حينها، لم أعر الأمر اهتمامًا سوى أنني استغربت كيف يمكن أن يكون هناك شخص مثلها… ولم يخطر ببالي أبدًا أن ألتقي بها لاحقًا بصفتها القديسة.
“أعتقد أنه سيكون من الأفضل أن نُلحق بريتا للعمل في خدمتها.”
“بما أن ريـتا تجيد التمثيل، فلا شك أنها ستؤدي الدور على أكمل وجه.”
“نعم، ويجب أن نحرص على ألا تلتقي بفيلوميل قدر الإمكان، لا بد أن الأمر يزعجها بشدة.”
عند تلك الكلمات، استدار ثيودور نحو ناتاشا وحدّق بها.
“حقًا، فيلوميل مذهلة، ربما لو كنت أصغر سنًا، لكنت قد صفعتها من فرط الغيظ… لماذا تنظر إلي هكذا؟”
توقفت ناتاشا عن الكلام، وقد أدركت أن ثيودور كان يحدّق بها بنظرات ضيقة وريبة.
“فيلوميل؟ منذ متى أصحبتِ على هذه الدرجة من الألفة مع الآنسة فيلوميل؟”
“يا إلهي، هل قلتُ فيلوميل هكذا دون قصد؟”
وضعت ناتاشا يدها برفق على فمها، كأنها ارتكبت زلة، ثم تمتمت:
“يبدو أن ديل كان محقًا… قال إنكِ معجبة جدًا بالآنسة فيلوميل.”
“ولم يكن مخطئًا.”
لم تحاول ناتاشا إنكار ذلك.
“كيف يمكن لأحد ألا يحبها؟”
“هذا صحيح.”
لم يكن هناك ما يزعجها من فيلوميل من أي ناحية.
بدءًا من علاقتها الطيبة مع ليازيل، إلى حب كايين لها، وحتى شخصيتها الحازمة المتزنة… كل شيء فيها كان يرضي ناتاشا تمامًا.
“كما قُلتِ ، ربما تمر الآنسة فيلوميل بوقت عصيب بسبب القديسة، فلتساعديها قدر ما تستطيعين، أما أنا، فسأضطر للتركيز على كايين، فأخشى أن يقتل الأمير الثالث.”
وكانت ناتاشا أيضًا قد بدأت تقلق بشأن ذلك منذ أن تأكدت من قدوم ويستون، أومأت برأسها موافقة.
“لكن لا تقلق كثيرًا، يا ثيو، كايين لم ينتظر عشر سنوات لأنه يفتقر إلى المهارة.”
“وجود الآنسة فيلوميل إلى جانبه يبعث في نفسي بعض الطمأنينة، في الواقع.”
تشابكت أيديهما، ثم نظرا عبر النافذة إلى المشهد الخارجي، كانت عاصفة ثلجية عاتية تهبّ، تحجب الرؤية تمامًا، كأنها تعكس الوضع المضطرب في الشمال.
ومع ذلك، لم يَشعُرا بأي خوف فقد آمنا ببعضهما بعد سنوات طويلة من الحياة المشتركة.
***
كانت ناديا تدندن بلحن خافت، مزاجها في غاية الصفاء.
نظرة واحدة إلى انعكاسها في المرآة كفيلة بجعلها تنسى برودة تصرفات ناتاشا.
اقتربت ناديا من المرآة، تمسك وجهها بين كفيها، وتحدّث نفسها بإعجاب:
“أظن أنني أصبحت أجمل منذ أن أصبحت قديسة.”
راحت تغيّر زاوية وجهها لتتفحص ملامحها من مختلف الجهات.
في البداية، كانت خائفة قليلًا من الخطة.
فلو أخفقت، لربما تشوّه وجهها أو أصيب بعيب ما. لكن القلق كان في غير محله. فبعد أن نجحت الخطة، ازدادت إشراقتها وجمالها.
في المعبد، كان الكهنة يلازمونها طوال اليوم، ولم تكن تستطيع حتى النظر في المرآة بحرية.
وكانت تتوقع أن تعاني من الإزعاج في الشمال، لكن الوضع كان أفضل من المعبد بكثير، فلا كهنة يلاحقونها.
“فيلوميل كانت تعيش في مثل هذا المكان، إذن…”
وحين خطرت فيلوميل في بالها، ارتسمت على شفتي ناديا ابتسامة باردة، حاقدة.
أشتاق إلى رؤية ذلك التعبير مجددًا.
حين كشفت ناديا عن وجهها والتقت عيناها بعيني فيلوميل، رأَت في وجهها نظرة لم تألفها من قبل.
نظرة كانت تنتظرها منذ وقت طويل.
“من الطبيعي أن تنصدم هكذا، كيف لا، وقد أصبحتُ أنا، من كانت تُهينني وتحتقرني، قديسة بكل فخر؟”
لكن ما أزعجها فقط هو أن تعبير فيلوميل ذاك اختفى سريعًا، مع ذلك، لم تكن ناديا مستعجلة. ما دامت ستبقى في الشمال، فستحظى بفرصة لرؤية ذلك الوجه مرات كثيرة.
“رغم كل شيء، يبدو أنهما ما زالا على علاقة جيدة…”
تذكرت ناديا كيف كان كايين يُمسك بكتف فيلوميل بلطف.
كايين، الذي لم تره منذ زمن طويل، بدا أكثر روعة من ذي قبل. في هذا الشمال المغطى بالثلوج، كان حضوره ساحقًا.
“بصراحة، إنه أروع من أن يكون من نصيب فيلوميل، أشعر حقًا أنه قدري…”
قبل أن تصل إلى هذا المكان، لم يكن يشغلها سوى الانتقام من الاثنين. لكنها بدأت تشعر بالأسف على خسارته.
“ربما… إذا ماتت فيلوميل، فسيدرك كايين أني أنا قدَره الحقيقي، لا تلك المزيفة.”
نعم… لم تكن مستعدة بعد للتخلي عن هذا الوجه.
“بما أن أروع شخص هو قدَري… فلا شك أن كايين هو الأجدر، صحيح أن الأمير الثالث وسيم، لكنه لا يُقارن بكايين.”
قامت ناديا بمقارنة الرجلين في رأسها، ثم هزّت رأسها لتطرد الفكرة.
وبينما كانت تستعيد توازنها، سُمِع طرقٌ على الباب. وقبل أن تأذن بالدخول، فُتح الباب ودخل شخص مألوف. رأت وجهه في المرآة، فأشرقت ملامحها بسعادة.
“ويستون، سموّك! أتيت؟”
لكن ملامح ويستون لم تكن على ما يُرام، وكذلك يوهانس. كان يوهانس يقترب منها بوجه شاحب.
“قديستنا…”
“ما الذي أخّركما؟ لقد شعرت بالملل، أحضرتما المطلوب، صحيح؟”
عند سؤالها، أخرج يوهانس صندوقًا صغيرًا من عباءته.
أسرعت ناديا إلى أخذه بلهفة. ناديا المعتادة ما كانت لتلقي نظرة على صندوق خشبي عتيق كهذا، لكن هذا الصندوق كان استثناءً.
“يا قديسة، لقد أصابتني الدهشة حقًا.”
“هاه؟ من ماذا؟ كدتَ تُكشف؟ ألم أقل لك أن تتصرف بحذر؟”
“ليس هذا ما قصدته! كيف تقومين بتصرفات دون التشاور معنا؟ أعني التفتيش الأمني!”
“آه، ذاك؟”
رمشت ناديا بعينيها الكبيرتين بدهشة مصطنعة.
“المهم أنك نجحت وتجاوزت التفتيش، أليس كذلك؟”
“لولا مساعدة الأمير الثالث، لانكشفتِ لا محالة!”
قال يوهانس وهو يتنهّد بغيظ من استهتارها، لكن ناديا لم تُعره اهتمامًا، وكانت منشغلة بضمّ الصندوق إلى صدرها بحنان.
“ناديا، يوهانس محق، لقد كنتِ على وشك التسبب بكارثة.”
قال ويستون كلمته أيضًا، فوضعت ناديا الصندوق تحت سريرها، ثم قالت:
“حسنًا، حسنًا، لن أفعلها مجددًا، لكن ما سبب قدومكم؟”
“كيف كانت ردة فعل السيدة ناتاشا؟”
“ناتاشا؟”
أخذت ناديا تُحاول استرجاع ما حدث.
في الحقيقة، كانت مشغولة بحساب أسعار الأثاث والورق الجداري فلم تنتبه لكلمات ناتاشا جيدًا، لذلك بالكاد تذكّرت.
“كانت لطيفة، لما أخبرتها أني لم آتِ بخادمة، قالت إنها سترسل لي خادمة خاصة، كما أعطتني غرفة فسيحة كهذه صحيح أن الأثاث يبدو متواضعًا قليلًا، لكنه مقبول أكثر مما توقعت.”
كلما تكلمت، تحوّلت ملاحظاتها إلى تقييم الغرفة، لا السيدة ناتاشا. فتردّد ويستون وسأل:
“ناديا… ألم تقل شيئًا خاصًا؟”
“آه، صحيح، سمعتها تقول إنها ستتواصل مع المعبد لترسل خادمة من هناك، أليس هذا تصرفًا ضيق الأفق؟”
لم تكن تتجاوب إطلاقًا، فأغمض ويستون عينيه بقوة ثم فتحهما.
هل كنت غافلًا حين أمسكت بيدها؟ تساءل عن نفسه في الماضي.
“أفهم… تبدو ذاكرتك جيدة جدًا.”
“بالمناسبة، سمو الأمير… متى سأقابل الساحر؟”
قال يوهانس متوسلًا وهو يفرك يديه.
“لا أقصد الإلحاح، لكني أتيت معكم حتى هنا إلى الشمال، رغم أن الأمر صدر من قداسة البابا، أشعر أن من حقي القليل من المكافأة، مجرد رغبة صغيرة في لقاء الساحر فحسب.”
اضطُر ويستون إلى رسم ابتسامة.
“انتظر قليلًا، سيأتي الاتصال أولًا، بما أننا وصلنا بسلام، فلا شك أننا سنتلقى خبرًا قريبًا.”
“أوه، نعم، لا شك في ذلك! كنت متسرعًا قليلًا!”
“إذن سأرحل الآن، ناديا، احفظي الصندوق جيدًا، فلن يتجرأ أحد على تفتيش غرفة القديسة.”
“حسنًا، لا تقلق.”
رغم أن ناديا لم تكن موضع ثقة كبيرة، فلم يكن هناك بديل.
“لا تقلقوا، ما إن أوقظ الوحش وأُظهر قوتي، سيُعرف من أنا، كما فعلت اليوم تمامًا.”
تذكّر ويستون ما حدث قبل ساعات.
كان يعلم أن ناديا امتلكت قوى إلاهية، لكنه لم يرَها تُستخدم بعد.
وقبل دخولهم القصر، ظهر وحش فجأة وهاجمهم، وقد تصرّفت ناديا حينها بكل بساطة وقضت عليه فورًا.
لكن… هل يجوز لقديسة أن تقتل وحشًا؟
سأل نفسه هذا السؤال ثم قال متجاهلًا شكوكه:
“كم وحشًا يمكنكِ القضاء عليه؟ خمس مثلًا؟”
“… بالطبع.”
أومأت ناديا برأسها بعد لحظة تردد.
“أمر بسيط جدًا، أنا القديسة، ألا تتوقع مني ذلك؟”
“جيد، هذا مطمئن إذًا، لا تنسي، الصندوق.”
“أجل، لا تقلق.”
خرج ويستون من غرفة ناديا وألقى نظرة إلى الخارج. الثلوج تهطل كما كانت أيام الطفولة. لم يتغيّر الشمال أبدًا.
حقًا، لم يتغير شيء هنا.
منذ أكثر من عشر سنوات، كان ويستون يزور الشمال أحيانًا برفقة كايين. وكان بعد كل زيارة يتعرض لتوبيخ شديد من الإمبراطورة، لكن سعادته بتلك الرحلات كانت تفوق ما يتكبّده من عواقب.
مؤلم أن أُضطر لمحو هذا المكان، لكن… لا مفر.
فكّر أن كايين لم يعترف به صديقًا حتى النهاية. وهو نفسه لم يكن يرغب بإيذاء كايين أكثر من هذا.
لذا، هذا ليس خطأي.
لم يكن قادرًا على تحمّل فكرة اختفاء هذا القصر الجميل، فأدار وجهه في النهاية وتجاهل كل شيء.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 91"