وما إن سمع الناس الأمر حتى تركوا ما بأيديهم وتوجهوا إلى مستودع الأسلحة، وبفضل تحركهم المنظم، لم تمضِ سوى دقائق معدودة حتى كان الجميع مسلحين في أماكنهم.
صعدت ناتاشا إلى أعلى السور لتستطلع ما في الخارج.
لسعها الهواء البارد وهو يضرب وجهها بعنف كالسكاكين، لكن لم ترفّ لها عين، وظلّت تحدّق بثبات نحو الأمام.
وما إن لاح لها ظل بشر من بعيد، حتى أومأت بعينيها.
فما كان من الحارس الواقف بجانبها إلا أن نفخ في البوق.
كان صوت البوق عاليًا حتى كاد يصم الآذان، ومعه بدأت بوابات القلعة بالتحرك.
ومع اقتراب البوابة من الانفتاح، راحت ملامح أولئك البعيدين تتضح شيئًا فشيئًا.
“ما إن يدخلوا جميعًا، أغلقوا الباب فورًا.”
أصدرت ناتاشا الأمر للحارس، ثم نزلت من على السور.
وحين اقتربت من القادمين الذين كانوا قد عبروا بوابة القلعة، دوت صفارات البوق مجددًا وأُغلقت الأبواب خلفهم.
“هارنين، لا تنم، هل تسمعني؟ لا تنم!”
وهناك، وسط كل هذا، كانت فيلوميل.
ظننتُ أنها ستكون بالداخل…
في خضم حالة الطوارئ تلك، لم تجد ناتاشا فرصة للتأكد من حال فيلوميل أو ليازِيل.
لكنها كانت تظن بل تأمل أن تكونا قد لجأتا إلى الداخل مع المدنيين.
رغم أن ليازِيل كانت من المتعالين وبارعة في سنها الصغير، إلا أنها لم تتجاوز العاشرة، وفيلوميل لم تكن ممن يُجيد استخدام السيف.
وجودهما هنا لن يفيد، بل سيشكل عبئًا.
لكن فيلوميل، بوجهها الهادئ، كانت تمسك بكتف هارنين وتوقظه بإصرار:
“لا تستسلم، هارنين! ابقَ معنا!”
كانت تتفحص جرحه الذي بدت عليه آثار النزف الشديد، ممسكة ببطنه الذي ضغط عليه هارنين بيد مرتجفة.
“أحدهم، أحضر شاشًا نظيفًا وماءً بسرعة!”
صرخت فيلوميل، وما إن وقعت عيناها على ناتاشا حتى بدا عليها الارتياح.
“سيدتي ناتاشا…”
“فيلوميل، دعيه لي، سأكمل علاجه.”
كانت فيلوميل تعرف أن مهارة ناتاشا في الطب تفوقها بكثير، لذا نهضت من مكانها فورًا.
وبما أن فيلوميل كانت تضغط على الجرح، فما إن أبعدت يدها حتى تدفّق الدم بغزارة. لكن ناتاشا تصرّفت برباطة جأش، ومزّقت ثوب هارنين بسرعة.
جاء أحد الفرسان حاملاً الشاش والماء، فباشرت ناتاشا العلاج بسرعة وكفاءة.
وأثناء لفّها الضمادات، سألت:
“فيلوميل، أين ثيو وكايين؟”
“كلاهما صعد إلى البرج فورًا، أعتقد أنهما أرادا التأكد مما إذا كان الوحش لا يزال يلاحقهم.”
“هل عرفتِ شيئًا عن الوضع؟”
“سمعت شيئًا بسيطًا من الدوق… هارنين تعرّض لهجوم من الوحش.”
“جراحه سطحية فقط، لن تكون مهددة لِحياته، لا تقلقي، فيلوميل.”
مع كلمات ناتاشا، أطلقت فيلوميل زفرة طويلة كانت تحبسها منذ البداية، بين شفتين مرتجفتين، تنفست ببطء وأغمضت عينيها للحظة.
عندما سمعَت بكلمة وحش، كانت قد تجمّدت في مكانها.
كانت الأفكار تتزاحم في رأسها ولا تدري ما تفعل، ولم تفق من ذهولها إلا بعد أن فرغ الدفيئة الزجاجية من الجميع.
خلال تلك اللحظات القليلة، حاولت أن تفكّر: هل هناك ما أستطيع فعله؟
لكنها لم تجد.
لم تكن تجيد الطب، ولم تكن تملك قوى خارقة، ولا حتى موهبة في القيادة.
لكنها لم تكن ترغب في الجلوس ومراقبة ما يحدث من مكان آمن.
أسرعت بتسليم ليازيل إلى صوفيا وجيك، وخرجت.
لم تكن طبيبة، لكنها كانت تعرف الإسعافات الأولية، كوقف النزيف وربط الجروح.
وما إن خرجت، حتى فوجئت بهارنين يُنزَل من على صهوة الحصان متكئًا على كايين، كان ثوبه غارقًا بالدم، ووجهه شاحبًا حد البياض.
تذكرت فيلوميل أول لقاء لها بهارنين، ومن يومها انصبّ تركيزها على إنقاذه.
وبعدما سمعت أن وضعه لم يعد خطرًا، انهارت توتراتها مرة واحدة.
“ديل، خذ هارنين إلى العيادة.”
“أمرك، سيدتي ناتاشا.”
وبإشارة من ديل، اقترب الفرسان وحملوا هارنين بحذر نحو الداخل.
لكن قبل أن تلتقط ناتاشا أنفاسها، كان جيو قد وصل.
قالت فيلوميل على عجل، بعد أن رأته:
“جيو! ما الذي حدث؟”
“جئتُ لأُطلعكما على ما جرى.”
القصة كما رواها جيو:
توجهوا إلى السهل الثلجي: ثيو، وكايين، وهارنين، وجيو، إضافة إلى أربعة فرسان.
لكن فجأة، تعطلت حجارة التدفئة الخاصة بجيو، فاستدعى هارنين روح النار ليكسر حدة البرد.
لم تمضِ إلا لحظات، حتى انطلقت دويّات عظيمة من تحت الثلوج، وظهرت ثلاثة وحوش قرب هارنين، وتعرض لإصابة.
ولحسن الحظ، كان ثيو وكايين بالقرب، فتخلصا من اثنين من الوحوش، لكن لإنقاذ هارنين، اضطروا لترك الوحش الثالث والعودة.
“هل هناك مصابون آخرون؟”
“لا، لم يُصب سواه.”
“وماذا عن الوحش الثالث؟ هل لحق بكم؟”
“في البداية، نعم… لكنه سرعان ما تراجع واختفى.”
“هذا… أفضل من لا شيء، إذن.”
زفرت ناتاشا تنهيدة ارتياح.
رغم أن مصير الوحش مجهول، إلا أن الأهم أنه لم يتبعهم حتى القلعة.
“الدوق وثيو الآن في البرج يراقبان الوضع، على الأرجح سيبقون هناك حتى طلوع الفجر، يمكنكما العودة.”
“حسنًا…سيدة ناتاشا لا بد أن الأهالي مرعوبون، ربما من الأفضل أن نترك أقل عدد من الحراس ونعود.”
نظرت ناتاشا إلى فيلوميل للحظة، ثم أومأت برأسها.
“معك حق، عودي أنتِ أولاً، سأهتم بالباقي ثم أعود.”
لم تعارض فيلوميل، فهي تدرك تمامًا أن لا دور لها الآن، فاستدارت نحو القلعة.
لكن قبل أن تدخل، رفعت رأسها تنظر نحو السور، حيث يفترض أن يكون كايين، ثم التفتت بصمت ومضت.
***
كان كايين يحدّق في الشمس وهي تطلع من بعيد.
لأول مرة منذ صعد إلى البرج، يشيح ببصره عن السهل الثلجي.
كان كلما رمش بجفنه، يثقل عليه النعاس، لكن عزيمته لم تضعف.
الوحوش تنشط في الليل، لذا ما إن يطلع الفجر حتى يمكن أن يتنفسوا براحة.
حاول كايين البقاء متيقظًا حتى انبثق الضوء بالكامل، ثم أغمض عينيه.
وبعد أن ابتلع ريقه الجاف، استدار.
ثم، كما فعل عند صعوده، ركّز الهالة على قدميه وقفز من البرج، ليهبط بهدوء على الأرض.
“كايين.”
“والدي.”
كان ثيودور قد نزل هو الآخر، وبدت عليه ملامح الإرهاق الشديد.
“الشكر للإله… يبدو أن الوحش لم يقترب من هنا.”
“كان يجب أن أقتله.”
“لا… تأخيرك كان قد يُعرّض هارنين للخطر، اخترت القرار الصحيح.”
ربت ثيودور على كتف ابنه.
“أنت مرهق، اذهب لترتاح.”
“نعم، وأنت كذلك يا والدي.”
افترق الاثنان، لكن كايين لم يذهب إلى غرفة نومه، بل إلى مكتب الإدارة.
كان يريد إرسال رسالة إلى سيباستيان، يطلب فيها استدعاء مزيد من الفرسان كإجراء احترازي.
كما عليه أن يكتب تقريرًا لولي العهد عمّا جرى.
كان يجمع أفكاره ويستعد لما سيفعله، حين فتح باب المكتب… وتوقف في مكانه.
هناك، على الأريكة، كانت فيلوميل نائمة، محتضنة جسدها الصغير في هدوء عميق.
رفع كايين رأسه ليناديها، لكن حين رآها هكذا، لم يشأ أن يوقظها، فصمت فورًا.
اقترب منها دون صوت، ومحوَ أي أثر لوجوده.
ورغم أن حرارة الحجرة كانت معتدلة بفضل حجر التدفئة، خلع عباءته بلطف ووضعها على جسدها.
كانت تغطّ في نوم عميق، وما تحركت إلا قليلاً.
وضع كايين يده على ظهر الأريكة، والأخرى على الذراع، وراح يتأملها.
كانت ملامحها مغمورة بظله، وهي غافلة تمامًا عن وجوده.
تأمل شعرها الذهبي المبعثر، الذي بدا ناعمًا لدرجة تشعل في نفسه رغبة في لمسه.
وعينَاها، النائمتين تحت جفنَين مغمضَين، كان يعرف جيدًا كم تلمعان حين تنظران إليه.
فقط بمجرد تذكر عينيها وهما تنظران إليه… ارتسمت على وجهه ابتسامة بلا وعي.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 86"