من بين فرجة الباب نصف المغلق، أطلّ جِيليان بوجهه ناحيتي وهو يرسم ابتسامة غامضة.
قال بصوت هادئ:
“ما زلتِ خجولة كما كنتِ، أليس كذلك يا ليزي؟”
…أهذا يُشبه الخجل في نظرك؟
لم أجد جدوى من إخفاء ملامحي أكثر، فكشفت عن نظراتي المليئة بالضجر والاحتقار.
لكن يبدو أن حتى هذا رآه هو دلالًا طفوليًا.
قال وهو يتظاهر بأنه يعرف كل شيء:
“لستِ بحاجة إلى أن تقولي شيئًا، فأنا أفهمك. أنتِ أيضًا مطمئنة الآن بعد أن التقيتِ بي أليس كذلك؟ لا تقلقي بعد الآن. صحيح أنكِ عاجزة عن فعل أي شيء وحدك، لكن أنا….”
قاطعتُه بحدة:
“أنا بخير.”
قلت بصرامة، قاطعةً كلامه كالسيف:
“كما ترى، نجحت في البقاء وحدي حتى الآن، وهذا المكان ليس مخيفًا كما تظن.”
حدّق فيّ بنظرات متفحصة ثم تمتم باستغراب:
“ليس مخيفًا؟”
أجبته بابتسامة باردة:
“نعم، بل على العكس… إنه يعجبني.”
ظلّ جِيليان يحدّق بي للحظة، ثم قطّب حاجبيه.
عندها صرخ بنبرة ضجر تكاد تموت اختناقًا:
“ليزي، هذه هي مشكلتك! تحاولين دائمًا رؤية كل شيء بنظرة إيجابية مبالغ فيها. صحيح أنكِ فتاة طيبة على نحو ساذج، لكن…!”
تمتمتُ بضجر:
“آه، كفى… طيبة، طيبة، لقد سئمتُ من هذه الكلمة حتى الموت.”
اتسعت عيناه في ذهول.
“م-ماذا قلتِ للتو؟”
قلت له بحدة:
“اسمع، أنا لست طيبة.”
اقتربت بوجهي من فرجة الباب حتى كدت ألاصقه.
“لماذا لا يصدق الناس هنا أبدًا مما أقول؟ لماذا من الغريب أن تعجبني أشياء كهذه لمجرد أنني القديسة؟”
ارتبك جِيليان وقال:
“م-ماذا تقصدين؟ ما هذا الهراء؟”
لم أمانع عندما كان سوء الفهم يأتي من ناران أو الخدم، لكن سماع هذه الترهات من هذا الرجل بالذات أثار في داخلي غضبًا يكاد يفجّر رأسي.
قلت بلهجة ساخرة:
“أنا لست طيبة على الإطلاق، وأهوائي لا تمتّ إلى القداسة بصلة. هذا المكان المقزز والنجس، الذي تسخر منه، هو بالضبط ما يروق لي.”
“ل-ليزي….”
“ثم إن كنتَ تراه بهذا القدر من القذارة، فلماذا تُقلّب أرجاءه وتبحث فيه بهذه الدقة يا أُخيّ جِيليان؟”
ابتسمتُ ابتسامة واسعة فارتبك وتراجع خطوة إلى الخلف.
أضفت ببرود:
“على أي حال! التأخر عن المواعيد يسبب حرجًا، فاذهب إلى عشاؤك بسرعة. لكن تذكر شيئًا واحدًا فقط، أنا لست طيبة مطلقًا.”
وسيعرف ذلك بنفسه قريبًا.
ابتسمتُ له ابتسامة هادئة وديعة، فظل يحدّق بي قبل أن يبتلع ريقه بتوتر.
لعلّه الآن بدأ يشعر أن كلماتي لم تكن مزاحًا.
تنحنح قليلًا وقال مترددًا:
“ح-حسنًا إذن، سنلتقي مجددًا يا ليزي. إلى ذلك الحين… ابقي بخير.”
لكنني أغلقت الباب في وجهه قبل أن يُكمل جملته.
وبعد برهة، سمعت وقع خطواته يبتعد عن الغرفة.
‘يا له من رجل مثير للسخرية حقًا.’
أزعجني قليلًا، لكن ما لبثتُ أن تذكرت هدفي.
قلت لنفسي بابتسامة:
“كل الاستعدادات قد انتهت.”
أركل، كن على أهبة الاستعداد لتنفيذ ما طلبته منك.
فقد حان الوقت لاستغلال جِيليان موريل وانتزاع ما أريد منه.
❖ ❖ ❖
قاعة الولائم في قصر كايين.
جلس جِيليان أمام الطاولة الكبيرة يحدّق بتوتر في أركل كايين الجالس قبالته.
وكما قيل عنه في الشائعات، كان رجلًا ذا حضور لا يُمحى من الذاكرة عند رؤيته لأول مرة.
وجهه الجامد لا يكشف عن أي من أفكاره، وعيناه بلونهما الناري المتقد تخلو تمامًا من أي دفء.
شاء جِيليان أم أبى، فقد شعر بهيبة ساحقة تكاد تخنقه.
‘تبا…!’
عضّ على شفته بغيظ.
‘لكن لا تنسَ، في النهاية ليس سوى كائن دنس باع روحه للشيطان.’
ثم ترددت في ذهنه كلمات ليزي.
كيف تقول إن هذا الوكر المقيت يروق لها؟ لا بد أن الخوف أفقدها عقلها.
وإلا فما الذي يفسّر تغيّرها المفاجئ؟
كانت في الماضي تكتفي بالابتسام والموافقة على أي كلمة تُقال لها، والآن باتت تتكلم بهذه الجرأة الغريبة. بالتأكيد عقلها اختلّ.
‘لكن ما دامت ملامحها كما هي، يمكن التغاضي عن ذلك.’
بمجرد خروجها من هذا المكان، ستعود ليزي من جديد تلك القديسة الوديعة من بيت أليهايم.
‘وعندها، سيحتضنها جِيليان موريل برضا.’
ارتشف جرعة من الماء مبتسمًا.
فقد بدأ يتخيل الأرباح الهائلة التي سيجنيها من الصفقة مع أركل.
‘آن أوان فتح الحديث.’
مسح فمه بمنديل بوقار، ثم قال:
“أعرف سبب استدعائك لي يا صاحب السمو.”
رفع أركل رأسه عن طعامه ونظر إليه بصمت.
“أليس الأمر متعلقًا بمناجم أحجار المانا؟”
“…….”
“أنت تريد شراء أحد المناجم المملوكة لعائلة موريل، أليس كذلك؟”
فأجاب أركل بهدوء وهو يضع أدوات الطعام جانبًا:
“صحيح.”
ابتسم جِيليان بوجه ودي وقال:
“حسنًا، لقد حالفك الحظ إذن. هناك منجم كنت أفكر في طرحه للبيع منذ مدة.”
أخرج خريطة من جيب سترته ووضعها على الطاولة مشيرًا بإصبعه إلى موقع محدد.
“لا شك أنك تعرف هذا المكان. إنه منجم موريس.”
قال أركل دون أن يغيّر ملامحه:
“منجم موريس… أليس هو الذي اكتشفه مؤسس عائلة موريل؟”
“صحيح. وهو مصدر دخلنا الرئيسي كذلك.”
تلألأت عينا جِيليان وهو يتحدث.
فالمنجم فعلًا كان المصدر الأكبر لثروة موريل، وأحجار المانا المستخرجة منه كانت معروفة بأنها الأعلى نقاءً وجودة.
تساءل أركل ببرود:
“إذا كان مصدر دخلكم الرئيسي، فلماذا تريدون التفريط به؟”
فأجاب جِيليان بابتسامة ماكرة:
“في الحقيقة، أفكر منذ مدة في الدخول في مجال جديد… مشروع تجاري مختلف.”
“مشروع تجاري إذن.”
تمتم أركل دون أن يظهر أي انفعال.
قال جِيليان وهو يتظاهر بالحرص:
“لا أستطيع كشف التفاصيل الآن، لكنه مشروع مربح للغاية يكاد يضاهي دخل المنجم. غير أن البدء به يتطلب رأس مال ضخم….”
“…….”
“ولذلك مع الأسف، لا أجد بديلًا سوى الاستغناء عن منجم موريس. فليس هناك ما يمكن أن يؤمّن المبلغ المطلوب للمشروع الجديد سوى بيع المنجم.”
“…….”
رفع كتفيه بابتسامة لطيفة مصطنعة وأردف:
“ومن جانبك، الحصول على منجم مثل موريس فرصة لا تُعوّض. أليست صفقة مثالية لك أيضًا؟”
تأمل أركل جِيليان لحظة ثم سأله:
“إذن… بكم تريد أن تبيعه؟”
وقع في الفخ.
‘ساذج.’
ضحك جِيليان موريل في نفسه، غير مدرك أن ما سيقوله أركل بعد قليل سيكون أبعد مما تخيل.
—
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 10"