غطّى الصقيع الأرض بأسرها، وكان السكون العميق للفجر قد استقرّ هناك.
لكن ذلك السكون لم يدم طويلًا، إذ بدأ صوتٌ غريب يخترق صمت الفجر.
فوق الثلج المتراكم منذ مئتي عام، كان من العسير اختراق طبقاته الثقيلة، وبعد وقت طويل، شقّت سطح الثلج يدٌ هائلة رمادية اللون، بارزة إلى الأعلى.
بوووم، بواااغ!
وسرعان ما تبعتها أيادٍ أخرى، عشرات الأيادي الرمادية الضخمة، خرجت متتابعة من تحت الثلج الأبيض.
كانت وحوشًا قضت زمنًا طويلًا في سبات عميق، فهزّت أجسادها بعنف، منتفضة عن نفسها الثلوج التي كبّلتها.
لقد ظلّت عقولها يقِظة، مسجونة في ظلمة الجليد طوال مئتي عام، وكان عمق الغضب في قلوبها لا يُقاس ولا يُحدّ.
وها إنّ سهام ذلك الغضب تتجه نحو المكان الذي قُتل فيه أكبر عدد من رفاقهم… القلعة الشمالية.
كيييييييك! كيييييييييياغ!
ارتفعت صرخات عشرات، بل مئات الوحوش، رجّة مرعبة دوّت في أنحاء الشمال.
وهكذا، بدأ فجر حربٍ جديدة، لتكمل ما بدأ قبل مئتي عام.
***
استفاق كايين عند بزوغ الفجر.
جلس في عتمة الليل المتبقية، ثم نهض من فراشه، وتوجّه نحو النافذة، هناك، تذكّر أنّه لم يمضِ سوى ساعات قليلة منذ أن افترق عن فيلوميل.
وقف أمام النافذة، شاخصًا بصره إلى الأسوار المتينة والراسخة الممتدة أمامه.
على مدى مئات السنين من الحروب ضد الوحوش، لم يحدث أن اخترقت تلك الأسوار إلا مرتين فقط، مرة قبل ظهور القديسة الثانية، ومرة أخرى قبل مئتي عام.
إحداهما كانت أزمة، والأخرى كانت فرصة.
وتساءل كايين في نفسه: “لو اجتازت الوحوش الأسوار هذه المرّة… أسيكون ذلك نذير هلاك، أم بداية فرصة جديدة؟”
لم يستطع التكهن، كان المستقبل غارقًا في ضبابٍ لا يُرى من خلاله شبر واحد، ومع ذلك، لم يشعر بالاضطراب كما كان في الماضي.
لقد عاش عشرة أعوام كاملة، لا همّ له إلا الثأر، وكان أكثر ما يكرهه هو المجهول الذي لا يمكن التنبؤ به.
لكن منذ لقائه بفيلوميل، تلك المرأة التي يستحيل توقّع تصرفاتها وأفكارها، تغيّر كل شيء. برفقتها، لم يعد يخشى السير في طرق يلفّها الضباب.
عندها فقط، استشعر اقتراب الوحوش، من وراء عاصفة الثلج.
بووووووووووو!
اهتزّت أرجاء القلعة بصوت بوقٍ عميق اخترق الآذان.
مدّ يده نحو سيفه الموضوع دائمًا بالقرب منه، والتحف برداءه، ثم توجّه نحو الأسوار.
ترك خلفه آثار خطواته مطبوعة على الثلج كلما اقترب من الجدار.
وحين صعد إلى أعلى الأسوار، وجد سكان الإقطاعية يتهيأون على عجل، يتسلحون ويأخذ كلّ منهم موقعه.
وبينما كان واقفًا هناك، جامدًا للحظة، دوّى البوق مرة أخرى، عندها، أخرج كايين سيفه، وقبّل المنديل المربوط بإحكام على مقبضه، ثم قفز مباشرة من فوق السور إلى الأسفل.
كييييييييك!
انقضّ بسيفه على وحش هائل، كان يفتح فاه الضخم باتجاهه، متلوّيًا بنهم.
***
ظهرت الوحوش قبل أن ينبثق أول ضوء للفجر.
كانت فيلوميل قد غرقت في النوم متأخرة بعد أن قضت الليل تتأمل القمر مع كايين، ولم تستفق إلا حين دوّى البوق للمرة الثانية.
كان من المفترض أن تنهض مثقلة بالنعاس، لكنها شعرت على الفور بأن هذا الصوت مختلف تمامًا عمّا سبق.
لقد كانت تعلم أن من يعتزم رعاية الآخرين لا بد له أولًا أن يعتني بنفسه، لذلك أوصت صوفيا أن تضع أحجار التدفئة بوفرة داخل العباءة، ثم خرجت مسرعة متجهة إلى غرفة ليازيل.
وجدتها هناك، بوجه متوتر قليلًا، بينما كانت إيما تساعدها في ارتداء ثيابها.
لم تُخفِ عنها الحقيقة، ثم جثت أمامها على ركبتيها لتكون على مستوى عينيها.
“سيكون الأمر صاخبًا وفوضويًا، وربما متعبًا أيضًا… لكنك قوية، أليس كذلك؟ ستصمدين؟”
“نعم، أستطيع.”
ابتسمت فيلوميل، وربّتت على رأسها بحنان. “أنت حقًا جديرة بالثقة، يا ليازيل، رائعة بحق.”
أجابت الصغيرة بثبات: “سأواصل العمل في جمع البطاطس! “
فلم يكن بمقدور جميع سكان الإقطاعية الانخراط في القتال، الصغار وكبار السن تكفلوا بالعمل في البيوت الزجاجية، يستمرون في الحصاد كي لا تنفد المؤونة.
وهكذا، بعد أن علمت ليازيل بالأمر، أصرت على أن تساعد هناك، كان مكان البيوت الزجاجية بعيدًا عن الأسوار، وأقل خطرًا حتى لو اجتاحت الوحوش، لذلك سُمح لها بالمشاركة في ذلك العمل.
أمسكت بيد فيلوميل بشدة، وهمست: “رجاءً… لا تصابي بسوء، يا فيلوميل، وبلّغي جدّي وجدتي وعمي سلامي.”
“أظنهم سيفرحون أكثر بسماع صوتك أنت بنفسك… لكن إن لم يُتح ذلك، فسأنقل سلامك بدلًا منك.”
ثم طبعت قبلة قصيرة على جبينها، ونهضت.
التفتت نحو مرافقيها الواقفين عند الباب: “صوفيا، السير جايك، السير كين… هل أنتم مستعدون؟”
هزّ الثلاثة رؤوسهم، أجابتها صوفيا بحماس وهي تحمل صندوق الإسعافات: “بالطبع يا آنستي! كنا جاهزين منذ البداية!”
وأجاب كين وجايك بثبات: “نحن على أتم الاستعداد.”
كانت قد رتبت مع ناتاشا أن تتكفل هي بعلاج الجرحى، أما ناتاشا نفسها، فكان عليها أن تنضم للفرسان إن استدعى الأمر، لذلك سلّمتها مفاتيح المخزن حيث تُخزّن الأعشاب والضمادات.
قالت فيلوميل بصرامة وهي توزّع المهام: “السير جيك، ستكون ملازمي، تساعدني من جواري، السير كين، عليك بجلب الجرحى إليّ فورًا، مفهوم؟”
أكّدت عليهم جميعًا، ثم تنفست بعمق، وغادرت إلى الخارج.
كان صدى الأصوات يتردد من أبراج المراقبة، حيث يستعين الحُرّاس بأدوات سحرية لتضخيم أصواتهم:
“ثلاثة وحوش تحاول تسلق السور من الشمال الشرقي! اسكبوا الماء المغلي!” “أربع وحوش إضافية من الشمال الغربي! نحتاج دعمًا!” “تم القضاء على وحش من الشمال الشرقي! تبقى اثنان!”
في هذه اللحظات، كان كايين وثيودور يخوضان القتال أسفل الأسوار، بينما تتولى ناتاشا القيادة العليا من فوق الجدار، تصدر الأوامر إلى ديل، وهو ينقلها إلى الجميع.
أسرعت فيلوميل نحو أول جريح، وضغطت بقطعة شاش على ذراعه النازفة، ثم ربطتها بإحكام.
“شكرًا لكِ!”
قال الرجل ممتنًا، ثم أسرع ليعود إلى نقل الماء المغلي.
وفيما كانت تواصل عملها، جاء كين وصوفيا حاملَين المزيد من الجرحى، لم تكن الإصابات قاتلة، لكن عددها كان كبيرًا.
وبينما كانت ثيابها تُلطخ شيئًا فشيئًا بالدماء الحمراء، انبعث فجأة ضوء ساطع من بعيد.
صرخ يوهانس مرتعدًا: “إنها… إنها حقًا القديسة!”
التفتت فيلوميل فرأت ناديا تعلو السور، تمد يدها إلى الأسفل، كان يوهانس جاثيًا عند قدميها، يرتجف ويكيل لها المديح.
“لا أحد غير القديسة قادر على قتل وحش بضربة واحدة! يا ليت الجميع يرون هذا بأعينهم!”
شعرت فيلوميل بارتباك عابر، فقد نسيت وجود ناديا وسط هذه الفوضى، لكنها كانت تعلم أن ناديا قادرة فعلًا على سحق الوحوش بضربة واحدة، فعادت لتُركّز على الجرحى دون تردد.
صرخت على صوفيا: “أسرعي إلى المخزن، جيئي بالمزيد من الأعشاب والضمادات!”
“حالًا، آنستي!”
وبينما كانت صوفيا تهمّ بالذهاب، اقترب كين وهو يحمل أحدهم على كتفه.
قالت فيلوميل بسرعة: “ضعه هنا، أيها السير كين، وسأ…”
لكنها ما لبثت أن شهقت حين رأت من كان يحمله.
إنه ويستون.
رمى كين الأمير الثالث على الأرض كما لو كان يلقي حملًا ثقيلًا، ثم قال قبل أن تنطق فيلوميل بشيء:
“سأتكفل أنا بعلاجه، آنستي، على أي حال، يجب أن أُطلعك على الوضع.”
مزّق درعه بسرعة، وضغط على جرحه بالشاش.
أصدر ويستون، وهو فاقد الوعي، أنينًا خافتًا. عندها تمالكت فيلوميل نفسها، وعادت لربط جراح المصابين حولها.
قال كين وهو يلف الضمادات على ذراع ويستون النازف: “عدد الوحوش يقارب المئة، قضينا بالفعل على نصفها، الدوق وثيودور في الخطوط الأمامية، يقاتلان بعيدًا قليلًا عن القلعة، ولم أرَ أي إصابة بليغة عليهما.”
ثم أضاف: “بفضل ما فعلوه، تراجعت حماسة الوحوش، وتبدو الآن كأنها تميل إلى الانسحاب، وإن صحّ توقّع السيدة ناتاشا، فسوف يتراجعون تمامًا خلال ساعة.”
ابتسمت فيلوميل وهي تواصل لف الضمادات: “أحسنت صنعًا، اتركه لي الآن، واذهب لجلب المزيد من المصابين.”
لكن كين لم يُخفِ امتعاضه وهو يلقي نظرة نحو ويستون الممدد.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 98"