أوصى كايين أن يبقى كين بجانب فيلوميل، وأصدر له أمرًا خاصًا: ألا يتركها أبدًا مع ويستون على انفراد.
لكن ما إن التقت عيناها بعيني جيك، الذي كان يقف خلفها صامتًا يناولها الضمادات والشاش عند الحاجة، حتى نهضت من مقعدها مطمئنة؛ فوجوده كان كافيًا، ثم إن الموقف لم يكن يسمح بالتردد.
وما إن ابتعد كين باحثًا عن جرحى آخرين، حتى التفتت فيلوميل لتفحص ويستون.
وعندما رأت ذراعه وقد تغيّر لونها إلى الأرجواني لانقطاع الدم عنها، شهقت مرتاعة وسارعت إلى فك الضماد.
كان مشدودًا بقوة مفرطة، حتى إنها احتاجت إلى وقت طويل كي تفكّه، وبعد جهدٍ تمكنت من فكّه، وأعادت تضميده وهي تتحكم في النزيف بحذر.
في تلك اللحظة، ارتجفت جفنا ويستون ثم انفتحا ببطء. كان ذهنه لا يزال مثقلاً بالدوار، فتمتم دون وعي:
“… ميل…؟”
لم تتوقف فيلوميل عند ذلك الاسم، بل تابعت عملها ببرود ظاهر:
“سموّ الأمير الثالث، ما زلت تصرّ على مناداتي باسم شخص آخر.”
أخذ ويستون يرمش مرات متتالية، حتى أدرك أخيرًا مَن تقف أمامه.
“آنسة فيلوميل…؟”
“لا تتحرك من فضلك.”
وما إن عاد التركيز إلى عينيه حتى حاول النهوض فجأة، فدفعت كتفيه بسرعة وأجبرته على الاستلقاء من جديد، لم يكن ذلك بدافع القلق عليه بقدر ما كان نفورًا من إعادة علاج جرحٍ قد ينفتح مجددًا.
قالت بصوت حاد وهي تضغط على الضماد: “إن انفتحت الجروح الآن فسيتأخر شفاؤها أكثر، كيف تفكر بالعودة للقتال وأنت في هذه الحالة؟”
أجاب بضعف: ” القديسة أصرت اليوم على الخروج لمواجهة الوحوش… لذلك…”
كتمت فيلوميل تنهيدة حارّة وأكملت تضميدها.
“كفّ عن محاولة المساعدة بهذه الطريقة، ستجعل جراحك تنزف من جديد، عد إلى الداخل، ففي حالتك هذه لن تكون عونًا لأحد، بل عبئًا عليهم.”
جاء ردّها لاذعًا بلا تردّد.
لكن ويستون تمسّك برأيه: “لا أستطيع الجلوس مكتوف اليدين فيما الجميع يعانون، لا يليق بي أن أبقى وحدي بعيدًا.”
زفرت فيلوميل بغيظ، وقد بدا العناد على وجهها: “على أي حال، الوحوش ستنسحب خلال ساعة، عد، ولا تزيد الأمر سوءًا.”
ثم أبعدت يدها عن ذراعه. وبينما كان يحدّق مذهولًا في الضماد الملفوف حول ساعده، أخرجت هي ضمادًا جديدًا استعدادًا لجرحى آخرين، وقالت ببرود:
“وأرجوك، لا تناديني بعد الآن باسم شخص آخر، الخلط المستمر بيني وبينها… ليس أمرًا مريحًا على الإطلاق.”
اتّسعت عينا ويستون دهشة. “أنا؟ ومن تظنين أني أخلطك بها…؟”
“تلك التي تدعوها بِـ ميل.”
رمش ويستون ببطء، فيما راقبت فيلوميل وجهه يكتسي بتعبير حالم، كمن غرق في ذكرى بعيدة.
تجمّدت لوهلة من فرط الاستغراب، واضطرت أن تكبح تعابير وجهها كي لا يظهر اشمئزازها.
قبضت يدها سرًا، وقد فاض صدرها بالحنق:
أي سخرية هذه؟ أراد قتلي بيديه، والآن يتذكرني بعاطفة كأنني ذكرى عزيزة…!
قال بصوت متقطع: “أعتذر… إنها إنسانة غالية جدًا عليّ، فربما لهذا لا أستطيع التوقف عن استحضارها…”
ومن ذا الذي يحاول قتل من يزعم أنها غالية عليه؟
كانت الكلمات على طرف لسانها، لكنها ابتلعتها.
لم يكن في الأمر جدوى، فالحوار مع رجل مثله عبث، وحتى الغضب منه لم يكن رفاهية متاحة الآن.
قال شاكرًا بصوت خافت: “شكرًا على علاجكِ.”
فأجابته جافة: “إن كنتَ شاكرًا، فلتغادر الآن.”
“ماذا…؟”
“أنت تعيق عملي، كين، ضع المصاب هنا.”
اقترب كين حاملاً جنديًا جريحًا، ووضعه برفق بخلاف المرة السابقة. وعندما رفعت فيلوميل حاجبها إشارة، ارتبك ويستون ونهض متثاقلًا جانبًا، أما هي فقد بدأت على الفور معالجة فارس أصيب في ساقه.
ظل ويستون واقفًا بتردد، إلى أن اصطدم بكتف كين، فارتجف من ألم ساعده ثم استدار أخيرًا عائدًا نحو القلعة. وقبل أن يبتعد، التفت من جديد.
كانت فيلوميل غارقة في عملها، يديها وملابسها ملطخة بالدماء، لكن نظراتها ثابتة وحركاتها دقيقة لا تعرف التوقف، لم يسبق له أن تأمل وجهها عن قرب، إلا عندما أفاق قبل قليل ورآها أول مرة بهذا القرب.
وجهها كان مرهقًا، تتخلله خصلات من الشعر المنفلت من ربطة مشدودة، وقطرات عرق اختلطت بآثار الدماء، حتى فاحت منها رائحة الحديد، لم تكن أجمل من ناديا، لكنه على نحو غريب لم يستطع إبعاد عينيه عنها.
شعر كأن العالم كله قد خلا منهما إلا هما. أما هي، فلم تعره أدنى انتباه، منشغلة بتطبيب الآخرين كأن وجوده لم يعد يعني شيئًا.
“سموّ الأمير الثالث، ما زلتم تناديني بأسم آخر…”
ميل… فيلوميل… فيلوميل… ميل…
تمتم ويستون في سرّه بتلك الأسماء، وظل يطيل النظر إليها دون أن يشيح ببصره.
***
بعد ساعة. وكما توقعت ناتاشا، انسحب ما تبقى من الوحوش ـ قرابة العشرين ـ عائدين إلى الثلوج، لم يلاحقهم كايين ولا ثيودور، بل عادا مباشرة إلى القلعة.
وفي ذلك الوقت، كانت فيلوميل قد انتهت من معاينة آخر جريح، واستحمت سريعًا، ثم وضعت ليازيل في النوم، لتجلس بعدها مع ناتاشا تلتقط أنفاسها.
قالت بهدوء وهي تحصي في ذهنها: “المصابون أربعة وثلاثون، معظمهم إصابات طفيفة أو كدمات.”
رفعت ناتاشا حاجبيها دهشة: “أأنتِ أحصيتهم كلهم؟”
ابتسمت فيلوميل بخجل: “كان الأمر سهلًا، قدّرت العدد من خلال ما استُهلك من الضمادات.”
أومأت ناتاشا بإعجاب: “كنت بحاجة لمعرفة العدد على أي حال، لقد وفرتِ عليّ مهمة كاملة، شكرًا لكِ يا فيلوميل، بذلتِ جهدًا كبيرًا.”
“الجهد الأكبر كان من نصيبكِ يا سيدتي، أما أنتِ… ألستِ مصابة بشيء؟”
تفحّصتها فيلوميل بعناية، ظاهرها بدا سليمًا، سوى بعض الإرهاق، لكنها خشيت أن تكون قد أصيبت حيث لا يظهر.
هزّت ناتاشا رأسها مطمئنة: “لم أشهر سيفي أصلًا، الأفضل أن تقلقي على كايين، سيعود الآن.”
وما إن أنهت كلامها، حتى دخل جيو معلنًا عودة ثيودور وكايين. قفزت فيلوميل واقفة في اللحظة ذاتها التي دخل فيها الاثنان.
“هل أنتما بخير؟ أليس فيكما جرح؟”
كانت دروعهما مغطاة بدماء الوحوش، فلم تستطع التمييز، اقتربت تحدّق هنا وهناك بقلق، فبادرها كايين:
“وأنتِ؟ هل أصابك مكروه؟”
“كنت داخل الأسوار طوال الوقت، لكنك أنت… هل أنت بخير حقًا؟”
ابتسم باطمئنان: “لم تُصبني حتى خدشة.”
نظر ثيودور وناتاشا إليهما بصمت وقد لاحظا انشغالهما ببعضهما، ثم صرفا أبصارهما متكتمين على ابتسامة. عندها فقط أدرك الاثنان وجودهما، فسعلا بتكلّف وجلسا.
كانوا جميعًا على وشك الانهيار من الإرهاق، لكن وجب عليهم تبادل ما جرى وتدوينه رسميًا.
وبعد النقاش، لخّصت ناتاشا الموقف:
“المعركة التي بدأت عند الخامسة فجرًا انتهت الثانية ظهرًا، عدد القتلى صفر، المصابون أربعة وثلاثون، من أصل مئة وحش تم القضاء على اثنين وثمانين، انتهى.”
أومأ الجميع موافقين، ثم دوّنت ناتاشا التقرير في سجلّ الوحوش، لتضيفه إلى السجل السابق، فيصبح لديهما سجلان كاملان.
قالت: “من الأفضل ألا نستخدم مخطوطات الأرواح إلا عند الضرورة، المعركة لا تزال ضمن حدود الاحتمال.”
وافقها كايين وأضاف: “كما أن انكشاف أمر المخطوطات قد يدفع السحرة إلى خطط أخرى، فالأجدى أن نخفيها.”
أيّد ثيودور الرأي، ثم سأل: “فيلوميل، ماذا عن هارنين؟”
أجابت: “منذ البارحة وهو محبوس في غرفته يعمل على صناعة المزيد من المخطوطات الروحية، لقد أمرتُ خدمًا لحمايته، وجميعهم فرسان فلا خوف عليه، كما طلبتُ من سيباستيان أن يرسل إلينا مزيدًا من المخطوطات المخصّصة للأرواح.”
كانت تنقل كل ما فاتها الى كايين بسبب انشغاله في القتال، وعندما انتهت، قالت بوجه متوتر: “وصلتك بالأمس رسالة من ولي العهد.”
أنها الرسالة التي حملتها إليه بنفسها إلى قاعة الاجتماعات، بدا على ملامح كايين شيء من التجهّم.
ثم أكملت بصوت ثقيل: “يبدو أن بين من أرسلهم المعبد… ساحرًا.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 99"