ما إن سمعت مارثا كلماتي حتى سارعت إلى إرسال رسالة إلى الإمبراطور.
زعمت فيها أنّها على علاقة وطيدة بأحد الأطباء الذين تولّوا فحصه مع أنّها في الحقيقة اشترت اسمه بالمال فحسب، وأنّ ذلك الطبيب لجأ إليها مباشرة يستشيرها.
وأوضحت أنّ الأعراض التي سمعتها عن جلالته تشبه كثيرًا أعراض التسمّم بالسحر الأسود، فنصحت بتناول أوراق إكليل الجبل، وأرفقت مع الرسالة بضع أوراق منه.
وبعد انتظار قلق، جاءها الرد بعد أيام…
“لقد صدقتِ فيما قلتِ.”
هكذا استقبلتني مارثا حين استدعَتني إلى مكتبها، وما إن رأت وجهي حتى نطقت بذلك.
وعلى مكتبها وُضعت ورقة مراسلة يبدو أنّها واردة من القصر الإمبراطوري.
“لقد أفاد جلالته بأنّ الأعراض بدأت تتحسّن منذ أن تناول منقوع أوراق إكليل الجبل.”
ابتسمتُ حينها ابتسامة تنمّ عن معنى: أرأيتي أنني كنت على حق؟
“إن كان هذا صحيحًا…”
تمتمت مارثا وهي تسند ذقنها إلى كفّها.
وعيناها تتلألآن بحدة وهما تحدّقان بي.
“فمعنى ذلك أنّ كل ما قلته حق أيضًا.”
“نعم!”
“وأنّ السبيل إلى رفع اللعنة كليًّا هو العثور على الساحر الهارب؟”
“أنا لا أكذب.”
قلتُها بثقة وأنا أبادلها النظر بثبات.
“لقد أخبرتكِ بذلك بدافع احترامي لكِ يا مارثا.”
“…حسنًا، سأثق بكِ مؤقتًا على الأقل.”
أجابت بنبرة لا مبالية.
ثم أخرجت شيئًا من درج مكتبها وقدّمته نحوي.
“هذا نصيبك.”
“…….!”
وإذا به شيك ممهور بأصفار متتالية!
“مارثا…؟”
“لقد أرسل جلالته ثلاث عربات محمّلة عن آخرها بهدايا عرفانًا بجميلك.”
قالت ذلك ببرود وهي تشبك أصابع يديها باسترخاء.
“والحقيقة أنّ الغاية من الأمر لم تكن المال بقدر ما كانت كسب ثقة الإمبراطور، غير أنّ هذه المكاسب الجانبية لا تضر.”
…إن كانت هدايا إمبراطورية، فلا شك أنها نفائس لا تُقدّر بثمن، فكيف والأمر وصل إلى ثلاث عربات مكتظة بها، ومع ذلك تقلّل من قيمتها بهذه البساطة!
بالفعل هذا يليق بأعظم طموحة في القصة، مارثا كايين صاحبة الهمة الكبيرة والقلب الواسع.
“على أي حال، لقد نجحت في كسب ودّ جلالته، وزدتِ ثروتي في الوقت نفسه… ومن الطبيعي أن أردّ لكِ الجميل.”
كبيرة القلب بقدر ما هي طموحة.
‘كم عدد الأصفار يا ترى؟ واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة…’
“أجل، سمعت من أركل أنّك بفضل نصيحتكِ أتممتِ صفقة المناجم بنجاح. فليُحسب ذلك أيضًا من مكافأتك.”
بدأ المبلغ يبدو مبالغًا فيه بحق.
“لكنني تلقيتُ أجري بالفعل من أركل مقابل استشارتي…”
انفلتت الكلمات من فمي تلقائيًّا أمام هذا الرقم الفلكي، ثم ندمت حالًا إذ كان الأولى بي أن أصمت.
“حقًا؟”
أمالت مارثا رأسها قليلًا وقالت:
“لا بأس… ليس هناك وقت لإعادة تقدير السعر، فاحتفظي به كما هو.”
‘أقسم أنني سأظل مخلصة لكِ إلى الأبد يا آنستي البطلة!’
لقد بلغ احترامي لها عنان السماء.
لكن إن أخذته بلا تردّد فسيبدو الأمر فاضحًا…
“يا إلهي… أول هدية من الآنسة مارثا التي طالما احترمتها! سأحتفظ بها للأبد دون أن أجرؤ على صرفها.”
قلت ذلك بلهجة متأثرة، ثم خبّأت الشيك في صدري بعناية.
أما هي، فاكتفت بالتحديق بي صامتة.
“لقد انتهى الأمر. يمكنكِ الانصراف الآن.”
قالتها ببرودة وحزم كعادتها، وهي تعود بنظرها إلى الأوراق أمامها.
‘إنها لا تكفّ عن العمل أبدًا…’
لكن بعد أن نالت ثقة الإمبراطور، جاء وقتها لتصفية القوى التي تنافس كايين واحدًا تلو الآخر.
ثم إنّ أوراق إكليل الجبل لم تكن سوى علاج مؤقت، وما زال من الضروري العثور على مكان الساحر الهارب لعلاج المرض من جذره.
العمل أمامها كثير حقًا.
لكنني لم أقلق، فمارثا مشهورة بجدّها وسرعتها، وكان الأجدر بي ألّا أضيّع وقتها.
“إذن، أستأذن بالانصراف.”
حيّيتها بخفّة وهممت بالخروج من المكتب بهدوء، فإذا بها تستوقفني:
“لحظة.”
توقّفتُ والتفتُ إليها بدهشة، فإذا بها ما زالت منشغلة بأوراقها وهي تقول:
“أريد أن أسألك شيئًا.”
“ما هو؟”
نظرتُ إليها وقد تسلّل إليّ شيء من القلق.
‘أترى ما زالت لا تثق بي بعد؟’
“قلتِ إنكِ تحترمينني، أليس كذلك؟”
“نعم، ومن كل قلبي.”
أجبتُها متماسكة.
فرفعت مارثا رأسها وأمعنت النظر فيّ وقالت:
“إذن عدّدي لي بالتفصيل ما الذي يجعلكِ ترينني عظيمة وجديرة بالاحترام.”
“…….”
“هيّا، اجلسي من جديد. هذه ليست مجرّد كلمات، بل تقرير أحتاجه فعلًا. فلا بدّ من تقييم موضوعي لأعرف مواطن قوتي وضعفي وأعمل على تحسينها.”
“…آه، نعم بالطبع! كلامكِ في غاية الصواب!”
ولو أنني صُعقت قليلاً فتأخرت للحظة عن الرد، إلا أنني سرعان ما جلست وارتسمت على وجهي ابتسامة بريئة.
أليس من لحظة طلبها أن أعدد ما هو عظيم ويستحق الاحترام فيها قد خرجنا أصلًا عن موضوعية التقييم بعدل؟
لكنّي على الرغم من تذمّري في داخلي، لم أمسح تلك الابتسامة البريئة عن وجهي.
“لكن، آنستي مارثا… أليس لديكِ ما يشغلكِ من أعمال الآن؟”
“بلى، سأتابع أعمالي. أنا أراجع الأوراق وأنتِ قدّمي تقريرك.”
وكأننا في مشهد من حكايات هان سُوكبونغ، هو يقطع الأرز وأنا أكتب الخط…!
( يقطع الارز يعني يقوم بعمله ، ويكتب الخط يعني المتحدث ويقوم بعمله في نفس الوقت اي ليزي عملها هو ان تعطيها تقرير ولكن في نفس الوقت يبدو كحديث )
‘سخافة، ولكن ما الحيلة؟’
أنا في النهاية متطفّلة أعيش على كرمها، وعليّ أن أذعن لأي أمر.
وفوق ذلك، فأنا خبيرة في التملّق وقد حصلتُ غير مرّة على “أفضل التعليقات” بفضله، وهذا بالنسبة لي لعبة سهلة.
“مارثا أنتِ تشعين بهيبة لا تُضاهى.”
“همم، فلتفصّلي أكثر.”
“يكفي أنكِ جالسة صامتة حتى تبدين ذكية وكفؤة. صحيح أنّكِ جميلة دائمًا، لكن حين تعملين تصبحين آية في الروعة…! لقد كدتُ أُفتن بكِ وأنا أراكِ تكتبين الأوراق بلا تردّد. حقًا تليق بكِ كاريزما ربة عائلة كايين.”
“أهكذا تقولين؟ حسنًا، كثيرًا ما سمعت أنّي أحسن التعامل مع الأمور.”
“بل وأكثر من ذلك! لو نادوا في الإمبراطورية: من يظن أنّ مارثا مذهلة فليرفع يده! لانقسمت الإمبراطورية نصفين!”
“هييه، مبالغة ليس إلا.”
ومع ذلك، ارتفعت زاوية شفتيها رغماً عنها.
“أدرك الآن أنني كنت بحاجة فعلًا إلى سماع تقييم موضوعي. أشعر حقًا أن كفاءتي في العمل قد تحسّنت. تابعي.”
وهكذا ظللتُ أفرغ سيلًا من التملّق الذي لا يمتّ للموضوعية بصلة، حتى أنهت مارثا كومة الأوراق أمامها.
“انظري بنفسك، لقد ازداد أدائي فعلًا. كما أنّي استطعت أن أراجع نفسي أيضًا… كان وقتًا مثمرًا. وأرجو أن تكرّري هذا أحيانًا.”
قالتها وهي تحدّق برضا في الأوراق المنجزة.
“بكل سرور!”
رغم أنّ رأسي بدأ يؤلمني من التفكير بضرورة تجهيز مواد للتملّق مستقبلًا، فقد شعرت بالارتياح.
و”أحيانًا” هذه تعني أنّها لن تطردني الآن على الأقل، أليس كذلك؟
الحمد لله… يبدو أن بإمكاني أن أبقى متشبثة ببيت كايين وقتًا أطول.
❖ ❖ ❖
هذا المساء، في قاعة الطعام.
على غير عادتها، خرجت مارثا من مكتبها لتشارك العشاء معي ومع أركل وناران.
وكانت تلك أول مرة أرى فيها الأشقاء الثلاثة مجتمعين على مائدة واحدة.
‘ترى… هل مضى زمن طويل منذ آخر اجتماع لهم؟’
وكأنّما أجاب عن تساؤلي، قال هوان الذي كان واقفًا بجوار الطاولة بنبرة يغمرها الحنين:
“أظن أنّ هذه أول مرة يجتمع فيها سادتنا الثلاثة على مائدة طعام منذ نحو ست سنوات.”
‘ست سنوات كاملة وهم في بيت واحد ولم يجلسوا معًا؟’
إنهم بالفعل إخوة فريدون في كل شيء.
‘لكن بعد كل هذه السنوات، أليس من المفترض أن يتبادَلوا الأحاديث؟ فلماذا كلّهم… يحدّقون بي وحدي؟’
ناران المقابل لي يبتسم بوجه متألّق وهو يثبت نظره عليّ.
مارثا في صدر المائدة تتظاهر باللامبالاة لكنّي أشعر بعينيها تراقباني خلسة.
‘حقًا… هكذا سيصيبونني بعُسر هضم.’
غير أنّ أكثر ما شتّتني كان أركل الجالس إلى جانبي.
كان يرمق مارثا وناران بعينين غارقتين في الصمت، ثم فجأة جرّ كرسيه ليقترب أكثر مني.
صرصر الكرسي وهو يُسحب على الأرض، فالتفتا مارثا وناران إليه بملامح ممتعضة.
“ما هذا الضجيج؟”
“أيها الأخ الثاني، هل ابتلعت قواعد المائدة مع حساءك؟”
لكن أركل تجاهل تعليقاتهما وقال لي بهدوء:
“اليوم صاخب بعض الشيء. لا تكترثي يا سيدتي وتناولي طعامك.”
شدد على لفظة سيدتي، فقهقهت مارثا ساخرًا بينما صرّ الناران أسنانه وهو يرمقه بغضب.
وسارع ناران ليضع قطعة لحم في صحني بابتسامة ملائكية:
“ليزي، لا بد أنّك جائعة. خذي هذه.”
فما كان من مارثا إلا أن شربت كأسًا من النبيذ وقالت ببرود:
“أحقًا؟ أخي الصغير الحنون… لم تُحسن مع أخيك وأختك يومًا، فإذا بك تُغدق على هذه الطفلة؟”
فردّ ناران بانزعاج:
“وماذا؟ تريدين مني أن أفعل الشيء نفسه معكِ؟”
“لا. ستُفسد معدتي فلا تجرؤ.”
“إذن ماذا تريدين بالضبط…؟”
ضحكت مارثا بلا مبالاة، فأطلق أركل ضحكة مكتومة ساخرة وهو يقطع اللحم بهدوء.
فاشتعل غضب ناران ونهض بغتة، والعروق نافرة في جبينه:
“أتسخر مني؟!”
“اهدأ، أيها الصغير.”
“لكن يا أختي مارثا! كيف له أن ينال مكانًا بجوار ليزي وحده—!”
رفعتُ عينيّ إليه بدهشة وقد بدا كمن يتظلّم.
‘ألهذا السبب يثور؟’
لكن قبل أن ترد مارثا، سبقها أركل بابتسامة ماكرة وقال:
“ذلك لأن ليزي هي زوجتي.”
“تفو… كم هو مقرف!”
زمجر ناران.
“يا له من مشهد بائس حقًا.”
أطلقت مارثا حكمها ببرود، غير أنّ أركل ظل يأكل مطمئنًّا وملامحه تشي بالرضا.
‘……’
كنتُ، وأنا أقرأ القمر الأحمر، أتصوّر مشهد اجتماع الإخوة الثلاثة من آل كايين وهم يتحادثون معًا…
‘وكما يليق بأعتى الأشرار في هذا العالم… كنت أظن أنهم سيفيضون بكاريزما طاغية.’
لكن الواقع، لم يكن سوى فوضى مطلقة.
*****
فتحنا انا وصديقاتي المترجمات قناة خاصة بتسريب الروايات واعلانات الفصول وفعاليات وأيضا طلبات وحروقات … واذا اختفيت بتلاقوني هنيك
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 30"