الحلقة إثنان وستون.
كانت تلك أول نزهة لِـ ليازيل، وبالطبع لم تكن قد زارت الساحة من قبل.
نظر كايين إلى عينيها اللامعتين وضحك بهدوء وهو يومئ برأسه.
“حسنًا، لنذهب.”
“هيا لنأكل الحلوى، ونجرب أشياء أخرى لذيذة، ليازيل!”
“نعم!!”
التحدّث عن الطعام أثناء الأكل متعة لا ترتبط بالعمر.
تناولت ليازيل وفيلوميل الأطباق التي كانت تُقدَّم تباعًا وهما تضحكان بمرح.
“فيلوميل، هذا الطبق أشهر طبق في هذا المطعم.”
قطع كايين قطعة صغيرة من الطبق ووضعها في صحنها الصغير.
“فيلوميل، جربي هذا، إنه لذيذ جدًا.”
وبينما كان يقول ذلك، راحت ليازيل تعبث بيديها بحماس وهي تضع طعامًا آخر في طبق فيلوميل.
بدأت فيلوميل بتذوّق ما قدمته لها ليازيل أولًا.
“ممم، طعمه رائع! إنه يناسب ذوقي تمامًا!.”
“حقًا؟ أعجبكِ!؟”
انفرجت أسارير ليازيل عند سماع الثناء. بالطبع، لم يكن السبب أنها سبقت كايين في إطعام فيلوميل… لا، أبدًا.
“نعم، لذيذ جدًا، لذا لا تشغلي بالك بي، وتناولي أكثر.”
سحبت فيلوميل الصحن قليلاً باتجاه ليازيل.
كانت بيازيل تمرّ بمرحلة نمو، ومنذ أن زال ألمها بعد لقاء فيلوميل، بدأت تنمو بسرعة، وتأكل كميات كبيرة في كل وجبة.
لدرجة أنها كانت تتناول وجبة تعادل شخصين، لذلك كانت معظم الأطباق المخصصة للثلاثة أمامها.
وبينما كانت تراقبها وهي تأكل بنهم، شعرت فيلوميل بالجوع تلقائيًا.
فاستدارت لترى كايين يحدّق بها بوجه متجهم.
“ماذا هناك؟”
“هذا.”
وأشار إلى القطعة التي وضعها سابقًا في صحنها والتي بقيت دون أن تُؤكل.
“أنا أعطيتك إياها أولًا.”
“…لماذا تتصرف وكأنك طفل منذ أن جاءت ليازيل؟”
وضعت فيلوميل قطعة الطعام في فمها بسرعة، ومضغتها ثم قالت بحدة:
“ها قد أكلتها، راضٍ الآن؟”
“أكلتها بشهية.”
ابتسم كايين بينما كان يضع مزيدًا من الأطباق في صحنها.
“كلي أكثر.”
“أنا بخير، لا داعي للقلق عليّ، كل أنت يا دوق.”
تناول كايين بعض السلطة دون اكتراث، لكنه ظل يملأ صحن فيلوميل كلما فرغ.
حتى مع نظراتها الحادة، لم يتراجع.
أصبح تركيزه منصبًا على إطعامها أكثر من اهتمامه بطعامه.
شعرت في البداية بالضيق، لكنها استسلمت أخيرًا وبدأت تأكل براحة.
ثم نظرت إلى صحنه المليء بالسلطة وسألته:
“لماذا لا تأكل سوى السلطة؟ ألستَ جائعًا؟”
كان جدول كايين اليومي يتضمّن تدريبات بدنية، فكيف يحصل على طاقة كافية وهو لا يأكل سوى الأعشاب؟
“اعتدت على هذا النوع من الطعام، زيادة الوزن تجعل الجسد أثقل.”
أخفضت فيلوميل رأسها وحدّقت في جسدها، ثم لمست بطنها.
هل… اكتسبت بعض الوزن مؤخرًا؟
باتت تشعر بثقل في جسدها حين تستيقظ، مؤخرًا.
“أنتِ لم تسمني.”
“عمي، وأنا؟ هل ازددت وزنًا؟”
استدار كايين نحو ليازيل.
رغم أنها اكتسبت بعض الوزن منذ قدومها إلى الدوقية، إلا أنها كانت لا تزال تحت الوزن الطبيعي.
وزيادة وزنها لم تأتِ من الحلوى أو الوجبات الخفيفة، بل من وجبات منتظمة وصحيّة.
وهي نفسها كانت تنتظر هذه الزيادة بفارغ الصبر.
نظر كايين إلى وجهها المترقّب وأومأ:
“نعم، لقد ازددتِ وزنًا كثيرًا.”
سارعت فيلوميل لتؤكد:
“صحيح، ازددتِ كثيرًا!”
ابتسمت ليازيل ابتسامة عريضة:
“حقًا؟ إذًا سأستمر بالأكل أكثر!”
“كلي أكثر، هل تريدين أن أطلب لكِ شيئًا آخر؟ ما الذي أعجبك أكثر؟”
طلبت فيلوميل بعض الأطباق التي أعجبت ليازيل، ثم استدارت نحو صحنها.
وقد امتلأ من جديد.
نظرت إلى كايين وقالت بابتسامة لطيفة:
“شكرًا، لكنني بدأت أشعر بالشبع، لا حاجة لأن تعطيني المزيد.”
“حقًا؟ ألم تأكلي سوى قطعتين من المادلين قبل أن نأتي، صحيح؟”
“…كيف عرفت؟”
“لا شيء يخفى عليّ بشأنكِ، كما أنني أعرف أنك لم تسمني أيضًا.”
مدّ لها طبقًا جديدًا من السلطة.
“لكن عليكِ أن تأكلي خضارًا أيضًا، تأكلين الكثير من اللحم فقط.”
“اللحم هو الأفضل.”
بدأت تشكّ في أنها مصابة بحساسية من الطعام الأخضر، لا تفسير آخر لهذا المذاق السيئ!
“حتى ليازيل تأكل خضارها.”
نظرت إلى ليازيل وهي تمضغ السلطة كأرنب صغير.
“…ليازيل ناضجة، هذا كل ما في الأمر.”
ضحك كايين واستعاد طبق السلطة الذي مدّه لها.
استمروا في تناول الطعام وسط أحاديث خفيفة، كانت المحادثات تدور بشكل أساسي بين فيلوميل وليازيل، وكايين يتدخّل أحيانًا.
وبعد أن أنهوا وجبتهم، اتجهوا إلى الساحة.
بما أن الشتاء يقترب، بدأت الشمس بالغروب مبكرًا، لذا كان الوقت لا يزال عصرًا، لكن الناس ملأوا الشوارع.
رغم أن برودة العاصمة لا تقارن بالشمال، فإن فصولها الأربعة واضحة، وفي الشتاء، يقلّ خروج الناس.
غالبًا، مع حلول الأسبوع المقبل، سيقلّ عددهم إلى النصف، ولن تعود الساحة مزدحمة حتى حلول الربيع.
“واااه!”
صرخت ليازيل بانبهار، وكانت تدور بنظرها على كل ما حولها.
“ليازيل، تعالي لِنذهب إلى هناك.”
سحبتها فيلوميل نحو متجر حلوى شيفون.
كان مبنى ضخمًا مكوّنًا من ثلاث طوابق، وعلى لوحته لافتة مرسومة عليها شخصيات كرتونية جديدة.
“آه! إنها الأرواح!”
تعرفت عليها ليازيل على الفور، فقد رأت تلك الشخصيات من قبل.
كانت تلك الأرواح تجسيدًا لطيفًا لعناصر الطبيعة، وكانت تصاميمها محببة لكل من الأطفال والكبار.
“من الرائع رؤيتها بحجم كبير هكذا.”
“ستندهشين أكثر حين ندخل.”
وكما قال كايين…
بمجرد دخولهم، رأوا أن الحلوى كانت مصنوعة بأشكال الأرواح تمامًا.
وهي نفس الحلوى التي كان الناس يحملونها في الطريق.
وكانت هناك لافتة كبيرة كتب عليها: “1+2”.
“رغم أنني من اقترحت الحملة… إلا أنها جريئة جدًا.”
“كانت فكرتكِ في محلها، الهدف الآن هو أن تصبح مألوفة للناس.”
كان هذا من اقتراحات فيلوميل.
في البداية، عارضها جيو، لكن بعد شرحها، وافق.
فالمشروع ليس ربحيًا، بل خطوة تمهيدية لنجاح لفائف الأرواح.
لذلك، لم يكن التركيز على الربح، بل على الترويج.
وأضافت فيلوميل فكرة أخرى…
“أنا من الفائزين بالمركز الثالث!!”
صرخت ليازيل بسعادة وهي تنظر إلى غلاف الحلوى التي اشترتها.
لم يكن العرض 1+2 وحده، بل اقترحت فيلوميل أيضًا أن تُضاف مسابقة فورية.
تحت كل غلاف، كانت هناك مراتب من 1 إلى 10، وبحسب المرتبة، يختار الفائز نوعًا وقيمة من حلوى شيفون.
وبالطبع، كانت نسب الفوز عالية جدًا.
كان الناس يضحكون بفرح في كل زاوية.
“سأحتفظ بها جيدًا، وسأعود لاختيار جائزتي لاحقًا!”
“أجل، ضعيها في حقيبتك، ليازيل.”
وضعت الغلاف في جيبها كأنه كنز.
ما جعل هذه المسابقة مميزة، أن الجوائز لا تُمنح إلا عند إعادة الغلاف، ما منع انتشار النفايات في الشوارع.
“فيلوميل، عمي، خذا واحدة لكل منكما!”
“شكرًا! هذه أول هدية اخذها من ليازيل، أليس كذلك؟”
“لقد أعطاني عمي مصروفًا كثيرًا، أستطيع شراء أي شيء!”
هتفت رافعة حقيبتها الممتلئة بالذهب.
كانت هذه أول نزهة لها، لذا منحها كايين مصروفًا خاصًا.
وعندما تذوقت طعم الشراء بنفسها، أصرت على دخول كل محل في الساحة لتشتري شيئًا لأحبّائها.
فأشارت لها فيلوميل أخيرًا إلى فتاة تبيع الزهور في الشارع.
“أريد تلك الزهرة، هل يمكنكِ أن تشتريها لي؟”
“بالطبع! وسأشتري لعمي زهرة أيضًا!”
“لي؟”
ركضت ليازيل بسرعة، وقدّمت النقود، ثم عادت ومعها زهرتان: صفراء وبيضاء.
ترددت قليلًا أمام فيلوميل، ثم نظرت إليها بعينيها الواسعتين:
“أريد أن أضعها بنفسي خلف أذنك، فيلوميل.”
التعليقات لهذا الفصل " 62"