هل من الخطأ أن يعجبني رؤية الشرير يتألم [ 22 ]
انفجر كالاين بضحكة جافة وكأن كلامي محض هراء.
“ها، ما هذا الهراء…! ذلك السم مرتبط بطقسٍ سحري قضيت عمري في تطويره.”
رفع زاوية فمه بابتسامة متعجرفة وقال:
“قد تكون قدرتك العلاجية قادرة على إزالة السم، لكنها لن تمحو الطقس أبداً. الوحيد القادر على إنقاذ ذلك الصغير هو أنا.”
لم أنطق بشيء، فيما ظل أركل ممسكًا بياقة كالاين وهو يرمقني بنظرات صامتة.
قلت بهدوء:
“لا أستطيع أن أؤكد نجاح الأمر بشكل قاطع.”
انفجر كالاين ضاحكًا بجنون:
“كهاها! أرأيت يا أركل؟ أما زلت لا تفهم؟ كان الأجدر بك أن تتوسل إليّ بدلاً من الوقوف هناك-!”
غير أن صرخة حادة قطعت كلامه.
“ألا تستطيع أن تصمت؟ سأخلع ذراعك من مكانها قبل أن أكسرها!”
كانت سيلفيا هي من قاطعته بحدة، فزمجر كالاين متذمرًا وأطبق فمه.
أما أركل فلم يزد كلمة، بل ظل يثبت نظره عليّ.
قابلته بنظرة مماثلة وأكملت:
“الخيار في يدك، لكن هناك أمر واحد مؤكد.”
“وما هو؟”
“لن أسمح أبداً أن يموت ناران.”
ظل يحدّق بي لحظة، ثم تكلّم أخيرًا:
“سأثق بك.”
وبينما كان صدى كلماته لا يزال يتردد، دخل هوان وهو يقتاد مجموعة من الفرسان.
“سيدي.”
أومأ أركل برأسه وهو يسلّم كالاين إليهم قائلاً ببرود:
“خذوه.”
“أمرك مطاع.”
صرخ كالاين وهو يقاوم بجنون بعدما أمسكا بذراعيه:
“انتظر! انتظر لحظة يا أركل!!”
راح يصرخ متهالكًا وكأنه في آخر لحظاته:
“يا للحمق! حتى بعدما منحتك فرصة ذهبية…!!”
“تحرك بهدوء.”
“أنت من سيقتل أخاك بيديك يا أركل!”
ظل أركل ينظر إليه بوجه خالٍ من أي أثر للمشاعر حتى ابتعدوا به تمامًا. ثم التفت وعيناه ساهمتان نحو الفراغ، خاليتان من الحياة.
ناديت باسمه بنبرة حازمة لكنها لينة:
“أركل.”
فالتفت إليّ.
“ناران لن يموت.”
ارتجف بؤبؤاه الحمراء ارتجافة خفيفة.
“…أتظنين ذلك؟ لكنني… أنا…”
“ثق بي.”
مددت يدي أملس شعر ناران الملقى بلا وعي وابتسمت ابتسامة صغيرة.
“لقد وعدني أن نتناول الفطور معًا.”
بقي أركل يحدّق بي طويلاً وفي عينيه بريق متردد أخذ يتأرجح، حتى أدركت أخيرًا:
إنه خائف.
هو في الحقيقة يرتجف من الداخل خوفًا من أن يفقد شقيقه، مهما بدا متماسكًا من الخارج.
لقد بدا في تلك اللحظة كطفلٍ تائه، غريبًا تمامًا عمّا عهدته.
ناديت مرة أخرى:
“أركل.”
“…….”
“إن كنت خائفًا، فلتقلها. لا بأس أن تقول إنك خائف.”
ارتعش جسده لحظة وكأنه أصيب في الصميم، ثم عقد قبضته بشدة وقال بصوت خافت:
“لا أستطيع.”
“…….”
“إن أظهرت مشاعري فسأضعف… وإذا ضعفت، فلن أستطيع…”
ضحكت بخفة ساخرة وقلت:
“ومن قال لك هذا الهراء؟”
“…….”
“الحقيقة أن من يكبت مشاعره بالقوة هو من يهوي إلى الهلاك أسرع.”
“…….”
“وأنا… أريد أن أراك صريحًا في مشاعرك. حتى لو بدا ذلك ضعفًا، فلا بأس.”
“…لماذا؟”
“لأنني أظن أن ذلك سيكون جميلًا.”
ارتجف بصر أركل عند هذا الجواب العفوي غير المصفّى.
كان وجهه يوحي بعدم استيعاب ما أعنيه. ولو كان بوسعي لشرحت له كم أن وجه الوسيم وهو يبكي يعد أجمل ما يكون، غير أن الوقت الآن لم يكن يسمح.
مددت يدي برفق إلى صدر ناران وأطبقت كفي على قلبه. أحسست بخفقان ضعيف ومتقطع، بالكاد يقاوم.
“سأحاول تطهير السم بالقوة المُقدسة. يبدو أنه لم يصل بعد إلى القلب.”
لكن في داخلي همست: قريبًا سينتشر…
الوقت يداهمني.
ابتلعت ريقي بصعوبة.
كنت قد تحدّثت مع أركل بثبات، لكنني في الحقيقة كنت أنا أيضًا خائفة.
هل أستطيع حقًا استدعاء القوة المُقدسة؟
ناران فاقد الوعي الآن. والشرط الأساسي لتفعيل القوة هو أن يعبّر المتلقي عن خضوعه وتقديره لها، وهذا غير ممكن.
مع ذلك… لا بد أن أحاول.
إن لجأتُ إلى كالاين مجددًا فسأكون قد وقعت مرة أخرى تحت رحمته. يجب قطع الصلة به نهائيًا.
تداخلت على وجه ناران المغمض صورة ابتسامته الوضاءة التي اعتدت رؤيتها.
‘اهدئي…’
أخذت نفسًا قصيرًا وأعدت إلى نفسي حقيقة واحدة تمسّكت بها بقوة:
‘لا يمكن أن أدع ناران يموت.’
ركّزت كل ما أملك من طاقة في كفي، لكن ناران ظل ساكنًا لا يفتح عينيه، ووجهه الشاحب لم يتغير.
أيعني هذا أن القوة المقدسة لا تُستَجاب؟
عضضت شفتي حتى سال الدم.
لقد فعلتها مرة من قبل… أستطيع مجددًا… يجب أن أفعل… أرجوك… أرجوك…!
لا أريد أن يموت ناران وحيدًا كما عشت أنا…
“ليزي.”
بينما كان رأسي يوشك أن ينفجر من اليأس، أحسست بقبضة قوية تثبت كتفي. كان أركل.
“يكفي.”
قالها بصوت منخفض.
“لكن…”
“سأساوم كالاين بنفسي.”
“ذلك الوغد سيطلب أمرًا مستحيلًا.”
“لا يهم.”
كان صوته، ونظراته، تقول إنه لا يبالي بما سيصيبه.
“أنا معتاد على طاعة عمي. إن فعلت ما يريد مرة أخرى، فالأمور ستُحل… هذا يكفي.”
“وهل يكفيك هذا حقًا؟”
“…….”
“هل هذا ما تريده أنت فعلًا؟”
ظل أركل يحدّق بي صامتًا.
“قل لي بصدق، ماذا تريد أنت.”
“ما أريده…”
تمتم وهو يخفض بصره، ثم أطلق الكلمات كمن يلفظ اعترافًا طال كتمانه:
“…لا أريد أن أفقد ناران. لكن…”
ارتجف صوته وهو يتنفس بعمق كأن صدره لا يحتمل الحمل:
“…لا أريد أن أعود إلى طفولتي. أريد أن أتحرر منها.”
تقلص وجه أركل بالألم، كمن يمزقه شيء من الداخل.
“لم أعد أحتمل… لا أريد أن أؤذي أحدًا بعد الآن.”
جلس أركل منهارًا على الأرض، قابضًا على صدره، وكأن المشاعر التي كبتها طويلًا انفجرت دفعة واحدة.
تجعد حاجباه الوسيمان، وفي عينيه اللتين اعتدت رؤيتهما باردتين كالميت تلألأ نور لم أرَه من قبل.
قال متوسلًا، وصوته يتهدج برجاء:
“أرجوكِ… أنقذي ناران.”
عضّ شفته السفلى، ثم نطق باسمي بصوت يتفتت شجنًا:
“ليزي…”
هذا الرجل الذي كان دائمًا أشبه بدمية حديدية، ظهر الآن بوجه يفيض بالرجاء والضعف.
“أرأيت؟”
ابتسمتُ ابتسامة خفيفة وقلت:
“حين تكون صريحًا تبدو بهذا الجمال.”
“…ماذا، ما الذي…”
ارتبك أركل وأشاح بوجهه بعيدًا. كانت أذناه قد احمرّتا قليلًا.
‘هل احمرّ خجلًا الآن…؟’
هبط قلبي دفعة واحدة، واضطربت أنفاسي.
‘ما هذا؟ جنون! إنه… إنه لطيف للغاية. أكان يعرف إنه يبدو هكذا؟’
شعرت بأن قواي تتفجر حتى كدت أطيح بهذا القصر بأكمله.
“أ-أوي!”
صرخة عاجلة من سيلفيا أعادتني إلى وعيي.
كانت عيناها متسعتين وهي تشير إلى ناران:
“السيد… السيد الشاب حرك جفنه للتو!”
“ناران!”
انحنى أركا بسرعة يتفقد وجهه.
انطلق من شفتي ناران أنين ضعيف:
“أوه…”
كان ضئيلًا، لكنه دليل على عودة وعيه.
تبادل أركل وسيلفيا نظرات امتلأت بالرجاء، وبدت وجهيهما يتلألآن بأمل حي.
أنفاس ناران المضطربة راحت تستقر شيئًا فشيئًا، ولون وجهه الشاحب أخذ يستعيد عافيته.
لا شك أن تعويذة كالاين قد بدأت بالتحطم.
كيف حدث هذا؟
قبل قليل فقط لم أستطع إطلاق قوتي المقدسة…
هل كان بفضل أركل؟
لا تفسير غير ذلك؛ فبعد أن أثارني أركل، عاد نفس ناران إلى الاعتدال.
‘…..’
أدركت عندها أنني إنسانة أكثر خضوعًا لرغباتي مما كنت أتصور.
وبينما ألوم نفسي على هذا الخاطر، سمعت صوت سيلفيا:
“سيدي! هل تسمعني؟”
فتح الفتى عينيه ببطء، حائرًا لا يدري ما جرى.
وحين التقت عيناه بعيني، تذكر فجأة وسأل بصوت متهدج:
“عمي… أين هو؟”
ربّت على رأسه مبتسمةً:
“اطمئن يا ناران. لقد أبعدناه بعيدًا، ولن تراه مجددًا.”
حدّق بي مترددًا، ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة رقيقة.
“إذًا… أنتِ من أنقذتني يا ليزي.”
في الحقيقة، كانت رغباتي هي التي أنقذته… لكنني لم أقل شيئًا، واكتفيت بابتسامة صامتة.
“…ناران.”
ناداه أركل وهو يتأمله بصمت.
ارتسمت على وجه ناران ملامح انقباض غريب حين التقت نظراتهما.
خفض بصره وتمتم كمن يبرر:
“أعلم… كان فعلًا أحمقًا.”
‘قل له إنك كنت قلقًا عليه، بسرعة…’
طعنت خصر أركل بخفة لأحثه على الكلام، لكنه نهض دون أن ينبس ببنت شفة.
“هوان، أتولى إليك أمر الترتيبات.”
‘هاه؟ أيعقل أنه سيغادر هكذا؟’
بعد كل ذلك القلق…
وقبل أن يخرج من الغرفة، التفت أركل إليّ وعيناه تلتقيان بعيني.
قال بصوت منخفض:
“سأرد هذا الدين يومًا.”
ثم مضى بخطوات هادئة حتى اختفى.
‘كم هو جاف…’
هززت كتفي بابتسامة ساخرة وأدرت وجهي.
حمل أحد الفرسان ناران على ظهره بأمر من هوان، ليأخذه إلى الطبيب.
قال هوان وهو يدفع نظارته إلى أعلى:
“ينبغي لآنستي أيضًا أن تنال قسطًا من الراحة. سأتولى أنا إتمام ما تبقى من العمل هنا. إن احتجتِ إلى شيء، فأرسلي إليّ.”
أومأت برأسي، فأشار إلى سيلفيا كي ترافقني إلى غرفتي.
وبينما كنا نغادر، سمعت صوته من خلفي:
“…أشكرك حقًا يا آنستي.”
لم يكن لديّ قوة لأجيبه، فاكتفيت برفع إبهامي مبتسمة.
خروج أشبه بخاتمة فيلم.
‘لقد كنت مفيدة فعلًا، أليس كذلك؟’
رجوت في نفسي أن يكون هذا سببًا ليُبقيَني أركل معه في هذا المكان قليلًا بعد.
❖ ❖ ❖
عاد أركل إلى مكتبه، فمرّر يده على شعره وجلس على الكرسي.
كانت الأوراق المطلوب منه مراجعتها مكدّسة كالجبال فوق المكتب، لكنه لم يكد يراها.
“حين تكون صريحًا تبدو بهذا الجمال.”
‘جميل…؟’
“هذا جنون.”
تمتم أركل بلا وعي وهو يدلك صدغيه برفق، لكن يده توقفت فجأة.
“…لا أريد أن أعود إلى طفولتي. أريد أن أتحرر منها. لم أعد أحتمل… لا أريد أن أؤذي أحدًا بعد الآن.”
“…….”
يا لها من مهزلة…!
كاد أن يضرب رأسه بقبضته من شدة الغيظ.
لماذا يظل يظهر ضعفه أمامها؟
لم يحدث هذا قط مع أيّ شخص من قبل.
زفر أركل تنهيدة قصيرة ومسح وجهه بكفّه.
‘ليزي أليهايم…’
كان ينوي أن يطلق سراحها قبل عودة شقيقته.
فبقاؤها معه طويلًا لن يجلب سوى بذور الفتنة.
لكن لماذا الآن…
‘…أم أشنّ حربًا فحسب؟’
في عينيه الحمراوين، التي كانت خاوية على الدوام، ارتسم بريق غريب.
وللمرة الأولى في حياته، بدا وكأنه يرغب في شيء، حتى خُيّل أن عينيه تشتعلان كاللهب.
****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام كملفات، وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
التعليقات