هل من الخطأ أن يعجبني رؤية الشرير يتألم [ 101 ]
“تقول إنك ستفتح قوتي بالاعتماد على الطقوس السحرية؟”
سألت ليزي، فأومأ هاينري برأسه.
“لم أخبرك من قبل، لكنني كنت أجري أبحاثًا طوال هذا الوقت. بحثت عن طريقة تمكِّن جسدك البشري من تقبّل القوى المقدسة كاملة.”
شرح هاينري بهدوء، ثم أضاف بنبرة خفيّة، كأنه يترقب ثناءً:
“فعلت ذلك فقط لأجلكِ… كي يسعدك الأمر.”
“هممم…”
تمتمت ليزي وكأنها تفكّر، ثم رمقت هاينري بنظرة طويلة.
“إذن إن أُجريت الطقوس، سأستطيع استخدام قوتي الأصلية حتى وأنا في هذا الجسد، أليس كذلك؟”
“صحيح.”
“ولن يُرهق هذا الجسد بأي شكل؟”
“بالضبط.”
“ممم.”
أطبقت ليزي شفتيها وأومأت قليلًا، ثم بعد برهة التفتت إلى هاينري وابتسمت ببطء.
“كما توقعت… أنت تفهمني حقًا. لقد بدأت أشعر بإرهاق خفيف في جسدي. استخدمت قدريًا يسيرًا من القوى مؤخرًا…”
“فعلتِ ذلك لمساعدتي، صحيح؟”
“بلى… لأنك أنت.”
وما إن خرجت هذه الكلمة المنتظرة من شفتي ليزي، حتى تلألأت عينا هاينري ببريق كهربائي مثير.
حاول جاهدًا ألا يُظهر انفعاله، لكن وجهه كان قد غمرته نشوة لا يمكن إخفاؤها.
“…كما ساعدتني، أؤمن أنكِ ستسمحين لي أيضًا أن أُعينك.”
كانت عيناه وهما تحدّقان في ليزي شبيهةً بعيني تابعٍ يحدّق في إلهه.
“فأنا الكائن الوحيد الذي يفهمك. أليس كذلك؟”
“بالطبع.”
ابتسمت ليزي ابتسامة نقية وأجابت بلطف.
غمرت السعادة ملامح هاينري، فمدّ إليها يده.
“إنها طقوس بسيطة، ولن تستغرق وقتًا طويلًا.”
“سنُجريها الآن؟”
“لقد أعددت كل شيء. أردت فقط أن تتخلصي من ثِقلك في أسرع وقت.”
فأمسكت ليزي بيده دون تردد.
“أنت تعرفني جيدًا فعلًا.”
وكان هذا عكس نفورها السابق من لمس يده عند مغادرة المعبد.
“من هذه الجهة.”
قالها هاينري برفق وهو يقودها ممسكًا يدها.
وصل الاثنان إلى قاعة كبيرة في قلب مسكنه، اتساعها أشبه بقاعة احتفالات، إلا أن نوافذها غطتها ستائر هائلة تحجب أي شعاع ضوء.
ألسنة شموع متفرقة على الأرض أضاءت المكان بضوء خافت.
“…….”
أخذت ليزي تتفحّص المكان بدهشة، ثم توقّف بصرها عند زاوية بعيدة.
“ذلك الرجل.”
“لقد مضى وقت طويل، أليس كذلك؟”
كان هناك مارڤين مكبلًا بالأغلال وفي يده شمعدان فضي.
وحين التقت عيناه بعيني ليزي، أسرع يُشيح بوجهه.
اقترب هاينري من أذنها وهمس بلطف:
“اطمئني. صحيح أنه خانك من قبل، لكنه من هذه اللحظة سيصبح خادمك الوفي.”
“…إذن مارڤين هو من سيُجري الطقوس؟”
“تمامًا. فلا أحد يضاهيه مهارةً في السحر. أرجو أن تتحمّلي قليلًا رغم انزعاجك.”
“…….”
“أرجوكِ… من أجلي.”
بعد صمت قصير، حوّلت ليزي بصرها إلى جهة أخرى وقالت:
“حسنًا.”
أشرق وجه هاينري بالرضا.
“أشكرك.”
ثم انحنى ليقبّل ظهر يدها برفق، كأنه يقطع عهدًا بالولاء لسيّدته.
ولعلها أحست بذلك، إذ أشرق محياها هي الأخرى قليلًا.
“فلنبدأ إذن.”
أومأ هاينري، وأرسل إشارة بعيونه إلى مارڤين.
تردّد مارڤين وهو يجرّ قدمه المصابة ويتقدّم بخطى متعثّرة.
وحين لاحظت ليزي عرجَه، شرح هاينري بفخر:
“خشيت أن يثير حنقك، فقيدت حركته قدر المستطاع.”
“كسرتَ ساقه؟”
خفض هاينري حاجبيه وابتسم ابتسامة هادئة.
“مجرد سحقٍ طفيف لكاحله.”
ولم تلبث ليزي أن ابتسمت بسخرية.
“جيد. بعد خيانته، هذا يثلج صدري.”
“كنت أعلم أنك ستقولين هذا.”
ابتسم هاينري وهو يحدّق فيها، كأنه يعرف قلبها عن ظهر غيب.
“حتى هذه القسوة منك… أعشقها.”
لكن ليزي لم تجبه إلا بابتسامة صامتة.
في هذه الأثناء، كان مارڤين يُشعل الشموع التي لم تُشعل بعد باستخدام الشمعدان الفضي، ثم وضعه في وسط الغرفة.
قال متجنّبًا نظر هاينري:
“على سيدتي الحاكمة أن تمسك هذا الشمعدان وتقف هنا.”
“تفضلي.”
أشار هاينري برفق.
فتقدمت ليزي، أخذت الشمعدان من الأرض، وفي اللحظة نفسها انطفأت جميع الشموع، لتشتعل مكانها شعلة زرقاء في الشمعدان بين يديها.
“لا تقلقي.”
قالها هاينري مطمئنًا وهو يواجهها، وقد ارتسمت على ملامحه مسحة حنان.
‘بدأ الأمر.’
كانت تلك اللحظة هي الاستعداد الحقيقي لبدء تعويذة السيطرة على ذهن ليزي.
ينبغي أن يقف الساحر والهدف وجهًا لوجه.
لحسن الحظ، لم تُبدِ ليزي أي شكوك في حركته تلك.
ابتسم لها بإشراقة عريضة، فبادلته بابتسامة صغيرة.
عندها، أدار هاينري رأسه قليلًا، لتتبدّل ملامحه فجأة ويطلق نظرة باردة آمرة يأمر مارڤين بأن يبدأ فورًا.
ارتجف جسد مارڤين، وتلعثم بوجهٍ مذعور:
“إذن… سأشرع في تنفيذ الطقس.”
وبصوت خافت، تلا تعاويذ بلغة غريبة.
وفورًا تغيّرت أجواء القاعة، إذ بدا وكأن الهواء نفسه قد تبدّل.
وعلى الرغم من أن هاينري ليس ساحرًا ولا يملك طاقة سحرية، إلا أنه أحس بها… شعور لا يمكن وصفه بالكلمات، كأن وعيًا غريبًا يغمر رأسه للمرة الأولى.
بدأت جمجمته تؤلمه، لكنه لم يُبدِ ذلك، بل عضّ على باطن فمه كي يحافظ على هدوئه أمام ليزي.
‘هذا إذن ما يشعر به الساحر حين يفعّل الطقوس…’
أما الهدف نفسه، ليزي، فقد وقفت ثابتة ممسكة بالشمعدان الأزرق، وكأن شيئًا لم يكن.
وما إن التقت عيناها بعينيه، حتى أغلقت جفونها نصف إغلاق وابتسمت بهدوء.
‘بعد قليل فقط… ستكون ملكي إلى الأبد…’
بأقصى ما يملك من قوة تحمّل ألمًا كاد يحطّم رأسه، وحاول أن يبادلها ابتسامة في اللحظة ذاتها—
دووووم!
ارتجَّ الباب الحديدي الموصَد بإحكام وانفجر مفتوحًا بضربة عنيفة، فاندفع من خلاله ضياء ساطع غمر القاعة.
قطّب هاينري حاجبيه بقوة وهو يلتفت نحو الداخل، فإذا بصرخة حادة تدوي:
“زوجتي!”
كان صاحب الصوت أرْكِل كايين شاهِرًا سيفه.
ومن خلفه، اندفع رجال مرتدون بالسواد مقنّعون الوجوه.
تحركاتهم الرشيقة وعيونهم الحادة دلّت على أنهم مختصون بأعمال الاغتيال والمهام الخفية. ورغم قلّة عددهم، بدا أن كفاءة كل واحد منهم تتجاوز المألوف.
‘تبًّا… أصبح الأمر معقّدًا.’
تأوّه هاينري، وقد اجتمع صداعه الممضّ بقدوم هؤلاء الدخلاء، فازداد وجهه امتعاضًا.
“…أرْكِل…؟!”
ارتجّ صوت ليزي من خلفه، ممتزجًا بالحيرة.
فأدار رأسه إليها مبتسمًا ابتسامة مطمئنة، كأنه يقول “اتركي الأمر لي.”
بدت ليزي وكأنها أرادت قول شيء آخر، لكنها عضّت على شفتيها بصمت، وعينيها غارقتان في القلق.
أعاد هاينري بصره إلى أرْكِل كايين وتكلّم بأقصى ما استطاع من جلال رغم الصداع:
“يا لورد كايين، ما معنى هذا؟ تقتحم القصر الإمبراطوري بلا إذن؟!”
فردّ أرْكِل ببرود قاطع:
“وأنت كذلك، يا صاحب السمو، سجنتَ زوجتي بلا إذن.”
اغتاظ هاينري من لهجته الفولاذية، لكنه أخفى غضبه بابتسامة باهتة.
“وكيف وصلتَ إلى هنا؟ أذبحتَ كل الحراس؟”
“لم نلتقِ بأي حارس.”
جاءه الجواب من صوت مألوف، إذ خرج رجل من وراء أرْكِل.
حدّق هاينري وغمغم بغضب:
“…بارون كلارك. أنت من دلّهم على الطريق إذن.”
تلاشى ما تبقى من ابتسامته، بينما تقدّم بارون ووقف إلى يمين أرْكِل، ثم انحنى قليلًا بأدب.
“اعذرني. أعلم أن إفشاءي السرّ بشأن الممرّ الخفي للغرباء خيانة، وسأتقبل العقاب.”
ثم رفع سيفه نحو هاينري قائلًا:
“لكن قبل أن يكون واجبي حماية العرش، فإن صميم واجب الفارس المقدّس هو حماية البشر.”
رمقه هاينري بنظرة جليدية، ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة متعالية:
“إذن… جئتَ لتقتلني؟”
“لا نرغب بسفك الدماء بلا داعٍ، يا صاحب السمو. جئنا فقط لاسترجاع السيدة كايين.”
أشار بارون بعينيه إلى ليزي الواقفة خلف هاينري.
صمت هاينري، ثم التفت إلى مارڤين المتقوقع في زاوية الغرفة.
وما إن التقت أعينهما حتى أدرك مارڤين قصده، فأخذ يهزّ رأسه بيأس:
“لا… لا أستطيع يا مولاي. مع غيره ربما… أما اللورد كايين فلا سبيل أبدًا.”
ارتعشت كلماته المملوءة رعبًا، قبل أن يقطعه صوت أرْكِل العميق، البارد كالجليد:
“هل سمعتَ، يا صاحب السمو؟”
ثم أضاف بمرارة:
“لأول مرة في حياتي، أحمد هذا اللعنة التي وُلدت معي.”
حدّق إليه هاينري بصمت، فأكمل أرْكِل:
“والآن… سأستعيد زوجتي.”
ثم حوّل نظره إلى ليزي وقال بنبرة آمرة:
“تعالي، يا زوجتي.”
صمتت ليزي، يحيطها نظر الرجلين معًا.
“…أنا…”
نطقت بتردّد وهي تتأرجح بين أعينهما.
“زوجتي.”
مدّ أرْكِل يده إليها من جديد.
التفتت إلى هاينري، فوجدته قد أغمض عينيه بهدوء.
فأخذت خطوات بطيئة نحو أرْكِل، ولم يحاول هاينري أن يمنعها؛ بل ظلّ يلاحقها بعينيه بتعلّقٍ عميق.
وما إن أمسكت بيد أرْكِل حتى ضمّها إلى صدره في صمت، وكأن اللقاء قد اكتمل.
لكن فجأة:
“…آه!”
ترنّح أرْكِل متألّمًا وتراجع خطوة، إذ غرزت خنجرًا في خاصرته.
“لماذا… يا زوجتي؟”
سعل الكلمات وهو متفاجئ.
صرخت ليزي بعزم:
“لن أعود!”
ثم هرعت نحو مارڤين بوجه صارم.
“مارفين! قلتَ إنني إن أتممت الطقس سأستعيد قوتي كاملة، صحيح؟ أسرع وأكمل الطقس! حينها سأهزم أي قوة شيطانية مهما كانت!”
فهم رجاله كلامها، فتهيأوا للهجوم، لكن أرْكِل زأر بصوت وحشي:
“قفوا! لا يجرؤ أحد على مهاجمة زوجتي… وإلا قطعتُ رأسه بيدي!”
فانصاعوا مكرهين.
تردّد مارڤين للحظة، ثم استسلم وأعاد استكمال الطقس.
رفعت ليزي الشمعدان، وواجهت هاينري بابتسامة عريضة:
“ألم أقل لك إنك مميز؟”
“…….”
“الآن عرفتَ، أليس كذلك؟ لا أحد غيري قادر على حمايتك.”
“…صحيح.”
ابتسم هاينري أخيرًا ابتسامة مخلصة، غمرها الإيمان المطلق بها، ابتسامة لم يظهر مثلها من قبل.
أدرك حينها يقينًا أن ليزي قد اختارته.
ولم يتخيل أن اختيار أحدهم له قد يمنحه سعادة بهذا القدر.
فغمر بصره بريق من النشوة العارمة.
“سأطيع كلماتك فقط.”
وفي تلك اللحظة، اكتمل سحر السيطرة على العقل.
فقد اتّسعت الشعلة الزرقاء على الشمعدان بين يديها حتى كادت تملأ القاعة بنور مبهر.
أغمض هاينري عينيه مبتسمًا بسكينة، وحين فتحهما، كانت عيناه قد تغيّرتا كليًا.
فقالت ليزي بهدوء:
“إذن… لو أمرتك أن تموت، فستموت، صحيح؟”
“بكل تأكيد… يا مولاتي.”
ارتجف بصرها عند سماع كلمة “مولاتي”.
“مولاتي…؟” تمتمت بدهشة.
“هل يصبح المرء عبدًا بهذه الصورة بعد أن يقع تحت تعويذة السيطرة؟ مثير للاهتمام… ليس سيئًا على الإطلاق.”
“مستحيل!”
زمجر صوت من خلفها، كان أرْكِل وقد نزع الدرع الواقي من جسده واقترب بخطوات سريعة.
“إن كانت زوجتي ترغب حقًا في مثل هذا اللقب… فسأكون أنا من يناديها به.”
قهقهت ليزي فجأة:
“أحقًا؟ بعد طول الفراق، يكون أول حديث بيننا بهذا الشكل؟! حتى لو كنتُ صاحبة أذواق غريبة، أليس الأولى أن تتفوه بكلمات مؤثرة؟”
انحنى أرْكِل معتذرًا:
“سامحيني.”
ثم جذبها بقوة إلى صدره، وعيناه تضطربان بشدة.
“لا أعرف ماذا أقول… لا أستطيع التعبير أبدًا.”
فأحاطت خصره بذراعيها، وهمست من بين دموعها:
“كلمة واحدة تكفي… قُل اشتقتُ إليك.”
“اشتقتُ إليك… من أعماق قلبي.”
“وأنا كذلك.”
*****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 101"