“حسناً. لكن إن رغبت أن تُريني مرّة أخرى، عليك أن تخبرني، وعد؟”
عادةً، مثل هؤلاء الأطفال لا يجدي معهم الصراخ أو الإلحاح.
‘على أي حال سأبقى هنا ثلاثة أشهر، فسأراها على الأقل مرة واحدة.’
في تلك اللحظة، سمعت معدتي تُصدر صوت قرقرة.
آه، صحيح، لم أتناول الطعام بعد.
هذا هو السبب الذي جئت من أجله…
شعرت بالحرج والكسل قليلًا، وكنت مكتئبة، حتى فتح ناران فمه وهو يحدق بي.
“قلتِ أنك تبحثين عن المطبخ، أليس كذلك؟”
“نعم.”
هززت رأسي، فأخذ ناران خطواته وقال:
“من هنا.”
آه!
“هل ستأخذني هناك؟!”
سألت بفرح، فضيّق عينيه.
“هذا الممر صُمم ليصعب العثور على الطريق فيه عمدًا. لا يجب على من كانوا يتعرضون للتعذيب، أو… المدعوين الهروب بلا إذن.”
“لذلك تريد أن ترشدني؟”
“ليزي، أنتِ رهينة ثمينة.”
ابتسم ناران بخفة.
عاد إلى الصورة التي أعرفها عن ناران كايين.
عندما وصلنا إلى المطبخ، استدعى ناران امرأة ذات شعر أحمر تبدو كمديرة الخدم.
“هل ستتحملين المسؤولية إذا ماتت الرهينة جوعًا؟”
“آسفة يا سيدي. سأحرص على الأمر بالتأكيد.”
انحنى ناران أمامها مبتسمًا بابتسامة لطيفة.
“بالطبع. إذا حدث أي مكروه لليزي، فلن تكفي حياتك وحدها للاعتذار. اذهبي.”
قبل أن تبتعد المرأة المبهورة من هول الموقف، رمقتني بنظرة حادة وهمست:
“إذا بقيت في الغرفة، سأحرص على تقديم الطعام في الوقت المحدد.”
هل شعرت باللوم بسببّي؟ بدا في عينيها بعض الاستياء.
“ويُفضل أيضًا تقديم الحلوى.”
قلت ذلك بابتسامة بريئة، فردّت وهي تضحك ضحكة صغيرة مستغربة.
راقب ناران ذلك بهدوء وهو يضحك بخفة.
“حسنًا، لنعد الآن.”
قال ناران لي:
“مهما يكن، لا يمكن التجول في القصر بلا إذن.”
تبعتُه طواعية.
حتى ونحن نصعد السلالم بعد مغادرة المطبخ، ظل ناران يحدق بي بصمت وعيناه تحملان شيئًا يصعب فهمه.
❖ ❖ ❖
بعد وقت قصير من عودتي إلى الغرفة، جاءت إحدى الخادمات وهي تحمل صينية الطعام.
كانت هذه أول وجبة لي هنا.
جلست أمضغ قطعة الخبز وأنا أعيد التفكير فيما حدث قبل قليل.
‘لا أصدق أنني التقيت بناران…’
ناران أصغر إخوة كايين، كان فتىً جميلًا كالملاك، لكنه في الحقيقة كان يمتلك أعمق وأغرب النفوس بين الإخوة الثلاثة.
ذلك بسبب شعوره الشديد بالنقص تجاه شقيقيه، وخاصة أركل.
كان ناران طفلًا غير عادي يمتلك ذكاءً فائقًا وحدسًا حادًا، لكنه ظل مقارنًا دومًا بأخته مارثا وشقيقه أركل اللذين كانا أقوياء بشكل غير طبيعي.
الأخت الكبرى مارثا كانت أكثر طموحًا في عائلة كايين، بارعة في السياسة والمفاوضات وكل أنواع المكر الخارجي.
أما الأخ الأوسط أركل، فلم يكن طموحًا مثل مارثا، لكنه كان الأقوى في العالم بلا منازع.
وناران منذ صغره كان يعيش مقارنة مستمرة معهم، يعاني التمييز والغيرة.
رغم أن الرواية الأصلية تتبع جين أليهايم كبطل، إلا أن ما حدث لعائلة كايين يمكن فهمه من تصريحات ناران في منتصف الرواية.
عندما تسلل جين إلى منزل كايين، أراد التخلص أولًا من ناران صاحب الحدس الحيواني، فأشاع شائعات كاذبة تقول إن ناران يخطط لقتل أخيه وأخته ليصبح رب العائلة.
حتى مارثا التي لم تصدق في البداية، اقتنعت بالأدلة المزيفة التي وضعها جين، وفي النهاية أعدمت ناران.
قبل إعدامه، نظر ناران لمارثا وسخر قائلاً:
“أيتها الأخت الغبية، هل تعتقدين حقًا أنني فعلت ذلك؟”
“في عينيك الذكية، يبدو الجميع أغبياء. ناران، كنت أعلم منذ صغرك أنك تكرهنا.”
“هاها… نعم، كنت أكرهكم. حتى أنني كنت أرغب بقتلكم. لو علمت أن الأمر سيكون هكذا، لما لعنت نفسي، بل قتلتكم حقًا…! هل خطئي أنني لم أكن جيدًا مثلكم؟!”
كان ذلك المشهد الذي فقد فيه ناران أعصابه لأول مرة، وهو يصرخ بجنون بعد أن اعتاد دائمًا على الابتسام بهدوء وثقة.
ثم أخذت مارثا الأمور إلى يدها وضربت عنقه مباشرة، معتبرة أن هذه آخر خدمة يمكن أن تقدمها له.
في ذلك الوقت، ظننت أنه مجرد مشهد مثير، لكن عندما أفكر أنني قابلت هذا الشخص مباشرة، شعرت بشعور غريب.
‘لم يبدو لي شريرًا إلى هذا الحد.’
عندما أعدت التفكير في كلمات ناران الأخيرة قبل موته، شعرت بشيء غريب في قلبي.
‘ربما انغماسه في ورشته كان مجرد محاولة يائسة للتمسك بعالمه الخاص.’
‘……’
شعور ناران هذا لم يكن غريبًا عليّ تمامًا.
لقد ألجأت نفسي إلى عالم آخر أيضًا لأتجنب الإحساس بالعجز في الواقع.
إضافة إلى ذلك، ناران لا يزال صغيرًا…
الآن هو مجرد جامع لأدوات التعذيب ولم يؤذ أحدًا، لكنه بعد سنوات سيصبح مهووسًا حقيقيًا بالتعذيب، ويظل يشك بجين المتخفّي في كل شيء، راغبًا في تعذيبه بإصرار.
لهذا السبب كان جين سيزيله أولًا…
على أي حال، شعرت أن اهتمامًا بسيطًا كان ليكفي ليمنعه من الوصول إلى هذا الحد.
‘آه، صحيح.’
كان ناران يقول أنه ينظف ورشته بنفسه كل صباح.
‘…ربما يمكنني مساعدته؟’
الورشة كبيرة نوعًا ما، فوجود يد إضافية سيكون مفيدًا.
إذا استطعت كسب وده بهذه الطريقة، ستصبح حياتي هنا أكثر سهولة.
كما أنني أحب استكشاف الورشة لفترة أطول…
‘لأن الوحدة شعور مزعج.’
في الواقع، كان من اللطيف أن يشارك أحدهم حياتي اليومية البسيطة.
❖ ❖ ❖
في صباح اليوم التالي.
فتحت عيني بهدوء وخرجت من الغرفة.
اليوم أيضًا، لم يكن هناك أحد يحرس الباب.
‘سأعود قبل أن يُحضر الطعام.’
نزلت السلالم وعبرت القاعة الواسعة متذكّرة الطريق.
يبدو أنني كنت هنا…’
بينما كنت أتمعّن في محيطي، سمعت صوتًا يناديني:
“ليزي؟”
التفت لأرى ناران ينظر إليّ بدهشة.
كان يحمل دلوًا يحتوي على قطع قماش، ويبدو أنه في طريقه إلى الورشة.
ابتسم ناران بخفة، وكأنه وجد الموقف ممتعًا.
“أراك هنا مجددًا. يا لها من رهينة متمردة.”
“أنت ذاهب إلى الورشة، أليس كذلك؟”
بدت عليه الدهشة من معرفتي، فأخبرته مباشرة:
“سمعت صدفة أنك تنظف الورشة بنفسك كل صباح. لذلك….”
نظرت إليه بعينين طيبتين وقلت:
“أريد مساعدتك. هل يمكنني ذلك؟”
“مساعدة في تنظيف الورشة؟ لماذا يا ليزي؟”
كنت أرغب في كسب وده لتسهيل حياتي هنا، ولم أقل له أن السبب أنني شعرت بالشفقة.
“كما قلت أمس، لأنني أحب ذلك.”
في مثل هذا الموقف، أفضل أن أعتمد على ذوقي.
ابتسمت له ببراءة.
كما قلت أمس، لدينا نفس الذوق.
كمحبة لأفلام الرعب لأكثر من عشر سنوات، كنت واثقة من أنني سأعتني بمجموعته دون خدش أي قطعة.
فالأدوات الحقيقية قيمتها باهظة.
“…هاها.”
ضحك ناران بخفة، وهو ينظر إليّ بتعبير غريب.
ثم نظر إليّ بعينين مائلتين، وابتسامة خفيفة على شفتيه.
“لماذا تقولين لي فقط ما أريد سماعه منذ البارحة؟”
“ماذا تعني؟”
“الآن فهمت. تريدين شيئًا مني أليس كذلك؟ لكن هذا بلا جدوى.”
ابتسم بشكل مصطنع وهو خائف قليلًا، وقال:
“حتى لو فعلتِ ذلك، لن أستطيع إطلاق سراحك.”
“لست أريد أن تطلق سراحي.”
“إذًا ما هدفك؟ أعترف أنني أسهل من مواجهة أركل أو أختِ مارثا. حسنًا، استمعي لي.”
“لقد قلت لك، أريد مساعدتك في تنظيف الورشة.”
“إذًا لماذا- ها… حسنًا.”
على الرغم من سخريته، أجبت بلا تردد، فتنهّد ناران.
‘هل ما زال لا يصدق ذوقي؟’
رد فعله البارد في المرة السابقة وكل هذا بلا شك بسبب مظهري الطفولي، هذا الوجه الذي يبدو بعمر سبع سنوات… مشكلة حقًا.
قررت أن أؤكد له أخيرًا.
إذا لم يصدقني الآن، سأروي له مشهدًا مفضلًا من أفلام الرعب، حينها لن يتمالك نفسه من التصديق.
قلت بصوت منخفض وواضح:
“أنا أحب هذا حقًا.”
كنت على وشك أن أقول ورشتك-
عندما صرخ ناران فجأة:
“كفى، كفى-!”
قاطَع كلامي فجأة.
“لا تكذبي. هناك شيء تريدينه، أليس كذلك؟ وإلا لما….”
شخصه مرتبك، يمرّر يده في شعره الأمامي بعنف.
“لا أفهم…”
تحت شعره الأسود المبعثر، كان وجهه يحمر خجلاً.
“كيف يمكن لأحد أن يحب شخصًا مثلي….”
ها؟
لم أقصدك أنت…
لكن ناران، الذي لا يعرف نواياي، بدا حائرًا تمامًا.
“ولماذا قد تهتمّين بقمامة مثلي…”
ها قد ظهر مجدداً، ذلك الانعدام في ثقته بنفسه.
“الأمر ليس كذلك.”
فُوجئ ناران من كلامي، ثم ابتسم وكأن الأمر متوقع.
“أترين؟ كنت أعلم… ذلك الكذب عن أنّكِ تحبّيني وما شابه…”
“أنت لست شخصًا سيئًا يا ناران.”
“ماذا…؟”
ظل ناران ينظر إليّ بصمت.
~
ترجمة ليين سنادا
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 3"
متشوقة لمعرفة كيف سيتطور سوء الفهم