فُتح الباب، ودخلت خادمة ذات شعر بني مائل للوردي الفاتح، حيّت ديلان بأدب وانحنت انحناءة عميقة “هل طلبتني، سيدتي؟”
سيدتي، لقبٌ غريبٌ لم تألفه، جعلها تعضّ على شفتيها في حرج، لكنها أدركت أن عليها أن تعتاده في نهاية المطاف، لا يمكنها أن تجفل في كل مرة تسمع فيها كلمة ‘سيدتي’ طوال فترة إقامتها هنا.
“أرجوكِ، انهضي.”
أجابت الفتاة وهي تعتدل في وقفتها وتضع يديها باحترام أمام مئزرها “أمركِ، سيدتي.” كانت فتاة لطيفة المظهر، ذات عينين خضراوين واسعتين.
قالت ديلان وهي ترسم ابتسامة دافئة على وجهها وتستجمع أفكارها “حسنًا… هلا تذكرينني باسمكِ لو سمحتِ؟”
“بيوني ثورن، سيدتي.”
علّقت ديلان بعفوية قبل أن تدرك أنها نطقت بالكلمات “يا له من اسم جميل.” أشواك زهرة الفاوانيا*؛ كان اسمها الأول واسم عائلتها متناغمين تمامًا.
(معنى اسم بيوني زهرة الفاوانيا وثورن بمعنى الاشواك، بيوني ثورن يصير أشواك زهرة الفاوانيا.)
“شكرًا لكِ، سيدتي، ولكن…”، ترددت بيوني وقد اعتلى الخجل وجهها، رمقتها ديلان بنظرة تشجعها على المتابعة “أعلم أن في قولي هذا جرأة، ولكن لا داعي لأن تتحدثي معي بكل هذا الأدب، سيدتي، فأنا خادمتكِ.” ومع هذه الكلمات، أحنت بيوني رأسها مرة أخرى.
“همم…” تأملت ديلان كلمات الفتاة، صحيح أنها كانت تتحدث بعفوية أكبر مع الخدم في عزبة لانغتون، لكن ذلك كان نابعًا من قربها منهم أكثر من كونه متعلقًا بمراتبهم، فهم في نهاية المطاف يخدمونها منذ نعومة أظفارها، أما هنا في برايتون، فلم تكن بتلك الدرجة من القرب من الخدم بالتأكيد.
ابتسمت ديلان بأدب وقالت “سنصبح أقرب مع الوقت، قد يكون الأمر غير مريح بعض الشيء في البداية، لكن أتمنى أن تتفهمي ذلك.”
“بالطبع، سيدتي، أعتذر عن قولي أشياء لا لزوم لها.”
أصرّت ديلان “أوه لا، لا يوجد ما يدعو للأسف، على أي حال، لقد دعوتكِ إلى هنا لأن…” توقفت، ليس لأنه لم يكن لديها سبب، بل العكس تمامًا، فقد كانت لديها أسبابٌ أكثر من اللازم، كانت تريد أن تغتسل، لكنها كانت جائعة أيضًا، وأرادت أن تحيي بقية الخدم، لكنها أرادت أيضًا أن تتجول في المنزل، وتساءلت في نفسها ‘من أين أبدأ؟’
خلال توقف ديلان القصير، أدركت بيوني بسرعة ما كانت تفكر فيه على الأرجح، وبادرت قائلة “لا بد أنكِ مرهقة بعد هذه الرحلة الطويلة، هل تودين تناول فطوركِ الآن، أم تفضلين الاغتسال أولًا؟” أصبح الاختيار أسهل على ديلان الآن بعد أن حُصر أمامها في خيارين فقط.
“أود أن أغتسل أولًا، من فضلكِ.”
“كما تشائين، سيدتي، هل تودين غسلًا سريعًا، أم تفضلين حمامًا كاملًا؟”
“أعتقد أن حمامًا كاملًا سيكون أفضل.”
سألت بيوني “في هذه الحالة، هل ترغبين في الاستحمام في الحمام، أم تفضلين إحضار حوض الاستحمام إلى غرفة نومكِ أو غرفة ملابسكِ لتنعمي بحمامكِ في راحةٍ هنا؟”
صمتت ديلان أمام سؤال بيوني الودود، في عزبة لانغتون، لم يكن الاستحمام في غرفة نومها خيارًا مطروحًا على الإطلاق، أولًا، لم يكن أحد يساعدها في حمامها قط، ولم يكن ذلك بسبب كسل سالي، خادمتها في عزبة لانغتون، بل بسبب نقص عدد الموظفين، فحتى أمر بسيط مثل نقل حوض الاستحمام كان سيتطلب أكثر من نصف خدم المنزل بأكمله، نظرًا لأن عددهم الإجمالي كان ستة فقط.
شعرت ديلان بالفارق الحاد عندما طرحت عليها بيوني هذا السؤال وكأنه مجرد مسألة تافهة، شعرت بالذهول، لقد كانت تعيش حياة النبلاء التي لم تقرأ عنها إلا في صفحات المجلات.
ومع ذلك، أجابت بهدوء مصطنع، مخفيةً فوضى أفكارها “سأستحم في الحمام.”
قالت بيوني “كما تشائين، سيدتي، هل أرافقكِ إلى هناك الآن؟”
الآن؟، تساءلت ديلان، وقد اهتزت قليلًا لكلمات بيوني، للحصول على ماء ساخن، كان من الضروري غليه أولًا، وبما أن ديلان ستأخذ حمامًا، فهذا يعني كمية كبيرة من الماء تحتاج إلى التسخين، عادة ما يستغرق تحضير الحمام ثلاثين دقيقة على الأقل، فإذا كانت بيوني تعرض مرافقتها إلى الحمام على الفور، فهذا يعني أنهم في منزل برايتون يُعدّون الماء الساخن باستمرار.
كانت ديلان قد قرأت في المجلات عن العزبات الثرية المزودة بأنظمة سباكة خاصة بالماء الساخن، وأن خزانات المياه في هذه العزبات يتم تسخينها بالغاز بدلًا من الحطب المعتاد، وهذا يعني أن العزبة تستخدم الغاز طوال اليوم للحفاظ على كمية كبيرة من الماء دافئة، وهو ما يعادل، من حيث القيمة النقدية…
قطعت ديلان أفكارها الشاردة، ربما كانت عائلتها تميل إلى الاقتصاد في النفقات، لكنهم كانوا لا يزالون أرستقراطيين، وقد عاشت حياة مرفهة مقارنة بمعظم الناس، لكن ثلاثة وعشرين عامًا من الأرستقراطية لم تكن كافية لمنع جانبها الحصيف من أن يطنّ احتجاجًا.
لم تستطع منع نفسها من التفكير في أن هذا الحمام الوشيك سيبدو وكأنها تغطس قدميها في حزمٍ من النقود لا في الماء…
‘توقفي عن هذا، ليس هذا وقت الدهشة.’ كانت قد قررت بالفعل أنها ستؤدي دورها كماركيزة نورثرلاند على أفضل وجه ممكن قبل أن تسلم اللقب إلى أديلاين عندما يحين الوقت، لقد وعدت ببذل كل جهد ممكن، ولا شك أن الاندهاش الشديد لمجرد حمام هو أمر لا يليق بماركيزة، وفرة الثروة في هذه العزبة هي شيء سيتعين عليها أن تعتاده.
داخل الحمام، كانت خادمتان أخريان تنتظرانها بجانب حوض الاستحمام، الذي كان بحد ذاته تحفة فنية من الخزف بأربع أرجل، وليس الدلو النحاسي الذي اعتادت استخدامه.
يا إلهي، كافحت ديلان لتحتفظ بأفكارها لنفسها، الخزف أفضل من المعدن في الاحتفاظ بالحرارة، لذلك كان يُستخدم غالبًا في صناعة فناجين الشاي وأدوات المائدة، أو حتى أحواض الغسيل الصغيرة، لكن حوض استحمام مصنوع بالكامل من الخزف كان مسألة مختلفة.
فتسخين وخَبز قطعة خزف بهذا الحجم يتطلب براعة فائقة، وبطبيعة الحال، كان اقتناء نتاج هذا الجهد يكلف مبلغًا باهظًا، لقد كان قطعة فاخرة لم تكن ديلان تتأملها إلا بعين الحسرة حين تراها في المجلات، والآن، هو على وشك أن يصبح جزءًا من حياتها اليومية.
‘حان الوقت لتعتادي على الأمر!’ حاولت ديلان إقناع نفسها.
كانت خادمة ذات شعر أسود تقف بالقرب من حوض الاستحمام الذي يتصاعد منه البخار، غرفت كمية صغيرة من الماء في حوض فضي وقدمته بأدب، أدركت ديلان بسرعة أنه من المتوقع منها اختبار درجة حرارة الماء.
يكفي أن أغمس أصابعي، أليس كذلك؟، غطست أطراف أصابعها بتردد في الحوض وحركتها ببطء، كانت درجة الحرارة مثالية — ليست ساخنة جدًا وليست باردة جدًا ‘العاملون هنا موهوبون جدًا!’
سألت الخادمة “هل درجة الحرارة تناسبكِ، سيدتي؟”
أجابت ديلان بابتسامة واسعة “نعم، إنها مثالية.” أشرق وجه الخادمة استجابة لذلك.
قالت خادمة أخرى تقف في الجوار، كانت حمراء الشعر “سيدتي، لم أُبلغ بنوع الصابون الذي تفضلينه، لذا أعددتُ الأنواع الأكثر استخدامًا من قبل السيدات الأخريات اللواتي خدمتهن.”
دفعت عربة فضية من ثلاث طبقات وأوقفتها أمام ديلان، احتوت كل طبقة على مجموعة من الصوابين زاهية الألوان محفوظة في قوارير زجاجية مغطاة بأغطية من القصدير.
“سيدتي، أود أن أعتذر عن قلة التنوع في هذه المجموعة، إذا كان هناك صابون معين تفضلينه، سأحرص على إعداده مسبقًا في المرة القادمة.”
‘أي قلة تنوعٍ هذه؟!، لم أرَ في حياتي كل هذه الأنواع المختلفة من الصابون!’ عضت ديلان على لسانها واستمعت إلى الخادمة وهي تشرح الفروق بين جميع أنواع الصابون.
“الطبقة العلوية هي أملاح الاستحمام، والطبقة الثانية هي محاليل فقاعات الاستحمام، والثالثة هي زيوت الاستحمام، سيدتي.”
أومأت ديلان برأسها بسهولة وكأنها لا تشعر بالارتباك.
تابعت الفتاة “يمكنكِ الاختيار من بين عطور الورد، والخزامى، والياسمين، وإكليل الجبل، والبابونج، والنعناع، أو إذا كنتِ تفضلين عدم وجود عطر على الإطلاق، فلدينا ملح البحر أيضًا، يمكنني أيضًا إضافة العسل أو بتلات الورد أو الخزامى المجفف إذا أردتِ، سيدتي.”
في عزبة لانغتون، كانت ديلان تمتلك نوعين من صابون الاستحمام: واحد تستخدمه كل يوم، وآخر تستخدمه عندما تشعر بالرغبة في التغيير، كانت تضيف أحيانًا بعض بتلات الزهور المجففة أو الأعشاب إذا شعرت برغبة خاصة في الترف، لكن هذا كان أقصى درجات الرفاهية التي تمتعت بها.
لم تمتلك قط كل هذه الأنواع المختلفة من المنتجات لشيء عادي مثل الاستحمام، كان جزء منها يشعر بالإرباك، لكنها لم تستطع إلا أن تشعر بالإثارة أيضًا.
كان قلبها يخفق أمام فرصة الاختيار من بين العديد من الخيارات المرغوبة، شعرت كطفلة صغيرة تحدق بلهفة إلى جدران تعج بالحلويات الملونة في متجر حلوى فاخر، أو كما تشعر هي نفسها في مكتبة تكتظ رفوفها بعناوين لا حصر لها.
هكذا كان شعورها الآن، نظرت إلى القوارير الزجاجية بعينين واسعتين، تفكر مليًا في الصابون الذي تريد استخدامه، ابتسمت الخادمات وهن يراقبن عيني الماركيزة الجديدة تلمعان.
بعد بضع دقائق، قالت ديلان “محلول فقاعات الاستحمام برائحة البابونج، من فضلكِ.”
قالت الخادمة ذات الشعر الأحمر “كما تشائين، سيدتي.” فتحت قنينة وسكبت بعض السائل برفق في الماء الدافئ في حوض الاستحمام، وعندما تكونت فقاعات كافية على سطح الماء، اعتدلت في وقفتها ونظرت إلى ديلان بترقب.
عرفت ديلان أن هذا يعني أن الوقت قد حان لخلع ملابسها، لكنها وجدت نفسها مترددة، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يجردها فيها الخدم من ملابسها، لكنها كانت المرة الأولى منذ فترة طويلة التي تكون فيها عارية أمام شخص غريب.
ومع ذلك، لا يمكن لامرأة نبيلة أن تكون خجولة أمام خدمها، تمامًا مثل كل شيء آخر، كان عليها أن تعتاد على ذلك، حاولت ديلان ألا تبدو غير مرتاحة بينما كانت الخادمات يقمن بعملهن.
‘ديلان، هؤلاء جميعهن سالي، هنّ ثلاث نسخٍ مختلفة من سالي، فلا داعي للتوتر’ كررت هذا الفكر في نفسها وهي تتخيل سالي الحقيقية -التي ربما كانت تخدم إميلي في عزبة لانغتون في هذه اللحظة بالذات- في رأسها.
في الوقت الذي استغرقته الخادمات لتجريدها من ملابسها، حلّت رائحة صابون البابونج الجذابة محل إحساس ديلان بعدم الارتياح، غطست قدميها ببطء في الماء ثم انزلقت في حوض الخزف العملاق.
“هاهه…” تنهدت بهدوء وهي تفكر ‘يا لها من حياة!’
هدأت رائحة البابونج المهدئة عقل ديلان وجسدها المتوترين، وأدت حرارة الماء اللطيفة إلى ارتخاء عضلاتها المتصلبة، أغمضت عينيها وأمالت رأسها إلى الوراء، مستمتعة بالسكينة لبضع لحظات.
إذا كانت هذه هي الطريقة التي ستبدأ بها كل يوم، فربما لن تكون الأشهر القليلة القادمة سيئة للغاية بعد كل شيء.
“عذرًا، سيدتي.”
رفرفت أجفان ديلان وانفتحت عيناها عندما قطع صوت بيوني أفكارها، كانت قد دخلت الحمام وتحمل صينية فضية في يديها، كانت هناك رسالة على الصينية.
“هناك رسالة لكِ من سيدي، هل تودين قراءتها وأنتِ في حمامكِ؟”
آه، نعم، سيدريك، كانت منغمسة في الحمام لدرجة أنها نسته للحظات، ولكن مرة أخرى، وجود رسالة يعني أنه على الأرجح ليس في العزبة حاليًا، لذلك لا داعي للشعور بالأسف الشديد.
أجابت ديلان وهي تمد يدها “بالتأكيد.”
تقدمت الخادمة ذات الشعر الأسود على الفور ومسحت قطرات الماء عن ذراعها الممدودة بمنشفة ناعمة، فكرت ديلان وهي تلتقط الرسالة من الصينية الفضية ‘يا إلهي، هؤلاء الخادمات بارعات حقًا في عملهن.’
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 23"