة بالثقل.
‘كيلستون… كيلستون، تقولون؟’
كانت في الأصل قرية عادية، لكن قبل مئة عام أقدم أحد السحرة على ممارسة السحر المحرّم هناك، وحوّل سكانها إلى أموات أحياء لا يموتون.
تدخلت الإمبراطورية سريعاً فأعدمت الساحر، كما قضت على أسرار السحر المحرّم، لكن لم يكن بوسعها إعادة القرويين إلى طبيعتهم.
ومع مرور الزمن، أخذت أجسادهم وأدمغتهم تتحلل شيئاً فشيئاً، حتى فقدوا ما تبقى من إنسانيتهم، وصاروا يهاجمون المسافرين.
وأخيراً أقامت الإمبراطورية حِجاباً مقدسًا حاصرهم داخل القرية.
ذلك الحاجز لا يؤثر في البشر الأحياء، لذا كان بوسع أي إنسان دخوله أو الخروج منه بحرية، غير أن أحداً لم يجرؤ على الدخول.
‘إلا لو كان قد فقد صوابه تماماً.’
فركت مارثا صدغها وهي غارقة في التفكير.
قتل الأموات الأحياء أمر مستحيل، لكن كما تم حبسهم خلف الحاجز، كان بالإمكان تقييد حركتهم بوساطة السحر.
إذن، النجاة من هناك لم تكن مستحيلة تماماً.
‘قد يكون ما قاله شقيقاي صحيحاً… وجوده في كيلستون أفضل بكثير من هروبه وراء الحدود.’
لو لم تكن هناك مشكلة واحدة فقط.
أطبقت مارثا رأسها بين كفيها بعصبية وهي تزمجر:
“لماذا… لماذا بالذات هناك…!”
وفجأة..
طرق… طرق.
استقامت جالسة على الفور.
“مَن… مَن هناك؟”
“إنها أنا. هل لي بالدخول قليلاً؟”
كان الصوت ناعماً ودافئاً فيه سكينة مطمئنة.
إنها هي، ليزي أليهايم.
“الوقت غير مناسب.”
“آنسة مارثا… أنتِ مهمومة أليس كذلك؟”
تسمرت مارثا محدّقة نحو الباب في صمت.
أما ليزي فتابعت من خلفه بنفس النبرة الهادئة التي تحمل طمأنينة غريبة:
“أود أن أساعدك. اعتبري الأمر فرصة لترتيب أفكارك، وأخبِريني بما يقلقك.”
“…….”
“أنا في صفك، يا آنستي.”
ظلت مارثا تنظر إلى الباب برهة، ثم تنهدت أخيراً وقالت:
“ادخلي.”
“المعذرة إذن…”
دخلت ليزي بابتسامة مشرقة، بينما ظلّت مارثا مثقلة الهم.
جلست ليزي أمامها واتسعت عيناها قائلة:
“لا بد أن الأمر خطير حقاً. لم أراكِ بوجه متجهم هكذا من قبل.”
“…….”
“إذا كانت مارثا الجبارة بهذا القلق، فلا بد أنه أمر جلل… ما الذي يحدث بالضبط؟”
كانت تتمتم بالكلمات وهي تخفض بصرها، بالكاد مسموعة.
لكن ليزي فهمت، فأجابتها بجدية:
“لا بأس يا آنستي. لو كان ما تخشينه بهذا القدر، فلا بد أنه تهديد عظيم يشكّل خطراً على الإمبراطورية كل—”
“كفى، كفى!! أنا فقط… لا أطيق رؤية الأشياء المقززة! هل هذا يرضيك؟!”
صرخت مارثا فجأة بعصبية، مما جعل ليزي تحدق فيها مذهولة.
واصلت مارثا بمرارة وقد ارتجف صوتها:
“نعم، قد يبدو مثيراً للسخرية أن أعترف بهذا في سني… لكن مهما حاولت، لا أستطيع تحمّل ذلك. هؤلاء الأموات الأحياء موجودين منذ قرن، لا بد أن أجسادهم تحللت تماماً… كيف أجرؤ أن أواجه منظراً كهذا بعينين مفتوحتين؟! لو كان هناك من يستطيع أن يخلفني دون خوف… لتنازلت عن مكاني فوراً.”
****
فتحنا انا وصديقاتي المترجمات قناة خاصة بتسريب الروايات واعلانات الفصول وفعاليات وأيضا طلبات وحروقات … واذا اختفيت بتلاقوني هنيك
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 31"