اقتربت سنّ القلم من خانة التوقيع، لكنه توقف فجأة قبل أن يخط اسمه.
“ما الأمر يا سيدي؟”
سأل هوان وهو يرفع نظارته باستغراب.
“مضمون هذا العقد… هل هو حقاً صحيح؟”
‘أهناك شرط غير منطقي؟’
لكن ذلك لم يكن ممكناً، فقد راجع البنود أكثر من مرة.
“…يصعب تصديق الأمر.”
مع سماع صوته الغائر، بدأ القلق يتسرب إلى قلب هوان، وتساءل هل ارتكب خطأً فادحاً في عقد بهذه الأهمية؟
سارع يقرأ بنود العقد مجدداً بعينيه من خلف العدسات، فلم يجد أي خلل.
“سيدي… هذا العقد—”
“هل هناك ما يثير الريبة فيه؟”
رفع أركل عينيه نحو هوان، وكان نظره أشبه بانتظار اعتراف، ما جعل هوان يبعثر كلماته دون قصد:
“إن كان هناك ما أغفلته، فأنا أعتذر. لكنني أعددت العقد بعناية مع الآنسة ليزي شخصياً—”
“أتقول إن مجرد توقيعي هنا يجعلني زوجاً لليزي أليهايم…؟”
تجمدت ملامح أركل وهو يتمتم. ثم قال:
“كنتَ مع ليزي وحدكما؟”
“من أجل صياغة العقد…”
“وحدكما، قلت؟”
بدأ العرق يتصبب من جبين هوان.
لم يعرف إن كان يجب أن يفرح بسلامة العقد من الأخطاء، أم يقلق من التغيّر الغريب الذي بدا على سيده.
“بالفعل، كنتُ معها برهة بمفردنا… لكنها تأسفت فقط لغيابك، وقالت إنها كانت ستسعد أكثر لو كنت أنت من صاغ معها العقد.”
صمت أركل، ثم رفع يده إلى فمه.
‘هل… ابتسم للتو؟’
شك هوان في أن زجاج نظارته معتم، لكنه كان نظيفاً صافياً.
لا شك إذاً… فقد لمح ابتسامة خفيفة على شفتي سيده.
‘أيمكن أن يكون جاداً؟ تجاه ليزي أليهايم؟’
إذ لم يعد هناك شك: وجنتا أركل قد احمرّتا.
ابتلع هوان ريقه وهو يواجه ملامح لم يسبق أن رآها من سيده من قبل.
‘هل يدرك هو نفسه ذلك؟ تلك الفتاة… ليزي أليهايم، لا يمكن أن تكون تلك القديسة البريئة التي يظنها الجميع. بل تبدو… مختلة بحق.’
“هوان.”
“ن- نعم، سيدي.”
لكن سيده لم يكن منشغلاً بهذه الشكوك، بل قال فجأة:
“سأخفف نصف مهامك.”
لم يصدق هوان أذنيه.
‘أتُراه جاداً؟ أخيراً سأتخلص من عبء العمل القاتل هذا؟ هل وقع في الحب حتى صار فياضاً بالرحمة هكذا؟’
“شكراً جزيلاً…!”
أياً كان السبب، فقد بدا الأمر أشبه بحلم جميل.
وأثناء ما كان يستشعر لذة النوم الذي سيسمح له أخيراً، أضاف سيده:
“وأوكل إليك مهمة مساعدة زوجتي.”
شدد على كلمة زوجتي.
رمش هوان بعينيه بدهشة.
“ليست معتادة بعد على حياة هذا المكان، وستحتاج إلى دعمك. فبيت أليهايم يختلف كثيراً عن بيت كايين.”
‘ولكنها بدت أكثر من متأقلمة، وكأنها في بيتها…’
كاد يقول ذلك، لكنه ابتلعه قائلاً: “صحيح…”
تابع أركل بوجه جاد:
“سمعت أن أليهايم يقدّسون روح الجماعة. أخشى أن تصاب بخيبة من طباع كايين الفردية.”
‘لو كان سيصيبها الأذى، لكان منذ لحظة اختطافها، أليس كذلك؟’
لكن هوان لم ينبس بكلمة، واكتفى بابتسامة مصطنعة.
“أعتمد عليك، إذن.”
“سيدي… أنا…”
أخذ هوان نفساً عميقاً، وكان يستعد ليعتذر بأدب مدعياً قلة كفاءته.
لكن أركل قال بهدوء:
“سأضاعف راتبك خمس مرات.”
“سأكرس نفسي لأجل أن تتأقلم السيدة ليزي مع هذا البيت على أكمل وجه.”
ردّ هوان على الفور، فقد كان المبلغ أعظم من أن يُرفض.
رفع نظارته قائلاً ذلك، فأومأ أركل برضا.
“حان وقت التوقيع إذن.”
قبض على الريشة مجدداً، ثم قرّب سنّها من خانة التوقيع.
[أركل كايين]
نُقش اسمه بخط متأنٍ أنيق.
ظلّ أركل يحدق طويلاً في اسمه المكتوب بجانب اسم ليزس أليهايم.
‘ها هو ثانية…’
في لحظة خاطفة، لمح هوان بوضوح ابتسامةً خفيفة مرت مجدداً على وجه سيده.
‘…….’
رفع هوان نظارته بصمت.
كان الأمر غريباً، لكنه لم يكن تغيّراً يكرهه.
لا شك أن الآنسة أليهايم كانت غريبة الأطوار.
نظراتها الماكرة أحياناً، وتصرفاتها الجريئة بلا حدود….
لم يكن يعرف بعد إن كان وجهها الهادئ هو حقيقتها أم ذاك الوجه الآخر الذي يطل بين الحين والآخر، لكن ما هو مؤكد أنها لم تكن تلك قديسة أليهايم كما شاع عنها.
وكان من المربك أن يتساءل إن كان سيده وبقية الناس لا يرون في ليزي ما يراه هو.
‘مع ذلك….’
لم يكن الأمر أنه لا يفهم لماذا يحبونها.
بل على العكس، بدأ يدرك قليلاً سبب ذلك.
فلليزي أليهايم قدرة على تغيير من حولها.
ناران وأركل، وحتى الخدم… جميعهم تغيروا بعد أن عرفوها.
برأي هوان، قوتها الحقيقية لم تكن في الشفاء، بل في هذا بالذات.
“سأخدمها بكل ما أستطيع.”
قالها هوان وهو ينظر إلى أركل بصوت صادق.
أومأ أركل وكأنه شعر بصدق كلماته.
“سأضع العقد في الخزنة.”
“قبل ذلك.”
أوقفه سيده عندما همّ بأخذ العقد.
“انسخه وأعطني نسخة أخرى.”
“لا داعي للقلق من ضياعه…”
لكن ما إن وقع نظر هوان على ملامحه حتى أدرك أن الأمر لم يكن خوفاً من الضياع.
‘النسخة الأخرى… للاحتفاظ بها شخصياً إذن.’
“سأتولى أمر نسخه عند الساحر أولاً. آه، وهناك أمر آخر.”
توقف هوان لحظة ثم رفع بصره إلى أركل.
“لقد أُبلغت أن آنستي الغائبة ستصل إلى الدوقية غداً مساءً.”
“هكذا إذن… أختي.”
“هل ترغب أن أخبرها بشأن السيدة ليزي؟”
“…لا.”
بعد تفكير قصير، أجاب أركل:
“سأتحدث إليها بنفسي. وكذلك مع ليزي.”
“مفهوم.”
وبعد أن حيّا سيده وخرج من الغرفة، التفت هوان فجأة إلى الباب خلفه.
لطالما ظن أن سيده رجل بارد لا يتأثر.
غير أن…
“بل لم يكن بارداً، إنما غير مبالٍ فحسب.”
تمتم هوان وهو يستدير.
لقد خدمه طويلاً، لكنه لم يستطع أن يتخيل كيف سيكون أركل إن هو اهتم بشيء حقاً.
❖ ❖ ❖
المساء.
كنت متمددة على السرير الكبير نصف نائمة، حين طرق أحدهم باب غرفتي.
“زوجتي.”
كان صوت أركل.
‘في مثل هذه الساعة، ما الأمر؟’
فركت عيني وفتحت الباب قليلاً، فوجدته واقفاً أمامه كما توقعت.
التقت عيوننا، فقال بصوت منخفض:
“لدي ما أقول، هل أستطيع الدخول؟”
“تفضل.”
فتحت الباب مطاوعة وأنا أتثاءب بخفة.
“تبدين متعبة.”
“لا بأس. لكن ما الذي جاء بك في وقت متأخر كهذا؟”
ابتسمت قليلاً وأنا أسأله، فإذا به يثبت نظره عليّ ويرفع طرف شفتيه بابتسامة غامضة.
“صحيح أن الأمر مجرد عقد… لكننا زوجان، أليس كذلك؟”
“……؟”
كلامه صحيح من حيث المبدأ، لكن… لماذا يقول ذلك فجأة؟ ومع ابتسامة غريبة أيضاً؟
“ليس من الغريب أن يقضي الزوجان الليل معاً.”
قالها وهو يحدق فيّ بعينيه الحمراوين الساحرتين.
لطالما بدت عيناه هادئتين كبحر ساكن، لكنها الآن اشتعلت كأنها تتوهج لأول مرة.
فقدت قدرتي على الكلام، واكتفيت بالرمش أمام ملامحه الغريبة.
‘هل كان دوماً بهذا الإقدام…؟’
‘أم أنني ما زلت نصف نائمة؟’
‘لا يعقل… أيريد أن نتشارك الغرفة الآن؟’
كنا نستعمل غرفتين منفصلتين بفضل مراعاته لانشغاله الطويل في العمل.
لكن الآن؟ أن نقضي الليل معاً؟
‘هل يجب أن أفرح؟ أن أقول إنها فرصة ذهبية؟ لكن… أنا لست مستعدة لهذا بعد….’
بينما ظللت واقفة مذهولة، أطلق أركل ضحكة خفيفة وملأ الغرفة بضحك دافئ:
“هاها، كنت أمزح فقط. مجرد مزاح…”
ثم ثبت نظره عليّ وأضاف:
“لكن رؤية ذلك الوجه… يجعلني أرغب في مداعبتك أكثر.”
ارتسمت على شفتيه ابتسامة ناعمة.
“الآن أفهم لماذا طلبتِ مني يوماً أن أتوسل إليك.”
‘……؟’
هل تغير فجأة بعد الزواج؟ يبدو غريباً أكثر فأكثر.
“إن واصلتَ المزاح فسأغضب.”
قلتها وأنا أضحك بخجل.
فأومأ أركل بهدوء:
“لن أفعل ما تكرهينه. لكن…”
“ماذا؟”
“ذلك الوجه قبل قليل… كان شديد الجمال.”
قالها بجدية تامة دون أي تردد.
صرخت من شدة الإحراج وبدأت أضربه بيدي:
“كيف تقول شيئاً كهذا… بكل بساطة… ومن دون أي تفكير؟!”
“أهذا خطأ؟”
تساءل أركل بوجه مستغرب، ولم يحاول أن يتفادى ضرباتي، بل تلقّاها جميعاً.
كان يبدو صادقاً في جهله بما فعله.
‘أيها الرجل، لا يقال مثل هذا لمن لا تحبها. وليس بلا مبالاة هكذا.’
ربما لأنه بارد عادة، صار يطلق هذه الكلمات ببرود أيضاً… وهذا أخطر من أي خطة متعمدة.
هززت رأسي بيأس.
“على أي حال، ما هو الأمر المهم الذي جئت لأجله؟”
“في الحقيقة…”
قال ببطء:
“ستصل أختي غداً إلى الدوقية. وصلتني الأخبار الآن فقط، فأردت أن أخبرك.”
غداً؟
همست وأنا ألمس ذقني: “هوو… فهمت.”
لقد حانت لحظة ظهور البطلة أخيراً.
*****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 25"