بعد أن انتقلوا إلى مكان آخر، اخذ كايين شيئًا قبل أن يواصل الحديث بتفصيل.
[لقد حلّت نهاية العالم. سنُنزل من يُخلّص الجميع.]
كانتا جملتين قصيرتين للغاية. لكن المعنى الذي حملتاه كان عظيمًا.
قالت فيلوميل، تواصل حديثها بهدوء:
“يعني إن أردنا تلخيص الأمر بكلمة واحدة…”
“فـ’النهاية’ ترمز إلى الوحش، و’من سيُخلّص الجميع’ تشير إلى القديسة، أليس كذلك؟”
أومأ كايين برأسه.
“صحيح، وبالفعل، كما جاء في الوحي، استيقظ الوحش وظهرت القديسة.”
“وهل هذا مؤكد؟”
“بحسب ما توصل إليه سيباستيان، فهي قديسة حقيقية، ظهرت العلامة، وتمتلك قوى روحية كذلك.”
لم تكن ملامح ثيودور وناتاشا جيدة على الإطلاق.
فظهور القديسة يعني أن الوحش سيعيث فسادًا كما حدث قبل مئات السنين، وأن عدد الضحايا سيكون كبيرًا كما كان آنذاك.
وكانا على دراية تامة من خلال السجلات بعدد الذين قُتلوا حينها.
لذا لم يكن ظهور القديسة أمرًا يستحق الفرح. بل ربما كان من الأفضل ألا تظهر على الإطلاق.
فعلى الأقل، عدم ظهورها يعني أنهم لن يُضطروا لدفع ثمن فادح كما في المرة السابقة.
“ومن هي القديسة؟”
“يبدو أنهم لم يتمكنوا من التوصّل إلى ذلك بعد، فالمعبد بات شديد الانغلاق ويتصرف بحذر شديد.”
كانت القديسة قد ظهرت في وقت كان فيه نفوذ المعبد قد تلاشى، وسلطته تتهاوى بهدوء دون أثر.
وبالنسبة للمعبد، كانت القديسة دليلًا على أنهم لم يُتَخلَّ عنهم من قِبل الإله الأعلى بعد، ولهذا كانوا حريصين على حمايتها والتكتم بشأنها.
قال ثيودور، يقمع غضبه:
“لهذا تجاهلوا جميع رسائلنا.”
لقد أغضبه أن المعبد، الذي يهتم فقط ببقائه، لم يُعر أي اهتمام لحقيقة استيقاظ الوحش.
وضعت ناتاشا يدها فوق قبضة ثيودور التي برزت عروقها من شدة التوتر.
“عزيزي، الشخص الذي أرسلناه للمعبد سيعود اليوم على الأرجح، فلننتظر قليلًا، لا يجب أن نستعجل في الحكم.”
“هاه… حسنًا.”
تنهد ثيودور، ممزوجًا بالغضب.
وفجأة، سُمع طرقٌ عاجل على الباب، ودخل كاي، أحد أتباع ثيودور، مسرعًا دون أن ينتظر إذنًا.
وكان هذا كافيًا ليدرك ثيودور أن الأمر طارئ، فسأله دون أن يوبّخه:
“ما الأمر؟”
“الشخص الذي أُرسل بالأمس إلى المعبد قد عاد.”
ما إن انزاح كاي جانبًا، حتى دخل رجل آخر، لم يتسنَّ له حتى نفض الغبار عن ثيابه، وانحنى أمامهم.
سأله ثيودور مباشرة:
“ماذا قال المعبد؟”
“هاكم، يا سيد ثيودور.”
أخذ ثيودور الرسالة التي ناوله إياها الرجل، وقرأها بسرعة.
ثم قال بصوت ثقيل:
“…القديسة ستُرسل إلى الشمال.”
أخذ كايين يفكر بسرعة. إذا أتت القديسة إلى الشمال، فذلك أمر حسن بلا شك.
ومع ذلك، لم يفهم سبب شعوره بالانقباض وعدم الارتياح.
قالت فيلوميل بنبرة متفائلة:
“هذا جيّد، يبدو أن المعبد لا ينوي تجاهل الأمر تمامًا.”
فأجاب ثيودور، متممًا على كلامها:
“بالطبع، فالمعبد يريد استغلال هذه الكارثة ليعيد ترسيخ سلطته.”
كان إرسال القديسة إلى الشمال قرارًا منطقيًا إلى حد بعيد، لهذا حاول كايين كبت شعوره المزعج.
“ومتى ستصل؟”
“أتوقع أنهم سيتعمدون جعل قدومها ضاجًا وفخمًا، لذا سيستغرق الأمر أسبوعًا على الأقل.”
“يجب ألا نخفض حذرنا حتى ذلك الحين.”
قال ثيودور بعد ذلك:
“كايين، بالمناسبة… كيف كانت الثلوج؟”
تبادل كايين النظرات مع ناتاشا قبل أن يُخرج شيئًا من جيبه.
“وجدتُ أثرًا للسحر.”
وضع على الطاولة قطعة قماش ممزقة، بدت رثة لدرجة أن من يراها قد يظنها انتُشلت من سلة المهملات، بل وكانت تفوح منها رائحة كريهة.
نفض كايين الرماد العالق بها، فظهرت على سطحها خطوط نقشٍ باهتة.
“رُسم الطلسم عليها ثم أُحرقت لإخفاء الأثر، لكن يبدو أن هذه القطعة لم تحترق بالكامل.”
اقتربت فيلوميل ونظرت بانتباه:
“هل نُقش الطلسم على هذه؟”
“نعم، السحرة عادةً ما يرسمون طلاسمهم بدمائهم، إن كنا محظوظين، قد نتمكن من تحديد نوع الطلسم، لكن في هذه الحالة… الجزء الظاهر محدود جدًا، ولا يكشف شيئًا.”
وبالفعل، بدا ما على قطعة القماش كجزء صغير جدًا من طلسـم كبير.
مررت فيلوميل بأصابعها بلطف فوق القماش، مما جعل كايين يفزع فجأة ويمسك يدها بسرعة:
“فيلوميل!”
أمسك بيدها يتحقق منها بقلق:
“لا تلمسي شيئًا كهذا هكذا فجأة! هل تشعرين بشيء غريب؟ هل تؤلمين؟”
“أ… لا، أنا بخير، لم أشعر بشيء.”
أجابت وهي تهز رأسها بتوتر، فقد ظنّت أنه لا بأس بلمسه بما أنهم عرضوه دون حذر.
أظهرت ناتاشا امتعاضًا على وجهها وقالت:
“كايين، ألم تتأكد بنفسك أن هذه القطعة لم تعد تحتوي على أي أثر سحري تقريبًا؟”
“صحيح، لكن الحذر واجب دائمًا.”
ظل يمسك يد فيلوميل ويتفقدها بعناية قبل أن يتركها أخيرًا.
قالت وهي تفرك يدها:
“عذرًا على اللمس المفاجئ… لكن الملمس ناعم بشكل مفاجئ.”
فرك كايين القماش بنفسه بتعجب.
كما قالت فيلوميل، كان ملمسه ناعمًا للغاية، على غير ما يوحي به منظره الملوث بالدماء لم يكن لديهم وقت سابقًا للانتباه إلى نوع النسيج، لكن الآن بدا غريبًا حقًا.
سألت فيلوميل:
“سيدي وسيدتي… هل تعرفان هذا القماش؟”
لمسا القماش بدورهما، ثم قال ثيودور بذهول:
“…نعرفه جيدًا، وزّعناه على سكان الشمال في بداية العام.”
قالت فيلوميل، وقد داهمها الشك:
“يعني… قد يكون هناك ساحر بين سكان الشمال؟”
لم يبدُ هذا منطقيًا بناءً على ما سمعته من ثيودور سابقًا، إذ لم يكن بين سكان الشمال أحد يتقن السحر.
أجاب كايين:
“ليس جميع سكان الشمال من عاشوا هنا منذ مئات السنين، بعضهم كانوا غرباء وانضموا لاحقًا.”
سألت فيلوميل، وهي تلتفت إلى ناتاشا:
“سيدتي ناتاشا، هل دخل القصر غرباء مؤخرًا؟”
لم تجب ناتاشا على الفور، بل بدت غارقة في التفكير. من أجاب بدلًا منها كان ثيودور.
“…كان هناك شخصان.”
“هل تتذكرين، آنسة فيلوميل؟ أول من هاجمه الوحش.”
قالت فيلوميل بدهشة:
“لا يعقل… هل كانا من الغرباء؟”
وبدأت تجمع الخيوط في ذهنها تلقائيًا: لو كانا بحاجة لإيقاظ الوحش، فلا بد أنهما كانا قريبين من ساحة الثلوج، ولم يتمكنا من الفرار في الوقت المناسب أثناء محاولتهما إخفاء الأثر، فهاجمهما الوحش المستيقظ حديثًا.
قفز كايين واقفًا، وقد توصّل إلى نفس الاستنتاج.
عندها سُمِع طرقٌ عنيفٌ على الباب، يرافقه وقع خطوات مسرعة.
“سيدتي ناتاشا.”
عرفت ناتاشا صوت أحد خدمها، فأذنت له بالدخول على عجل. وما إن فُتح الباب حتى ظهر خادمٌ ملطخ بالدماء.
“ويليام…”
قاطع كايين كلامه وسأله مباشرة:
“هل مات؟”
أومأ الخادم برأسه، وجهه شاحب كالثّلج.
أدركت فيلوميل من تلقاء نفسها أن ويليام هو أحد الناجين من هجوم الوحش.
أمرت ناتاشا:
“لا تلمسوا الجثة، فقط نظفوا ما حولها، نحتاج إلى التأكد أولًا.”
“أمرك، سيدتي.”
وبعد أن غادر الخادم، تمتم كايين:
“على ما يبدو، انتحر خوفًا من انكشاف أمره.”
قالت فيلوميل، وهي تضع يدها على ذقنها:
“لكن… ألا يبدو التوقيت مثاليًا أكثر من اللازم؟”
لقد مات فورًا بعد العثور على أثر السحر، مما أثار شكها.
قال كايين:
“ربما مجرد صدفة، ربما لم يحتمل القلق وأقدم على ذلك.”
أجابت ناتاشا، بعد تنهيدة ثقيلة وهي تفرك صدغيها:
“كايين على حق، وصلني تقرير بأن ويليام بدا شديد القلق والاضطراب أثناء علاجه.”
“ظنناها آثارًا جانبية، لكن يبدو أن الأمر لم يكن كذلك.”
سادت لحظة صمت ثقيلة.
فكل منهم كان يحاول استيعاب حجم ما حدث. فقد توالت الأحداث دفعة واحدة وبقوة.
وكان من أنهى ذلك الصمت هو ثيودور، الذي قرر أن يعودوا الآن، وأوصى بالحفاظ على حالة الاستنفار حتى تصل القديسة.
وهكذا، بدا أن هذا اليوم المرهق قد شارف على نهايته.
لكن في تلك الليلة، وبينما كانت فيلوميل مستلقية في السرير بعد استحمامها، فتحت عينيها. لم تستطع النوم.
“حتى القديسة ظهرت الآن… إذًا الرواية الأصلية قد انحرفت تمامًا.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 82"