كانت خصلات شعرها المربوطة على عجل تتطاير بعنف تحت وطأة الرياح، حتى وهي مغمضة العينين، استطاعت فيلوميل أن تشعر بوضوح بالسرعة الكبيرة التي كان كايين يتحرك بها.
قال بصوت منخفض: “يمكنك أن تفتحي عينيك.”
وعندما فعلت، انكشف أمامها مشهد القمر، بدرًا هائلًا يملأ السماء.
قال كايين بنبرة هادئة: “قمر الشمال المكتمل يتميز بجمال خاص، ما لم تهبّ عاصف ثلجية، فلن يحجبه غيم ولا ضباب، الليلة مثالية لمشاهدته.”
كان ضوء القمر الأبيض الغامض يتناثر كحبات البلور، ينساب ويتفتت في السماء الليلية، بدا القمر أكبر من أي وقت مضى، حتى شعرت أن بإمكانها أن تلمسه لو مدّت يدها،لا إراديًا، ارتعشت أصابعها.
ابتسم كايين وهو يراقبها مأخوذة بذلك المشهد.
“إنه أجمل ما يمكن رؤيته بعد الشفق القطبي.”
“لكن مع ذلك… في عينيّ، ما زلتِ أنتِ، إلى جانبي، الأجمل على الإطلاق.”
التفتت فيلوميل إليه وضحكت بخفة، محاولة إخفاء ارتباكها: “أصبحت هذه الجملة أكثر ما أسمعه منك مؤخرًا.”
كانت تعني أنها لم تعد تشعر بالخجل كما في السابق، لكن كايين حدّق بها بعينيه الضيقتين وقال: “حقًا؟ هذا غريب، ظننت أن أكثر ما أقوله لك هو شيء آخر.”
“وماذا يكون؟”
ابتسم وهو يقترب منها:
“أنني أحبك.” “وأنني أعشقك.”
ثم مال وقبّل خدها، قبلة أعمق وأدفأ من قبلاته المعتادة العابرة، ضغط شفتيه قليلًا كأنه يترك أثرًا، ثم رفع رأسه ليزرع قبلات صغيرة متتابعة عند حافة شفتيها.
“أسعد لحظاتي هي تلك التي أقضيها هكذا معك.”
كان كايين يقدّر كل لحظة برفقة فيلوميل، لكنه كان يعشق على وجه الخصوص تلك الساعات الصامتة في فجر الشمال، حين يظلان وحدهما في هذا السكون العميق. عندها، وهو يحتضن أثمن ما يملك، همس:
“لو ضُمن لي أن تبقى هذه اللحظات للأبد… عندها لن أبالي أن أعيش عمري كله حتى في الجحيم.”
ابتسمت فيلوميل ضاحكة، مدركة أن كلماته ليست مزاحًا:
كان صوته دافئًا حتى شعرت بحرارة تتسرب إلى وجنتيها، أطرقت قليلًا، وأصابعها تتحرك بارتباك، قبل أن تهمس بصوت خافت:
“… وأنا أيضًا أحب هذه اللحظات.”
ثم أشاحت بوجهها نحو القمر مجددًا: “أن أشاهد هذا الجمال برفقة شخص أحبه… إنه نعمة حقيقية.”
كان يعلم أن “الشخص الذي تحبه” لم يكن بمعنى الحب العاطفي الذي يتمناه، ومع ذلك أعجبته كلماتها.
أضافت بصوت هادئ: “وأكثر من ذلك… حين أكون معك، كل ما يُتعبني ويثقلني يبدو كأنه مجرد حلم بعيد.”
فأجابها: “سأحرص من الآن على ألّا تعيشي تلك المتاعب، حتى في الأحلام.”
ضحكت فيلوميل ضحكة صغيرة: “أتطلع لذلك فعلًا.”
جلسا متقاربين، يستندان إلى بعضهما البعض، يرفعان أبصارهما نحو القمر الكبير.
ثم قال كايين فجأة: “فيلوميل.”
“نعم؟”
“ستستيقظ المزيد من الوحوش قريبًا، قد لا يتسنى لنا أن نعيش هذه الأوقات الهادئة.”
ردّت بصوت يغلبه الأسف: “مؤسف… هذا مؤسف جدًا.”
كان ذلك صادقًا من أعماقها، ففي الشمال المليء بالتوتر، لم يكن هناك ما يتيح لها أن تُسقط حذرها سوى تلك اللحظات القصيرة التي تقضيها بجواره.
قال وهو يشبك يده بيدها: “سأظل أستعيد هذه الليالي معك، كانت قصيرة، لكنها عذبة لدرجة أنني أستطيع أن أعيش العمر كله داخل ذكراها.”
تشابكت أصابعهما بإحكام، بلا أي فراغ بينهما، نظرت إليه فيلوميل بعمق، ثم فتحت شفتيها بتردد:
“بصراحة… منذ علمت أن القديسة الحقيقية قد تكون ناديا، لم أكف عن التفكير في شيء واحد… أن تكون هي فعلًا القديسة.”
“ماذا؟ ولماذا ذلك؟”
تنهدت فيلوميل، وقد ارتسمت على وجهها مسحة قلق: “لأن في كل مرة تراودني الشكوك حولها… أخشى أن ينكشف أنها ليست القديسة حقًا، وفي داخلي… أرجو أن تكون هي، فقط لأن ذلك يعني أنك ستكون في أمان أكبر.”
كانت تفكر في سلامته وحده.
“لا يهمني إن كانت ناديا غريبة الأطوار أو حتى هربت مع إيمون بدافع حب أحمق، ما يهمني هو أن تبقى بخير، لكن… كلما اقتربت من الحقيقة، يزداد خوفي من أن لا تكون هي القديسة، وحينها… أخشى أن تُصاب أنت بمكروه.”
تجهم كايين قليلًا، عابثًا بحاجبيه: “فيلوميل… حتى لو لم تكن ناديا القديسة، فلن يتغير الكثير، وجود القديسة أو غيابها ليس ما يقرر مصيرنا.”
ترددت فيلوميل: “أعرف أنك قوي، أعرف ذلك جيدًا… لكن…”
قاطعها بابتسامة مطمئنة: “لولا وجودك إلى جانبي، ربما كان الأمر أصعب عليّ قليلًا، لكنك هنا الآن… تمسكين بيدي، وتحتضنينني، وتقبلينني.”
رفع يديهما المتشابكتين أمام عينيها وحركهما بلطف: “أنا لا أحتاج لشيء آخر، فيلوميل.”
ثم مال وقبّل ظهر يدها بحرارة: “فلا تقلقي أبدًا، والآن وقد تأكدنا أن مخطوطات الأرواح تساعد، فإن احتمالات أن أُصاب تقل أكثر.”
أطرقت برأسها وهي تشعر بحرارته مطبوعة على بشرتها، ثم قالت فجأة: “لدي شيء أقدمه لك.”
أخرجت من جيب عباءتها منديلًا أبيض مطرزًا عند زاويته زهرة بنفسج صغيرة. كانت قد صنعته شيئًا فشيئًا في أوقات فراغها.
قالت بخجل: “زهور البنفسج لم أكن ألتفت إليها من قبل، لكن منذ لقائي بك أصبحت قريبة إلى قلبي، سمعت أن إهداء المنديل بين الأزواج أو العشاق يحمل معنى ‘عد بسلام.’ “
وحين لاحظت أنه يطيل النظر إلى المنديل، أسرعت تضيف بارتباك: “طبعًا نحن لسنا متزوجين… ولا حتى عشاقًا رسميين… لكن أعتقد أنني أستطيع على الأقل أن أهديك منديلًا.”
رفع كايين عينيه نحوها وقال بصوت حاسم: “فيلوميل… سنقيم زفافنا مع قدوم الربيع.”
“ألم يكن ذلك مُقررًا منذ البداية؟”
ابتسم: “الوضع مختلف الآن، كل شيء تغيّر، أليس كذلك؟”
تأملت ماضيهما، وأدركت أنه كان محقًا، ما بين ذلك الاتفاق البارد القديم وهذا الحاضر، اختلفت أمور كثيرة، المناخ صار أكثر قسوة وبرودة، أما علاقتهما فقد ازدهرت كربيع دافئ.
قال: “المعنى هذه المرة مختلف، في الماضي كنا مجرد طرفين في عقد… أما الآن، فأنا أريد أن أعيش حياتي كلها معك، أريد أن أمسك بيدك أكثر، أن أحتضنك أكثر، أن أقبلك أكثر.”
ومرر إبهامه على ظهر يدها بلطف، شعرت بحرارته تحرق جلدها الرقيق، تاركة أثرًا لا يُمحى.
أضاف بابتسامة مشاكسة: “بل أريد أكثر من ذلك، وأحيانًا كثيرة.”
فأجابته بابتسامة محرجة: “… لم يكن هذا هو صلب الموضوع، أليس كذلك؟”
“لقد اكتشفتِ أمري، لا أستطيع أبدًا مجاراتك، لهذا السبب عليكِ أن تبقي بجانبي مدى الحياة.”
ثم أخرج سيفه وناولها مقبضه: “اربطِي المنديل هنا بنفسك.”
لفّت فيلوميل المنديل حول مقبض السيف بإحكام، كانت قد ترددت كثيرًا قبل أن تعطيه إياه، لكنها الآن رأت سعادته المشرقة، فشكرت أنها فعلت.
تمعّن كايين في المنديل المربوط كأنه أعظم هدية تلقاها في حياته، ثم قال: “آه، وأريد جوابك عن الزواج في الوقت نفسه الذي تعترفين فيه بحبك، حينها سأكون سعيدًا أضعاف.”
ضحكت فيلوميل بخفة على جرأته الفاضحة. “حسنًا.”
تفاجأ كايين، فقد لم يكن يتوقع ردًّا مباشرًا كهذا، وحدّق بها مذهولًا، ابتسمت هي ابتسامة هادئة وقالت: “سأجيبك على الاثنين معًا.”
عندها جذبها كايين إليه وقبّلها، أغمضت عينيها منذ أن أمسك بذقنها، فيما هو يطبع على شفتيها قبلة عذبة عميقة، وبعد أن أفلتها قليلًا، همس مبتسمًا:
“أجل… فكل ما يخرج من هاتين الشفتين لا بد أن يكون ما أتمناه بالضبط.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 97"