ودون أن يدرك ما يفعله تمامًا، مدَّ سيدريك يده ليُمسِكَ بأنفِ ديلان ويغلقه مرة أخرى، لم تفعل شيئًا سوى أن قطّبت حاجبيها وفتحت فمها، وحين أبعد يده، انطبق فمها في الحال كصدفة محار، كلما أمسك بأنفها، انفرج فمها، وكلما أفلتها، انغلق، كان الأمر أشبه برد فعل لا إرادي لدمية آلية، وعلى غير عادته، وجد سيدريك نفسه يكرر هذه الحركة بضع مرات، وقد استولت عليه تسليةٌ غريبة، أما المرأة الغارقة في نومها، فلم تستيقظ قط.
إذن، هذا هو المعنى الحقيقي لأن يغط المرء في نومٍ عميق، ارتعش جانب فمه بابتسامةٍ خفيفة، وفي غضون ذلك، كشفت له ملاحظته الخاطفة تلك عن سرٍ جديد من أسرار زوجته: لقد كان لديها شامةٌ أخرى، جاثمةٌ في المسافة بين صدغها الأيمن وأذنها، تختلسُ النظرَ من خلف خصلات شعرها، كان من الصعب رؤيتها لو لم يكن شعرها مسرّحًا إلى الجانب أو لو لم يكن هو قريبًا منها إلى هذا الحد، ورغم أن سيدريك كان يعلم أن كلتا الشامتين لم تتعمدا الاختباء منه، فقد وجد الأمرَ آسرًا لكونهما تقعان في مكانين يصعبُ اكتشافهما.
وما إن رفع إصبعه شارد الذهن ليلامس شامتَها برفق، حتى سمع صوت الباب، رفع رأسه ليرى خادمة شابة وقد وضعت يدها على مقبض الباب، وارتسم على وجهها تعبيرٌ مرتبك.
أفلتت المقبض على عجل وحنت برأسها قائلة “كـ.. كنتُ أهمُّ بإغلاق الباب فحسب، أعتذر سيدي.”
آه، يبدو أن الفتاة قد رأت كل ما كان يفعله من خارج الباب، بهدوء، تكلّف وجهًا محايدًا.
قال لها وهو ينهض عن الفراش وكأن شيئًا لم يكن “لا، لا داعي للاعتذار.” اعتلى وجه الخادمة سحابة من القلق إزاء هذا التغير المفاجئ في الأجواء، فقد ارتسمت على وجه سيدريك ابتسامةٌ مصطنعة الأدب “سأغادر الآن، لا بد أنها متعبة، لذا يجدر بي أن أتركها لترتاح.”
“أمرك سيدي.”
ثم أضاف، مستحضرًا اسم الخادمة الشابة “و… بيوني.” كانت إحدى الخادمتين اللتين أوصي بهما لخدمة ديلان، ذات الشعر البني المائل للوردي الفاتح كانت بيوني ثورن، وحمراء الشعر كانت ريبيكا روير، والفتاة التي تقف أمامه الآن كانت الأولى بلا شك.
سألت بيوني وهي تخفي وجنتيها المتوردتين “نعم سيدي؟”، لقد باغتتها معرفة سيدريك باسمها وأذهلتها رغم كونها خادمة بارعة.
“أرجوكِ بدّلي ملابس زوجتي وفكّي ضفائرها حتى يتسنى لها أن ترتاح أكثر.”
“كما تشاء سيدي.”
أومأ سيدريك برأسه عند إجابتها وغادر غرفة النوم، وطوال كل ذلك، لم تتحرك ديلان قيد أنملة من سباتها، وهكذا قضى العروسان ليلتهما الأولى في منزل برايتون.
* * *
عندما فتحت ديلان عينيها، استقبلها مشهدٌ لم تألفه عيناها قط، لم يكن السقف الذي تنظر إليه أي سقفٍ تتذكره في حياتها، من المؤكد أنه ليس السقف المألوف لغرفتها في عزبة* لانغتون، بل كان مظلة سرير بيضاء، هبّت جالسة في فزع.
(العزبة هي قطعة أرض زراعية أو ضيعة، تكون غالبًا ملحقة بمنزل ريفي كبير، للي نسى ديلان هي نبيلة تعيش بالريف)
لم تكن مظلة السرير هي الشيء الغريب الوحيد، فبينما كانت تتفحص المكان حولها، رأت خزانة ملابس غريبة، ومنضدة غريبة، وبابًا غريبًا، ومرآة غريبة، ومنضدة زينة غريبة… فقط بعد أن مسحت الغرفة بعينيها مليًّا تذكرت: آه، صحيح، لقد تزوجت.
ألقت بنفسها مرة أخرى على الفراش، لم تكن تدري كم من الوقت نامت، ولكن بدا أنها كانت غارقة في سبات عميق، كان آخر ما تتذكره هو وجودها داخل العربة، وهي تراقب نحلة عسل تحوم خارج النافذة.
كانت قد افترضت أن النحلة ستبتعد مع تقدم العربة، ولكن الغريب في الأمر أنها ظلت أمام النافذة، كما لو أن العربة قد توقفت، تساءلت ديلان عما إذا كانت تخلط بين بقعة على الزجاج ونحلة، ولكن لا، كانت النحلة تطير بالفعل بمحاذاة العربة وبنفس سرعتها.
ترى إلى أين كانت تتجه بكل هذا الإصرار بجسدها الضئيل ذاك؟، راقبتها، ووضعت التكهنات، بل وشجعتها في سرها قبل أن يغلبها النعاس في نهاية المطاف، وعندما استيقظت، كانت بالفعل في هذا السرير.
لا بد أنني كنتُ متعبة، متعبة حقًا، بهذه الفكرة، تقلّبت على امتداد الفراش، والمدهش أنها رغم دورانها دورة كاملة، لم تصل بعد إلى حافة السرير، لو أنها فعلت ذلك على سريرها في المنزل، لكان عليها أن تتشبث بملاءات السرير كي لا تسقط.
تقلّبت مرتين أخريين ثم توقفت، استندت على مرفق واحد، وأخذت وقتها في تأمل الغرفة كما ينبغي، لتلاحظ أخيرًا كل ما فاتها في مسحها الأولي المرتبك.
لم تكن الغرفة باذخة الترف، لكنها كانت أنيقة وراقية، كان أثاثها وجوّها العام من أجود الأنواع دون شك، ولكن من غير تكلف أو مغالاة، بُسط على الأرض بساطٌ سميكٌ وفاخر، وكانت الغرفة نفسها أكبر بنحو النصف من غرفة نوم الفيكونتيسة.
عزبة لانغتون كانت، في نهاية المطاف، كبيرة نسبيًا بالنظر إلى ضائقة الفيكونت المالية في الوقت الراهن، لأنها بنيت في زمن كانت فيه عائلة لانغتون أكثر نفوذًا، ربما شهدت العزبة أيامًا أفضل، لكنها بالتأكيد لم تكن صغيرة، وفي الواقع، كانت تلك مشكلة كبيرة في حد ذاتها، لأن صيانة عزبة أو قصر كبير، حتى بالحد الأدنى، تكلف ثروة طائلة!، ناهيك عن تأثيث العزبة أو تزيينها، فمجرد الحفاظ عليها في حالة لائقة كان يلتهم أموالًا طائلة.
ومع ذلك، لم يكن بوسعهم التخلي عن منزل له مثل هذا التاريخ العريق، لذا كان الفيكونت لانغتون ينفق جزءًا كبيرًا من ثروته في صيانة العزبة، مما كان يعني تقليص الإنفاق في جوانب أخرى.
أما غرفة النوم التي كانت تستلقي فيها الآن، فكانت أكبر بكثير من أي غرفة في عزبة لانغتون، ضيّقت عينيها، كانت قد سألت سيدريك عن منزل برايتون من قبل، وقد قال بوضوح “إنه مكان متواضع.”
يا له من كاذب!، كيف يكون هذا متواضعًا؟!، تنهدت بامتعاض خفيف وهي تتذكر المحادثة.
ما قاله على وجه التحديد هو “المنزل الذي أقيم فيه مكانٌ متواضع، مقارنةً بقصر هارتلينغ، وهو ليس مزينًا ببذخ شديد لأنني لا أقضي فيه الكثير من الوقت.”
آه، أدركت ديلان الآن أنه في حين أن كلمة ‘متواضع’ قد تعني ‘صغيرًا’، فإن معناها يختلف تمامًا حين تُقال مقارنةً بقصر هارتلينغ، وهو قصر معروف في جميع أنحاء البلاد بفخامته الاستثنائية.
تساءلت في نفسها “كم يبلغ قصر الدوق إذن من الضخامة والفخامة؟، هل هو بحجم قصر بيلادور؟” لم يسبق لها أن زارت مكانًا كهذا، لذا لم تستطع حتى تخيله، هزت رأسها، إن ديلان حقًا لا تنتمي إلى دوقية ساوثرويك—كان عليها أن تختفي في أسرع وقت ممكن.
الآن وقد أتما المراسم وسجلا عقد زواجهما، أصبحت هي وسيدريك زوجين رسميًا، وشعرت ببعض تأنيب الضمير، أولًا، لأنها تزوجته وهي تعلم أنه من نصيب بطلة الرواية، أديلاين، وثانيًا، لأنها غيّرت مسار القصة قليلًا بمنعها زواجه من إميلي، وإن كان هذا الأمر يقلقها بدرجة أقل بكثير.
وبغض النظر عما حدث في هذه المرحلة من القصة، فقد كان كل ذلك مجرد جزء صغير من رواية أكبر بكثير، كان محتومًا على سيدريك وأديلاين أن يلتقيا في نهاية المطاف، وحتى لو كان التوقيت مختلفًا قليلًا عن الرواية الأصلية، فسيجدان السعادة معًا في النهاية.
بل على العكس، قد لا يصبح سيدريك بتلك الشخصية المعقدة إذا لم تمت زوجته الأولى أثناء الولادة كما في الرواية، مما يعني أن الصراع بينه وبين أديلاين قد يقل، وربما يرتبطان بشكل أسرع، بالطبع كان سوء الفهم والصراعات هي الأجزاء المثيرة في الرواية، لكنها في الواقع ليست ممتعة على الإطلاق في علاقة حقيقية.
لم يكن سيدريك في الرواية الأصلية شخصًا سيئًا أو ما شابه، لكن سيدريك الذي عرفته ديلان شخصيًا كان محبوبًا أكثر بكثير، إذا كان عليه أن يمر بمثل هذا اليأس العظيم ليتغير… اعتقدت ديلان أنها لن تحبّ ذلك حقًا، أو على الأقل، هذا ما كان يمليه عليها قلبها المتعاطف.
علاوة على ذلك، كانت تفضل ألا ترى غراهام يموت، لقد كان حقًا شخصًا طيبًا، لقد أصبحوا عائلة الآن -وإن كان ذلك مؤقتًا- وكانت ترغب في رؤيته يعيش طويلًا، طويلًا جدًا، لكن في الرواية، مات غراهام بسبب مشكلة صحية، والتي ربما لم يكن من الممكن تلافيها بغض النظر عما حاولت ديلان فعله، قد لا يكون شاي زهرة الجبل والفحوصات المنتظمة كافيين… أوقفت تلك الأفكار بهزة عنيفة من رأسها.
قالت لنفسها “لا ينبغي أن أقلق بشأن ذلك بعد.” لا يزال هناك متسع من الوقت، لن يُحل شيء بإقلاق راحتها في يومها الأول هنا، أجل، نحّت جانبًا كل الأفكار السلبية ومدّت ذراعيها فوق رأسها لتريح جسدها من أي تصلب متبقٍ.
وتأوهت “آه.” كان جسدها يؤلمها، لم يكن ذلك مفاجئًا، بالنظر إلى الإجهاد الذي سببه ارتداء مشدّ، وفستان بتنانير ثقيلة، وحذاء ذي كعب عالٍ ليوم كامل، يا إلهي، كم كانت تلك التنانير الداخلية ثقيلة.
وبينما كانت تفكر في ذلك، أدركت فجأة أنها لم تعد ترتدي فستانها أو حذاءها، حتى مشدّها قد زال، لم تكن ترتدي الآن سوى قميص داخلي وسروال داخلي، تفقدت محيطها مرة أخرى، متسائلة عما إذا كانت قد خلعت بقية ملابسها في نومها، ولكن لا يبدو أن هذا هو الحال، لم تكن هناك أي ملابس مبعثرة على الأرض، وحيث كانت تتوقع أن ترى حذاءها، كان هناك زوج من النعال المخملية المريحة.
كانت أول فكرة خطرت ببالها ‘هل جرّدني سيدريك من ملابسي؟’ تخيلته راكعًا بجانب سريرها ليفك أربطة حذائيها ببطء، همم، لا يبدو ذلك صحيحًا.
يستحيل أن يكون ذلك قد حدث، لم يكونا قريبين بما يكفي ليبرر قيامه بذلك من أجلها، لا بد أن إحدى خادمات المنزل فعلت ذلك، إلى جانب ذلك، من الآن فصاعدًا، ستكون ديلان أقرب إلى الخادمات من أي شخص آخر.
لو أنها دخلت المنزل بطريقة عادية، لكانت قد تبادلت التحية معهن الآن، لكن كان عليها أن تغط في النوم، تنهدت تنهيدة خفيفة، وسحبت حبل جرس الاستدعاء بجانب سريرها، في أول فعل لها كسيدة جديدة لمنزل برايتون.
لم تمضِ سوى لحظة قبل أن تسمع طرقات خافتة على الباب.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 22"