الحلقة واحد وسبعون.
استدارت فيلوميل مرة أخرى نحو إيمون.
“إيمون، سأقولها مجددًا، تلك الطفلة هي حقًا ابنة أخ الدوق، هل فهمت؟”
“أ-أجل…”
أومأ إيمون بسرعة.
فخطة ابتزازه لهما ليكسب مبلغًا كبيرًا كانت قد فشلت تمامًا بالفعل، وأمام المال، كانت نجاته هي الأولوية الآن.
تمنى لو أنه يتوارى تمامًا عن الأنظار، وانتظر بصمت قدر الإمكان أن يتجاهله الاثنان ويمضيا.
لكن فيلوميل، حين رأت إيمون جاثيًا على الأرض يراقب الموقف بارتباك، لمعت عيناها فجأة وكأن فكرة طرأت لها.
“آه، هذا هو التوقيت المناسب!”
بسرعة، خلعت السترة التي كانت تغطي بها كتفيها وأعطتها لكايين، ثم التفتت بجسدها قليلًا لتُظهر فستانها بوضوح نحو إيمون.
دخلت فخامة الفستان الغالي في مجال رؤية إيمون، بدا له أفخم بكثير من أغلى فستان اشترته والدته بمشقة طوال حياتها.
راحت فيلوميل تلمس يدها الموضوعة على صدرها بخفة، فانتقلت نظرات إيمون تلقائيًا نحو أصابعها، حيث كان هناك خاتم يلمع بجوهرة خضراء نادرة، لم تكن كأي حجر كريم عادي.
كان واضحًا من النظرة الأولى أنه حجر نادر وفاخر، شديد اللمعان والجمال.
ومع أنه فخم للغاية، إلا أن الخاتم ، بل حتى الفستان بأكمله ، بدأو متناسقين مع فيلوميل إلى درجة تبرز جمالها أكثر.
حدّق إيمون في فيلوميل وقد نسي للحظة كل ما حصل قبلها.
“هل كانت فيلوميل دومًا بهذا الجمال؟”
للمرة الأولى، وجد نفسه يفكر بأنها جميلة فعلًا، وبقي يحدّق فيها مذهولًا.
“إيمون،” قالتها فيلوميل بصوت حنون.
“شكرًا لك حقًا.”
“…ماذا؟”
تفاجأ إيمون، لأنه هو نفسه كان يعلم أنه لم يفعل شيئًا يستحق شكرها عليه.
بينما كان يحاول تذكّر ما الذي فعله، تابعت فيلوميل كلامها:
“لأنك خنتني مع ناديا، أنا ممتنة حقًا لذلك.”
“…هاه؟”
كان ذلك أكثر ما لم يتوقعه.
“تشكرني… لأني خنتها؟”
مع أنه تحدّث سابقًا بتبجّح دون خجل، إلا أنه كان يدرك داخليًا أن ما فعله لم يكن شيئًا مشرفًا.
نظرت إليه فيلوميل بابتسامة هادئة، بينما تسخر منه في داخلها.
“لأنك سمحت لي بلقاء رجل مثل كايين، كل ذلك بفضلك، لأنك أخذت ناديا منه.”
“…ما الذي… تعنينه؟”
ابتسمت فيلوميل وعيونها تتقوّس بنعومة.
“ليس من الضروري أن تعرف كل التفاصيل، على أي حال، يجب أن أكافئك على هذا، أليس كذلك؟ فأنا أقدّر فعلتك هذه من كل قلبي.”
ثم خلعت زينة رأسها وألقتها على الأرض، لكنها حرصت على أن تسقط بعيدًا قليلًا عن إيمون، بحيث يضطر للزحف للوصول إليها.
انتقلت نظراته تلقائيًا نحو تلك الزينة الثمينة، التي كانت مرصعة بجواهر فاخرة، ويبدو من صناعتها المتقنة أنها من عمل صانع محترف.
“لابد أنها غالية الثمن، كما قلت، الدوق يحبني كثيرًا ويغدق عليّ الأموال بسخاء، حتى إنك لن تكسب قيمتها ولو قضيت عمرك كله تعمل.”
في الحقيقة، لم تكن فيلوميل تعرف السعر الدقيق.
لكنها كانت واثقة أن كايين لا يشتري لها إلا أغلى الأشياء، وأيضًا كانت مقتنعة أن إيمون غبي كفاية وعاجز عن كسب أي شيء، لذا كانت متأكدة أن كلامها صحيح.
“ولهذا… اعتبر هذا فرصتك الأخيرة.”
ابتسمت فيلوميل ابتسامة مشرقة.
“خذها وارحل، ولا تظهر أمامي مجددًا.”
ضمّ كايين يدها بلطف وأضاف بصوت هادئ:
“وإن تجرأت وظهرت أمام فيلوميل مرة أخرى…”
ثم طبع قبلة ناعمة على جانب رأسها وهمس بلطف:
“هيا بنا، فيلوميل، لقد رأينا ما يكفي من القذارة.”
“أجل، أعتقد أن عينيّ تلوثتا، لذا سأرحل الآن.”
“سأطهّرهما بوسامتي.”
غادرا وهما متشابكا الذراعَين.
وبعد وقت قصير، وضع كايين سترته على كتفيها مجددًا، فشكَرته فيلوميل بصوت خافت.
شعرت براحة هائلة، وكأن ضرسًا ظل يؤلمها طويلًا قد اقتُلع أخيرًا، رغم أن النهاية كانت مقززة ومزعجة، إلا أن صدرها كان منشرحًا.
ابتسمت في خفة، ولما رآها كايين، ارتسمت على وجهه ابتسامة مشابهة، إذ شعر بذات الشعور.
وراح الاثنان يبتعدان معًا…
لكن لم يكن إيمون وحده من كان يراقب تلك اللحظة.
“إذن… هذا ما كان يحدث.”
من زاوية بعيدة في شرفة تطل على المكان، كان ويستون يستمع لكل شيء وقد اتسعت عيناه بذهول.
كان تدفق المعلومات هائلًا جدًا لدرجة أنه احتاج وقتًا ليستوعب كل شيء.
“يعني… لكايين ابنة أخ؟”
كان من الطبيعي أن يثق بكلام كايين أكثر من إيمون، خصوصًا أن شقيق كايين، كايزن، كان قد تزوّج بالفعل.
ورغم أن ويستون لم يكن يملك أي سلطة حينها، لذا لم يستطع التحري، إلا أن احتمال أن تكون زوجة كايزن حاملًا وقتها لم يكن مستحيلًا تمامًا.
الآن فهم لماذا لم يتزوّج كايين قط، لا بد أنه كان يعتبر تلك الطفلة وريثته.
“وعدم إعلانه عن ذلك… يعني أنه ما زال يتوخّى الحذر من الإمبراطورة ومني، هذا يعني أن…”
“كان يُخفي كل شيء بعناية… كان يُعدّ للانتقام!”
أغمض ويستون عينيه بشدة ثم فتحهما، لكن تلك الصدمة لم تكن المهمة، كان قد بدأ يشكّ أصلًا من قبل.
لكن…
“لقد تحقّقت من كل شيء، أعلم أنكِ غبتِ قبل عشر سنوات، وسافرتِ إلى بلد آخر، ثم عدتِ فجأة بعد شهر أو شهرين فقط!”
عشر سنوات مضت، بلد أجنبي.
فيلوميل، “ميل”.
كانت كل تلك التفاصيل مترابطة بشكل غريب.
استدار ويستون يتأمل جهة فيلوميل التي ابتعدت واختفت عن ناظره.
“ميل…”
“هل يمكن… أن ألقاكِ مجددًا؟”
“ما الذي… تقوله الآن؟”
فوجئ ويستون بصوت خلفه، فاستدار مذعورًا، ليجد ناديا، مرتدية زي الخادمات، واقفة هناك.
“آنسة ناديا؟ ماذا تفعلين هنا؟”
ناديا كانت خادمة ويستون الشخصية، لذا لا يُسمح لها بالعمل في قاعة الحفل، ومع ذلك، كانت تمسك بصينية مخصصة للحفلات.
“لا يمكن… هل تسلّلتِ خلسة؟”
منذ أيام، وبعد شجار بينهما، انقطعت بينهما المحادثات، إذ لم يصلا لأي تفاهم، فتوقفا عن الحديث، ولم يحصل أي تقدّم بعد ذلك.
“هذا ليس المهم الآن.”
همست ناديا بصوت شارد، واقتربت ببطء. ثم بدأت تفتش الأرض بتوتر، تراقب إيمون الذي كان يزحف ليلتقط الزينة، دون أن تعيره اهتمامًا، بل نظرت إلى الجهة التي غادرت منها فيلوميل.
“لأنك خنتني مع ناديا، أنا ممتنة حقًا لذلك.”
“لأنك سمحت لي بلقاء رجل مثل كايين، كل ذلك بفضلك، لأنك أخذت ناديا منه.”
“ذلك يعني… أن ذلك المكان كان من المفترض أن يكون مكاني؟”
تمتمت ناديا بذهول.
كانت قد حضرت الحفل لتلفت انتباه ولي العهد، إذ لم يكن بينها وبين ويستون أي انسجام.
لكن ولي العهد لم يحضر، ولم يكن أمامها إلا أن تتبع ويستون خلسة إلى الشرفة، وهناك استمعت صدفة إلى كل شيء…
“مكان دوقة ويندفيل… كان من المفترض أن يكون لي…”
شعرت ناديا وكأن أحدهم ضربها على رأسها بشدة من الخلف.
ورغم أنها فهمت ما جرى وتقبلته، إلا أن عقلها لم يستوعب الأمر كليًا، وكأنها لم تكن بوعيها.
نظرات الناس نحو فيلوميل المليئة بالإعجاب، الدوق ويندفيل الوسيم والرقيق، القصر الفخم، الخدم المتأدبون، المجوهرات والفستان الفاخر…
كل ذلك… كان من المفترض أن يكون لي.
شعرت ناديا وكأنها ستفقد عقلها، كانت غاضبة، ومجروحة، وغيورة، ومظلومة.
لما بدأ تنفسها يعلو بشكل غير طبيعي، أصيب ويستون بالذعر.
“آنسة ناديا؟ هل أنت بخير؟”
أغمضت ناديا عينيها بقوة، ثم فتحتهما.
“سمو الأمير الثالث…”
“دعيني أستدعي أحدًا فورًا—”
“سأكون مفيدة لسموك.”
“…آنسة ناديا، ما زلتِ تكررين نفس الكلام؟ أنا…”
“جلالة الإمبراطورة أرسلتني شخصيًا.”
فقد حصلت على مساعدتها ودعمها لتتمكن من حضور هذا الحفل متنكرة كخادمة.
عندما طلبت ناديا من الإمبراطورة أن تساعدها لتدخل الحفل، رحبت الأخيرة بذلك دون تردد.
في البداية، لم تكن ناديا متأكدة إن كانت الإمبراطورة مهتمة بها حقًا، لكنها أدركت أن التأثير الذي مارسته الإمبراطورة لتدبير كل هذا داخل القصر لم يكن ليتحقق إلا بسلطة حقيقية.
وهكذا، قررت ناديا أن تعدّل خطتها…
بدلًا من لفت انتباه ولي العهد واستغلاله للنيل من دوقية ويندفيل، وجدت هدفًا آخر جديدًا…
التعليقات لهذا الفصل " 71"