هل من الخطأ أن يعجبني رؤية الشرير يتألم [ 21 ]
ابتلع كالاين ريقه الجاف.
المرأة التي تقف أمامه الآن لم تكن بكامل قواها العقلية.
شعر فضي جميل وعينان متلألئتان باللون الوردي، وابتسامة وادعة مرسومة على وجه ناصع البياض…
مظهرها كان وجه القديسة المثالي، لكن لسبب ما كان يبعث قشعريرة في النفس.
وما كان أشد صدمة، هو أنّ تلك المرأة كانت بالفعل تستمتع من أعماق قلبها بهذا الموقف.
حين لمح كالاين البريق الغريب الذي لمع في عينيها الزهريتين، ارتجف جسده حقًا.
“لن تتكلم؟ أترغب إذن في أن تمضي حياتك وأنت معصوب العينين؟”
“…….”
“إن لم تفتح فمك، فسأختار بنفسي. فلنرَ… لعلني أبدأ باليمين.”
“حسناً! سأقول، سأقول!”
صرخ كالاين بجزع، بينما قالت ليزي أليهايم بابتسامة هادئة وصوت منخفض:
“هذه آخر مرة. لن أمنحك مهلة أخرى.”
“يا لهذه الفتاة المستعجلة… حسنًا.”
تمتم كالاين مستسلماً وهو يضغط أسنانه غيظًا.
‘لا يمكن أن أبوح بذلك أبدًا…!’
فالسحر الممزوج بالسمّ الذي شربه ناران الصغير كان نتاج عشر سنوات من العمل المتواصل.
وقد استخدمه بالفعل مع كثيرين بنجاح، وكان ينوي أن يطرحه في الأسواق بثمن باهظ.
لم يكن بمقدوره أن يخسر ورقته الرابحة في مكان كهذا.
‘لا بد من كسب بعض الوقت… إلى أن أجد طريقة أقلب بها الموقف وأردّ الصاع صاعين!’
“لن تقول؟ أمتأكد أنك تريد أن أختار بنفسي؟”
‘اللعنة… أسرع وفكّر بشيء!’
“سأعدّ حتى العشرة… عشرة، تسعة، ثمانية، سبعة…”
‘تبا، هذه المرأة الملعونة…!’
“ستة، خمسة، أربعة، ثلاثة…”
كلما تابعَت ليزي العدّ بصوتها الهادئ، ازداد وجه كالاين شحوبًا.
“أثنان…و-“
“لحظة فقط!”
“انتهى.”
في اللحظة التي صرخ فيها كالاين مذعورًا، فُتح باب القبو بعنف.
دخل هوان لاهثًا، وخلفه كان أركل.
‘نجوت!’
أشرق وجه كالاين بالفرج.
“أركل! أبعد هذه المجنونة عني فورًا!”
صرخ بأعلى صوته:
“لقد تجرأت على تهديد عمّك! وحتى هذه الخادمة الخائنة التي تآمرت معها، يجب أن تنالا أقسى عقاب…!”
اقترب أركل بصمت من كالاين الراكع أرضًا.
بينما كانت ليزي ما تزال تمسك وجهه بيد وبالأخرى سيخًا حديديًا.
“أترى بنفسك؟ هذه المختلة حاولت أن تفقأ عيني! ليست قديسة ولا شيء، لا تنخدع بها! إنما هي شيطانة تتقن التنكّر بوجه بريء!”
حول أركل نظره من كالاين إلى ليزي.
رمشت ليزي بعينيها الواسعتين قائلة:
“أكنتَ تعلم؟ أنّ هذا الرجل كان يلهو بناران كما لو كان لعبة؟”
“…….”
“منذ أن كان طفلًا وهو يفعل ذلك.”
“…….”
أخيرًا، وبعد صمت طويل، فتح أركل فمه ببطء موجّهًا كلامه إلى ليزي:
“تنحّي جانبًا.”
تأملت ليزي وجهه لحظة، ثم أومأت برأسها بخفة.
أنزلت السيخ الحديدي وتراجعت بهدوء.
وبإشارة من عينيها، تركت سيلفيا ذراع كالاين الذي نهض مترنحًا ثم صاح محتدًا وهو يشير إلى ليزي:
“ها! الآن وقد عرف ابن أخي حقيقتك، فلن تفلتي سالمة! أتجرئين على تحدي أسرة كايين؟ يا ابن أخي، دعني أنا أعاقبها بيدي… سأجعلها تتوسل إليّ أن أزهق روحها!”
“أسرة كايين، إذن.”
“أجل! كل من يستخف ببيت كايين مصيره—”
طق!
“ااااه!!”
ارتج القبو من صرخته المؤلمة.
لقد كسر أركل أصبع اليد التي كان كالاين يشير بها نحو ليزي.
“أحسب أن أكثر من استخفّ بأسرة كايين هو أنت.”
كان صوته يفيض بسطوة تكاد توقف الأنفاس.
“هل جننت يا فتى؟ أنا عمّك! أنا الذي أفنيت عمري في تربيتك أنت وأختك!”
حدّق أركل ببرود في عمّه الذي يصرخ بهستيريا.
“صحيح. أنت من ربّانا.”
“ومع ذلك، بدل أن تشكرني…!”
“وأشكر على ماذا؟ على أنّك بعتني وأنا طفل لأصبح مرتزقًا في ساحات القتال؟”
“ذاك كان… لأجل أن يُعترف بك!”
“وكان الشرط أن تعتني بأختي ما دمت بعيدًا.”
التقت عينا أركل بعيني كالاين مباشرة:
“وكم مرة أكدتَ لي بنفسك أنك ستعتني بناران… ما دمت أنا في ساحات الحرب.”
“ك-كل أبحاثي كانت في سبيل أسرة كايين! لأجل مجد كايين وحده!”
“كفّ عن الثرثرة. الأفضل أن تلزم الصمت… قبل أن أفقد صبري وأكسر عنقك الآن.”
قالها أركل بأسلوب مزمجر أشبه بالعضّ، والعروق متورّمة في جبينه.
فانكمش كالاين صامتًا، وابتلع ريقه الجاف.
ظلّ كالاين صامتًا وهو يبتلع ريقه الجاف.
عندها، تقدّم هوان بعد أن تنحنح بخفة، ووقف إلى جانب أركل.
رفع نظارته قليلًا وبدأ يقرأ من الدفتر الذي كان بيده:
“تلاعب بأحجار المانا، شراء مواد غذائية، إصلاح الأثاث والقصور… إلخ. المبلغ الذي اختلسه منتحلًا اسم أركل كاين: ثلاثون مليونًا وستمئة وواحدًا وثمانون ألف شيلينغ.”
كان ذلك بناءً على الوثائق التي طلبت ليزي من هوان مراجعتها.
وبعد أن أنهى قراءته، ألقى هوان نظرة نحو ليزي وكأنه يقرّ بصدق ما فعلته هذه المرة.
فأشارت له ليزي بإبهامها إلى الأعلى بظفرٍ واثق.
وعلى العكس من ذلك، كان وجه كالاين قد شحب حتى صار كالكفن.
“كيف… كيف حصلتم على هذا….”
لكن الأمر لم ينتهِ هنا.
إذ أخرج أركل من جيبه ورقة مهترئة مطويّة، وما إن وقعت عينا كالاين عليها حتى فار دمه من وجهه.
كانت وثيقة سرّية تعود إلى بيت كايين، وقد وُقِّعت بختم كالاين نفسه وكان ينوي إرسالها إلى عائلة أخرى.
“أهذا أيضًا كان في سبيل شرف كايين؟”
قالها أركل بصوت بارد خالٍ من أي دفء.
“اعتبارًا من هذه اللحظة، يُطرد كالاين من أسرة كاين.”
“لا يمكنك أن تفعل بي هذا…!”
ـ”أنت لم تعد عمي، ولا حتى واحدًا من رعاياي الذين يجب أن أحميهم.”
“أركل-!”
“أتدري ما معنى ذلك؟”
تلألأت عينا أركل الحمراوان بوهج مخيف:
“أنني أستطيع قتلك متى أشاء.”
كالاين أدرك أن تهديده حقيقي، فأطبق فمه.
“ستُزجّ في سجن القبو، وغدًا مع طلوع النهار سأرفع أمرك إلى القصر الإمبراطوري.”
“……!”
“يبدو أنك كنت تجري تجارب على محظورات سحرية. وحدها هذه الغرفة مليئة بأدلة كافية لإدانتك.”
“أركل، أرجوك! أنت تعرف أنّ البلاط الإمبراطوري صارم تجاه السحر المحرّم… قد يُحكم عليّ بالإعدام!”
“أهكذا هو الأمر.”
قال أركل بنبرة محايدة، ثم أمر:
“هوان، استدعِ الفرسان.”
أومأ هوان برأسه وغادر على عجل.
“أركل! يا ابن أخي، أرجوك…!”
ارتسمت على وجه كالاين ملامح يائسة مشوّهة.
“لا يمكن… لا يمكن أن يحدث هذا… اللعنة…!”
تمتم بكلمات متقطعة أشبه بالهذيان، ووجهه مشوّه بالغضب والذهول.
لكن أركل كان قد حوّل بصره نحو أخيه ناران الملقى على الأرض بعيدًا.
كانت ليزي وسيلفيا عند جانبه تفحصانه وهو فاقد الوعي.
قبض أركل يده حتى بيّنت عروقه وهو ينظر إلى أخيه الذي تقيأ دمًا وسقط مغشيًا عليه.
وحينها تسللت إلى ذهنه ذكريات من طفولته.
“ناران ضعيف يا أركل، لا يملك أي قوة بخلافك. لهذا السبب عليك أن تتحمل المسؤولية وتحميه مهما حصل. هذا ما كان والداك يتمنّيانه أيضًا.”
هزّ أركل رأسه بصمت، فابتسم كالاين آنذاك برضا.
“عندما تذهب إلى الحرب، ستصبح قويًا لا محالة. أنا من يصنع منك رجلًا قويًا.”
“إذن سأتمكن من حماية ناران؟”
“بالطبع. ما دمت بعيدًا، فسأتولى أنا رعايته بنفسي.”
“وعدٌ إذن.”
“ثق بعمّك.”
أومأ أركل برأسه مرة أخرى.
وقبل أن يغادر الغرفة، استوقفه كالاين:
“سأمنحك نصيحة خاصة، يا ابن أخي. في ساحة المعركة… الأفضل أن تتخلى عن مشاعرك.”
“ماذا تقصد؟”
“رغم صغر سنك، فأنت قوي إلى حد يشبه الوحوش، لذا لستَ مهددًا بالموت بسهولة. لكن المشاعر… هي ما سيضعفك تدريجيًا.”
“…….”
“احفظ كلامي: تخلَّ عن مشاعرك. اللحظة التي تبوح فيها بما تشعر به… ستكون قد ضعفت. وعندها لن تتمكن من حماية أي أحد. عد سالمًا وساعد عمّك، أليس كذلك؟”
“اعتنِ بناران.”
وهكذا في سن الرابعة عشرة، خرج أركل إلى الحرب.
خمسة أعوام من الدم والحديد مضت، وهو يجزّ رقاب المتمردين في ممالك أخرى كمرتزق، ولا شيء يتردّد في ذهنه سوى وصية واحدة:
“تخلَّ عن مشاعرك.”
إظهار المشاعر يعني الضعف.
والضعف يعني العجز عن حماية أي أحد.
حتى إذا عاد بعد خمس سنوات، وقد أصبحت أخته مارثا رأس العائلة، وعمّه قد غادر القصر، تلبية لنداء مارثا رجع أركل إلى أراضي كايين.
وحين التقى من جديد بأخيه الذي شبّ فجأة، استقبله ناران بنظرة احتقار.
ــ “تنحّ جانبًا. لا تنظر إليّ بتلك العيون.”
“…….”
“ماذا؟ أتراك أنت أيضًا تراني قمامة؟ حملًا ثقيلًا لا فائدة منه؟ لدرجة أنك فضّلت ميادين الحرب على أن تطيق النظر إليّ؟”
“ناران.”
“أبغضك. توسلت إليك يومها ألا تذهب…
لكنك تجاهلت كل كلماتي.”
“…….”
“بالطبع، كلماتي لم تكن تعني لك شيئًا على الإطلاق.”
قالها ناران ببرود، ثم أدار ظهره ومضى.
وقف أركل ساكنًا يراقب ظهر أخيه وهو يبتعد.
“لم يكن الأمر كذلك… لم أعتبرك يومًا عبئًا… كنت سعيدًا بلقائنا مجددًا.”
لكنه كان قد نسي منذ زمن طويل كيف يعبّر عن مشاعره.
ربما لم تعد لديه مشاعر أصلًا، وربما توهم فقط أنه لا يزال يشعر.
‘ومهما يكن… لا فرق.’
فكر أركل بعينين جامدتين.
وفي الحاضر، وبينما كان شاردًا يتأمل وجه ناران المغشي عليه، اخترق سمعه صوتٌ مألوف:
“أركل!”
كانت ليزي تنظر إليه بقلق ظاهر على وجهها.
“هل أنت بخير؟ وجهك شاحب.”
“…كيف حال ناران؟”
“ما زال يتنفس، لكن…”
ترددت ليزي لحظة، ثم تابعت بصوت حاسم:
“يجب أن نتخذ إجراءً فوريًا. وإلا ستكون حالته في خطر.”
صمت أركل، ثم تقدم بخطوات غاضبة نحو كالاين وأمسك بتلابيبه رافعًا إياه عن الأرض.
“ما الذي فعلته بناران؟”
“ك… كَهك…!”
“تكلم. وإلا قتلتك.”
كان كالاين يختنق وهو يلهث بصعوبة، ثم تمتم بصوت متقطع:
“س… سمّ. سمٌّ لا أتحكم فيه إلا أنا.”
“الترياق.”
“لا وجود لأي ترياق في الدنيا! هذا الطقس السحري من ابتكاري وحدي… أنا وحدي أستطيع إيقافه.”
ارتسمت ابتسامة ماكرة على شفتيه:
“ما رأيك بصفقة يا ابن أخي؟ أوقف انتشار السم مقابل أن تطلق سراحي.”
“…….”
“ما الذي تتردد فيه؟ ليس أمامك خيار آخر.”
“بل هناك خيار.”
التفت أركل وكاللاين معًا نحو مصدر الصوت.
كانت ليزي أليهايم، تشير إلى نفسها بابتسامة واثقة:
“أنا.”
***
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام كملفات، وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 21"