ألا يجوز للشرير أن يستمتع بالتدحرج [ 11 ]
قال جيليان بصوت يفيض بالغرور:
“أما بخصوص منجم موريس… فكما يعلم سموّك، فهو تابع لأسرة موريل، لا، بل هو أعظم مناجم الإمبراطورية….”
كان على وشك أن يذكر مبلغًا هائلًا يعلم في داخله أنه مبالغ فيه بعض الشيء.
لكن أرْكل قاطعه بكلمة واحدة:
“كلا، يكفي.”
انقطع كلام جيليان في منتصفه.
“لن أستمع إلى سعر منجم موريس. على أي حال لسنا ننوي شراءه.”
اتسعت عينا جيليان بدهشة.
“م-ماذا قلتَ الآن-“
جاءت كلمات أرْكل التالية أكثر صدمة:
“أسرة كايين ستشتري منجم وينْسيل.”
“منجم وينْسيل؟!”
صرخ جيليان دون أن يشعر، ثم سارع إلى إطباق فمه، لكنه لم يستطع إخفاء اضطرابه.
شفَتا أرْكل التي ظلت طوال الوقت بلا أي تعبير، ارتسمت عليهما ابتسامة خفيفة بالكاد تُلحَظ.
‘لا يعقل… هل يعلم بالحقيقة؟!’
عضَّ جيليان على أسنانه بقوة.
‘لا… مستحيل. إنه يتصنّع فقط ليخفض السعر.’
فتصنّع الابتسام وقال:
“مفهوم. سأخفض السعر لك.”
“…….”
“سأحدّد لك ثمنًا معقولًا، فلا داعي لأن تتظاهر بعدم الاهتمام.”
قال أرْكل بنبرة حازمة لا تحمل أي تغيير في ملامحه:
“يبدو أنك لم تفهم ما قلته. سواء بعتَ منجم موريس بثمن بخس أو غالٍ، فلا يهمني. أنا قلت بوضوح، الذي أريده هو منجم وينْسيل.”
“…….”
ابتلع جيليان ريقه بصعوبة.
واصل أرْكل كلامه ببساطة كأنه يتحدث عن أمر عادي:
“على حد علمي، منجم وينْسيل لا يحوي كميات كبيرة من أحجار المانا، ولذلك أسرة موريل لا تعتبره مهمًّا، أليس كذلك؟”
“…….”
“إذن، إن اشترته أسرة كايين، فذلك ربح صافٍ لكم. كما قلتَ بنفسك، التوقيت مناسب تمامًا.”
“هاها… هذا حقًا….”
ضحك جيليان ضحكة متكلفة وهو يحاول يائسًا أن يجد مخرجًا.
لكن، كل ما بدا من أرْكل أكد له أن الأمر لا مزاح فيه ولا تمثيل، لقد أراد فعلًا منجم وينْسيل.
‘لا يمكن! يجب أن يكتفي بمنجم موريس ويتخلى عن البقية!’
في الحقيقة، لم يكن منجم موريس منجمًا ذهبيًّا للأحجار السحرية كما شاع في الإمبراطورية، بل مجرد منجم صغير عادي.
أما الأحجار التي اشتهرت بأنها أعلى جودة، فما كانت إلا أحجارًا مصقولة ظاهريًا، وبعضها كان مجرد خردة رديئة.
بينما المنجم الذي لا يعرفه الناس، وينْسيل هو الكنز الحقيقي.
فهو يحوي أحجار مانا عالية النقاء، وأعشابًا نادرة، ومعادن تدخل في صناعة الأدوات السحرية….
‘كل ذلك موجود في منجم وينْسيل!’
تجمّدت نظرات جيليان وهو يحدق بأرْكل ببرود.
لطالما خدعت أسرة موريل الآخرين ببيع أحجار موريس الرديئة بأسعار عالية، فيما كانوا يجنون الأرباح الخفية من وينْسيل.
ولمنع أطماع الآخرين، أبقوا حقيقة وينْسيل طيَّ الكتمان… فكيف بحق السماء عرف أرْكل كايين بذلك؟
قال أرْكل وهو يلحظ صمته:
“ما بالك صامتًا؟”
“…….”
“ألم تقل إنك تحتاج المال من أجل مشروع تجاري؟”
وكان ذلك محض كذب.
فنيّته لم تكن إلا بيع منجم موريس عديم القيمة بسعر خيالي.
تألقت عينا أرْكل الحمراوان وهو يحدق في جيليان كأنهما تخترقان صدره.
تظاهر جيليان بابتسامة مرة، وقال بلهجة متأسفة:
“حقًا لا تنوي شراء منجم موريس؟ في هذه الحالة… يؤسفني أن الصفقة لن تتم.”
“…….”
ثم أضاف بنبرة رسمية:
“على أية حال، لقد استمتعت بالطعام.”
ونهض من مقعده، ثم التفت إلى خادمه وقال:
“أعدّ العربة. سنعود فورًا.”
لكن أرْكل أوقفه بكلمة:
“تمهّل.”
فالتفت جيليان ونظر إليه.
قال أرْكل وهو يحدّق في أطباق جيليان:
“ما زال الطعام أمامك لم يُؤكَل نصفه.”
“أعتذر، لكن بما أن الأمر قد انتهى، أرغب في العودة حالًا.”
“يبدو أن المكان لم يَرُق لك. مؤسف فعلًا… كنت قد أعددتُ الحلوى.”
“حلوى؟”
رفع جيليان حاجبه باستغراب.
قال أرْكل:
“هوان، أحضره.”
“نعم سيدي.”
تحرك الرجل ذو النظارات، الذي كان واقفًا خلفه طوال الوقت، ثم عاد بعد قليل يحمل بين يديه مجموعة من الأوراق.
ضاق جيليان بعينيه وهو يتفحص الأوراق، ثم تجمّد في مكانه.
كانت مقالات صحفية.
تناول أرْكل الأوراق من يد الرجل وقرأ العنوان ببطء:
“انفجار في منجم موريس… إصابة عدد كبير من العمال أثناء نقل الأحجار.”
“ك-كيف حصلتَ على هذا-؟”
‘كيف وصل هذا الخبر إلى يديه؟!’
من خلف الجدار، حيث كانت تُصغي إلى كل الحديث، أطلقت ليزي لحناً صغيراً من أنفها وضحكت بخفوت:
“أُهوهوهو.”
❖ ❖ ❖
كانت تضحك بخفوت وقد غطت فمها بكفها، حين التقت عيناها بعيني هوان الذي كان ينظر نحوها.
فأشارت له بإبهامها مرفوعًا، لكنه أدار رأسه نافيًا بيأس.
لم يكن غريبًا أن يبدو متعبًا.
“هوان! هناك أمر أريدك أن تفعله فورًا.”
“آنستي، المعذرة، لكن ما زال لدي عمل قليل متبقٍّ. لقد بدأت للتو بمراجعة بعض الوثائق، ف— آه! أعيدي إليّ أوراقي من فضلكِ!”
“سأعيدها لك عندما تنفذ ما أطلبه.”
“أعيديها إليّ! لم يبقَ لي سوى القليل… آه، حسنًا، حسنًا! فهمت! فقط لا تمزقيها— سأفعل! سأفعل ما تريدين!”
هكذا دفعتْ ليزي هوان إلى أن يذهب ليأتي لها بالمقال الصحفي.
كانت تعلم مسبقًا أن جيليان موريل يحتال من خلال منجم موريس.
‘لاحقًا، حين تكتشف مارثا ذلك، ستغضب غضبًا شديدًا.’
حتى إنها كادت أن تجرّ كامل الفرسان معها لاقتحام قصر موريل.
لكن في خضم ذلك، راودت ليزي شبهة واحدة.
فقد كان من بين أحجار المانا المستخرَجة من منجم موريس عدد من القطع المعيبة، فلماذا لم يثر ذلك أي مشكلة حتى الآن؟
بعد أن فكرت بتمعّن، وصلت إلى إجابة واحدة، لقد أُسكتوا.
من المستحيل ألا يكون أحد قد تكلّم بهذا من قبل.
ومع ذلك، ظلّ منجم موريس قادرًا على العمل والبيع، ما يعني أنهم أخفوا الأمر كله.
‘هذا مألوف حتى في زمننا الحديث. في مثل هذه الحالات، أول ما يفعله أصحاب الشأن هو…’
… السيطرة على الإعلام.
لذلك طلبتُ من هوان أن يبحث إن كانت هناك مقالات نُشرت ثم سُحبت بعد فترة قصيرة من صدورها.
وبالفعل، عثر على واحدة تتحدث عن انفجار حجر مانا.
وكما توقعت، الحجر الذي انفجر كان من منجم موريس.
قال هوان:
“حسب كلام كاتب المقال، صدر فجأة أمر من الأعلى بسحب جميع النسخ وإتلافها.”
“هممم… كما توقعت.”
“ويقول أيضًا إن هذا لم يكن أول مرة يحدث فيها الأمر… لكن، هل يمكن لصحفي واحد أن يُظهر الحقيقة للعالم؟”
أجبته بابتسامة:
“لن يستطيع، ليس وحده. فالتلاعب الإعلامي من قِبل الشركات أمر مرعب.”
“عفوًا؟”
بدا هوان مرتبكًا، لكنني ابتسمت ابتسامة عريضة.
“…لكن إن وقف خلفه دعم قوي، فسيتغير الوضع كليًا، أليس كذلك؟”
نظرتُ بعينين راضيتين إلى المقال الذي كان أرْكل يمسكه بيده.
كنتُ قد طلبتُ منه أن يريه لجيليان وأن يقول كلمات محددة.
والآن…
“—سننشر هذه الحقيقة.”
كان أرْكل ينفذ أوامري بحذافيرها.
“ربما تمكنتم من إسكات جريدة صغيرة، لكن من المستحيل أن تُسكتوا أسرة كايين.”
شحب وجه جيليان تمامًا.
ارتجف جسده، وأرْكل الذي لاحظ ذلك، تابع ببرود:
“أسرة كايين لا تريد إلا شيئًا واحدًا، منجم وينْسيل.”
“أ-أأنا مجنون حتى—!”
فقاطعه أرْكل ببرود قاطع:
“لولا جنونك، لما سمحتَ بتوزيع أحجار مانا معرضة للانفجار في أي لحظة. أليس هذا جنونًا؟”
“…….”
“آمل أن يكون مذاق الحلوى قد راق لك.”
قالها وهو يضع المقال جانبًا ويرفع كأس الخمر ليرتشفه بهدوء.
ابتسمتُ بخفة وأنا أنظر إليه بدهشة:
‘ما هذا… يبدو أنه يعرف كيف يمازح أيضًا.’
كنت أظنه رجلًا بلا أي مشاعر، فإذا به يعرف كيف يطلق سخرية لاذعة بمهارة.
“إذن، ما قرارك؟ كنت متعجلًا للعودة، وأنا أيضًا لستُ راغبًا في إبقائك طويلًا.”
“…….”
“ثم إننا لم نطلب المنجم بلا مقابل، بل قدمنا عرضًا واضحًا لصفقة.”
“أ-أنت…”
“…….”
“أتظن نفسك في موضع يسمح لك بتهديدي؟! الوغد الحقيقي هو أنت!”
تلعثم جيليان وجهه قد ازرقّ ويده المرتجفة تشير نحو أرْكل الجالس أمامه.
قال أرْكل بنبرة منخفضة:
“ماذا تعني بذلك؟”
ورغم هدوء صوته، تسرّبت منه رهبة هائلة جعلت جيليان يرتجف.
“لماذا تزعم أن أسرة كايين شريرة؟”
وقف أرْكل من مقعده، وأخذ يتقدم نحوه خطوة تلو الأخرى وهو يقول:
“لم نحتَلّ أحدًا مثلكم، ولم نبع أسلحة محظورة.”
تراجع جيليان وهو يرتجف، فمُه يفتح ويغلق بلا صوت، ثم بالكاد تمكّن من التهجّي:
“ل-ل-ليزي أليهايم!”
توقف أرْكل وحدّق فيه بصمت.
“أعلم أن ليزي موجودة هنا. إن علم بيت أليهايم بهذا، فماذا تظن أنهم سيفعلون…؟”
“…….”
“مهما كانوا أتقياء، فلن يتخلوا عن ابنتهم. سيجتاحون المكان بجميع فرسانهم. ستكون حربًا!”
“حرب إذن.”
“نعم! حتى بيت كايين العظام لن ينجوا بلا دماء. فارسان مقدسان فقط من بيت أليهايم يساويان قوة جيش كامل.”
ابتسم جيليان ابتسامة ملتوية:
“الآن تفهم؟ لستَ في موضع لتهديدي، بل ينبغي أن تتوسل إليّ.”
“هكذا إذن.”
أجاب أرْكل ببرود، دون أدنى انفعال، ما جعل جيليان يصرخ بغضب:
“كفّ عن التظاهر بالهدوء! لدي دليل يثبت أن ليزي هنا!”
وأخرج شيئًا من جيبه كان يلمع بلون فضي رقيق.
‘…لا يعقل! أهذا شعري؟’
تجمدتُ في مكاني وأنا أنظر إلى خصلة الشعر الفضي في يده، ثم إلى شعري.
قال جيليان وهو يلوّح بها بزهو:
“بيت أليهايم سيتعرفون إليها فورًا، وسيعلمون أنها تخص ابنتهم.”
ابتسم ابتسامة خبيثة وأردف:
“فلا تفكر أن تمسّني بسوء. قبل أن آتي إلى هنا، أمرتُ أن يُرسل الفرسان إن لم أعد خلال يوم واحد.”
“…….”
“الآن فهمت؟ فالتدرك جيدًا في أي مأزق أنت واقع.”
ولما ظل أرْكل يحدّق فيه بصمت، عاد جيليان ليستعيد شيئًا من جرأته وقال بصوت مرتفع:
“إذن، دعني أنا أفرض شروطي. مقابل أن أغض الطرف عن وجود ليزي هنا… ماذا ستعطيني؟”
“—كاذب.”
“ماذا؟”
خرجتُ من خلف الجدار حيث كنت أختبئ، فاتجهت الأنظار إليّ من أرْكل ومن جيليان في آن واحد.
“تصرخ عاليًا أنك ستنقذني، ثم تأتي لتساوم عليّ؟ مثير للشفقة حقًا.”
“ل-ليزي…”
اهتزت نظرات جيليان بعنف وهو يراني.
“ما الذي يفاجئك هكذا؟ أما قلت إنك تعلم أنني في هذا القصر؟”
“أ-أنا فقط—”
“ثم ما قصة الشعرة تلك؟! هل أنت مهووس يطاردني؟”
تجمد وجه جيليان وتصلب تمامًا.
–
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 11"