أما مارثا التي كانت ترفع بصرها نحو أركل، فقد التزمت الصمت، لكن نظراتها كانت تقول بوضوح ‘هل أنت بعقلك حقًا؟’
إلا أنّ أركل ببروده المعتاد، لم يُعر الأمر بالًا وقال بوجه خالٍ من أي انفعال:
“صحيح أنّه زواجٌ صوري بعقدٍ مؤقت… على الأقل في الوقت الراهن.”
“زواج صوري؟”
“أجل، في الوقت الراهن.”
شدّد أركل على عبارة في الوقت الراهن، لكنه لم يلقِ بالًا لعدم اكتراث مارثا بكلامه.
“إذن عقدٌ تقول…”
“نعم، هذا حاله الآن.”
“كفّ عن الضجيج، واهدأ قليلًا.”
“…..”
وبينما كان الأخوان يتبادلان الحديث وكأنّ كلٌّ منهما لا يسمع إلا نفسه، أخذ شعور هوان يزداد ثِقلاً في صدره:
‘هذا الحوار مآله الفشل الحتمي.’
“عدّد لي بنود العقد بالتفصيل، وبسرعة.”
“العقد نفسه بحوزتي.”
أخرج أركل ورقة من صدره نسخةً من العقد الذي كان هوان قد أعدّه بناءً على أمره.
أثار ذلك دهشة هوان:
‘أتراه يحتفظ به معه طوال الوقت؟’
لكن مارثا لم تلحظ هذا؛ إذ كانت منهمكة في قراءة العقد بدقة وسرعة، تصدر منها أحيانًا همهمات قصيرة “همم…”، أو تنهيدة مرتاحة حين وصلت إلى البند الذي ينص على أنّ ليزي أليهـايم قد هدّأت آلام أركل بقوة شفائها، فتمتمت:
“حسنًا، جيد أن العلاج أثمر.”
ما إن انتهت من قراءته حتى ألقت به بلا مبالاة على الطاولة.
“لا تبدو الشروط سيئة، ولكن ثمة شيء غريب… ماذا تفعل؟”
رفعت نظرها لترى أركل يلتقط الورقة برفق، ينفض عنها الغبار ويطويها بعناية ثم يعيدها إلى صدره.
“تابعي حديثك ولا تهتمّي.”
“كيف لا أهتم وأنت تسترجع ورقة تافهة بكل هذه المبالغة؟”
ارتجف هوان قليلًا؛ إذ نطقت مارثا بما كان هو يفكر فيه.
“ليست ورقة تافهة.”
“وماذا تكون إذن؟”
“إنها عقد زواجي مع ليزي.”
تطلعت إليه مارثا بوجهٍ مستغرب:
“لكنها ورقة، أليس كذلك؟”
“إنه عقد زواج بيني وبين ليزي.”
“أي أنّها ورقة.”
“لكن…”
“آه، كفّ!”
صرخت مارثا بانفعال، بينما راح أركل ينظر إليها حائرًا وهي تمسك رأسها بيدها.
في نظر هوان، لقد صبرت طويلًا.
“إن التفاهم معك ضربٌ من المستحيل! لا أفهم كلمة مما تقول… أفهم أنّ هناك ظروفًا خاصة، لكن أن تقرّر أمر الزواج وهو شأن مصيري بهذه العجلة؟!”
“لقد فكرت مليًّا قبل أن أقرر. بل كنت أظن أن الأمر سيسركِ يا أختي.”
قالها وهو يحدق في مارثا بعين ثابتة:
“لطالما سعيتِ إلى تزويجي.”
“……”
“حتى حين كنت أرفض، كنتِ تبحثين عن خطيبة لي. وكنتِ تقولين دومًا إنك تتمنين سعادتي.”
“…نعم، قلت ذلك.”
أدارت مارثا وجهها لتفلت من نظره، وفي داخلها يتردّد:
‘طبعًا، لأن زواجك فرصة أخرى لتوسيع نفوذ أسرتنا…!’
لقد كانت دائمة إرسال صور لفتيات من بيوت نبيلة، عسى أن يختار إحداهن. لكنه لم يُلقِ بالًا يومًا لأي منهن.
‘فماذا جرى لك يا أركل في غيابي؟’
تساءلت مارثا وهي تحدجه بنظرة حادة.
“ألم تقولي لي مرارًا إنك تتمنين أن أجد رفيقة تفهمني بأسرع وقت؟”
“قلت ذلك.”
‘ذاكرة لا تنسى إلا ما لا يفيد!’
فكّرت مارثا بغيظ.
لكن أركل الغير عابئ بما يجول بخاطرها مضى يقول بهدوء:
“أليس هذا إذن أمرًا حسنًا؟ لقد وجدت أخيرًا تلك الرفيقة، وفوق ذلك أستفيد من قوتها في السيطرة على مخزوني السحري. أليس في ذلك حلّ لمشكلتين في آن واحد؟”
“الغريب أنّك أنت الذي تكره الكلام عادة، قد أطلقت لسانك فجأة.”
“أترينه كذلك؟”
“ها أنت ذا.”
تنهدت مارثا وهي تفرك ما بين حاجبيها.
لقد تعقدت الأمور.
فالذهاب إلى العاصمة لم يكن عبثًا؛ كان جزءًا منه البحث عن عائلة تناسبها خطبة لأركل. وحتى كرهها للمجتمع الإستقراطي لم يمنعها من حضور حفلة شاي لإحدى الآنسات بحثًا عن صلة تقرّبها من هذا الهدف. بل إنها وجدت إحدى الفتيات أبدت اهتمامًا واضحًا بأركل، ووعدت صاحبة الدعوة بترتيب لقاء تعارف قريب.
لكن مارثا لم تكن يومًا ممن يقدسون الوعود.
الأوضاع تتقلب ولا فائدة من التشبث بأمور قد تتغير.
‘الأهم أن نتخلّى بالمرونة.’
وببساطة أزاحت من ذهنها ذلك الاسم النبيل.
ففي الحسابات كلها، ما يجري الآن هو في الحقيقة… نجاح ساحق.
لقد تجنّبت عائلتها انزلاق العلاقة مع أليهـايم إلى الهاوية، ووجدت حلاً لمشكلة انفلات السحر عند أركل التي كادت تنقلب إلى كارثة.
حقًّا، كما قال هو: مشكلتان حُلّتا في آنٍ واحد.
غير أنّ الغرابة بقيت:
‘لماذا تفعل ليزي أليهـايم كل هذا؟’
صحيح أنها نشأت في أسرة دينية، لكن هل يُعقل أن تكون بهذه الطيبة مع من اختطفها؟ الأمر مريب.
‘إلا إذا كانت تخفي غرضًا آخر….’
فربما كان في الأمر مؤامرة لزرع الفتنة داخل بيت كايين.
وقد كانت تنوي أن تستمع إلى رأي أركل في هذه الشكوك، لكن كما يجري الآن، بدا من المستحيل أن يثمر حوار بينهما.
في النهاية لم يكن هناك إلا استنتاج واحد:
‘لا بد أن أستجوبها بنفسي.’
لقد عرفت كل ما يخص زواج العقد من خلال الوثيقة، وبقي أن تكشف عن الغرض الحقيقي وراءه.
وبهذا الشكل، بدا أن مواجهة ليزي أليهـايم لم تعد أمرًا يمكن تجنبه.
قالت مارثا:
“هوان، أحضر ليزي أليهـايم إلى مكتبي، سأحادثها بنفسي.”
ارتسمت على وجه أركل عند سماع ذلك ملامح غريبة.
“أركل، يمكنك الانصراف الآن… ما بك متجهّم هكذا؟”
“أرجو ألا تُلحقي الأذى بليزي.”
رفعت مارثا حاجبًا بدهشة أمام كلام أخيها المفاجئ:
“ماذا؟”
‘ها قد بدأ مجددًا…’
فكّر هوان وتساءل إن كان عليه التدخل لتهدئة الموقف.
لكن أركل قال بصوت منخفض وثابت:
“أعرف أن رباطة جأشكِ من فضائلكِ، لكن أرجو ألا تؤذي زوجتي.”
كان كلامه هادئًا إلى حدّ بدّد قلق هوان. فأخذت مارثا وأخوها يتبادلان النظرات صامتين لبرهة.
ثم تنهدت مارثا وقالت:
“وماذا تظنني؟ إن لدي من الأعمال ما يكفيني، ولا وقت لدي لإيذاء فتاة ساذجة كهذه. من واجبي كربّة للأسرة أن أرعى شؤونها، فلتُحضرها فورًا.”
“أشكركِ يا أختي. سأذهب إذن. لكن رجائي أن تأخذي قسطًا من الراحة أيضًا، لا تنشغلي فقط بالعمل.”
كانت مارثا قد عادت إلى أوراقها، فأجابته من دون أن ترفع عينيها:
“دعك من همّي، واذهب أنت بزوجتك.”
هزّ أركل رأسه إشارةً للموافقة، وغادر.
فقال هوان:
“سأحضرها حالًا.”
“أجل، أسرع. فالوقت ثمين.”
‘حقًا، إنها امرأة لا تعرف المساومة…’
فكّر هوان في نفسه.
‘هل يمكن لتلك القديسة الغريبة، التي قلبت بيت كايين رأسًا على عقب، أن تنال رضا هذه الآنسة الحديدية التي لا تكاد تذرف دمًا لو شُجّت؟’
❖ ❖ ❖
طرقات خفيفة على الباب – طَقطَق.
رفعت مارثا رأسها عن الأوراق، بعدما وضعت القلم جانبًا.
‘ها هي ذي.’
“تفضلي بالدخول.”
“أستأذنكِ….”
‘هم؟’
دخلت الفتاة بحذر. كانت بلا شك ليزي أليهـايم بشعرها الفضي الذي يلمع كالثلج، وعيناها للورديتان الفاتحتان، وملامحها الرقيقة التي توحي ببراءة لا تجرؤ على قتل نملة.
نعم، إنها هي نفسها التي اختطفتها. ومع ذلك… نوعًا ما تبدو مختلفة.
لقد علمت مارثا أنها بعد أن استعادت وعيها صارت تتناول طعامها بانتظام وتجاوزت مرحلة الحمى التي أصابتها في بداية احتجازها.
“اجلسي أمامي.”
لم تُبعد مارثا عينيها عن وجه ليزي وهي تجلس.
الملامح هي ذاتها، لكن ثمة تغيير يصعب إنكاره. لم يكن مجرد تأقلم مع وضعها الجديد، بل بدا وكأنها أكثر راحة من كونها في بيتها.
وكان الأغرب أنها لا تُظهر خوفًا يُذكر وهي أمام من اختطفتها.
اشتد استغراب مارثا، ثم قالت بصرامة:
“سأدخل في صلب الموضوع. لماذا تساعديننا؟”
“لأنني أُعجب بكِ.”
أجابت ليزي على الفور بعينين تتلألآن. ثم تابعت بحماس:
“لطالما أعجبت بكِ يا آنستي مارثا. لم أجرؤ على إظهار ذلك بسبب أجواء عائلتي، لكنني كنت أراكِ دومًا مثالًا يُحتذى. كلما سمعت عنكِ، ازددت احترامًا لكِ.”
“ما الذي تقولينه؟”
“لقد أصبحتِ ربّة بيت كايين في الخامسة عشرة، وحافظتِ على مكانته من دون عون أحد حتى اليوم.”
“صحيح، لكن…”
تمتمت مارثا باستخفاف:
“لم أدعك إلى هنا لتثرثري. قولي غرضكِ الحقيقي.”
كان صوتها صارمًا كالسيف، صوتًا قد يُرهب أي شخص عادي، غير أنّ ليزي تابعت بالكلمات ذاتها المضيئة:
“هذا طبيعي… وأنا أحب فيكِ هذه الصرامة أيضًا.”
“……”
“أريد أن أصبح مثلكِ يا آنستي مارثا.”
رفّت عينا مارثا دهشة أمام ثقتها.
“وأنا هنا لأتعلم منكِ. أرجوكِ تقبّليني كتلميذة لديكِ.”
“ها…”
قهقهت مارثا بسخرية قصيرة.
‘تحاول أن تراوغني بالكلمات إذن.’
كانت تنوي أن تزرع في قلبها شيئًا من الرهبة لتكشف نواياها الحقيقية، لكن ليزي بادرت:
كوبالطبع، لن أطلب ذلك مجانًا! سأقدّم لكِ مقابلًا يرضيكِ، بل الآن حالًا إن شئتِ…”
“وما الذي تملكينه أصلًا لتعرضيه عليّ؟ لا أذكر أنكِ جئتِ ومعكِ أي شيء ثمين.”
“هناك ما هو أثمن من المجوهرات، ولا حاجة لأن أحمله معي.”
“وما هو؟”
“المعلومات.”
ابتسمت ليزي بخفوت، ومالت بصوتٍ هامس:
“هذا سرّ يعرفه قلة من الناس… الحقيقة أنّ جلالة الإمبراطور مريض.”
اتسعت عينا مارثا من وقع الكلمة.
‘الإمبراطور…؟’
****
فتحنا انا وصديقاتي المترجمات قناة خاصة بتسريب الروايات واعلانات الفصول وفعاليات وأيضا طلبات وحروقات … واذا اختفيت بتلاقوني هنيك
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 28"