الحلقة السابعة والخمسون.
كان كايين يبتسم وهو يدلك كاحلها بلطف.
ورغم الوخز المتصاعد، إلا أن حرارة يده الشديدة كانت تُخفف الألم شيئًا فشيئًا، وحين خيّم الصمت على الحديث، باتت لمسته أكثر وضوحًا، أكثر جرأة.
تلك الأصابع التي تلامس كتفها بثقة، اليد الحانية التي تلامس كأنها تمسّ أثمن ما في العالم، والنظرات المتقدة برغبة صامتة تنهش الأعصاب ببطء.
لم تستطع فيلوميل أن تحيد بنظرها عن كايين، وهو يُحدّق بكاحلها وكأنه سيفترسه بعينيه.
كان ينظر إلى ساقها البيضاء المغلّفة بجوارب شفافة تكشف وتخفي، وكلّما تمايلت تنّورتها الخفيفة مع النسيم، كانت ركبتها تنكشف ثم تعود لتحتجب من جديد.
أحقًا تحتوي تلك الساق على عضلات كالساق العادية؟ تساءل في نفسه، وهو يتأمل تلك الساق الرشيقة التي يبدو وكأن قبضة واحدة تكفي لإحاطتها.
لو كانت ساق امرأة أخرى، لكان كل ما شعر به هو الفضول.
لكنّ ساق فيلوميل… كانت مختلفة كانت تجذبه، تأسره، تلهب حواسه.
حتى الجوارب الشفافة، وحتى الشريط الصغير المربوط بها… كل شيء فيها بدا مثيرًا على نحوٍ خطير.
نزلت نظرات كايين ببطء حتى وصلت إلى كاحلها، وكان أنحف من ساقها، ورغم أنه منتفخ قليلًا، إلا أنه في حالته الطبيعية كان أرق حتى من ذلك.
وبلا وعي، بدأت يد كايين تُحكم قبضتها على كاحلها، كأنها قيد من حرير.
ولم يلحظ أيٌّ منهما ذلك.
كان يستشعر كيف يتلاءم كاحلها تمامًا مع راحة يده، بلا فراغ، بلا زاوية زائدة… وكأنه صُنع خصيصًا له.
راوده إحساس غريب، مزيج من الرضا والامتلاك… وكأنّه قد وضع فيلوميل كلها في راحة يده.
وأحكم قبضته أكثر… وازدادت لذّته الضمنية.
“آه…!”
شهقت فيلوميل حين اخترقها ألمٍ طفيف صاعد من الكاحل.
وفي اللحظة نفسها، رفع كايين رأسه، والتقت نظراتهما.
كانت عيناه الأرجوانيتان تفيض برغبة خام، صريحة.
كأنها عالقة في ناظريه، لم يكن هناك من يُمسك برأسها، لكنها كانت عاجزة عن الالتفات.
كانت تغوص، تدريجيًا، في مستنقع أرجواني، وداخليًا، كانت تدرك أنها إذا تأخرت لحظة واحدة، فلن يكون هناك مخرج.
ومع ذلك… ألقت بنفسها نحو ذلك الغرق، بكامل إرادتها.
وكان كايين هو الآخر قد غاص في عينيها الخضراوين المرتعشتين تحت ضوء القمر، وكأنها مرآة تتكسّر في الضوء.
ثم تحدث بصوت خافت كسر السكون:
“مؤخرًا… هناك فكرة تسيطر عليّ باستمرار.”
صوته كان منخفضًا، ثقيلًا، يناقض الجو الحميم بينهما.
“كلما اقتربتُ منكِ أكثر… يزداد خوفي من أن أفقدكِ، من ألا أستطيع حمايتكِ.”
خفض نظره وتابع:
“لذلك… لا أحب رؤيتكِ تقفين أمام ويستون، ولا أحب أن تتورّطي في أي خطر، مهما كان بسيطًا، لا أريد حتى أن تُتاح لكِ فرصة أن تتأذي.”
كان يُفكّر أحيانًا، كم سيكون جميلًا أن يصنع غرفة صغيرة، مغلقة، لا تحتوي إلا عليها.
حيثما نظر، يجدها، حيثما مدّ يده، يلمسها. حيثما صمت، يسمع ضحكتها.
مؤخرًا، أدرك أن هذا…هوس.
كايين لم يكن شخصًا مهووسًا بطبعه، كان يملك كل ما يريد، فلم يتعلّق يومًا بشيء.
أما الناس من حوله، فهم رفاق قدامى، لم يضطر للتشبث بأحدهم.
لكن فيلوميل… كانت استثناءً.
لم تكن جزءًا من حياته منذ البداية، لقد اقتحمتها فجأة، دون مقدمات.
“أشعر أنني أريد كل ما فيكِ… نظراتكِ التي ترمقني، صوتكِ حين تنادينني، وحتى لمستكِ حين تمسّينني.”
أمسك بطرف تنورتها المتمايلة، وقبّله بهدوء.
“أريد أن أسمع الجواب الذي لم أسمعه سابقًا.”
وهو لا يزال يُلامس طرف القماش بشفتيه، رفع عينيه إليها.
“وأنتِ؟ هل تريدين أن تنظري إليّ فقط، وتُناديني فقط، وتلمسيني فقط؟”
أمال رأسه وأسنده إلى ركبتيها.
“قولي إنكِ تريدين ذلك.”
فتحت فيلوميل شفتيها ببطء، كانت تشعر بارتجاف واضح في يده الممسكة بطرف ثوبها.
“تتذكر ذلك اليوم؟”
“أي يوم؟”
“حين أصبت فجأة، وجئت إليّ راكبًا العربة؟ ذلك اليوم تحديدًا.”
تنهدت بعمق، ثم تابعت، وهي تنظر إليه مباشرة:
“لِم قبّلتني؟”
“كان بإمكاننا الاكتفاء بلمسة أو حضن، أعني… نحن نتوافق 70% ما كان هناك داعٍ لتجاوز الحد.”
كان يمكنه الاكتفاء بالإمساك بيدها، أو حتى احتضانها.
لكنه… قبّلها، وطبع أنفاسه على رقبتها، ومسح بأنفه وجبهته عنقها كما لو كان يترك عليها رائحته.
ثم في النهاية… قبّلها.
“…لأني معجب بكِ.”
أجابها كايين.
“أنا معجب بكِ يا فيلوميل.”
***
لطالما لم تفهم فيلوميل سبب رفض بطلات الروايات المماثلة اعتراف البطل بمشاعره.
لكن في هذه اللحظة، فهمت شعورهن تمامًا.
هي لم تشعر يومًا بانجذاب كبير لأبطال رواية هذه الرواية.
ورغم أن الأحداث انحرفت كثيرًا عن الأصل، إلا أن ظل الرواية لا يزال حاضرًا، حتى بعد مرور عشر سنوات على تقمصها.
لكن ما أثار اضطرابها لم يكن ذلك فقط.
“هل هو حقًا يحبني أنا؟”
فيلوميل كانت المناسبة لكايين.
لكنها لم تكن متأكدة إن كان يحب هي بشخصها، أم يحبها لانها التي تريح آلامه؟
“ماذا لو لم أكن المناسبة لك؟ هل كنت ستشعر تجاهي بنفس المشاعر؟”
“هاه؟ لماذا تتحدثين عن التناسب فجأة…”
توقف كايين وسط كلامه حين فهم مقصدها.
وشعر بصدمة: هل أخفقت في أن أُشعرها بثقة كافية؟
ثم فكّر بعقل بارد: من الطبيعي أن تشعر بهذا الخوف.
“لو كنت أنا ملائمها…”
لو كانت فيلوميل تتألم، ثم التقت به، وشفيت تمامًا بوجوده، ثم بعد فترة اعترفت له بمشاعرها…
“كنت سأقبل.”
حتى لو كان فقط كايين المناسب… فذلك لا ينتقص من ذاته.
لكن ذلك كان رأيه، وفقط رأيه.
فيلوميل لا ترى نفسها كـ ملائمة.
حتى ان بطلة الرواية الأصلية لم تكن تملك أية قدرة.
فيلوميل لم تستطع يومًا تقبّل أن تلك القوة جزء منها.
والآن، بعد أن تأكدت نسبتهما، وبات كايين يُظهر مشاعره لها بهذا الشكل، كانت تتساءل:
“هل يحبني فعلًا… أم هي مشاعر مشوشة بفعل التوافق؟”
وهكذا، جعلها اعترافه تتخبط أكثر.
“إجابتي على هذا السؤال… هي لا.”
عضّت شفتها بخفة.
لكن كايين لم يترك لها المجال.
“اسمعيني للنهاية… أعتقد أنني لن أكتفي بالإعجاب، بل… سأحبك.”
“ماذا؟”
“أنا أظن أن هذا التقارب الجسدي بيننا… يعيقني فقط.”
نهض كايين، وأمسك بطرف كمّها، لا بيدها.
“كنت سأقع في حبكِ عاجلًا أم آجلًا، أنا في الحقيقة… وقعتُ الآن.”
“…هاه؟”
كانت فيلوميل مذهولة، لا تستطيع إلا تكرار كلماته.
لم تكن تستوعب ما يقول.
رفع كايين يده، ولطّف خدها براحته.
“لو كان هذا ما يقلقكِ، فسأثبت لكِ العكس.”
ثم أعاد خصلةً من شعرها خلف أذنها.
“أنا صبور جدًا، وحساسيتي تجاه المشاعر قوية، أنا واثق… أنكِ ستعترفين بحبي.”
همس بصوت خافت:
“وستقولين لي ذات يوم…”
كان قريبًا منها حدّ التلامس، أنفاسهما تتداخل، وشفاهه لم تعد تفصله عن شفتيها إلا شعرة.
ومع ذلك، لم يحوّل نظره عن عينيها.
“…أحبك، لا أستطيع الاستمرار من دونك.”
التعليقات لهذا الفصل " 57"