لم يكن هناك أي داعٍ لإقامة حفل زفاف، فمجرد التوقيع على عقد يكفي، ومع ذلك ظلّ أركل صامتًا فترة.
فقلت:
“أنت تكره التعقيدات، أليس كذلك؟ هكذا سيكون الأمر أيسر بكثير.”
لم يُجب، واكتفى بخفض بصره وهو يتمتم: “لم أقل يومًا إنني أكره التعقيد.”
لكنني تجاهلت قوله ومددت نحوه يدي.
“فلننجح معًا.”
أجاب بهدوء وهو يحيط كفي بكفه:
“من الآن فصاعدًا، خاطبيني من دون تحفظ.”
ثم أضاف بصوت منخفض، وهو لا يزال ممسكًا بيدي:
“في كايين، الزوج والزوجة على قدم المساواة. وحتى وإن كان زواجنا مجرد عقد… فنحن… زو…”
لكنه كان يتلعثم كلما حاول إكمال الكلمة.
فابتسمت وأتممت عنه: “زوجان، أليس كذلك؟”
فانطبقت شفتاه بشدة قبل أن يجيب: “نعم… هذا ما أعنيه.”
تساءلت في داخلي:
‘ما الذي يجعله يجد صعوبة في قول أمر كهذا؟’
ثم هززت كتفي قائلة:
“حسنًا، سأكتب لك قريبًا عقدًا رسميًا… لا، سأكتبه.”
كان الموقف بالغ الحرج، حتى شعرت بما كان يشعر به.
ثم تذكرت قائلة:
“آه، لقد اتفقت أن أتناول الطعام مع ناران، ألا ترافقني؟ أعني… ترافقني؟”
لم أُكمل جملتي من فرط التردد، فضحك أركل بخفة، الأمر الذي جعلني أكثر حرجًا.
(من لم يفهم هي متردده لانها تخاطبه بلغه غير رسميه)
“لا فائدة، يبدو أنني سأتصرف لبعض الوقت كما اعتدت.”
فأجاب: “لكن في كايين الزوج والزوجة…”
فقاطعته قائلة: “ما رأيك أن نخاطب بعضنا باحترام متبادل حتى نعتاد؟ أنت تخاطبني بالتوقير، وأنا كذلك.”
أطرق قليلًا ثم ابتسم ابتسامة رقيقة: “فليكن إذن، يا زوجتي.”
حينها جفّ حلقي من شدّة وقع كلماته، فوجهه الفاتن إذا ابتسم بتلك الطريقة بدا كأنه خارج حدود الواقع.
قلت متصنعة الهدوء: “
فإذن… سنتعشى معًا؟”
“…….”
لكنه ظل صامتًا.
“لن تحل الأمور إن استمريت بالتهرب من ناران.”
تمتم مترددًا:
“لكن… هل سيرغب برؤيتي؟”
فقبضت وجهه بين يدي بحزم:
“لا بأس! سأقول له إنني من أحضرتك، ولن يعترض.”
ابتسمت بثقة، فحدّق في وجهي طويلًا دون أن ينطق.
“هيا بنا معًا. صحيح أن ذوقي مائل إلى القسوة أحيانًا، لكنني أظن أن رؤية شقيقين يعيشان بسلام قد يكون مشهدًا جميلاً.”
ارتبك حتى كاد يتلعثم:
“م-ماذا! جميل؟!”
“ثم إن لدينا ما نخبره به… أمر زواجنا بعقد.”
“صحيح. حتى لو كان عقدًا، فهو خبر مهم. لكن كيف سنخبره؟”
ابتسمت وأنا أغمز بعين واحدة:
“اترك ذلك لي.”
تأملني للحظة قبل أن يعود ليبتسم بتلك الابتسامة الخافتة:
“كما تشائين، يا زوجتي.”
❖ ❖ ❖
حين نزلت مع أركل إلى قاعة الطعام، وجدنا ناران وسيلفيا وعددًا من الخدم مجتمعين.
ارتجف بصر ناران قليلًا حين وقع على أركل واقفًا إلى جواري.
“ناران، دعوت أركل ليتناول العشاء معنا. لا تمانع، أليس كذلك؟”
“……”
لم يُجب، فتابعت:
“أنا أود أن تنسجمَا معًا.”
أدرك الخدم توتر الموقف، وهم يعلمون أن العلاقة بينهما ليست على ما يرام، فتطلعوا إلينا بقلق كأنهم يتوقعون شجارًا آخر.
لكن ناران اكتفى بابتسامة هادئة وإيماءة رقيقة:
“إن كان هذا يُسعدك يا ليزي، فأنا موافق على أي شيء.”
بعض الخدم غطّوا أفواههم من الصدمة، وآخرون تمتموا بدهشة:
“يا للعجب… السيد الثالث يقول مثل هذا الكلام؟”
لم يكن أحد منهم قد رأى ناران بمثل هذه الطاعة من قبل.
أما أركل فقد اكتفى بالتحديق به بصمت حتى التقت عيناه بعيني ناران، فقال الأخير:
“كل هذا من أجل ليزي.”
ساد المكان جوّ مشحون، حتى عاد ناران ليكسر حدته قائلًا:
“لقد تعبت من التجنب الدائم داخل بيت واحد.”
فهمس أركل باسمه:
“ناران…”
لكن ناران ابتسم وقال بلهجة عتاب:
“إلى متى ستظل واقفًا؟ ليزي جائعة، فاجلس.”
عندها ارتسمت على شفتي أركل ابتسامة باهتة كادت ألا تُرى:
“حسنًا.”
اتسعت أعين الخدم إلى أقصى حد، غير مصدقين ما يرون.
أما أنا، فقد جلست بهدوء بين دهشتهم، فرددت المنديل على ركبتي، وأنا أنظر إلى المائدة التي ازدانت بأطباق أكثر تنوعًا مما كانت عليه في الفطور السابق، حتى سال لعابي من شدة الروائح الشهية.
“كُلي جيداً يا ليزي.”
“آنستي ليزي، نتمنى أن تستمتعي بطعامك اليوم أيضاً!”
“لقد اجتهدتُ هذه المرة أكثر من المرة السابقة.”
“إن لم يكن الطعام كافياً فأخبِرينا، سنأتيك بالمزيد يا آنستي ليزي.”
وبينما كان ناران والخدم يتنافسون بالكلام واحداً تلو الآخر، لم يستطع أركل الذي ظل صامتاً حتى ذلك الحين أن يظل متأخراً، ففتح فمه قائلاً:
“…أتمنى لكِ وجبة طيبة يا زوجتي.”
وفور تلك الكلمة، عمّ الصمت المكان وكأنما صُبّ ماء بارد على الجميع.
أما أركل نفسه فتابع بهدوء تقطيع قطعة الستيك على طبقه كأن شيئاً لم يحدث.
“أ.. أنت، هل جُننت؟!”
زأر ناران وهو يحدّق بأركل بعينين كادتا تخرجان من محجريهما.
“ماذا قلت لتوك لليزي؟!”
“قلتُ زوجتي.”
أجاب أركل ببرود وهو يوقف حركة سكينه.
“أخيراً فقدت عقلك…؟”
تمتم ناران وهو يرتجف جسده كله بغضب واحتقار.
أما أنا، فبسبب انشغالي بمضغ الطعام لم أستطع أن أنطق بكلمة.
‘يا لي من سيئة الحظ، كنت أنا من أنوي قول ذلك أولاً.’
وما إن نهض ناران فجأة وعيناه محمرتان حتى هتف:
“لا تقلقي يا ليزي، سأمزق هذا الأحمق حالاً—”
“الأمر صحيح.”
قلتُ ذلك بعد أن ابتلعت ماءً بسرعة. فتطلع ناران نحوي بوجه مذهول.
“…ماذا؟”
“بما أن الجميع هنا مجتمعون، فسأقولها علناً. أنا وأركل… قد تزوجنا.”
طن—
سقطت الشوكة من يد ناران.
وانفتحت أفواه الخدم جميعاً دهشة، ولم يبقَ ثابتاً سوى أركل الذي واصل طعامه بلا اكتراث.
تمتم أحد الخدم، مذهولاً:
“كيف…آنستي ليزي، هل أُجبرتِ على ذلك؟!”
“إن كنتِ تتعرضين لتهديد، فقط لوّحي بالبقدونس يا آنستي!”
‘أمعقول أن تتحدثوا هكذا أمام سيدكم؟’
ابتسمت بهدوء وهززت رأسي نافياً، ثم أخرجت العبارة التي أعددتُها مسبقاً لإقناعهم:
“—هكذا جرت الأمور.”
وحقاً، لم يكن هناك أفضل من هذه الجملة لإسكات الاعتراضات.
ظلّت وجوه الخدم مملوءة بالذهول، لكن لم يجرؤ أحد على مجادلتي.
باستثناء شخص واحد.
“أركل كايين! لا زلت أكرهك من أعماقي!”
صرخ ناران فجأة وهو يرتجف، ثم استدار بغتة واندفع راكضاً إلى مكانٍ ما.
رمقني أركل بنظرة جانبية، وكأنه يسأل إن كان يجب أن يلحق به.
“لا بأس، سأشرح له بنفسي لاحقاً.”
“كما تأمرين يا زوجتي.”
لكن، وقبل أن يستأنف طعامه بهدوء…
“تبًا—!”
صرخت سيلفيا هذه المرة، واستدارت راكضة بدورها.
‘وأنتِ أيضاً؟ لمَ بحق السماء…؟’
واصلت مضغ قطعتي من الستيك وأنا أحدّق مذهولة في ظهريهما اللذين ابتعدا.
❖ ❖ ❖
فشلت خطتي في مصالحة الأخوين، لكنني نجحت بالكاد في تهدئة ناران.
وحين أخبرته أنه “زواج صوري بعقد” حدّق في وجهي بحدة وأقسم مراراً أنه لو خالف أركل شروط العقد فسيقتله بيده.
وكانت سيلفيا التي ظلت تهز رأسها بجنون موافقة على كل كلمة، بمثابة إضافة على ذلك المشهد.
“لكن على الأقل، بفضل هذا أستطيع البقاء هنا، أليس كذلك؟”
“…….”
وبينما كان حاجبا ناران المعقودان ينفرجان قليلاً، قال لي بجدية:
“لو حاول ذلك الرجل إيذاءك بأي شكل… فأخبِريني، وسأفني حياتي لأجلك.”
‘مع أن الذي كان يؤذيه حتى الآن هي أنا غالباً…’
ابتسمت بلطف وأجبته:
“نعم، نعم.”
عندها التفتت سيلفيا إليّ قائلة:
“والآن، بما أنكِ أصبحتِ سيدة هذا المنزل… فمن اللائق أن نخاطبك بصفة عليا يا سيدتي.”
كنت قد تقبلت لقب “الزوجة” على مضض، أما لقب “سيدتي” فأزعجني بشدة، إذ جعلني أشعر فجأة وكأني امرأة متقدمة في السن.
“نادوني كما كنتم، ليزي فحسب. وأخبِروا الآخرين بذلك أيضاً. مهما كان الزواج أو غيره، فأنا ما زلتُ ليزي نفسها.”
فالناس لا يتغيرون بسهولة.
كما أن كوني في الظاهر امرأة متزوجة لا يعني أنني سأصبح فجأة ذات ميول رصينة.
“حسناً يا ليزي.”
“أمرك آنستي ليزي.”
أجاب ناران وسيلفيا معاً وهما ينظران بتأثر.
وسط هذه الأجواء الدافئة كان بودي أن أستسلم للراحة، لكنني لم أنسَ أن أمامي أمراً آخر عليّ إنجازه.
“على ذكر ذلك… أليس من المفترض أن يعود رب العائلة قريباً؟”
استقبال البطلة الأصلية.
مارثا كايين، شقيقة أركل الكبرى التي غادرت إلى العاصمة ستعود قريباً.
‘في القصة الأصلية، ما إن تعود مارثا حتى يتسلل جين أليهايم إلى بيت كايين متخفياً كأحد الخدم…’
لكنّ القصة انحرفت منذ زمن بعيد.
فأنا ليزي أليهايم التي كان من المفترض أن تموت منذ زمن، لم أعد حية فحسب، بل أصبحت أيضاً زوجة أركل.
لذلك، من غير المؤكد أن جين أليهايم سيظهر كما في الأصل.
‘لكن ثمة أمر واحد مؤكد.’
إن خسرتُ ثقة مارثا كايين، ستنتهي خطتي.
أيُعقل أن تتصور أن الفتاة التي جلبتها كرهينة وثم خرجت للحظة من القصر ثم عادت ورأتها كزوجةً لشقيقها؟
لن تمانع مارثا في أن يكون لي ذريعة للبقاء هنا، لكن فكرة أنني اخترت البقاء طوعاً ستثير شكوكها بالتأكيد.
فمارثا كانت الأكثر طموحاً وصرامة بين إخوة كايين الثلاثة.
‘عليّ أن أُريها أنني جادة حقاً.’
تمتمت وأنا أمسح على ذقني في تفكير.
كيف يمكنني كسب ثقة مارثا؟
لحسن الحظ، بما أنها البطلة الأصلية، فهي تملك من المعلومات أكثر مما يعرفه أركل أو ناران.
‘وأفضل طريقة لنيل ثقتها هي…’
لم يكن الأمر بحاجة إلى تفكير طويل.
فأنا أعرف معلومة واحدة من شأنها أن تدفع مارثا كايين إلى الجنون فرحاً.
***
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام كملفات، وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 24"