بين أنياب الأفعى، راحت فيلوميل تُفكر بيأس في طريقة تُمكّنها من النجاة دون أن تُلتهم بالكامل، وبعد لحظة تفكير، اختارت طريقًا واحدًا…
عضة.
شعرت بطعمٍ معدنيّ مالح ينتشر في فمها مع إحساسٍ حادّ بأسنانها تغرز في شيءٍ ما.
كانت قد عضّت شفتيه، ومع ذلك لم يبدُ على كايين أي رد فعل، بل تابع قبّلته كأن شيئًا لم يكن.
ذلك أربكها بشدة.
ولم يبتعد عنها إلا بعد أن نهل من جشعه القليل.
“هاه… هاه…”
راحت تلهث بأنفاس متقطّعة، وصدرها يعلو ويهبط بعنف، ومع ذلك كان وجهها يغمره الذهول والارتباك.
“دوق… هل تؤلمك؟”
كان كايين يُعيد ترتيب خصلات شعرها المتناثرة حين نطق:
“آه.”
ثم رفع يده ليمسح شفتيه.
“بدأت تلسعني الآن، يبدو أني لم أشعر بالألم في البداية من شدّة… الإثارة، ظننت أن ارتعاشي كان بسبب قبلة منك.”
“لكن، الدم… هناك الكثير منه!”
شهقت فيلوميل حين رأت قطرات الدم تتجمع على شفتيه أكثر مما توقعت، فانتفضت محاولة النهوض.
لكن كايين أوقفها، فاضطُرّت إلى البقاء مرتكزة على مرفقيها.
“لماذا؟ لديّ منديل، دعني أمسحه لك.”
“ليس هذا ما أريد.”
أمسك بذقنها برفق، ثم مدّ لسانه بلطف على شفتيها الملطختين بدمه.
“فقط… حتى يجف.”
نظراته ثبتت على عينيها.
“همم؟”
ورغم أنه بدا وكأنه يستأذنها، شعرت فيلوميل أن لا خيار لها، وكأن القرار قد فُرض عليها دون نقاش.
“لا شك أنني مُسحورة به تمامًا…”
أغمضت عينيها مُستسلمة لهذا الإدراك المرير.
وفي اللحظة ذاتها، التهم كايين شفتيها من جديد.
بقيت أسيرةً بين أنيابه لوقتٍ بدا وكأنه لن ينتهي.
***
حين خرجت وأغلقت الباب خلفها، وضعت ظاهر كفّها على وجنتيها. الحرارة ما تزال كامنة في بشرتها.
أخذت نفسًا عميقًا وأغمضت عينيها بقوة، ثم فتحتهما.
بضع دقائق فقط كانت تفصلها عن جلوسها مع كايين على الأريكة خلف هذا الباب، وما حدث بينهما… جعل الحرارة تعود إلى وجهها.
“لم أكن أنتظر شيئًا كهذا…”
لقد مضت أربعة أيام منذ بدأت تنتظر كايين في مكتبه. كانت تنام على الأريكة في انتظاره حتى عودته من حراسة الفجر، وما إن يدخل، حتى يندفع إليها ويقبّلها بشغف.
لم يكن ينام، بل يبقى مُلصقًا بشفتيها، حتى تُجبره إما على النوم أو على العمل.
ولولا تدخلها، لبقيت عالقة بين ذراعيه لساعات.
مرت بيدها على عباءته التي ربطها بإحكام، ثم بدأت تسير في الممر، قبل أن تقف أمام نافذةٍ كبيرة.
كان الفجر قد بدأ للتو.
مرّت ثلاثة أيام منذ ظهور الوحوش الثلاثة وإصابة هارنين.
رغم إرسال فرق الاستطلاع، لم يُعثر على الوحش الثالث بعد.
لذا، كان كلٌ من ثيودور وكايين يتناوبان الحراسة طوال الليل حتى بزوغ الشمس.
أما هارنين، فقد تعافى بسرعة مذهلة، وبدأ يتصرف كعادته منذ يوم أمس.
قرّرت فيلوميل الذهاب إليه لتطمئن على حاله بنفسها.
طرقت الباب، فلم تسمع أي جواب.
فتحت الباب دون تردد.
كما توقعت، كان هارنين غارقًا وسط أكوام من الأوراق، يقرأ بشغف شديد.
“هارنين.”
“آه، رئيسة؟ متى أتيتِ؟”
“للتو، ما زلت تراجع تلك الأوراق؟”
كان قد فقد وعيه ليومٍ كامل بسبب النزيف.
وما إن استعاد وعيه، حتى طلب من ثيودور السماح له بالاطّلاع على سجل الوحوش، رغم أنه لم يكن قادرًا حتى على الوقوف.
وافق ثيودور، لكن بشرط أن يتم ذلك بعد تعافيه الكامل.
لكن هارنين، وكأنه استمد طاقته من تلك الرغبة، تعافى خلال يومٍ واحد فقط.
ومنذ البارحة، وهو يقرأ السجلات بلا توقف.
“أجل، لا يزال هناك الكثير، لا شيء يُذكر في المئتي سنة التي نامت فيها الوحوش، لكن عدد الصفحات هائل.”
“هل… تقرأه بالعكس؟”
فقد بدأ هارنين من نهاية السجل، لا بدايته.
“هكذا أستطيع فهم السياق بصورة أوضح.”
“لكن ألم يقل كلٌ من السيد ثيودور والدوق إنهما قرآ السجل؟ ولم يذكرا شيئًا عن الأرواح؟ ربما ليس فيها ما يتعلق بذلك.”
كان السبب الرئيسي في إصرار هارنين على قراءة السجل، هو اعتقاده بأن الوحش استيقظ بسبب الروح التي استدعاها هو.
“هل تعلمين، رئيسة؟ الأسماء لم تُمنح للأرواح إلا منذ بضع مئات من السنين، على الأرجح، السجل يستخدم كلمات أخرى لوصفها.”
“…سأساعدك في البحث.”
جلست بجانبه وبدأت تقرأ معه.
وبعد مرور بضع ساعات…
دقّ صوت البوق أرجاء القصر.
نهضت فيلوميل بسرعة وفتحت النافذة. رياح باردة هبّت بقوة، لكن عينيها لم تفارقا السور.
رأت الناس يتأهبون ويهرعون إلى مواقعهم.
“هارنين… يبدو أن الوحش قد ظهر.”
رفع هارنين عينيه عن السجل بقلق.
–”يجب أن أُسرع في البحث، اذهبي أنتِ إلى ليازيل، سأكمل هنا وحدي سأتمكن من إنهائه خلال أيام.”
كانت ليازيل قد أخبرتها الليلة الماضية بأنها ستذهب إلى الدفيئة اليوم.
فخرجت فيلوميل على الفور من القصر.
“ليازيل!”
“فيلوميل!”
“هل فزعتِ؟ هيا، لندخل بسرعة.”
“كنت في انتظار بِيونا وإيما، خشيت أن تفوتني الطريق إن غادرت.”
أمسكت ليازيل بيدها.
قررت فيلوميل أن تعود للقصر لاحقًا لتساعد الجرحى، إن وُجدوا.
لكن قبل أن يكملا طريقهما، ظهر من يعترضهما.
“فيلوميل، ليازيل.”
“دوق؟!”
كان كايين… ظنّت أنه سيكون على السور بعد سماعه صوت البوق.
“ألم يظهر الوحش؟ لماذا أتيت إلى هنا؟”
“ظهر… لكن…”
تردّد كايين، وتقلصت ملامحه.
راحت فيلوميل تنظر إليه في حيرة.
ثم همس بصوتٍ خافت:
“القديسة… وصلت.”
“حقًا؟ توقيت وصولها مطابق لتوقّعاتنا تقريبًا، أليس كذلك؟”
تنفّست فيلوميل الصعداء، ظنّت أن توتر كايين ناتج عن انزعاجه من رجال المعبد.
وفي تلك اللحظة، دوّى صوت البوق من جديد، وبدأت أبواب القصر تُفتح.
هبط كلٌ من ثيودور وناتاشا من على السور وانضمّا إليهم.
ثم دخل موكب المعبد، يكتسيهم البياض من الرأس حتى القدم.
في مقدمتهم، ترجل رجلٌ عن جواده، ونزع رداءه.
“ويستون؟”
تمتم كايين باسمه فور رؤيته.
اقترب ويستون منهم وقال:
– “السيد ثيودور، السيدة ناتاشا، ودوق ويندفيل.”
نظر إليه ثيودور بثبات قبل أن يقول:
“…سمو الأمير الثالث، ما الذي جاء بك إلى هنا؟”
أجاب ويستون بسرعة:
“لست هنا بصفتي أميرًا، فلا تنادِني بذلك، أرجوك.”
سأله كايين ببرود: “…ماذا يعني هذا؟”
“أُوكل إليّ مرافقة القديسة إلى الشمال بأمان، كما ذكرت، لست هنا كأمير، بل كفارس لذا، يُرجى مناداتي بالسير ويستون فقط.”
شعرت فيلوميل بتوتر كايين المتصاعد، فأمسكت بيده.
كان قد قبض يده حتى ابيضّت مفاصله. وما إن لامستها حتى خفف قبضته، فتشابكت أصابعها بأصابعه.
التفتت نظرات ويستون إلى أيديهما المتشابكة.
“…لم يصلنا أي إشعار مسبق، ففوجئت بالأمر.”
كرر أكثر من مرة أنه ليس هنا كأمير، بل كفارس، فبدأ كايين حديثه بتوتر ملحوظ:
“نرجو تفهّمكم، فقد جاء القرار فجأة، ولم نجد وقتًا لإرسال برقية مسبقة.”
سألت ناتاشا لتوضيح الموقف:
– “فهمت. وأين القديسة؟”
– “أه، القديسة…”
أدار ويستون رأسه نحو العربة الأفخم في الموكب.
كانت الأبواب تُفتح ببطء، وخرجت منها فتاة تُرافقها فرقة من فرسان المعبد.
كانت تضع حجابًا أبيض شفافًا يُخفي ملامح وجهها.
كلما اقتربت، ازداد اضطراب فيلوميل.
كانت تشعر برطوبة في كفّيها، كأن عرقًا باردًا يسري فيهما.
وعندما حدّقت عبر الحجاب الذي كشف خطوط الوجه بوضوح خافت…
قبض كايين على يدها بقوة، يشعر بارتجافها.
“حضرة القديسة، تفضلي، قدّمي نفسك.”
وقفت القديسة إلى جانب ويستون، ورفعت الحجاب.
وفي اللحظة التي انكشفت فيها ملامحها، أصيبت فيلوميل بصدمةٍ حادة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 88"