كان كايين يبتسم ابتسامة راضية وهو يفكر في فيلوميل، إلى أن شعر بنظرات تراقبه، فاستدار برأسه.
وعندما رأى نظرات الشخصين الموجهة نحوه بذهول، سعل خجلاً ليغيّر الموضوع بسرعة.
“على كل حال، وأنا في طريقي إلى القبو، تواصلت مع سيباستيان عبر جيو، هل وصلكما أي تقرير حديث عن تحركات السحرة؟”
كان كل من ثيودور وناتاشا يراقبان تحرّكات السحرة بدورهما، لكن لم يرد إليهما أي تقرير حديث، لذا اكتفيا بهز رأسيهما نفيًا.
“على ما يبدو، هذه المسألة ستستغرق وقتًا، آه، وبالنسبة للمعبد؟”
كان شيئًا نسيه تمامًا.
في الأيام الخوالي، حين كانت الوحوش تعيث فسادًا، كان للمعبد دور عظيم، فبفضل القوى المقدسة، أمكن مهاجمة الوحوش.
صحيح أن تلك القوى لم تكن كافية لإلحاق ضرر قاتل، لكن قوى الكهنة الكبار كانت فعّالة بقدر فاعلية الفرسان الملكيين في مواجهة الوحش.
لهذا، ورغم أن المعبد قد فقد الكثير من نفوذه، فإن دوقية ويندفيل حافظت على علاقات دورية معه، وظلت ترسل تقارير دورية عن الأراضي الجليدية، مستذكرة سنوات القتال المشترك الذي امتد لمئات السنين.
والآن بعد أن استيقظ الوحش الذي كان في سبات، كان من الطبيعي أن يُبلَّغ المعبد بذلك.
لكنهم ببساطة نسوا، وسط الفوضى التي أحاطت بهم.
“في الواقع…” بدأت ناتاشا تتكلم، بتردد خفيف، تتحرك شفتاها وكأنها تبحث عن الكلمات.
“…لم نتلقَ أي رد من المعبد.”
“ما الذي تعنينه؟” سأل كايين.
“تمامًا كما قالت ناتاشا، أرسلنا إليهم أحد رجالي مرتين، قبل وصولكما، لكن لم يأتنا أي رد على الإطلاق.”
منذ أن لم يذكرا شيئًا عن المعبد من البداية، كان كايين يشتبه بأن ثمة أمرًا سيئًا، لكن الصمت التام؟ لا رد بالإيجاب ولا بالرفض؟
كان ذلك يصعب فهمه.
“حين رُفض طلبي أول مرة، شعرت أن الأمر غريب، فطلبت معلومات من الداخل ويبدو أن المعبد يمرّ بحالة غير طبيعية.”
عندها، تذكّر كايين فجأة شيئًا سمعه في قاعة الحفل.
كان قد نسيه تمامًا بسبب الصدمة الكبيرة التي تلت ذلك الخبر.
“تذكرت، سُمِع أن وحيًا قد نزل في المعبد.”
“وحي؟” ردد ثيودور بدهشة.
“مررت بجوار من كانوا يتحدثون عنه، لذا لم أسمع كل شيء، لكنني سمعت أنه وحيٌ يُنذر بنهاية العالم.”
تبادل ثيودور وناتاشا نظرات سريعة مليئة بالتوتر.
رغم أنهما لم يعرفا التفاصيل الكاملة لذلك الوحي، إلا أن الخبر وحده كان كافيًا لإدخال القلق في قلبيهما.
أن يظهر وحي بنهاية العالم في نفس الوقت الذي استيقظ فيه الوحش… لا يمكن تجاهل هذا الترابط.
بدت ملامحهما وكأنها غُطيت بسحابة سوداء كثيفة.
***
في صباح اليوم التالي.
بعد أن تناول الجميع طعام الفطور معًا، غادر كل من كايين وناتاشا باكرًا نحو الأراضي الجليدية.
أما فيلوميل، فقد قصدت ثيودور وتحادثت معه، ثم أكملت توقيع عقدها رسميًا.
“أخبرت الدوق اليوم، سيبعث سيباستيان بعقد الأرواح مع بعض لفائف الأرواح كذلك، هذا سيسمح لي بمنحك كمية أكبر مما اتفقنا عليه.”
رغم أن هذا لم يكن مكتوبًا في العقد، لكنها قررت تقديم المزيد من المساعدة مادامت تقيم في هذا المكان.
“أقدّر لكِ ذلك، وسأبعث بدفعة المبلغ المتفق عليه عبر أحد أتباعي.”
ابتسمت فيلوميل برضًا وهي تراقب الأمور تمضي بسرعة وسلاسة.
“أشكرك.”
“بل أنا من يشكركِ، الوحش ظهر فجأة، وكنا نواجه مشكلة في الحصول على مياه الشرب من القرية المجاورة.”
وحين استمعت لما رواه، أدركت فيلوميل أن الأمور كانت ستصبح كارثية لولا قدومها مع هارنين.
كانت هناك طريقتان للوصول إلى أقرب قرية يمكنهم التبادل التجاري معها: إما باستخدام البوابة، أو عبور نصف يوم في الاتجاه المعاكس للبوابة.
الأولى كانت آمنة وسريعة، لكنها لم تكن تتعامل مع منتجات الشمال، ما يعني أن الأسعار كانت زهيدة، وبهذا كانوا يتكبدون خسائر كبيرة.
أما الثانية، فكانت تدرّ أرباحًا حقيقية، لكنها تتطلب عبور الأراضي الجليدية، وهذا لم يعد ممكنًا بعد ظهور الوحش، فاضطروا إلى تقبل الخسائر والاستمرار بالتبادل عبر الطريقة الأولى.
عندها، فتحت فيلوميل فمها بهدوء، وكأنها تتردد:
“سيد ثيودور، لدي سؤال أرغب في طرحه.”
“تفضّلي.”
“هل من سبب يمنع سكان الإقليم من مغادرة هذا المكان؟”
رغم أنه لم يقل ذلك صراحة، فقد أدركت فيلوميل أن الدوقية تستخدم ثروتها الخاصة للحفاظ على استقرار الشمال.
مهما بلغت ثروة ويندفيل، فلا يمكنها الاستمرار في تحمّل أعباء الشمال لأجيال لا تنتهي.
“هل ترين أنه من الأفضل نقل السكان إلى مكان آمن حيث يمكنهم العيش بسلام؟”
لو لم تعتد على صراحة كايين، لربما شعرت بالارتباك من سؤال ثيودور المفاجئ.
لكن فيلوميل أومأت برأسها بهدوء، دون أي ارتباك.
“نعم، لا أظن أنكما، أنتَ والسيدة ناتاشا، تسعدان برؤية سكان الإقليم يعانون من هذه الظروف القاسية، لستما من قررا هذا الوضع، أليس كذلك؟”
رمش ثيودور عينيه للحظة، متأملًا دقة ملاحظتها، ثم أومأ برأسه.
“صحيح، ولكي أشرح لك، عليّ أن أعود إلى بداية ظهور الوحوش.”
ظهرت الوحوش لأول مرة منذ ما يقارب الألف عام.
قبلها، كانت الأراضي الشمالية مجرد أرض مهجورة، لا حياة فيها، ولا كانت بهذا البرد القارس، مجرد أرض خالية.
وكان أول كائن حي يظهر في هذه الأرض هو الوحش.
مع ظهوره، بدأت ظواهر مناخية شاذة تجتاح الشمال، وبدأ شتاء دائم لا ينتهي.
وقتها، كان في عائلة ويندفيل اثنان من المتعاليين (ذوي القوى الخارقة)، وبطلب من الإمبراطور، أصبحوا قادة الحرب ضد الوحوش.
“هل يمكنك تخيّل عدد العائلات التي جاءت إلى الشمال حينها؟ فقط العائلات التابعة تخطّت المئة.”
وبينهم كان هناك من أصبحوا خدمًا أو حلفاء للدوقية.
ومع امتداد الحرب لسنوات طويلة، بدأ الناس يستقرون تدريجيًا، وراحت عائلات كثيرة تبني جذورها هنا.
ومع مرور مئات السنين، تمكّنت القديسة أخيرًا من تهدئة الوحش وإدخاله في سبات عميق.
وقتها، عرض دوق ويندفيل على أولئك العائدين أن يرجعوا معه إلى العاصمة، لكن لم يرغب أحد في العودة.
“فقد كان الوحش نائمًا، لا ميتًا، وكون المتعاليين يولدون في عائلة ويندفيل، فقد وقع على عاتقهم حماية أولئك الناس، الذين عاشوا قرونًا في هذا الواجب، مختارين مواصلة مهمتهم، وهكذا استمر الأمر حتى اليوم.”
“فهذا هو السبب إذًا…” تمتمت فيلوميل، شاردة الذهن.
لم تكن تدري أن عدد من يحمون هذا المكان كان بهذا الحجم، أو بهذا الإصرار.
“كنت أتمنى لو تمكنّا من القضاء على الوحش نهائيًا، حتى وإن لم نستطع العودة مع السكان، فليكن الشمال مكانًا آمنًا على الأقل.”
لكن ثيودور، بطبيعة الحال، لم يتوقع أن الوحش سيستيقظ مجددًا بهذه الطريقة.
“على فكرة، سمعت من كايين أنكِ تمكنتِ من ملاحظة وجود سحر في المسألة.”
“كان مجرد تخمين.”
“لكنه تخمين جدير بالإعجاب، آه، هل قدّم لكِ كايين جولة كاملة في القصر البارحة؟”
“نعم، حتى زرنا الدفيئة.”
“الوضع ليس طارئًا الآن، خذي وقتكِ واستمتعي بالتجوّل، على أمل أن يستمر الهدوء.”
أنهت فيلوميل الحديث وغادرت مكتب ثيودور.
“فيلوميل!”
كان الصوت مألوفًا قادمًا من آخر الممر.
ليازيل كانت تقترب، ترتدي عباءة ثقيلة، تمسك بيد هارنين.
“ليازيل، كنتِ تتجولين مع هارنين في القصر؟”
“نعم! زرنا كل الأماكن، والثلج… كان جميلًا جدًا!”
احتضنت فيلوميل وجنتيها الحمراوين براحتَيها.
“آلا تشعرين بالبرد؟”
“أبدًا! هارنين استدعى روح النار في منتصف الطريق.”
نظرت فيلوميل إلى هارنين وأغمضت إحدى عينيها مازحة.
منذ قدومها إلى الشمال، كانت مشغولة بأمور كثيرة، ولم تتمكن من الاهتمام ليازيل، لكنها شعرت بالامتنان لهارنين الذي اعتنى بها جيدًا.
أدرك هارنين شكرها غير المعلن، فرفع كتفيه مبتسمًا.
ثم أضاف:
“آه، بالمناسبة، الدوق وناتاشا قد عادا.”
“حقًا؟ عادوا باكرًا إذًا.”
أمسكت فيلوميل بيد ليازيل.
“هيا نذهب لاستقبالهما، ما رأيك؟”
“هيا بنا!”
رغم أنها كانت تتجول منذ الصباح، إلا أن ليازيل هزت رأسها بحماس دون تردد.
غادرا معًا القصر واتجها نحو بوابته.
كانت البوابة توشك أن تُغلق، وعندها رأت القافلة تنزل من على ظهور الخيل.
“دوق، سيدة ناتاشا، لقد عدتما؟”
ابتسمت ناتاشا فور أن رأت ليازيل.
أما فيلوميل، فقد شعرت بتوتر خفي يشع من ملامحهما، فتقدّمت نحو كايين وهمست:
“ما الأمر؟”
“قابلنا من أرسله سيباستيان، لكن…”
“خبر سيئ؟”
كان وجه كايين متردّدًا.
ما جعل فيلوميل غير قادرة على تحديد إن كان الخبر جيدًا أم سيئًا.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 81"