ألا يجوز للشرير أن يستمتع بالتدحرج [ 17 ]
في صباح اليوم التالي.
كان قصر كايين يعج بالحركة.
الخدم ينظفون النوافذ والأرضيات ويعدّون الطعام ويفتشون أرجاء القصر.
فقد كانوا يستعدون لاستقبال كالاين كايين.
‘هل مرّت خمس سنوات منذ آخر زيارة له؟’
تساءل هوان في نفسه وهو يشرف على الخدم.
كالاين كايين، عمّ مارثا وأركل وناران.
كان هو من ربّى الإخوة الثلاثة بعد وفاة والديهم من عائلة كايين.
وبعد أن أصبحت مارثا هي ربّة البيت، خرج كالاين من القصر، غير أن آثاره ما تزال باقية في كل مكان.
حتى ردّة فعل أركل وناران عند سماع خبر عودته كانت خير دليل على ذلك.
‘…هذه أول مرة أراهما يضطربان هكذا.’
للوهلة الأولى بدا أركل متبلد الملامح، لكن هوان الذي خدمه طويلاً، أدرك أنه قد تزلزل في تلك اللحظة.
رفع هوان نظارته بصمت.
هو نفسه لم يعش في القصر حين كان كالاين موجوداً، لذا لم يعرف تماماً أجواء تلك الأيام.
لكن…
‘لم تكن ملامح ترحيب.’
لم يكن ذلك وجه من يفرح بعودة عمّه.
وناران أيضاً كان حاله مشابهاً.
‘ما إن سمع الخبر حتى اسودّ وجهه فجأة.’
ربما لهذا السبب فقد صوابه واضطرب حين سمع بموضوع إعادة ليزي.
مهما كان تعلقه بها، فذلك لم يكن تصرفاً معتاداً منه.
يبدو أن خبر عودة كالاين شكّل صدمة كبيرة عليه.
‘أي نوع من الأشخاص يكون؟’
ابتلع هوان ريقه بقلق.
في تلك اللحظة، دوّى صوت عجلات عربة توقفت أمام البوابة.
لقد وصل.
وكان أركل قد نزل السلالم متوجهاً نحو المدخل.
وقف الخدم في صف واحد، بينما ثبت أركل بصره على البوابة دون أن ينطق بكلمة.
“افتحوا.”
فتحت خادمتان البوابة، فدخل رجل في منتصف العمر، أسود الشعر والعينين.
انحنى أركل تحية له، وانحنى جميع الخدم بدورهم.
“لم يتغير شيء هنا.”
تمتم الرجل وهو يحدّق بأرجاء القصر.
“ولا أنت أيضاً.”
ثم ابتسم في وجه أركل ابتسامة ماكرة.
“…….”
“أين ربّة البيت؟”
“الأخت الكبرى ذهبت إلى العاصمة لبعض الوقت.”
“هكذا إذن. وأين الصغير؟”
كان يقصد ناران.
بعد لحظة صمت، أجاب أركل:
“منذ الأمس، صحته ليست على ما يرام، وهو في غرفته.”
قطّب كالاين جبينه قليلاً عند سماع ذلك.
“ألا يرحّب بي ابن أخي بعد سنوات من الغياب؟”
“…لنبدأ بالطعام أولاً.”
“لا، قبل ذلك.”
قاطع كالاين كلامه، وارتسمت على شفتيه ابتسامة ملتوية.
“سمعت أخبارك. اشتريتَ منجم ونيسيل؟”
أومأ أركل بصمت.
“هاه، لقد كبرت حقاً يا ابن أخي–”
ثم وضع ذراعه على كتف أركل.
“شعور رائع. ذاك الطفل الذي كان يتشبث بي كبر وأصبح بهذا الاعتماد.”
“…….”
“وسمعت خبراً طريفاً آخر أيضاً. أن شقيقتك قامت أخيراً بعمل متهور؟”
قالها كالاين بنبرة ممتعة.
“العالم في الخارج يضجّ بالأمر. سمعت صدفة أن ذلك موجود داخل القصر أيضاً…”
أدرك أركل فوراً ما الذي يقصده عمّه.
وصوته انخفض بلا وعي:
“هذا غير ممكن.”
لم أقل شيئاً بعد يا ابن أخي. أليس ردّك قاسياً بعض الشيء؟”
“حتى لو كنتَ عمي، فلن أسمح لك بلقائها. مسؤوليتي هي حمايتها.”
“هاها– يا ابن أخي. إنها مجرد رهينة وليست ضيفة شرف. طالما لا نقتلها، تبقى قيمتها كما هي. السلامة ليست مهمة.”
“إنها مهمة.”
أجاب أركل بلا تردد، مما جعل كالاين يرفع حاجبه بدهشة.
تلاقى بصرهما في الهواء للحظة.
“…ظننت أنك ما زلت كما كنت.”
“…….”
“لكن يبدو أنك كبرت قليلاً.”
ثم انفجر كالاين ضاحكاً بصوت عالٍ:
“على كل حال، لنذهب لتناول الطعام! ركضت طوال الطريق حتى كدت أموت جوعاً.”
استدار أركل ليرشده إلى قاعة الطعام، بينما تبعه كالاين بابتسامة ذات معنى.
‘هاه، أتظنون أنني لن أجدها إن أخفيتموها؟’
فهو يعرف القصر أدق من أي شخص آخر.
‘قليل من البحث وسأراها بسرعة.’
لحس شفتيه بتوقع واضح.
فلديه الكثير مما يريد فعله مع ليزي أليهايم، تلك التي يُطلق عليها قديسة أليهايم.
❖ ❖ ❖
بعد معركة ناران وأركل، ما زلت عاجزة عن نقل غرفتي.
فقد ترك أركل لي قرار الاختيار.
‘هل أكون بجوار غرفة ناران أم بجوار غرفة أركل…؟’
في العادة لم يكن الأمر ليشكل فرقاً، لكن بما أنني شاهدت شجارهما، صار الاختيار محرجاً بعض الشيء.
‘ألن يغضب من لم أختره؟’
بعدما رأيت القتال بينهما بالأمس، أدركت شيئاً بوضوح.
إنهما أكثر طفولية وبساطة مما كنت أتصور.
ولم أستبعد أن يتدلّلا عليّ لمجرد أنني لم أختر أحدهما.
‘وأركل أساساً لا يجيد التعبير عن مشاعره، فلو انكمش فوق ذلك، قد لا يتحدث معي أبداً…’
لكن اختيار أركل يعني أن ناران ربما لن يبتسم لي بتلك الابتسامة المحببة بعد الآن، وذلك كان محزناً.
بينما كنت أدعك جبيني حائرة، سمعت طرقاً على الباب.
‘ربما الإفطار.’
فتحت الباب بلا ريبة، فإذا برجل غريب يقف خارجه.
رجل في منتصف العمر بشعر أسود، ابتسم لي ابتسامة واسعة.
“أوه، كما توقعت، المكان صحيح!”
‘من هذا؟’
حدقت به مذهولة، فقال بلهجة مرحة:
“لا تقلقي يا آنسة، لست غريباً مريباً. أنا عمّ سادة هذا القصر.”
إذن فهذا هو كالاين كايين.
رمقته بنظرة متفحصة، فبدا أنه تفاجأ من رد فعلي.
“كنت على وشك أن أقول لك لا تخافي، لكن لا يبدو عليك الخوف.”
صحيح أنني كثيراً ما أُتهم بأنني لا أعرف الخوف.
“على كل حال، سمعت أنك في يومك الأول هنا لم تأكلي شيئاً وبكيت فقط حتى أصبتِ بالحمى لدرجة أن أركل بنفسه ذهب ليحضر لكِ الدواء….”
قالها كالاين وهو يحدق بي بريبة من رأس إلى قدم.
“لكن حالياً، لا تبدين أبداً كفتاة ضعيفة تحتضر.”
‘طبيعي. من كانت تحتضر كانت أنا في حياتي السابقة. أما الآن فأنا في أفضل صحة مررت بها على الإطلاق.’
وليس جسدياً فقط، بل نفسياً أيضاً.
صحيح أن بعض الأحداث الكبيرة والصغيرة وقعت، لكنني الآن أعيش في عائلة هي المفضلة لدي من روايتي المفضلة.
بالتأكيد، هذا أفضل بكثير من حياتي السابقة حيث كنت لا أفعل سوى التنفس كالجسد الميت.
“أعيش بخير وبسعادة.”
بدا كالاين متفاجئاً من جوابي.
يبدو أنه كان ينوي أن يربكني، لكنني أنا من أربكته.
“هكذا إذن؟ يبدو أن أركل الصغير يعتني بك جيداً…”
تمتم لنفسه.
“هل يمكنني الدخول قليلاً؟ لدي ما أريد قوله لك.”
قلت بخفة:
“أمي وأبي قالا ألا أدخل غرباء لا أعرفهم.”
فضحك هو أيضاً وقال:
“لا تقلقي. والدك بالذات هو من طلب مني أن أوصل لك شيئاً.”
والد ليزي أليهايم؟
فتحت عينَيّ دهشة وأمعنت النظر في وجهه.
‘لا يبدو أنه يكذب…’
هل علم بيت أليهايم أخيراً أن ليزي موجودة هنا في بيت كايين؟
“تفضل بالدخول.”
سأتحقق بنفسي.
على أية حال، لا سبب لدى كالاين كايين ليؤذيني.
“فتاة لبقة وتفهم الكلام. فعلاً، ابنة صالحة.”
دخل الغرفة وجلس على حافة السرير وهو يقول:
“المعذرة، الظهر يؤلمني مع التقدم في العمر.”
ثم أخرج من ثيابه كيساً ورقياً صغيراً.
كان بداخله ظرف رسالة مختوم بختم أليهايم المرسوم عليه طائر صغير.
ناولني إياه قائلاً:
“تفضلي، إنه لك.”
أخذت الظرف منه.
لم يكن عليه أثر فتح.
“اطمئني، لم ألمسه. لقد تقاضيت أجراً سخياً مقابل إيصال الرسالة فقط.”
تماماً كما توقعت.
الآن صرت واثقة أنه باع معلومات عن ليزي لأليهايم، بل وأخذ أجراً إضافياً على توصيل الرسالة.
ابتسم كالاين ابتسامة شبع ورضا وكأنه يؤكد شكوكي.
“انتهيت من مهمتي. لكن هل تسمحين أن أستريح قليلاً قبل أن أذهب؟ الصعود إلى هنا أرهقني. كما أنني أريد الدردشة معك والتقرب قليلاً.”
نظرتُ إليه بصمت، فأردف قائلاً:
“لن أبقى طويلاً على أية حال. عليّ أن أذهب لأداعب ابن أخي.”
“وماذا تريد أن تعرف بالضبط؟”
سألته مباشرة.
فبدت عليه الدهشة مرة أخرى.
لكنني واصلت حديثي بهدوء:
“بقاؤك يعني أن لديك ما تريد سماعه مني. فاسأل مباشرة.”
‘أنا لا أنوي أصلاً أن أكون صديقة لهذا العم.’
حدق بي طويلاً ثم انفجر ضاحكاً:
“هاها! قلق رون أليهايم كان بلا داعٍ. أنتِ أظرف بكثير مما توقعت.”
ثم غيّر نظرته وسأل بجدية:
“هل تملكين حقاً قدرة الشفاء؟ يكفي أن تلمسي الجرح فيلتئم…؟”
أومأت برأسي.
فلمعت عيناه بحدة.
“هل يمكنك إثبات ذلك هنا والآن؟”
“جرّب أن تقطع ذراعك.”
آه… لم أقصد أن أنطقها، كنت فقط أفكرها.
لكن كالاين بدلاً من الانزعاج ضحك بصوت عالٍ، ربما أعجبه التناقض بين قولي الجريء ونبرتي الهادئة.
“صحيح. طلبت شيئاً سخيفاً دون أن يكون هناك جرح أصلاً. أعذريني. على كل حال، يبدو أنك لا تنوين التقرب مني.”
“تماماً.”
‘كيف عرف؟’
أجبته بصراحة، فضحك مجدداً بصوت مرتفع.
“مع ذلك أعجبتني يا فتاة، من المؤسف أنك لا تبادلينني. سأتركك الآن لتطمئني على رسالتك.”
وقف متأهباً للخروج، لكنه ابتسم ابتسامة خبيثة وهو يتمتم:
“قدرة مثيرة للاختبار… سنلتقي مجدداً.”
كما في الرواية الأصلية، كان رجلاً ذا طابع غامض وظلال مريبة.
‘لكن… ماذا عساه كُتب في هذه الرسالة؟’
فتحت الظرف بهدوء، وبدأت أقرأ الكلمات المكتوبة بخط صغير متراص.
وكان محتواها شيئاً يصعب تصديقه.
****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 17"