لم تستطع ناديا أن تُبعد ناظريها عن ابتسامة فيلوميل.
كانت تلك الابتسامة صادقة، لا تصنع فيها، ولا تمثيل، وقد كانت ناديا واثقة من ذلك تمامًا.
قال كايين وهو يطبع قبلة خفيفة على وجنة فيلوميل:
“لا تكتفي بالابتسام الجميل، عودي بسرعة واستريحي.”
أغمضت فيلوميل عينيها للحظة، ثم فتحتهما وهزّت رأسها موافقة.
“سأفعل، فلتذهبوا إلى السهل الثلجي الآن.”
“نعم.”
“عودوا سالمين… لا تُصب بأذى، رجاءً.”
“حسنًا.”
نظرة كايين، التي كانت قبل قليل في الاجتماع كعاصفة ثلجية هوجاء، غدت الآن دافئة كأشعة شمس الربيع، حتى يوهانس، الذي كان يراه للمرة الأولى، لاحظ هذا التغيير الواضح.
وما إن ودّع فيلوميل حتى عاد كايين إلى ملامحه الباردة مجددًا، واستدار بحدة نحو البقية.
“انتهيتُم من المشاهدة؟ لما لا تستغلّون وقتكم في الاستعداد بدلًا من الوقوف هكذا؟”
ثم نقر لسانه مغتاظًا وغادر قاعة الاجتماع.
ولم يبقَ في القاعة سوى ويستون، ناديا، ويوهانس.
وكان يوهانس أول من كسر الصمت.
“لكن، حضرة القديسة… كيف تتصرفين مجددًا من تلقاء نفسك هكذا؟ ألم يقل الساحر ألا نقترب من السهل الثلجي؟ لقد أوصى بألّا نواجه الوحش لفترات طويلة!”
“لكن، سموّك… لو أصررتُ على الرفض حينها، لَبدا الأمر غريبًا جدًا.”
قالت ناديا بهدوء، فتدخل ويستون: “في هذه النقطة… ناديا محقة، على الأرجح كايين كان سيظن أن هناك ما تخفينه، خاصةً أنه… لا يثق بي تمامًا بعد.”
راح يوهانس يذرع المكان بقلق.
“هل تظنان أن خطتنا فشلت وأن الساحر سيغضب؟ هل سنتمكن من التواصل معه مجددًا؟”
“لكني تصرفتُ بالفعل بما يخالف تلك الأوامر… ولهذا أنا قلق.”
” ما دامت القديسة برفقتنا، فلن يهجرنا الساحر، هذا مؤكد.”
رغم هذا التطمين، لم يزل القلق البادي على وجه يوهانس، لكنه أومأ على مضض.
“حسنًا، سأبقى في القصر، أما أنتما، فاذهبا إلى السهل الثلجي.”
سألته ناديا بحدّة طفيفة:
“ولماذا تود البقاء؟”
“أنا… أريد أن أحرس غرفة قداستها! لا يجب أن يُكتشف الصندوق!”
ضحكت ناديا:
“لا تقلق، من ذا الذي يجرؤ على تفتيش غرفة القديسة؟”
وكانت على حق.
حتى لو تُرك الباب مفتوحًا، فلن يجرؤ أحد على الاقتراب منها، ناهيك عن العبث بمحتوياتها.
كان ويستون على وشك الموافقة، لكنه توقف فجأة، وكأن شعورًا مألوفًا غمره، مع ذلك، لم يستطع تصور أحد يتجرأ ويدخل تلك الغرفة، فطرد الفكرة من رأسه.
“حسنًا، لنبدأ بالتحضيرات إذًا.”
“همم، حسنًا…”
تلفّتت فيلوميل حول الغرفة.
كانت غرفة الضيوف كبيرة إلى حد ما، بسيطة غير فاخرة، لكن كل ما تحتاجه موجود فيها، الأثاث والجدران ليسا جديدين، لكن لا يوحيان بالبؤس أو القِدم، بل كان المكان مثاليًا لاستضافة القديسة.
“لنبدأ.”
شمّرت فيلوميل عن ساعديها.
قالت صوفيا، الواقفة بجانبها بتوتر ظاهر: “آنستي… هل أنتِ متأكدة؟”
“لا تقلقي، صوفيا.”
“لكنها… غرفة القديسة!”
أجابت فيلوميل بنبرة هادئة لكنها حازمة: “صاحبة الغرفة ليست هنا على أي حال، لقد رأيتِها تغادر إلى السهل الثلجي بنفسك، أليس كذلك؟”
رغم منطقية كلامها، لم يزل القلق يعصف بصوفيا، حتى أنها أخفت وجهها بين كفيها.
“آه… لا شأن لي بهذا…”
ولأن فيلوميل لم تكن تنوي إشراكها في التفتيش من البداية، أشارت إلى الباب.
“اذهبي، ابقي مع السير جاك في الخارج.”
“لكن… كوني حذرة، رجاءً! اتفقنا؟”
ولتهدئتها، قررت فيلوميل أن تبوح لها بسر بسيط.
“صوفيا، لم أخبر أحدًا بهذا، لكن…”
“نعم؟”
“سبق أن فتشتُ غرفة الأمير أيضًا، فلا تقلقي.”
“ماذاااا؟!”
دفعتها فيلوميل بلطف نحو الخارج، ثم أغلقت الباب وبدأت التفتيش الجاد.
تفقدت كل زاوية في الغرفة، كانت غرفة الملابس تضم ثيابًا رقيقة لا تصلح أبدًا لجو الشمال، ولاحظت أنها تشبه تلك التي ارتدتها ناديا يوم قطفت الزهور في دفيئة قصر ويندفيل.
‘ناديا تُقدّر الأشياء التي تُظهر جمالها، لذا من المستبعد أن تُخفي شيئًا هنا.’
ولذات السبب، لم تلمس علبة المجوهرات.
بدأت تُمعن النظر وهي تستحضر ما سمعته من ريتا، الخادمة التي كانت تخدم ناديا:
‘قالت إنها منعتها من ترتيب النعال حين كانت ناديا قد أنهت استعداداتها للنوم…’
أخذت تتخيل تفاصيل تلك الليلة في ذهنها، ثم وجهت بصرها نحو السرير.
وهناك… لمحت فجوة صغيرة أسفله.
“…لا يعقل، أيمكن أن تُخفيه في مكان بسيط كهذا؟”
لكن مع ذلك، مدت يدها بحذر تتحسس أسفل السرير.
“…وجدته.”
تمتمت بدهشة وهي تسحب صندوقًا قديمًا من تحته، لا يمكن للمرء تخيله بين ممتلكات ناديا على الإطلاق.
فتحت الصندوق دون تردد… ثم تجمّدت في مكانها.
***
‘أترى… هل وجدت شيئًا؟’
كان كايين يتذكر ما قالته فيلوميل عن نيتها تفتيش غرفة ناديا فور مغادرتها.
وقد مضى على مغادرتهم القصر أكثر من ثلاثين دقيقة، لذا لا بد أن فيلوميل بدأت بحثها الآن.
تخيلها وهي تتنقل هنا وهناك في الغرفة بنشاط أشبه بسنجاب يبحث عن الجوز… فارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة.
رغم شعوره الثقيل لمرافقته ويستون وناديا إلى السهل الثلجي، إلا أن مجرد التفكير بفيلوميل أنعش قلبه فجأة.
كان يتمنى العودة بسرعة، لكنه تعمّد إبطاء سيره ليمنحها وقتًا كافيًا تفاديًا لأي طارئ.
وكلما اقتربوا من السهل، زاد توتره.
كان قد تحدث مع فيلوميل وثيودور في الليلة الماضية داخل المكتب، وخرجوا معًا باستنتاج واحد: ويستون مرتبط بالسحر.
كانت الإمبراطورة تتواطأ مع الساحر منذ زمن بعيد، والآن، ابنها ويستون وصل إلى الشمال تزامنًا مع استيقاظ الوحش، الذي أيقظه السحر.
الأرجح أنه أتى لا لكونه أميرًا ثالثًا، بل بصفته فارسًا… لكي يُخفي نواياه ويُقلل من حذر الشماليين، أو ربما ليتأكد بنفسه من استيقاظ الوحش.
لذلك، قرر كايين أن يراقب تصرفاتهما في السهل.
لكن المفاجأة أن كليهما بديا مرتبكين، وأعربا عن رغبتهما في البقاء بالقصر.
مما يعني أن ما خططا للقيام به لم يكن في السهل… بل داخل القصر.
‘هل عليّ أن أزيد من عدد حراس فيلوميل؟’
رغم أن السير جاك فارس بارع، إلا أن القلق ما زال يخيم عليه.
فهو رأى بعينيه كيف تعاملت ناديا مع الوحش، ويخشَى أن تستعمل تلك القوة ضد فيلوميل.
‘هل أقضي عليها هُنا و الآن فقط؟’
نظر إلى ناديا، التي كانت تمتطي الجواد خلف ويستون، إذ افتعلت ضجة بحجة أنها لا تستطيع ركوب جواد شمالي بمفردها.
تسلل إليه خاطر مفاجئ… أن التخلّص منها قد يكون أفضل حل.
فهذا المكان هو السهل الثلجي… ولا أحد يعرف متى أو أين قد يظهر الوحش، وفي ظروف كهذه… موت أحدهم ليس أمرًا مستبعدًا.
ولا يوجد ما يمنع أن يكون ذلك الشخص… ناديا.
وإن مات ويستون أيضًا… فسيكون ذلك مثاليًا.
“لقد وصلنا.”
توقف ديل، الفارس الذي كان يقود المجموعة.
أمامهم، امتدّ السهل الثلجي، حيث لا يُرى سوى البياض يغمر كل شيء.
رغم أن كامل الشمال مغطى بالثلج، إلا أن هذا المكان تحديدًا هو ما يُطلق عليه اسم “السهل الثلجي”.
ويعود سبب هذه التسمية إلى أن الأرض هنا… كلما اقترب المرء منها، انخفضت درجة الحرارة بصورة ملحوظة.
حتى إن الفارق في البرودة يمكن الشعور به بوضوح، مما جعل هذا المكان يُعرف بهذا الاسم دون سواه.
قال ديل بصوت جاد، موجهًا التعليمات الأخيرة:
“تحرّكوا دائمًا ضمن مجموعات لا تقل عن ثلاثة أشخاص، ولا تدخلوا إلى قلب السهل، ابقوا في الأطراف، ورافقوا أحد فرسان الشمال على الأقل.”
تشكّلَت مجموعة من ويستون، ناديا، وكاي – مساعد ثيودور – الذي كان سيُبقيهم تحت السيطرة لو حاولوا الخروج عن المسار.
أما كايين، فلتفادي أي مفاجآت، أرسل فارسَين آخرين لمراقبتهم من بعيد، ثم بدأ بتفقد السهل بنفسه.
كان قد مرّ نحو خمسة أيام منذ زيارته الأخيرة، لكن الإحساس الخانق لم يتغير… الهواء يعبق بطاقة كثيفة وملوثة لدرجة تجعل التنفس صعبًا أحيانًا.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 93"