ألا يجوز للشرير أن يستمتع بالتدحرج [ 13 ]
بعد أن دفع هوان ثمن منجم وينسيل لجيليان، قام بتحذيره بلهجة رسمية قبل أن يطرده خارجًا.
قال له بصرامة:
“عائلة كايين لها آذان في كل مكان. إن تجرأت مجددًا وأطلقت لسانك بغير حساب، فلن ينتهي الأمر هذه المرة بهذه السهولة.”
“أ-أعلم، أعلم! فقط دعني أخرج من هنا بسرعة…!”
خرج جيليان من القصر، مرتديًا بطانية أعطاها له هوان ليستر بها جسده المرتجف.
وقبل أن يعبر البوابة الرئيسية، ألقى نحوي نظرة سريعة، فابتسمت له ابتسامة هادئة.
عندها ارتعش جسده وابتعد راكضًا دون أن يلتفت.
لقد أصابه الخوف إلى حد لن يجعله ينشر أي إشاعة غريبة لفترة طويلة.
ثم إن منجم وينسيل صار بالفعل ملكًا لعائلة كايين.
وبفضله، أنا الآن…
‘سأكون بانتظارك، تعالي في أي وقت.’
‘لقد وعدتُك أنني سأفي بطلبك.’
قال إنه سينتظرني؟
هل يعني ذلك أنه سيلبي أي شيء أطلبه؟
وجدت نفسي أبتسم بارتياح دون أن أشعر.
لكن هوان الذي كان ينظم الخدم ويشرف على تنظيف قاعة الوليمة، انتبه لوجهي فجأة وتجهم.
“ما هذا الوجه يا آنستي؟”
“ماذا به؟”
سألت متعجبة.
“تبدين ماكرة جدًا.”
ماكرة؟!
كلمة لا تشبه على الإطلاق لقب ليزي أليهايم.
نظرت إليه مستنكرة، فسارع لتدارك الأمر وأضاف:
“آه… أعتذر. لم يكن تعبيرًا مناسبًا. قصدت أنكِ بدوتِ قبيحة.”
عذرًا؟!
هذا أسوأ!
لكن هوان بدا وكأنه راضٍ عن تعديله لذاك.
“هوان هل نظارتك متسخة؟ كيف يمكنك أن تقول إن وجهي يبدو قبيحًا؟”
فليعلم أنني ليزي، أملك هالة نقية تجعل كل من يراني يقول في نفسه، قديسة…!
فكيف… كيف يُقال عني ماكرة أو حتى قبيحة؟
رد بجدية وهو يعدّل نظارته:
“نظارتي نظيفة تمامًا. فأنا أمسحها يوميًا بعناية.”
“إذن فسر لي، كيف ترى وجهي بهذا الشكل؟”
فكر قليلًا ثم قال بنبرة جادة:
“لتبسيط الأمر… بدوتِ مثل شخص غارق في أفكار غريبة وهو يضحك بمفرده.”
…لا أظنه تبسيطًا على الإطلاق.
ثم نظر إلي بتمعّن قبل أن يسأل:
“يا آنسة، هل أنتِ فعلًا قديسة أليهايم؟”
“ماذا تعني بذلك؟”
رفع نظارته قليلًا، مترددًا في كلماته:
“كلماتكِ لسيد موريل سابقًا، وتعبير وجهكِ قبل قليل… في عيني، لا تشبهين البريئة الجاهلة، بل…”
توقف لحظة، ثم أنهى جملته:
“تشبهين… غريبة الأطوار. أعتذر عن قولي هذا، لكنه ما بدا لي.”
اتسعت عيناي دهشة وأنا أحدق فيه.
ظن أنني غضبت، فراح يكرر اعتذاره قائلًا إنه لم يقصد الإساءة… لكن الحقيقة أنني شعرت بالعكس تمامًا.
أخيرًا… شخص يراني على حقيقتي.
نعم، هذا اللقب هو الأنسب لي.
لست ملاكًا نقيًا، ولا ضعيفة، ولا قديسة كما يصفني الجميع.
لو رأوا مكتبتي الإلكترونية في حياتي السابقة، ما خطر ببالهم هذا أبدًا.
لقد كدتُ أعاني من تناقض نفسي لأن الجميع هنا يراني كـ تجسيد للطهارة، حتى جاء هوان ووصفني بما يطابق حقيقتي.
فابتسمت بحرارة وقلت له:
“سعيدة لأنك تراني هكذا!”
كانت كلمات من قلبي.
كيف استطاع أن يخترقني بنظرة واحدة؟ هل يمكن أن تكون له اهتمامات قريبة من اهتماماتي؟
يُقال إن أصحاب الذوق الواحد يتعرفون على بعضهم.
ولو كان هذا صحيحًا، فقد أكون على وشك كسب صديق حقيقي…
قلبي دق بسرعة.
في حياتي السابقة كنت دائمًا وحيدة… أهذا هو شعور العثور على رفيق بالاهتمامات؟
حدقت به بعينين متألقتين، ممتلئة بالأمل.
لكن هوان وقد تجمد مكانه، لم يقل شيئًا.
اكتفى بتحريك شفتيه قليلًا قبل أن يتمتم:
“آه… أجل. على كل حال… لدي الكثير من العمل، سأستأذن الآن—”
وغادر مسرعًا دون أن يتركني حتى أعترضه.
نظرت إلى ظهره البعيد بعينين حزينة.
كنت صادقة تمامًا…
عادة حين يكشف أحدهم عيوبه للآخر، يصبحان أقرب… أليس كذلك؟
وبينما غمرتني خيبة خفيفة، تقدمت نحوي بخطوات مترددة لفتاة أعرفها.
كانت سيلفيا.
“ذ-ذلك…”
ابتسمت لها فورًا:
“آه، سيلفيا. شكرًا لكِ على ما فعلتِ قبل قليل.”
احمر وجهها أكثر، وترددت وهي تتهته:
“ل-لستِ أنتِ من يجب أن يشكر… أ-أنا… أعني…”
ثم صرخت فجأة بصوت مرتفع يخفي ارتباكها:
“سأقطع كل من يجرؤ على الاقتراب منكِ!”
لم تكن هذه الجملة ما توقعته، لكني ابتسمت لها بلطف.
فازداد احمرار وجهها أكثر.
تمتمت بنبرة مترددة:
“لا تفهميني خطأ، ما زلتُ مدينة لكِ وحسب.”
“لكن ألم تسددي الدين الآن؟”
“ك-كلا! فقط قولي ما تحتاجينه، أيًا كان!”
“حسنًا سيلفيا.”
أجبتها دون تردد، فارتسمت على وجهها ملامح الفرح.
قالت بعزم:
“هذه الحياة ملككِ.”
وأضافت بجدية لا تتزعزع:
“الحياة التي أنقذتِها، سأكرسها لكِ.”
لم تستطع قول شكرًا ببساطة، لكنها لم تتردد في التفوه بمثل هذه الكلمات الكبيرة والمحرجة.
أما الخدم القريبون منها، فقد أومأوا موافقين على كلامها.
‘ما الذي فعلته لأستحق كل هذا؟’
شعرت ببعض الحرج، فاكتفيت بابتسامة خفيفة.
“يا أعزائي، ما فعلته لم يكن شيئًا عظيمًا.”
قال أحد الخدم وهو يتذكر كلماتي السابقة:
“لكن آنستي، ألستِ من قلتِ يومها، المغفرة ليست حكرًا على القديسين، بل هي في متناول أي شخص؟”
أومأت مؤكدًة:
“صحيح. لم يكن أمرًا عظيمًا أبدًا، كما قلت لكم.”
قالت الخادمة القريبة مني:
“الأمر العظيم هنا هو اعتقادك أن ما فعلتيه ليس عظيمًا.”
ثم أضافت أخرى:
“نحن أيضًا نريد أن نصبح مثل ليزي. ربما ما زلنا نفتقر للكثير، لكن المغفرة يمكن أن يقوم بها أي شخص، وكذلك الامتنان، أليس كذلك؟”
“…..”
“لذلك، نحن نريد أن نعبر عن امتناننا لكِ. لأننا نؤمن أنه حتى أمثالنا قادرون على ذلك…”
حدقت بهم بصمت وابتسمت ابتسامة هادئة.
“لقد فعلتم ذلك بالفعل.”
“…..!”
“أنتم بالفعل فعلتم ذلك. لقد شعرت بمشاعر الامتنان حقًا.”
ابتسمت، فقبض الخدم على صدورهم وهم يتنهدون:
“آه، آنسة ليزي…”
“يا لها من ملاك… جميلة حقًا…”
“ماذا ترين بعينيك؟ أنا أرى نورًا فقط.”
كان كلامًا غريبًا جدًا، لكني اكتفيت بالضحك بلا جدوى للجدال.
“آنسة ليزي، يبدو أنكِ متعبة، ادخلي غرفتكِ للراحة. لقد جهزنا المكان.”
“أه، شكرًا لك.”
‘شكراً، لكن لدي أمور أخرى لأقوم بها.’
أجبتهم بأنني سأفعل ذلك، ثم خرجت من قاعة الوليمة.
سرع خطاي عند صعود الدرج بلا وعي.
لا بد أن أذهب بسرعة…!
‘إلى آركل…!’
ركضت صعودًا حتى وصلت إلى الطابق الثالث دون توقف.
لم أحتج للتفكير لمعرفة أي باب هو مكتب آركل، فقد كان واضحًا.
وفي تلك اللحظة، كان آركل يخرج من غرفة تقع في منتصف الرواق.
توقف عندما رآني.
“هل وصلتِ بالفعل؟”
ابتسمت له ابتسامة عريضة:
“بالطبع.”
لم يكن هناك حاجة للتردد.
منذ اللحظة التي اقترحت فيها الصفقة، كنت أعرف بالضبط ما سأطلبه.
“حسنًا، كنت أفكر في القدوم أيضًا. لدي شيء لكِ.”
أخرج آركل ورقة لي أمامي، وفتحت عينيّ على مصراعيهما عندما رأيتها.
كان شيكًا بمبلغ هائل.
“خذيها. هذه لكِ.”
“ماذا؟ لماذا هذا لي…؟”
“ثمن استشارتك لعائلة كايين.”
“لكن هذه كانت صفقة بيننا فقط.”
هذا هو سبب قدومي لأخذ المقابل.
حدقت في الشيك بعينين مذهولتين، وانزلقت خصلات شعري التي رفعتها خلف أذنيّ أثناء صعود الدرج.
“صحيح، لكن ذلك كان وعدًا شخصيًا مني…”
قال آركل وهو يمد يده ليعيد شعري إلى مكانه:
“هذا مقابل من عائلة كايين لكِ. خذيها.”
“سأتقبلها بشكر.”
“وماذا ترغبين أيضًا؟”
سألني بصوت منخفض:
“أسألك ذلك بوصفك من اتفقتُ معه.”
ابتسمت بخفة وأشرت إلى باب مكتبه:
“سأتحدث إليك بداخله.”
“هل هناك سبب لذلك؟”
“أمر خاص، لا أريد أن يسمعه الآخرون.”
اقتربته منه، وقلت بابتسامة مشرقة:
“تعال إلى الداخل.”
دخل آركل خلفي بصمت، وأغلق الباب.
جلس على الطاولة أمامي وسألني:
“الآن نحن بمفردنا.”
“هل يمكن أن تقترب أكثر؟”
اقترب ببطء حتى أصبح تنفسه محسوسًا، وقال بصوت منخفض:
“قولي لي يا قديسة. ماذا تريدين مني أن أفعل؟”
خفق قلبي بشدة.
‘هل سأطلبه…؟’
فتحت فمي بحذر:
“آركل… أريدك أن تتوسل.”
“أتوسل؟ مثل المرة الماضية؟”
أومأت برأسي مع كتم ابتسامة خفيفة.
سأتمرن على إظهار قوتي المقدسة…
‘ليس لأسباب شخصية…!’
“لكن، بأي أمر تريدين أن أتوسل؟”
سألني بوجه جامد.
‘لم أفكر بالضبط في الأمر بعد…’
كل ما أريده هو رؤية آركل يتوسل بخضوع، بصوت متوسل وجاد، مثلما يفعل البطل الملقى في المواقف الصعبة.
المرة الماضية لم يكن توسلًا حقيقيًا… هذه المرة أريد أن يكون حقيقيًا ويائسًا.
‘لكن، بماذا يجب أن يتوسل؟’
لم أفكر في تفاصيل الكلام، أردت فقط أن أراه يركع أمامي بتوسل.
‘ماذا سأجعله يقول؟’
‘سيّدتي…؟’ كلما فكرت بالأمر شعرت أنّني حقيرة للغاية… وربما قد يجنّ جنون أركل من ذلك.
ماذا عن ‘أرجوكِ….؟’ … لا، هذا تقليدي جدًا. تقليدي وفارغ من أي معنى.
‘ألا يوجد جملة مناسبة من بين ما قرأته في الروايات من قبل…؟’
لقد قرأت عشرات الروايات من هذا النوع، فلماذا الآن بالتحديد لا يخطر ببالي شيء؟
وبينما لم يخطر لي أي تعبير مناسب، أمسكتُ جبيني بيدي في ضيق، ثم كسائر الغريق المتشبث بقشّة سألتُ أركل:
“أركل، هل لديك ما تود قوله لي…؟”
“شيء أود قوله؟”
أومأت برأسي بإصرار وشفتي مطبقتان بإحكام.
“أي شيء… لا يهم ما هو…”
فكر أركل لحظة، ثم نظر إليّ مليًّا قبل أن يسأل مجددًا:
“أمتأكدة أنكِ لا تمانعين مهما كان ما سأقوله؟”
—
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 13"