لم أمهله طويلًا حتى انتصرت في الجولة التالية، فأردت أن أستعيد زمام الموقف.
ضحكت وأنا ألهو معه، وفجأة دوى صوت سعالٍ متعمد بجانبنا:
“احم-احم.”
كان أحد رجال أركل ذوي الرداء الأسود.
“أظنّ أنّه حان وقت الرحيل. إن أبطأنا أكثر فقد نصطدم بالحرس.”
“لا بأس.”
أجبت بابتسامة واثقة.
“حتى لو واجهنا الحرس فلن يضيرنا. أليس كذلك، هاينري؟”
التفتّ إليه مباشرة.
“ستُخرجني وهؤلاء سالمين، صحيح؟”
“أوامرك مطاعة مولاتي.”
أجاب هاينري بلطف وببراءة لم أرها عليه من قبل.
هكذا يبدو المرء حين يقع تحت سحر السيطرة الذهنية؟
أحسست بقشعريرة عند فكرة أنني كنت سأصير على شاكلته لولا الخطة.
الحمد لله أنني أحسنت الاستعداد.
فطوال عشرة أيام استنزفت كل ما قرأته من قصصٍ مظلمة، وغسلت دماغ هاينري بخدعٍ نفسية، وأعددت فوق ذلك ورقةً أخيرة: مسرحية الطعن المزيّف مع أركل.
لذلك صدّق… بأنني اخترته فعلًا.
بينما الحقيقة أنّ كل شيء كان تمثيلية رتّبناها أنا وأركل قبل عشرة أيام.
ثم جاء دور مارڤين الذي اتفقنا مسبقًا أن ينفذ تعويذة السيطرة الذهنية.
وهاينري لم يخطر بباله مطلقًا…
أنني كنت صاحبة دور “المستخدم”، وأنه هو “الهدف”.
رفعت إبهامي إلى مارڤين إشارةً بالإعجاب.
كان ما يزال ملتصقًا بالجدار، متوترًا يترقب عيني أركل.
“سمعت أنك ساعدت زوجتي.”
قالها أركل.
“آه… أنا…!”
ارتجف مارڤين وخفض رأسه خائفًا.
كان واضحًا أنّه لا يزال مذعورًا بسبب خيانته السابقة لعائلة كايين.
أومأ أركل صامتًا إلى أحد رجاله.
فتقدّم ذاك نحو مارڤين.
“…..!!”
انتفض مارڤين وهو يغطي رأسه ظانًا الأسوأ.
لكن الرجل لم يفعل سوى أن يمرر ذراعه تحت كتفه ليسنده.
“أصبتَ في ساقك. سأساعدك على الخروج.”
“…شـ، شكـ… شكراً لك يا سيدي.”
تمتم أركل كأنه يخاطب نفسه:
“لا أعلم إن كانت شقيقتي ستسامحك….”
لكن عيني مارڤين أشرقتا بالامتنان.
حسنًا، هذا جيد.
تابعت الموقف بارتياح، ثم تذكرت فجأة:
“صحيح، ماذا عن بارون؟ أردت أن أشكره.”
“عرضتُ عليه مكافأة مالية، لكنه رفض.”
أجاب أركل.
“قال إنه سيغادر مباشرة بعد أن يطمئن إلى سلامتك.”
أشعر ببعض الذنب… لقد ظننته العدو الأكبر وأثقلت كاهله بالمعاناة.
كنت أنوي أن أوضح له كل شيء…
عن ليزي التي التقاها، وأنها ليست أنا، وأنه لا علاقة بيننا.
…لكن لعلّه أفضل أن أترك ذلك ليومٍ يطلب هو فيه سماع الحقيقة.
نظرت إلى الباب المفتوح، وأحسست أن وقت رحيلي قد آن.
التفت إلى هاينري ونطقت كل كلمة بوضوح:
“هاينري. سنعود الآن إلى كايين. وأحذّرك… بعد عودتي لا تحمّل كايين أي ذنب، ولا تقترب منها أبدًا.”
“أوامرك مطاعة مولاتي.”
“اليوم سيكون آخر مرة ترى فيها وجهي. وأمري الأخير لك… أن تصبح إمبراطورًا عظيمًا.”
لم أدرِ هل فهم هاينري كلامي وانصاع له حقًا أم لا، لكنني واصلت حتى النهاية:
“أليس هذا حلمك؟ أن تصبح إمبراطورًا عظيمًا، محبوبًا على مرّ السنين. فافعل ذلك. وابذل قصارى جهدك لتجعل البلاد صالحة للعيش لي ولعائلتي حتى آخر أنفاسنا. لكن إيّاك أن تحلم بأن تنال حبّي.”
“حسنًا، يا مولاتي.”
أجاب هاينري مطيعًا.
“آه، وبالمناسبة… اعذرني. لم أفهمك يومًا، لا مرة واحدة.”
بوحت بالحقيقة، ومع ذلك ظلّ يحدّق بي بعينيه البريئتين.
“لقد كان شرفًا ملوثًا أن أشترك معك، فلنلتقِ أبدًا بعد الآن.”
“حسنًا يا مولاتي.”
تركته خلفنا يجيب بانقياد، وغادرنا الغرفة.
فقد أصدر أوامره للفرسان أن يرافقونا آمنين تنفيذًا لوصاياي، وهكذا خرجنا من القصر الإمبراطوري عبر بوابته الرئيسة بكل كبرياء.
كان أركل قد ربط الخيل في الغابة الملاصقة للقصر.
أما رجال الرداء الأسود الذين رافقوه، فقد ألقوا تحيةً سريعة ثم تلاشت هيئاتهم في أعماق الأشجار.
قيل إنهم أمهر مقاتلي نقابة اغتيالاتٍ تتعامل مع ظلال العالم السفلي.
وبينما أنا في حضن أركل على ظهر جواده، قطعنا مسافةً طويلة حتى بدا المشهد المألوف أمام عينيّ.
أرض كايين…!
‘لقد عدتُ أخيرًا إلى الديار.’
وما إن دخلتُ القصر حتى وجدت الوجوه التي طالما تمنيت رؤيتها.
“لييييزي!!!”
صرخ ناران وهو يندفع إليّ يبكي بحرقة حين التقت عينانا.
“كنت قلقًا عليك.”
قالها هوان بصدق وهو يدفع نظارته إلى أعلى أنفه.
“أقسم… لن أتركك وأتقدّم قبلك مرة أخرى.”
“ونحن أيضًا.”
ركعت سيلفيا والخدم واحدًا تلو الآخر، أولئك الذين اضطُروا لترك سيدتهم في القصر عاجزين عن فعل شيء.
“أحسنتِ العودة.”
قالتها مارثا بلهجتها الرصينة وهي تفتح ذراعيها وتعانق كتفي.
لم يلبث ناران أن انخرط في أحضان مارثا وعانقني من جديد وهو يبكي، فأشرت بأصبعي إلى أركل البعيد:
‘تعال أنت أيضًا يا أركل.’
فتقدّم بخطى مترددة، ووضع يده على ذراع ناران، واندمج في العناق الكبير.
وبقينا هكذا نحتضن بعضنا زمناً قصيرًا.
غير أن لحظة اللقاء المؤثرة انقضت فجأة، إذ انتشلني أركل من بين الأذرع وحملني بين ذراعيه.
“السيدة بحاجة إلى الراحة.”
قالها بحزمٍ لم أعهده فيه.
احتجّ ناران بغضب:
“ما هذا الذي تفعله؟!”
أما مارثا فاكتفت بطرقعة لسانها استنكارًا، ثم رفعا كلاهما الراية البيضاء.
“أركل، أنا بخير.”
لكنّه لم يعبأ، بل واصل صعود الدرج بي بين ذراعيه.
“كما أوفيتُ بعهدي أن أظل مطيعًا هادئًا… فعليكِ أنتِ أيضًا أن تفي بوعدك.”
…ماذا؟!
‘يا للمصيبة. أي وعدٍ أعطيته له قبل الرحيل؟ لا أذكر شيئًا…’
كنت طَوال احتجازي أذكّره دومًا بوعوده، أما أنا فقد نسيت وعدي أنا!
ابتسمت بخجل، وأخفيت وجهي في صدره.
❖ ❖ ❖
حملني أركل إلى غرفتي، وأسندني بلطف على سريري.
‘غرفتي… كم افتقدتها.’
ما إن لامست جسدي الفراش المألوف حتى غمرني فيضٌ من التعب.
تثاءبت وبدأت أغمض عيني، لكن….
“هذه المرة، لن يكون هناك مرة قادمة.”
همس بصوته العميق وهو يقترب فوقي.
“ما… ما الذي تقصد— آه.”
في تلك اللحظة تذكرت “الوعد” الذي تبادلناه قبل رحيله.
‘يكفي الآن، حتى لا يفسد زينتي.’
‘الآن فقط؟ إذن ستكون هناك مرة أخرى؟’
‘إذا بقيت هادئًا ولم تُسبب مشاكل، فربما.’
لقد حفرتِ قبرك بنفسك.
كتمت ضحكة صغيرة.
عيناه مثبتتان عليّ لا تنفكان، ووجهه يقترب أكثر.
أسرعت فأغمضت عيني… لكن شفتيه لم تلمسا شفتيّ.
بل شعرت بقبلة دافئة على جبيني.
“أنا ممتنّ… لأنني حظيت بهذه اللحظة معكِ، ولأنني أستطيع أن أعد بلحظة أخرى قادمة.”
قبلة لم تختلط فيها الأنفاس، لكنها أوصلت إليّ كم أُعامل كشيء ثمين.
رفعت يدي ألامس وجنته:
“وأنا أيضًا ممتنة… كنت أخشى عليك في كل لحظة.”
“…….”
“كنت أخشى أني أرهقتك بقلقي، أو أني لم أكن إلى جانبك حين كنت بحاجة ماسّة إلي.”
“لو كان بسبب وعاء السحر… فما من مشكلة.”
قالها وهو يقبّل أصابعي واحدًا تلو الآخر.
“لم أعانِ من أي ألم في الآونة الأخيرة بسببه.”
“لحظة…”
ومضةٌ خطرت في ذهني.
كأنني حللت اللغز الأخير.
[لقد أصبح ذلك الرجل كاملاً الآن. فلا تقلقي.]
كان ذلك آخر هدايا الإلهة لي.
قالت إن من ينال حبّي سيصبح إنسانًا “كاملًا”.
‘أيمكن أن يكون…؟’
“أركل، متى آخر مرة شعرت فيها بالألم من تلك القوة؟”
سألته فجأة.
فكر قليلًا ثم أجاب:
“منذ عدنا من كيلستون… لم أعانِ من شيء.”
وفي عربة العودة من كيلستون… كنتُ قد اعترفت له بحبي.
كاد فمي ينفتح ذهولًا.
‘إذن كان هذا هو السر.’
اعترافي جعله إنسانًا كاملًا.
لم يعد أسير جسدٍ يتعذب بقوةٍ شيطانية، بل صار إنسانًا كاملًا حقًا.
أخيرًا أستطيع أن أقول له إن اللعنة التي سكنت جسده قد زالت.
“أركل، أصغِ إليّ جيدًا…”
أمسكت وجهه بكلتا يدي، وحدّثته بكل ما لدي من جدّية.
قصصت عليه حكاية الإلهة التي حملت عبء العالم وحدها، والهدايا الثلاث التي منحتها للفتاة التي استعارت جسدها.
وأخبرته أنّ آخر تلك الهدايا جعلته إنسانًا كاملًا.
كيف سيكون وجهه عند سماع ذلك؟
تأملت فيه بشوق، لكن—
“…..!”
لم أستطع أن أرى.
إذ أنهى كلماتي بقبلةٍ عميقة.
قبلة أحرقت كل قواي، وأنهكتني.
‘لكن لا بأس… وإن لم أعرف اليوم. ‘
كما قال هو، فإنّ هذه المرة لها مرة تليها.
ثم ستتبعها أخرى… وأخرى.
وانغمست في سعادةٍ غامرة، حتى همس صوته بأذني:
“إن كنتُ عنيفًا أكثر مما يجب فاعذريني… لم أستطع التماسك.”
ابتسمت بمكر، وأبعدته بدفعة على صدره.
ثم، وأنا فوقه أنظر إليه من علٍ، ارتسمت ابتسامة واسعة على وجهي:
“أنا أيضًا… أحب أن يتألم الأشرار. وما المانع أن أحب رؤية الشرير يتألم؟”
<النهاية>
~~~~~
انتهت الرواية الغريبة مابعرف ليش ترجمتها بس استمتعت 🤍 البطله متل جوي بالضبط ونفس ذوقي ف حسيت بالانتماء بسببها.
لا يوجد فصول جانبية، من الممكن صدورهم في المستقبل لذلك ابقوا على اطلاع في جروبي بالتيليجرام.
كانت معكم إستبرق.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 102"