فكّرت فيلوميل بجدية للحظة، متعجبة من السبب الذي جعل كايين يصبح هكذا.
صحيح أن مجرى القصة الأصلية قد انحرف، لكن الاختلاف كان كبيرًا جدًا لدرجة أنها لم تستطع منع نفسها من التساؤل.
وحين رآها كايين تحدق به بهذا الشكل، سألها بتحفظ:
“هل لم يعجبك؟ بالنسبة لي، أعجبني.”
كانت على وشك أن تحرك شفتيها لترد، لكنها لم تفعل. فور أن لاحظت تعبير وجهه، آثرت الصمت.
كايين كان يرمقها بطرف عينيه وكأنه يراقب رد فعلها.
لولا أن يدَيهما المتشابكتين كانتا رطبتين قليلًا، لما أدركت أبدًا أنه متوتر.
حدّقت به فيلوميل بنظرة مستغربة من كلامه الوقح، لكن حين لاحظت توتره، قالت بصوت منخفض:
“…في المرات القادمة، اطلب الإذن أولًا.”
ابتسم كايين بسعادة وسألها فورًا:
“يعني أستطيع تقبيلك الآن؟”
“كلا.”
“يا للخسارة، ألن تتساهلي ابدًا؟.”
“وهل أنت، يا دوق، تتساهل في أي فرصة؟”
“وهنا تكمن جاذبيتي.”
ضحكت فيلوميل بسخرية خفيفة في النهاية.
“يبدو أنك محق.”
“إذًا، تعترفين بسحري؟ هل يمكنني التقبيل الآن؟”
“قلت لك لا، انظر إلى الشفق القطبي بدلًا مني.”
نقر كايين لسانه بخفة وأدار وجهه. لكن ما لبث أن التفت نحوها مجددًا، فبادرت فيلوميل فورًا بالقول:
“ليس إليّ، الشفق القطبي.”
“لكن عيني تريد أن تراك أكثر.”
وحين أصرّ كايين، أدارت فيلوميل رأسها نحوه، وتلاقت نظراتها مع عينَيه المنحنيتين في ابتسامة، فقالت بعد لحظة صمت:
“شكرًا… لأنك أريتني شيئًا بهذا الجمال.”
“كنت أود أن أريك إياه فور وصولنا إلى الشمال. صحيح أنني تأخرت قليلًا، لكن شعرت أن اليوم هو الفرصة الأخيرة.”
“كادت تفوتني هذه الروعة إذًا.”
“يمكنك الاستمرار في النظر، فأنا سأظل أنظر إليك.”
“لكن مع هذه النظرات، لا أستطيع النظر إليه براحة.”
قالت ذلك وهي تضحك بخفة، ثم أخذت تتلفت حولها.
“بالمناسبة، أين نحن؟”
“إنه برج من أبراج سور القلعة.”
أمالت فيلوميل رأسها لتنظر إلى أسفل البرج. حتى بنظرة سريعة، كان واضحًا كم هو مرتفع، ولو لم تكن العاصفة الثلجية تعيق الرؤية، لكان بالإمكان رؤية أماكن بعيدة جدًا.
حين لمحت القلعة في الأسفل بحجم صغير، أطلقت فيلوميل تنهيدة إعجاب قصيرة.
“إنه مرتفع فعلًا.”
“له أهمية كبيرة في مراقبة الأعداء من بعيد. وقبل كل شيء، هو أفضل مكان لرؤية الشفق القطبي.”
“لكننا وصلنا بسرعة، كيف صعدنا؟”
“هل تعلمين أنه يمكنني تغليف قدمي بالأورا؟”
“…ألا توجد طريقة أخرى عدا الاورا؟”
“هناك سلالم، لكنها تأخذ وقتًا طويلًا وأردت أن أريك الشفق بسرعة، لهذا استخدمت الأورا.”
دوخة خفيفة ضربت رأس فيلوميل وهي تفكر أن واحدًا من قلة نادرة من المتعاليين حول العالم استخدم الأورا فقط ليُريها الشفق القطبي بضع دقائق أبكر.
“لهذا كنا سريعين.”
“بالضبط، لكن، فيلوميل… لماذا لم تهاجميني فورًا قبل قليل؟ لو كانت تلك حالة حقيقية، لكان الوضع خطرًا.”
“تفاجأت، وسرعان ما عرفت أنه أنت يا دوق.”
قطّب كايين حاجبيه وأمال رأسه.
“كيف عرفتِ؟”
“كانت حرارة جسدك.”
كايين كان دائمًا ذا حرارة جسدية عالية. سواء كان الجو باردًا أو حارًا، وفي أيّ مكان، كانت يده وملامسته دافئة دائمًا.
بالرغم من أنها كانت تشعر بالبرد، لم تتصور فيلوميل أبدًا أن حرارتها منخفضة. لكن بعد أن التقت بكايين، أدركت ذلك لأول مرة.
“تعنين أنك تعرفين حرارة جسدي؟”
“نعم، دائمًا ما تكون دافئًا.”
وكانت اللحظات التي تمسك فيها بيده، حين تمتزج حرارة جسديهما وتصبح بدرجة مثالية، هي أكثر اللحظات التي تحبها.
نظرت نحو كايين الذي كان يحدق بها، وسألته:
“لماذا تنظر إليّ هكذا؟”
“لأن معرفتك بحرارة جسدي… لا أعلم، أمر غريب لكنه يشعرني بالرضا.”
ومع انحناءة ابتسامته، ضحكت فيلوميل ضحكة صغيرة.
“وما المميز في ذلك؟ على كل حال، أنت غريب الأطوار يا دوق.”
هزّ كايين كتفيه بلا مبالاة.
“على أي حال، في المرات القادمة، حتى لو شككتِ أنه أنا، فهاجميني دون تردد وإن كنت أنا فعلًا، فسأتفاداه بنفسي.”
وبما أن كايين يملك من المهارة ما يؤهله لذلك، أومأت فيلوميل برأسها دون اعتراض.
“سأفعل ذلك المرة القادمة.”
“تعالي إلى هنا.”
رفع كايين طرف عباءته. ولأنها بدأت تشعر بالبرد فعلًا، اقتربت منه فيلوميل دون تردد ودفنت جسدها في أحضانه.
ورغم أن عباءته كانت أرق من عباءتها، إلا أن حضنه كان دافئًا على نحو لا يُصدّق.
لو لم تكن تعرف حرارته، لظنّت أنه يضع حجر تدفئة خفيًا في ثيابه.
ومع تلاشي توتر جسدها، أسندت فيلوميل وجهها براحة إلى صدره وشخصت بنظرها نحو الشفق القطبي.
“فيلوميل.”
“نعم؟”
“الأيام القادمة ستكون صعبة. لا تزال هناك خطط ومؤامرات لا نعرفها بعد، وسننهك في النهاية.”
“هذا صحيح.”
“وحين يحدث ذلك، فقط ابقي بجانبي. هذا وحده يكفيني.”
رفعت فيلوميل رأسها.
منذ لحظات فقط كان كايين يشاركها النظر إلى الشفق، لكنه الآن كان ينظر إليها وحدها.
“أنا أيضًا أشعر بالمثل، طالما أنت بجانبي، فأي شيء سيبدو سعيدًا…لهذا عليك أن تبقى إلى جانبي أنت أيضًا.”
ابتسم كايين.
“بالطبع، أعدك.”
وبادلته فيلوميل ابتسامة مماثلة.
راح الشفق القطبي يتماوج كالأمواج، يسطع بضوء متلألئ. وتحت ذلك الضوء، لم يكن في العالم سوى ابتسامتَين متبادلتَين، لا تخصّان سوى بعضهما.
***
مرّت ثلاثة أيام منذ أن وصلهما خبر ظهور القديسة، ورغم التوتر الذي خيّم، فإن الوقت مرّ بسلام دون أي حادث يُذكر.
كعادتها، ودّعت فيلوميل كايين في الصباح، ثم دخلت مع ليازيل إلى إحدى الغرف بعد أن أنهتا فطورًا بسيطًا.
“ليازيل، ضعي الطعام على المكتب.”
“حاضر!”
بينما كانت ليازيل تضع الطعام بحذر، اقتربت فيلوميل من النافذة وسحبت الستائر.
انسكب الضوء الساطع إلى الداخل، فأنار الغرفة التي كانت غارقة في الظلام.
الغرفة، المليئة باللفائف المتناثرة في كل مكان، كانت في حالة من الفوضى العارمة.
ووسط كومة الأوراق تلك، رأت فيلوميل هارنين غارقًا في النوم.
أخذت الماء البارد الذي قدمته لها بيازيل ورشته مباشرة على وجه هارنين.
“فوووه! بارد!”
قفز هارنين فجأة من مكانه في اللحظة نفسها.
“استيقظت؟”
“رئيسة؟ ما… ما الأمر؟”
“ما الأمر؟ أنت من طلب بالأمس أن أوقظك حتى لو اضطررت لرشّك بالماء.”
“آه… صح…”
ظلّ يرمش ببلاهة، والماء يتقاطر من وجهه الغارق.
‘رش الماء البارد فعّال فعلًا، سأستعمله في المرة القادمة أيضًا.’
لم تعد مضطرة لأن تصرخ وتجهد حنجرتها. وبينما كانت تضع الكوب جانبًا وقد سرّها اكتشاف هذه الطريقة الفعالة، قدمت ليازيل منديلًا لهارنين.
“هارنين، خذ هذا.”
“شكرًا.”
بدأ يفرك وجهه المتجمد من البرد، بينما نظرت إليه فيلوميل ولاحظت آثار التعب تحت عينيه، فسألته:
“في أي ساعة نمت البارحة؟”
قبل يومين، وصل لفيف من لفائف الأرواح أرسله سباستيان. فأصرّ هارنين على العمل ما دام لا يزال نشيطًا، فأغلق على نفسه في الغرفة لتزويد اللفائف بطاقة الأرواح.
حتى أنه أهمل وجباته، ولهذا كانت فيلوميل تحرص على جلب الطعام له كل حين.
“ما الوقت الآن؟”
“السابعة.”
“يعني نمت ساعتين فقط.”
أخذ يضغط عينيه بالمنديل البارد.
“على الأقل أنهيت كل شيء قبل النوم، وهذا يريحني.”
“أنهيت كل ذلك البارحة؟”
تذكرت فيلوميل كمية اللفائف الهائلة التي وصلت بعربة، فاتسعت عيناها دهشة.
“نعم، لأنه لديّ أمر مهم اليوم، فأردت إنهاء كل شيء مسبقًا.”
“وما الذي ستفعله اليوم؟”
“سأذهب مع اللورد ثيودور إلى السهول الثلجية.”
دفعت فيلوميل الطعام تجاهه. ارتشف من الحليب الدافئ الذي تصاعد منه البخار، ثم تابع:
“بما أنني روحاني، ربما أستطيع رصد آثار الطلسم أو التعويذة بشكل أفضل.”
“صحيح، فلم يُعثر على شيء سوى ذلك القماش.”
بعد العثور على قطعة القماش التي كانت مستخدمة في السحر، اصبح كايين يتوجه صباح كل يوم إلى السهول الثلجية بحثًا عن أي أثر آخر.
لكنه في كل مرة كان يعود في وقت متأخر، خالي الوفاض.
وبعد تكرار ذلك لعدة أيام، تولّدت لديه بارقة أمل، فأرسل هارنين، الروحاني، إلى هناك أيضًا.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 84"