الحلقة الثالثة والسبعون.
لكن فجأة، نبوءة؟!
‘لم يحدث شيء كهذا في الرواية الأصلية!’
رغم أن فيلوميل باتت تعلم أن الواقع قد انحرف كثيرًا عن مجريات القصة الأصلية، إلا أنها كانت لا شعوريًّا تعيد المقارنة وتقلّب ذاكرتها.
“يا إلهي، حقًا؟ ما مضمون النبوءة؟”
“سمعت لمحة عنها، كأنها… هممم…”
لكن في تلك اللحظة بالضبط، استدار كايين، وفي اللحظة ذاتها ظهر كين مسرعًا.
بينما كانت فيلوميل تتفاجأ بظهور كين المفاجئ، انحنى كين على ركبة واحدة أمام كايين على الفور.
“ما الأمر؟”
ولأنه يعلم أن تحرك كين لا يكون أبدًا لأمر عادي، بادر كايين بالسؤال دون تردد.
“يا دوق، الأمر جلل.”
حتى من خلف القناع، كان وجه كين شاحبًا حد الرعب.
أخرج شيئًا من صدره وقدّمه إلى كايين ، كانت ورقة ملطخة بالدم.
فتح كايين الرسالة بسرعة، وقد التصق بها دم جاف بكثافة.
وكان مكتوبًا عليها جملة واحدة فقط:
[الوحش قد عاد.]
“محتواها كان أن نهاية العالم قد حلت.”
لقد استيقظ الوحش من سباته الطويل.
لقد نام الوحش طوال مئتي عام كاملة.
لكن دوقية ويندفيل لم تسمح لنفسها أن تطمئن يومًا ، كان هناك سبب لذلك.
فالوحش لم يكن ميتًا تمامًا، بل نائم فقط، ومن نسل ويندفيل كان يظهر دومًا شخص متعالي.
وبمجرد ما دخل الوحش في سباته، توقفت ولادة القديسات.
وهكذا كان من الطبيعي أن تتوقف ولادة المتعاليين في عائلة ويندفيل أيضًا.
لكن على العكس، وكمَن لم ينتهِ واجبهم بعد، وُلد متعالي واحد على الأقل في كل جيل.
بل إن هذا الجيل كان يحوي اثنين، أحدهما كايين.
وهذا أثار ريبة والدي كايين، دوق ودوقة ويندفيل السابقين، فقد كان ظهور أكثر من متعالي واحد من نفس الجيل أمرًا لم يحدث سوى في الفترات التي كان فيها الوحش يعيث فسادًا في الأرض.
ولذلك، فقد درّباهما طيلة حياتهما على ذلك الاحتمال: أن يستيقظ الوحش في عهدهما.
منذ الطفولة، كان كايين يدرس عن الوحش ويتعلم كيف يحاربه، ولذلك كان يعتقد أنه لن يفاجأ أو يرتبك حتى لو ظهر فجأة.
لكن الآن، وقد أصبح الواقع أمامه، تجمّد مكانه.
عقله كان يحاول ترتيب الموقف والتفكير في ما يجب قوله، لكن أفكاره كانت تتناثر بلا انتظام.
وفجأة، حين بدأ يحرك شفتيه ليتكلم…
“بما أننا أنهينا تجهيزات التوجّه للشمال، فليسبقنا كين ويجعل كل شيء جاهزًا فور وصولنا.”
“نعم، أمرك سيدتي.”
انحنى كين بعمق، ثم اختفى كما جاء.
أمسكت فيلوميل بيد كايين، وسحبته معها بخطًى سريعة.
“هيّا يا دوق!”
عندها فقط، استعاد كايين وعيه المشتت. وبمجرد صعودهما إلى العربة، أمرت فيلوميل السائق بالإسراع.
ومع انطلاق العربة بسرعة، تنهدت فيلوميل بارتياح، ثم التفتت إلى كايين.
“هل أنت بخير يا دوق؟”
“…آه، نعم، فقط… تفاجأت قليلًا.”
ومن الطبيعي أن يتفاجأ.
فقد كان هذا أول ظهور له منذ مئتي عام.
“لكن على الأقل، يبدو أنه لم تقع خسائر بشرية كبيرة.
فلو حدث ذلك، لكانت أمي قد كتبت التفاصيل في الرسالة.”
“هل الرسالة من الدوقة السابقة؟”
“نعم، كانت بخط يدها.”
“ولم تذكر شيئًا إضافيًّا، لذا لا أظن أن هناك أكثر من وحش واحد.”
وافق كايين برأسه.
ثم نظر بصمت إلى فيلوميل التي كانت تحدق بقلق من النافذة.
حين كان هو متجمدًا في مكانه، عاجزًا عن التصرف، كانت هي أول من بادر بالتحرك.
كايين لطالما منح فيلوميل كل ما تحتاجه المأوى، الطعام، الحماية، وحتى أكثر من ذلك.
وقد يظن البعض أنها لا تفعل سوى الأخذ منه.
لكن كايين كان يعرف.
في موقف كالذي حدث الآن، لو تكرّر، فإن فيلوميل ستكون أول من يتحرك، حتى قبله.
لم يكن كايين يعترف بتفوّق أحد عليه من قبل.
لكن فيلوميل… حطمت تلك القناعة.
“فيلوميل…”
“نعم؟”
“أعتقد… أنني أُعَوِّل عليك أكثر مما كنت أتصور.”
كان واثقًا الآن: لا يمكنه العيش دون فيلوميل.
“…حتى في موقف كهذا، تقول كلامًا كهذا؟ يا لكم أنت رائع، يا دوق.”
ضحكت فيلوميل بخفة، ثم همست:
“آه، وبالمناسبة، أنا سآتي أيضًا.”
“ماذا؟!”
انكمشت ملامح كايين المطمئنة فجأة، وعلت وجهه الصدمة.
“ماذا تعنين؟”
“أعني ما قلت،سأذهب إلى الشمال معك، كيف لي أن أدعك تذهب وحدك؟”
“فيلوميل، الشمال خطر حتى حين يكون الوحش نائمًا، البرد والوحوش المتحولة…”
“وتريدني أن أرسلك وحدك إلى هناك؟ وكيف ستتم عملية التلامس؟”
“هذا…”
منذ اللحظة التي رأت فيها الرسالة، كانت فيلوميل قد اتخذت قرارها.
فالوحش خصم شرس حتى للمتعاليين.
وفي مثل هذا الوضع، انفصال كايين عنها، وهي المتوافقة معه، ليس سوى انتحار.
“أنت نفسك لم تواجه الوحش من قبل، أليس كذلك؟ ماذا لو فقدت السيطرة؟”
“…حتى في أسوأ الحالات، يمكننا التصرّف، والدي موجود.”
عندما ذكر الدوق السابق، ضيّقت فيلوميل ما بين حاجبيها.
“لا تقل لي… أنك تقصد…”
“لو كانت النتيجة معروفة… فالموت أفضل.”
“ولهذا السبب أنا ذاهبة!”
فهمت فيلوميل ما يقصده، فصرخت بغضب.
“لو لم أكن موجودة، لربما فهمت، لكن كيف… كيف تفكر هكذا وأنا هنا؟! ألا تفكر بما سأشعر به إن حدث لك شيء؟”
كان لدى فيلوميل القوة لإنقاذ كايين.
وأن تحجم عن ذلك لمجرد أن الوضع خطر… كان يعني أن تعيش طوال حياتها مع عذاب تلك الذكرى.
“فيلوميل، المتعاليين خطيرون بطبيعتهم.”
لكن كايين لم يتراجع.
“أتذكرين؟ قلتِ ذات مرة إن شجاعتك تأتي من جهلك بخطورة المتعاليين ، ضحكت وقتها… لكن الحقيقة أن فقدان السيطرة أمر حتى المتوافقة لا تستطيع إيقافه، لا، بل يجب عليها الفرار.
لأن المتعالي الهائج سيلاحقها بجنون.”
المتعالي حين يفقد السيطرة، يتحرك غريزيًا بحثًا عن المتوافقة معه.
وفي الطريق، يقتل كل من يعترض طريقه.
“أتدرين ماذا يحدث حين يلتقي المتعالي الهائج بمتوافقه؟”
أمسك كايين بيدها.
كعادتها، كانت يدها باردة، تهدّئ من حرارة يده المتوهجة.
“يـأكله.”
“من الرأس حتى القدم، لا يبقي شعرة واحدة، يلتهمه بالكامل.”
“…وهكذا، يصبح المتعالي والمتوافق واحدًا تمامًا، لكن المأساة لا تنتهي هنا.”
قبض كايين على يدها بقوة.
ثم، بعد أن التصقت راحتاهما المتعرّقتان، تركها برفق.
“وحين يستعيد المتعالي وعيه، لا يستطيع العيش في عالمٍ بلا متوافقه، فينتحر.”
“ولهذا، كانت أغلب وفيات دوقات ويندفيل… انتحارًا.”
ضحك بمرارة.
“كنت أعلم كل هذا، ومع ذلك قلت لكِ ألا ترحلي، أترين كم أنا وغدٌ أناني؟”
حدّقت فيلوميل به.
صوته لم يكن مرتجفًا، لكن نظراته، التي كانت دائمًا ثابتة، كانت ترتعش الآن.
ولأنها تعرف كم هو بارع في إخفاء مشاعره، شعرت أن هذه هي أول مرة ترى فيها وجهه الحقيقي، من دون أقنعة.
“…بالفعل.”
تحركت شفتاها ببطء.
“أنت أنانيّ، يا دوق.”
“وماذا ستفعلين إذًا؟”
سألها بصوت خافت.
“أبقى أنا وليازيل في قصر الدوق بالعاصمة ننتظر أخبارك بينما أنت تقاتل الوحوش وتفقد السيطرة؟ دون حتى أن أتمكن من لمسك؟”
“…قلت لك، لا أريدك أن تحزني، أريدك أن تبتسمي دائمًا، أن تكوني سعيدة.”
تنهدت فيلوميل بعمق.
“…ربما سأضحك أحيانًا، وربما أكون سعيدة، حتى إن لم تكن معي.”
كانت كلماتها كطعنة في صدره.
ابتسم كايين ابتسامة مرة.
“نعم، إذًا…”
“لكن…”
قاطعت فيلوميل كلماته.
ثم أمسكت بيده.
برد يدها يلفح حرارة يده.
حين يلتقي نقيضان، يتوسطان فيصنعان حرارة مثالية.
“لكني حين أكون بجانبك، أشعر فعلًا أنني سأبتسم دومًا، وسأكون سعيدة دومًا، مهما حدث.”
كانت واثقة.
طالما هي مع هذا الرجل، فكل شيء سيكون ممكنًا.
التعليقات لهذا الفصل " 73"