هل من الخطأ أن يعجبني رؤية الشرير يتألم [ 23 ]
بعد ذلك بيومين، استعاد ناران وعيه إثر العلاج.
لحسن الحظ، لم يكن في جسده أي ضرر يُذكر.
أما أنا، فقد نُقلت إقامتي إلى الغرفة المجاورة لغرفة أركل.
“بقربه ستكون ليزي أكثر أمانًا.”
هكذا تمتم ناران بصوت خافت وهو يفتح عينيه.
وحين أخبرته أن أركل كان قلقًا عليه، ظل صامتًا دون رد.
“أما زلت تبغض أركل؟”
“…….”
بعد لحظة طويلة من الصمت، فتح ناران فمه وهو يحدّق من النافذة:
“كنت أظن أن أخي يكرهني.”
“…….”
“أنا السبب في موت والدينا.”
كانت هذه أول مرة أسمع شيئًا من ماضي عائلة كايين.
“حين كنت رضيعًا، مرضت فجأة دون سبب واضح. لذلك أخذني والدَاي بأنفسهما إلى طبيب مشهور في العاصمة. لكن في طريق العودة، وقع حادث عربة.”
التفت ناران بوجه هادئ ليكمل حديثه:
“أبي قضى نحبه في الحال، وأمي فارقت الحياة وهي تحاول حمايتي.”
“…….”
“ومن ثم، أصبح كالاين هو المسؤول عن رعايتنا. فأرسل أختي مارثا مباشرة إلى الأكاديمية عند الحدود. مكان سيّئ السمعة وصعب، وأغلب الظن أنه كان يتمنى موتها هناك.”
‘كالاين ذلك الوغد… كان يطمع بمكانة سيد عائلة كايين.’
والآن تذكرت أن بعض شخصيات الرواية الأصلية كانوا زملاء لمارثا في تلك الأكاديمية.
“ثم باع أركل كمرتزق مقابل مبلغ ضخم.”
ماذا؟ أركل خاض الحرب إذن؟
هذا أول ما أسمعه…
‘وكان وقتها صغيرًا على ما يبدو…’
كنت أظن أن أشقاء عائلة كايين الثلاثة مجرد شخصيات مظلمة ومجنونة، لكن ماضيهم ينضح بالألم.
“عشية مغادرة أركل القصر، توسلت إليه. رجوتُه ألّا يتركني وحيدًا.”
“…….”
“لكنه استدار ورحل من دون أن ينبس بكلمة. حينها أدركت… آه، هو يتعذب بمجرد النظر إليّ.”
“…….”
“فقدوم كالاين إلى هذا البيت، وذهاب أركل إلى ساحة الحرب… كل ذلك بسببي أنا.”
تحدّث ناران ببرود وكأن الأمر لا يعنيه، لكن عينَيه القرمزيتين كانتا غارقتين في العتمة.
“لو أن لي قيمة توازي أركل على الأقل…”
“ناران.”
ناديتُه بهدوء، فالتفت إليّ ونظر في صمت.
“الآن يمكنك التحرك، أليس كذلك؟ فلنجتمع على الطعام بعد قليل.”
ابتسمت وأنا أطرح السؤال، فارتعشت عيناه للحظة.
“حسنًا. …شكرًا لكِ يا ليزي.”
ابتسم ابتسامة ملائكية خلابة.
“شكرًا لأنك قلتِ إنك تحبين شخصًا مثلي. وأنا أيضًا… أحبكِ. …كثيرًا.”
عينا ناران الكبيرتان بلونهما القرمزيّ تلألأتا كالجواهر وانحنتا برقة في ملامح محبّة.
أما وجنتاه المتوردتان فبدتا كحبتي تفاح ناضجتين.
إنها الابتسامة التي طالما تمنّيت رؤيتها.
ربتُّ على رأسه ثم نهضت من مقعدي.
“سأنتظرك في قاعة الطعام.”
“نعم.”
أومأ برأسه ولوّح بيده الصغيرة.
“بالمناسبة.”
استدرت ناحيته وأنا أقول:
“الجميع في هذا القصر يثمّنونك. وأركل كذلك.”
“…….”
“لقد كان قلقًا عليك بصدق.”
لكن ناران لم يعلّق بكلمة.
“أراك بعد قليل.”
غير أنني لم أتوجّه إلى قاعة الطعام بعد خروجي… بل إلى غرفة أركل.
❖ ❖ ❖
طرق… طرق…
طرقت بابه ووقفت خلف يديّ بانتظار أن يخرج.
أدركت فجأة أنني منذ ذلك اليوم لم أحظَ بحديث صريح معه، رغم أن غرفتي انتقلت بجوار غرفته.
صحيح أنه كان منشغلًا بتسليم كالاين إلى القصر الإمبراطوري…
‘لكن… في كل مرة نلتقي، كان يبتعد مسرعًا عني وكأنه يتجنّب المواجهة.’
ترى… هل عقد العزم على إعادتي إلى أليهايم؟
‘لا! لا يمكن أن يحدث ذلك!’
ارتعش ظهري من مجرّد الفكرة، فطرقت الباب مرة أخرى بإصرار.
كان لا بد أن أحسم الأمر اليوم.
سأنتزع منه إذنًا للبقاء هنا إلى أن أجمع مالًا يكفيني للاستقلال.
‘وأركل يعلم تمامًا أنني لست نافعة له في خزان السحر فحسب، بل في أمور أخرى كثيرة أيضًا.’
وسأثبت له أنني قادرة على أن أكون عونًا دائمًا.
‘هل هو غير موجود فعلًا؟’
كنت أنوي دعوته لمشاركتنا مائدة الطعام مع ناران، علّ ذلك يكون بداية لإصلاح العلاقة بينهما.
فضلًا عن أن وجود ناران إلى جانبي قد يمنحني بعض الدعم في الحديث.
لكن…
‘حقًا، هل هو غير موجود؟’
انتظرت طويلًا دون أن يفتح الباب، وكدت أن أستدير راجعة، فإذا بالباب يُفتح مع صرير خفيف.
“هوان، ليس الآن.”
ارتجف بصر أركل وهو يلتفت إليّ.
“…ليزي.”
بدا عليه الارتباك قليلًا. وأنا كذلك ارتبكت بشدة، إذ كان يرتدي قميصًا رقيق القماش تكاد أزراره أن تنفك.
لمحت صدره العريض وتضاريس عظام ترقوته البارزة، فحبست أنفاسي لا إراديًّا.
وفوق ذلك، كان جبينه يتصبب عرقًا باردًا، وأنفاسه واهنة متقطعة.
‘إنه المرض المرتبط بخزان السحر.’
الأعراض ذاتها التي رأيتها أول مرة حين عالجته.
“ليزي… الآن أنا…”
“أنت تتألم، صحيح؟ دعني أدخل.”
قلت ذلك بحزم، ودفعته إلى الداخل قبل أن يغلق الباب.
“ليس وقتًا مناسبًا.”
تنفّس أركل بصعوبة وهو يدير وجهه عني.
“أنت تتعذّب. فأيّ وقت أنسب من الآن؟”
‘عليّ أن أجعله يجلس على السرير بسرعة…’
لكن قبل أن أقول شيئًا، انهار أركل فوق السرير وهو قابض على صدره.
“آه…”
كان صوته مبحوحًا وأنفاسه خشنة، لكن واضح أنه يقاوم بأقصى ما يملك.
‘حسنًا… أستطيع أن أطلب منه وعدًا بأن يسمح لي بالبقاء بعد أن أتم علاجه.’
مددت يدي لأباشر الشفاء، لكنه صدّني بقوة.
“ابتعدي.”
رفع بصره إليّ وعيناه القرمزيتان تحملان بريقًا غريبًا مألوفًا.
“إقترب.”
حين يحدّق هكذا، أشعر أنه يتحوّل إلى شخص آخر.
“لا تقتربي مني.”
“ولكنك في المرة السابقة طلبت ذلك بنفسك.”
“إنه خطر.”
ابتسمت له بهدوء.
“لو كنت أخشى الخطر، لما كنت حيّة أصلًا حتى اليوم.”
“أنتِ…”
مددت يدي ثانية.
هذه المرة لم يصدّني، فوضعت كفي بلطف على خده.
“أما زلت لا تريدني أن أقترب؟”
سألت ببساطة، فأجاب بعد أن ثبت نظره عليّ لحظة:
“المزيد… المسيني أكثر.”
ارتسمت على شفتيه ابتسامة صغيرة ماكرة.
“أليس هذا ما تحبينه؟”
كدت أن أصرخ دهشة.
‘أيها الرجل الوقح…!’
لطالما تظاهر بالبرود، فمن أين جاء بهذه الجرأة؟
‘جميل… حدّ الجنون.’
وجهه الوسيم حتى في صمته بدا الآن أكثر إبهارًا، كأنني أنظر إلى مَلَك نزل من السماء.
‘إنه مذهل…’
شرعت أستجمع قواي المقدسة للشفاء، لكنني أدركت أنني لست بحاجة لذلك.
فالتجاعيد المرهقة بين حاجبيه بدأت بالانبساط شيئًا فشيئًا، وملامحه تسترخي تحت لمستي.
بدا وكأنه مخمور بلمسة يدي، عيناه نصف مغمضتين بفتنة عجيبة.
‘هذا وجه لم أره من قبل…’
جمال لا توصفه كلمة “وسيم” وحدها.
قلبي أخذ يخفق بعنف.
وضعت كلتا يديّ على وجهه، وهو لم يبعدهما بل ظل يتأملني صامتًا.
“أركل…”
آن أوان أن أطلب منه رسميًّا أن يسمح لي بالبقاء هنا.
لكن ما فاجأني أن كلماتي خرجت على نحو مختلف:
“هل نتزوج؟”
رمش أركل مرات متتالية، ثم فجأة اتسعت عيناه بدهشة لا توصف.
‘هاه… يبدو أنه صُدم أكثر من ناران حتى.’
‘حقًّا، من الطبيعي أن يُصدم. فأنا نفسي لم أصدق ما قلته.’
كنت أهمّ بالاعتذار وتصحيح الكلام، لكنه سبقني قائلاً:
“حسنًا.”
‘ماذا؟! وافق بهذه البساطة؟’
نظرت إليه مذهولة، فإذا به يرتبك أكثر ويضيف بسرعة:
“لا، قصدي… ليس أنني أوافق على الزواج بكِ تحديدًا… أقصد… لا بأس، أعني جيد… اللعنة.”
اختلطت كلماته وتحوّلت أذناه إلى حمرة فاضحة.
‘…يا للروعة، إنه لطيف بجنون.’
رغم ارتباكه، لم أتمالك نفسي من الابتسام ابتسامة دافئة.
خفض رأسه بارتباك وقال بخفوت:
“…آسف، خلطت الكلام.”
“لا عليك. بل أنا من أعتذر… لقد فاجأتك كثيرًا.”
“لا، أنا… أنا فقط…”
سارعت أوضح:
“لم أقصد زواجًا حقيقيًّا، بل زواجًا صوريًّا. عقد زواج شكلي لا أكثر.”
نظرت إليه مطمئنة:
“أتفهم؟ لست متهوّرة لهذه الدرجة.”
لكن ملامحه لم تبدُ راضية. سألني بنبرة غامضة:
“زواج… صوري؟”
“نعم. نحقق به أهدافنا، ثم نُطلّق دون مشاكل.”
ازدادت نظراته غرابة.
‘ما به؟’
لكن لا بأس، حين يسمع كامل خطتي سيفهم أنها الأفضل.
سألني بجدية:
“وما غايتك أنتِ؟”
“ألا أعود إلى أليهايم.”
ارتفع حاجبه قليلًا دهشة.
“أريد حماية عائلة كايين حتى أتمكّن من الاعتماد على نفسي. وأنت أيضًا…”
ابتسمت بعينين ضاحكتين:
“تحتاج إليّ، أليس كذلك؟”
“…….”
“لكن كما قلت، أنا أسيرة، وقد يؤدي هذا إلى حرب.”
ظل يراقبني في صمت.
“أما لو تزوجنا برضا الطرفين، فلن أكون أسيرة بعد الآن، ولن يكون لأليهايم ذريعة للمطالبة بي.”
ربما لن يتخلوا عني بسهولة، لكن على الأقل سيسقط مبرر الحرب.
هذا وحده كافٍ ليجعل الزواج الصوري ذا قيمة.
ويبدو أن أركل وصل إلى الاستنتاج ذاته.
“…صحيح.”
قالها هامسًا.
“لن أسألك عن سبب رفضك العودة إلى أليهايم. يكفيني أنك لا تريدين.”
ردٌّ لا بأس به.
بدا غارقًا في التفكير، وجهه جاد للغاية.
ابتلعت ريقي وأنا أرقبه.
كان يسند ذقنه إلى يده وحاجباه معقودان وهو يطلق أنينًا قصيرًا:
“همم…”
‘أرجوك… هذا الحلّ هو الأيسر للجميع.’
لكنني أعلم أن قرارًا كهذا ولو كان زواجًا صوريًّا، ليس سهلًا على أركل.
ففي القصة الأصلية، لم يرد أن يرتبط بأي أحد مطلقًا.
‘هل عليّ أن أقدّم له المزيد من المعلومات لإقناعه؟’
ظلّ متأملًا بعمق، فأرسلت له نظرة متوسلة.
“أقسم… ليس لي أي غرض خفي. سنكتب عقدًا واضحًا ونلتزم به. دون أي التواء.”
“……..”
“وعد. سيكون كل شيء مرتبًا وبسيطًا.”
عقد حاجبيه فجأة وقال بجدية نادرة:
“ثمة أمر مهم يجب أن أفكّر فيه.”
“ما هو؟”
أجاب بصوت صارم وهو يسند ذقنه بيده:
“هل نقيم حفل الزفاف كبيرًا؟”
“…….”
…وأيّ أهمية لذلك بالضبط؟
***
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام كملفات، وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 23"