ألا يجوز للشرير أن يستمتع بالتدحرج [ 14 ]
“بالطبع! جرِّب.”
“…إنه خطير.”
“نعم؟”
نظرتُ إليه في حيرة من معنى كلماته، وفي تلك اللحظة اهتزّ المكتب الذي كنت جالسة عليه مائلًا، فاندفع جسدي إلى الأمام.
“آه—”
ظننت أنني سأسقط على الأرض، فأغمضت عيني بإحكام، لكن ذراعًا قوية أمسكت بي.
وحين فتحت عيني وجدت رأسي مستندًا إلى صدرٍ عريض.
“أحد أرجل المكتب قد انكسرت.”
وصل إلى أذني صوت أركل الخافت كهمسة يلامس مسامعي بأنفاسه الدافئة.
“آه… شكرًا لك.”
“…….”
وبلا وعي وجدت نفسي بين ذراعيه كما لو كنتُ محتميةً بحضنه.
“إذن، ما الذي أردت أن تقوله لي؟”
“ليزي.”
“نعم؟”
“أردت فقط أن أنطق باسمك.”
عيناه الحمراوان كانتا تحدّقان بي بثبات.
‘أوه….’
“هذا أيضًا ليس سيئًا.”
قلت ذلك وقد تلألأت عيناي بالنور واعتدلتُ في جلستي.
أسندت ظهري إلى الحائط، وجمعت يديّ معًا بصمت متلهّفة لتوقعٍ غامر.
أشعة الشمس المتدفقة من النافذة أضاءت جسدي كله بدفء، فبدوت حينها كما لو كنتُ حقًا قديسة مقدسة لا تشوبها شائبة.
لكن على عكسي، ارتسمت على شفتي ابتسامة ماكرة مشبعة بالشر.
“إذن، اجثُ على ركبتيك وتوسّل.”
أمرتُه بنبرة نقية صافية وبابتسامة وديعة.
“…….”
حدّق بي أركل قليلًا قبل أن يقترب نحوي.
وبعيني المتوهجتين امتلأتُ انتظارًا وترقّبًا.
“لا أعلم لماذا ترغبين بشيء كهذا… لكن حسنًا. فالصفقة تبقى صفقة.”
ارتسمت على وجهي ابتسامة متسللة دون أن أشعر.
ما زالت صورته منقوشة في ذهني وهو يهمس بخجل بوجهٍ متورد طالبًا أن ألمسه.
بمجرد أن تذكرت صوته المنخفض المرتجف وهو يشيح بنظره إلى الأرض، شعرت أن قلبي يضطرب ويعتصر ألمًا لذيذًا.
‘أرني هذه المرة هيئة أشد بؤسًا من تلك! اخجل! تحرّج! تدحرج! تدحرج أكثر وأكثر!’
ارتفعت أنفاسي المتسارعة حتى كادت تنفلت من أنفي بحماس.
ثم انحنى أركل ببطء.
‘لقد حان…!’
أركل، الجاثي على ركبتيه أمامي، رفع رأسه نحوي وفتح فمه قائلًا:
“…ليزي.”
كان صوته خاليًا من أي روح.
“الآن… هل هذا يكفي؟”
كان ينظر إليّ بعينين جامدتين كالميت.
‘هذا ليس ما أقصده!’
هل يوجد من يتوسّل بوجهٍ كهذا أصلًا؟
ثم منذ البداية، طلبتُ منك أن تُبدي ولو قليلًا من الخجل قبل أن تجثو على ركبتيك…!
ألا تدرك أنك رغم كل شيء أقوى كائن في هذا العالم؟ أليس لديك أي كبرياء؟
ليس كل جثوّ على الركبتين يُسمّى توسّلًا، يا سيد الظلال.
‘يجب أن تقولها بوجه أكثر شفقة، وبنبرة أصدق، متوسلًا حقًا…!’
هذا لم يكن يحمل أي طعم مما كنت أرجوه.
وبينما أحدّق في أركل بوجه متجهم وقد خاب ظني، سألني باستغراب كأنه لا يفهم:
“ما الأمر؟ ألم أفعل كما أردتِ؟ جثوت على ركبتيّ ونطقتُ باسمك.”
“لا… صحيح أنك فعلت، لكنك في الوقت نفسه أخطأت…”
“لا أفهم ما تقولين.”
ملامحه كانت تنطق بصدق أنّه لا يدري.
فتحت فمي محاولةً شرح الأمر له كي يفهم:
“أما مررتَ يومًا بلحظة كهذه؟ لحظة شعرتَ فيها وكأنك ستموت من شدّة الرجاء والحرقة….”
“لم يحدث.”
أجاب بلا أدنى تردّد ووجهه كان صلبًا كأنه إنسان آلي بلا قلب، أشد جمودًا حتى من حطّاب الحديد الذي فقد قلبه.
“هاه… حسنًا.”
تنهدتُ بعمق وأرخيت كتفيّ ببطء.
“سأعطيك أنا بنفسي مثالًا.”
“…….”
نهض أركل واقفًا، وملامحه ما زالت جامدة بلا تعبير.
“عليك أن تُحسن المراقبة، ثم تقلّد الإحساس تمامًا كما أُريك، فهمت؟”
“سأحاول… لكن لا أظن أن شيئًا سيتغيّر.”
“قلتُ لك، دقّق النظر جيدًا.”
قلت ذلك بجدية، ثم جثوت على ركبتي أمامه.
أطبقت كفّيّ معًا ببطء، ورفعت بصري إليه.
كان أركل ينظر إليّ ببرود دون أي انفعال.
‘أفكار حزينة، أفكار حزينة…’
غرقتُ في جوٍّ كئيب خفّض من معنوياتي، فأسدلت كتفيّ واتسعت عيناي بدموع متلألئة.
“أركل…”
همستُ باسمه وأنا أحدّق في عينيه الحمراوين.
كان ذلك أضعف صوت شفقة استطعت أن أُخرجه.
“…….”
“…….”
لم يتحرك أركل قيد أنملة.
“…….”
كان الموقف محرجًا للغاية.
لكنني قررت أن أكون أكثر وقاحة.
قفزت واقفةً كأن شيئًا لم يحدث، ورسمت على شفتي ابتسامة مشرقة.
“حسنًا، الآن جاء دورك.”
“…….”
“هيا، لقد بذلت كل هذا الجهد—”
حاولت سحب ذراعه ليجثو، لكنه لم يتحرك.
كان يحدق بي بوجه غريب.
‘بهذا الشكل، سأبدو كمن توسلت إليه!’
صرخت بغضب:
“فكر بأنك مجرد كلب، افعل ما أقول! أنت الآن ملكي الخاص، فهمت؟”
وفي تلك اللحظة، فُتح باب المكتب بعنف.
“هذه هي الوثائق التي طلبتها. طرقت الباب لكن لم يرد أحد—”
كان هوان.
عند دخوله، بدا وكأن فمه انفتح من الدهشة بعد سماعه لكلامي.
نظر إلي بعينين مرتعشتين.
“…ماذا قلتِ للتو…؟”
“لا تقلق يا هوان، كل شيء باتفاق متبادل بيننا. نحن فقط—”
“لا، لن أسمع. لا أريد سماع ذلك.”
قالها هوان بحزم، وتراجع على الفور إلى الخلف.
“-لا تهتمي بي، أكملِ ما تريدين، حسنًا؟”
‘كنا سنقول فقط أننا ننفذ العقد…’
لم يمنحني فرصة لتوضيح الأمر وهرب بهذه الطريقة!
كنت أود أن أجعله شخصي، لكن يبدو أن الفرصة تبتعد عني كل مرة…
تلاشى حماسي فجأة عندما واجهت وجه هوان الصارم وهو يهز رأسه بحزم.
‘حتى بعد أن واجهت ذلك المزعج جيليان موريل، ما هذا بحق الجحيم…’
“كنت أتوقع شيئًا…”
تمتمت بعبارات مليئة بالأسف، ونظر إلي آركل بتمعن.
لم أتجنب عينيه، بل التقيت بها مباشرة.
رغم نظرتي المتوسلة، ظل آركل بلا أي تعبير وبلا أي شعور.
“يبدو أنك حقًا مثل رجل الحديد…”
“ماذا تقصدين؟”
“هناك مصطلح لأمثالك. بلا قلب…”
حدق بي آركل برفق وقال:
“لا أعرف ما هو، لكن يبدو أنني خيبت ظنك. آسف.”
“…….”
“أعلم أنني لا أملك موهبة قراءة مشاعر الآخرين. كنت كذلك منذ الصغر. سامحيني.”
فجأة شعرت وكأنني أصبحت شخصًا سيئًا للغاية.
“…لا بأس. أنا أيضًا لا أملك هذه الموهبة، لذا أعلم شعورك.”
“…….”
“نحن الاثنان أشخاص غريبون.”
ابتسمتُ له قليلًا ثم استدرت.
“حسنًا، سأذهب. لقد انتهت الصفقة بهذا.”
حرك آركل شفتيه وكأنه أراد قول شيء، لكنه أسرع وأغلق فمه.
لوّحت له بعين صغيرة ثم خرجت من الغرفة.
شعرت بنظرة آركل تراقبني من خلفي.
‘حسنًا، الآن ربما أعود إلى غرفتي.’
لم أرَ ما كنت أتمناه، لكن لم تكن الخسارة كاملة.
نظرت إلى الشيكات المكتوب عليها أصفار لا تعد ولا تحصى.
كنت أنوي العودة إلى أليهايم لاحقًا، فلم أكن أفكر في جمع المال، لكن وجوده أفضل من لا شيء.
كانت خطواتي على الدرج خفيفة ومليئة بالحيوية.
❖ ❖ ❖
غرفة مكتب آركل بعد خروج ليزي.
وقف آركل كايين بهدوء في مكانه يحدق في المكان الذي غادرت فيه ليزي.
‘نحن الاثنان أشخاص غريبون.’
صوتها الصافي كان يتردد في أذنه كما لو كان حاضرًا.
“هناك مصطلح لأمثالك. بلا قلب…”
بلا قلب…
سمع عبارة وحش بلا قلب كثيرًا من قبل، لكن كلمات ليزي الأخيرة بدت مختلفة قليلًا.
رفع آركل يده إلى صدره الأيسر.
يمكن الشعور بنبض قلبه الخافت بوضوح.
إذا كان بلا قلب، فإن قلبه كان ينبض بقوة الآن.
حتى في أقسى المعارك أو أمام الإمبراطور، لم يشعر بمثل هذا الإحساس من قبل.
بمرور الوقت، نسي أنه حتى هو لديه قلب.
والآن، أدرك نبضه من جديد.
‘آركل…’
تخيل وجه ليزي وهي تنادي اسمه.
عيونها الوردية اللامعة، حواجبها المنخفضة بحنان، وجنتاها المحمرة قليلاً…
تذكُّر تعابيرها جعل قلبه يخفق بقوة.
ما هذا…؟
كان شعورًا لم يختبره من قبل.
ليس مثل ألم تدفق الطاقة السحرية.
‘هل أنا مرهق؟’
ربما يحتاج للنوم قليلًا.
لكن آركل ظل واقفًا بلا حراك، غير قادر على الحركة.
“…….”
رفع يده ببطء وغطى فمه، وكان وجهه محمرًا.
هذا شعور غريب…
شيء غير عادي تمامًا.
لم يُسبَّب الألم بسحر أو بسيف، لكن مجرد التفكير في شخص ما يسبب هذا العذاب.
“هذا خطير… لعنة واحدة تكفي.”
كانت تلك لحظة نبض قلب رجل الحديد مرة أخرى.
❖ ❖ ❖
وصلت إلى الباب وأنا أزقزق، لكن وجدت شخصًا غير متوقع ينتظر.
“ناران؟”
“ليزي. لم أرك منذ زمن.”
ابتسم ناران بابتسامة مشرقة عند رؤيتي، بينما كان يقف مستندًا إلى الباب بوجه ممل سابقًا.
“سمعت من هوان أنكِ قابلتِ ذلك الأحمق؟ هل أنتِ بخير؟”
لابد أنه يتحدث عن جبليان موريل.
هل هذا… قلق علي؟
‘كم هو لطيف.’
مددت يدي لأمسح شعره الأسود اللامع.
“لا بأس، لم يكن شيئًا مهمًا.”
في الواقع، لقد انتزعت حتى أمواله ذلك الأحمق.
ارتعش ناران قليلاً من الدهشة لكنه لم يتجنب لمستي.
بل وضع رأسه على يدي كأنه يريد المزيد من المداعبة.
مثل القط…
كان مشهدًا ملاكياً جميلًا بالفعل.
لكن ما قاله بعد ذلك لم يكن ملائكيًا.
“هل ذلك الأحمق أزعجك؟ هل تريدين أن أعاقبه؟”
ما زال وجهه جميلًا كالملاك، لكنه قال ذلك بلا أي تعبير على الإطلاق.
صحيح، هذه هي حقيقته.
ابتسمت بهدوء.
“لا بأس. لقد عاقبته بما فيه الكفاية. لو كنت أعرف أنك تنتظر، كنت سأسرع أكثر. ربما كان آركل سيرسلني مبكرًا أيضًا…”
عندما همست باسم آركل، تغيرت شخصية ناران فجأة من هادئة إلى حادة.
“آركل؟”
—
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 14"